المقالات
آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع
- فبراير 1, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: رؤى تحليلية
إعداد: أكرم السيد
على الرغم من توقيع اتفاق إطاري يجمع بين المكون المدني ممثلا في قوى الحرية والتغيير(المجلس المركزي) والمكون العسكري في ديسمبر الماضي، أعقبه الشروع في تشاورات نهائية بشأن صياغة اتفاق نهائي يضع خارطة طريق لفترة انتقالية وتحول ديمقراطي مأمول، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود أصوات معارضة لمحاولات التسوية الجارية متمثلة في أحزاب وقوى سياسية، وأمام حالة الانقسام التي يشهدها أطراف العملية السياسية في السودان، طرحت القاهرة دعوة للقوى السياسية السودانية، المنخرطة في التسوية الجارية وغير المنخرطة، جاءت تحت مسمى “آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع”، وذلك للتشاور بشأن الوضع الراهن، والخروج بصيغة توافقية جامعة لأطراف العملية السياسية في السودان.
وجاءت هذه الدعوة والتي عرفت “بالمبادرة المصرية” في أعقاب زيارة أجراها مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل إلى الخرطوم في مطلع يناير الماضي، وذلك بعد ما يقارب الشهر من توقيع الاتفاق الإطاري، برعاية الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة-الاتحاد الإفريقي-منظمة إيجاد)، والآلية الرباعية والمكونة من(الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، السعودية، الإمارات)، وقبل أيام من بدء المرحلة النهائية من الاتفاق.
نحو إذابة الجمود
تهدف هذه المبادرة إلى جمع أطراف العملية السياسية، من أجل الوصول إلى مرحلة انتقالية تكون محل إجماع القوى السياسية وهو ما يزيد من محاولات نجاحها، ففي ظل الوضع الحالي ينقسم أطراف العملية السياسية الجارية إلى ثلاثة عناصر، أولها مجموعة القوى المنخرطة في التسوية الجارية وتمثلها القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري بشقيها المدني متمثلا في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، بالإضافة إلى المكون العسكري، وثانيها القوى الرافضة للتسوية الحالية وتمثلها مجموعة من التكتلات والأحزاب، كالحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، وتجمع نداء أهل السودان، وقوى الحراك الوطني، وعدة أحزاب أخرى، وثالثها القوى الرافضة لأي تسوية يكون المكون العسكري طرفا فيها وتمثلها ما يسمى بقوى التغيير الجذري من الحزب الشيوعي وحزب البعث ولجان المقاومة وقوى الشارع.
وأمام حالة الانقسام هذه، فإنه من غير المرجح العبور إلى مرحلة انتقالية مستقرة، تحقق للدولة السودانية الاستقرار المأمول، وهو ما تحاول المبادرة المصرية العمل عليه من خلال دعوتها لأطراف العملية السياسية للتشاور الهادف إلى إذابة الجمود الراهن.
تجاوب وامتناع
فيما عدا رد فعل المكون العسكري المرحب، لم تكن الدعوة المصرية للقوى السياسية السودانية محل إجماع من الجميع، بل إن ثمة نوع من الترحيب وآخر من الامتناع قد أحاط بهذه الدعوة، حيث أعلنت قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) ترحيبها بدعوة القاهرة للتشاور، ووفقا للناطق باسم الحركة، فإن التجاوب مع دعوة القاهرة جاء من منطلق الحرص على أن تؤدي هذه الدعوة إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين، لا سيما وأن الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) قد عارضت الاتفاق الإطاري ولم توقع عليه، واعتبرته بمثابة إعلاء لأجندة قوى سياسية معينة -في إشارة إلى قوى الحرية والتغيير (المكون المدني)- في مقابل تجاهل رؤى ومطالب باقي القوى السياسية.
لذا ومن هذا المنطلق فإنه كان من الطبيعي أن ترحب الكتلة الديمقراطية بدعوة القاهرة في سبيل الخروج بمخرجات توافقية بين القوى السياسية، وفي هذا السياق، ترى الكتلة الديمقراطية أن ورشة القاهرة هي بمثابة حوار سوادني-سوادني، ويقتصر فيه دور القاهرة على الاستضافة وتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية، وهو ما يتنافى تماما مع نظرة قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) للدعوة المصرية بشكل عام.
وعلى صعيد آخر، فإن ثمة حالة من المخاوف لدى قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) دفعتها إلى رفض المشاركة في ورشة القاهرة للتباحث بشأن المشهد السياسي في السودان، حيث تنظر الحرية والتغيير إلى هذه الورشة على أنها بمثابة حشد لقوى الثورة المضادة نحو إيجاد موطأ قدم لها في العملية السياسية بدلا من العمل على إزاحتها، كقوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)؛ بالإضافة لذلك فإنه قد تم قطع أشواط إيجابية تمثلت في توقيع الاتفاق الإطاري في مطلع ديسمبر من العام الماضي بالشراكة مع المكون العسكري، ومن ثم شروع القوى السياسية في مطلع يناير للبدء في مشاورات بشأن القضايا الخلافية بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي يضع خريطة انتقالية تضمن للقوى المدنية أن تتولى زمام الأمور، وهو ما يبطل جدوى دعوة القاهرة في هذا التوقيت.
لذا ومن هذا المنطلق، فإن الحرية والتغيير تنظر لمبادرة القاهرة بعين الريبة، وتجسد ذلك في رفضها الدعوة المصرية المقدمة لها، حتى لا يؤثر ذلك على مسار المشاورات بشأن الاتفاق النهائي المرتقب.
قضايا المرحلة النهائية من الاتفاق الإطاري
دخلت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري المرحلة النهائية والأخيرة من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي مرتقب، وتعتبر هذه الخطوة، على الرغم من عدم خلوها من انتقادات بعض القوى، بمثابة مرحلة متقدمة تشهدها العملية السياسية في السودان، وتجدر الإشارة إلى أن المرحلة الحالية الهادفة للتوصل إلى اتفاق نهائي، تهدف أيضا لمناقشة خمس قضايا رئيسية، وكانت هذه القضايا قد أجلت التشاورات بشأنها في الاتفاق الإطاري، حتى لا تعكر صفو توقيع الاتفاق، نظرا لكونها قضايا حساسة وبالغة التعقيد وتعتبر جوهر الخلاف بين القوى السياسية والمكون العسكري طيلة الفترة الانتقالية:-
- تعتبر قضية “العدالة والانتقالية الانتقالية” في مقدمة القضايا الخمس التي تناقشها القوى السياسية المنخرطة في التشاورات الجارية حاليا، ومن شأن قضية العدالة الانتقالية أن يتم بموجبها إشراك أهالي الضحايا في تقرير مصير قاتلي ذويهم، إما بالعفو عنهم أو تقديمهم للمحاكمة، وبينما يبدي العسكريون تحفظات على هذه القضية ويطالبون بمبدأ العدالة بشكل عام، فإن قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) تدافع بضراوة عن هذه القضية، باعتبارها مطلبًا أساسيًا لقوى الشارع لا سيما أهالي المحتجين الذين لاقوا حتفهم أثناء التظاهرات.
- قضية إصلاح المنظومة الأمنية وإعادة هيكلتها، والتي تعتبر قضية تلقى بجدال عميق بين العسكريين والمدنيين على السواء، فبينما يرى العسكريون أن إصلاح المنظومة الأمنية من قوات مسلحة وشرطة وأمن وحمايتها من الاختراقات الحزبية التي كثيرا ما عانت منها المؤسسات الأمنية وبالتحديد في فترة البشير، هي قضية يجب أن تتم تحت إشراف عسكري، يعارض المدنيون وجهة نظر العسكريين، ويرون ضرورة أن تتم إعادة الهيكلة تحت سمع وبصر المدنيين.
- تفكيك نظام الإخوان، وتعتبر هذه القضية واحدة من أهم القضايا التي تحتاج إلى حسم، ومنهج عمل واضح في الفترة القادمة، وذلك نتيجة لتغلغل خلايا نظام الإخوان في مختلف مؤسسات الدولة، وبدون مقاومة واضحة له فإن هذا من شأنه أن يجهض أي تحول مدني مرتقب، ويتبلور الخلاف بين العسكريين والمدنيين حول هذه القضية، في أن العسكريين يؤيدون تفكيك نظام الإخوان عبر الأجهزة القضائية، بينما يرى المدنيون أن تتولى لجنة التفكيك -التي تم تجميد أعمالها والتي كانت سببا بفض الشراكة بين العسكريين والمدنيين- مسؤولية تفكيكك النظام السابق.
- قضية شرق السودان، وتعتبر حلقة من ضمن سلسلة حلقات الصراع القبلي في السودان، ويدور الصراع في قضية إقليم شرق السودان بين قبيلتي “الهدندوة والبني عامر” حول خلافات تتعلق بالتنافس على إدارة الإقليم والتحدث باسمه، ومن المنتظر أن تدار مناقشات بشأن هذه القضية في الاتفاق النهائي الذي يجري الآن.
- اتفاق جوبا للسلام، والذي جرى توقيعه في أكتوبر من العام 2020، بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، حيث يخضع هذا الاتفاق للتشاور وإعادة التقييم، لا سيما وأنه قد أعطى بعض الحصص الوزارية للحركات المسلحة مما أسهم في زيادة هذه الحركات سعيًا منها في الحصول على حصص وزارية، في المقابل تسعى قوى الحرية والتغيير(المجلس المركزي) إلى إسقاط بند تقاسم السلطة مع الحركات المسلحة، ومن المفترض أن تؤدي النقاشات التي تجرى بشأنه حاليا إلى الخروج بتوافقات بشأن هذا الاتفاق.
المبادرة المصرية.. عوائق وحلول
إن ثمة حالة من انتقاد بعض الأوساط السياسية السودانية لدعوة القاهرة للحوار، وبالتحديد الأوساط المحسوبة على قوى الحرية والتغيير(المجلس المركزي)، حيث يرى البعض أن تحرك القاهرة وإعلانها إقامة ورشة حوارية تجمع أطراف العملية السياسية لهو من قبيل رفض القاهرة لتطورات المشهد السياسي وما نتج عنه من اتفاق إطاري والمضي في المرحلة النهائية من هذا الاتفاق للوصول إلى اتفاق نهائي يرسم خريطة للمشهد الانتقالي القادم، ويدلل البعض بعدة أمور على عدم رضاء القاهرة، منها عودة آخر رئيس وزراء في نظام البشير في أكتوبر الماضي من القاهرة إلى الخرطوم، بالإضافة إلى تعيين سفير مصري جديد في الخرطوم في ديسمبر الماضي، فضلا عن عودة محمد عثمان الميرغني زعيم الاتحاد الديمقراطي أحد أهم الكتل السودانية من القاهرة إلى الخرطوم بتوجيه مصري، وكذا وجود نقاط تفاهم أكبر بين قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) التي رفضت التوقيع على الاتفاق وبين القاهرة، وتمثل ذلك في تجاوبها مع دعوة القاهرة الأخيرة.
وبناء على ذلك فإن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق القاهرة تتمثل في تغيير نظرة بعض القوى السياسية، والتي ترى من دعوة القاهرة الأخيرة محاولة من العاصمة المصرية للتعبير عن اعتراضها على مجريات الأمور وإملاء رؤيتها على القوى السياسية السودانية.
كذلك تنظر بعض القوى السياسية السودانية إلى أن القاهرة تتعامل مع الملف السوادني من منظور أمني فقط، فمن المعلوم أن مسألة استقرار السودان هي مسألة استراتيجية للدولة المصرية، ومن شأن استقرار السودان استقرار مصر بالتبعية، لكن دلالة أن من قام بطرح المبادرة المصرية هو مدير المخابرات العامة، أعطى انطباعا لبعض القوى بأن منظور القاهرة للسودان هو منظور أمني لا يعطي التفاتا إلى قضايا التحول الديمقراطي التي تهدف القوى السير في سبيل تحقيقه.
وفي ضوء ما سبق من خلال استعراض المعطيات وتطورات الموقف يمكننا الإشارة إلى بعض السياسات المقترحة للتعامل مع الملف السوداني تتمثل أبرزها فيما يلي:-
- الوضع في الاعتبار الهواجس السودانية المرتبطة بالتحركات المصرية في إطار أمني، الأمر الذي يثير تحسب بعض قوى المعارضة، ويجعلها تمانع التجاوب مع أي مبادرات تطرحها القاهرة للم شمل الفرقاء السياسيين.
- ضرورة تنشيط دور الوفود المدنية في زيارتها للسودان ولعب دور توافقي من خلال الاستعانة بشخصيات تتمتع برصيد لدى الداخل السوداني أسوة بما تم سابقا، مما يعطي انطباعا إيجابيا لدى القوى المدنية السودانية، ويمحي تدريجيا من الأذهان الانتقاد الذي يوجه إلى القاهرة بأنها تتعامل مع السودان من منظور أمني ليس أكثر.
- التأكيد على أن استقرار السودان جزء من استقرار مصر، وأن القاهرة تحرص على تبني أي حلول توافقية في إطار سوداني سوداني دون فرض وصاية أو ضغوط من قبلها أو إجهاض أي تحولات ديمقراطية يطمح السودانيون في إرسائها.
- إعلان مصر استعدادها تنفيذ أي سياسات تعاونية مع الجانب السوداني من شأنها المساهمة في تحقيق التنمية السودانية بأبعادها المختلفة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
- ضرورة تعظيم الاهتمام بملف استقرار السودان، ولعب دور محسوس وبارز في تحقيقه، كونه ركيزة أساسية سينتج عنها تعاون بين مصر والسودان في عدد من الملفات المهمة وعلى رأسها قضية سد النهضة الإثيوبي.
- أهمية تبني وسائل الإعلام المصرية الرؤية الرسمية للدولة دون مزايدات وبشكل منضبط يحقق الأهداف والسياسات المصرية تجاه هذا الملف.
إجمالًا:
فإنه من غير المرجح أن تتسم العملية السياسية في السودان في الفترة القادمة بالاستقرار حتى وإن أفضت المرحلة الأخيرة من الاتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي يمهد لفترة انتقالية، طالما لم تنخرط جميع القوى السياسية في الاتفاق؛ ولعل دعوة القاهرة إلى حوار سوداني-سوادني جاءت انطلاقا وحرصا على تحقيق التوافق، ومحاولة للم شمل الفرقاء السياسيين قبل أن يؤدي ذلك إلى انفجار الأوضاع.
لكن من ناحية أخرى، فإن من شأن معارضة عدة قوى سياسية لدعوة القاهرة ومن أبرزها القوى المدنية التي وقعت على الاتفاق الإطاري ممثلا عنها قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) أن تخفض التوقعات بأن يخرج حوار القاهرة بتوافق مأمول بين القوى السياسية السوادنية.