المقالات
مصر ومجموعة “قطع الربط الواقعية”.. دعوة للتأسيس
- ديسمبر 2, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: مصطفى أحمد مقلد
مقدمة:
عثر باحثو بلومبرج من خلال التدقيق فى بيانات التجارة والاستثمار على 5 دول لم تؤيد أياً من طرفي الصراع الجيوسياسي الجديد، وهي: فيتنام وبولندا والمكسيك والمغرب وإندونيسيا، وتم إطلاق اسم مجموعة “قطع الربط الواقعية” عليهم نتيجة العمل على التحول لنقاط الربط الجديدة بين واشنطن وبكين، أو الصين وأوروبا واقتصادات آسيوية أخرى، وكمجموعة واحدة سجّلت ناتجاً اقتصادياً قيمته 4 تريليونات دولار في 2022، وهو أكبر من مثيله في الهند، ويقارب ألمانيا أو اليابان، ورغم سياساتها وماضيها المختلف تماماً، إلا أنها تتقاسم رغبة في اغتنام المكاسب الاقتصادية المرتقب تحقيقها.
الدول الخمس ليست الاقتصادات الوحيدة التي لم تنحز إلى أحد طرفي الصراع، لكن موقعها الجغرافي وقدرتها على تسهيل التجارة، عوامل مكنتها من أن تصبح أرضاً محايدة مهمة، فتأثير هذه الدول أكبر من المُتوقع؛ إذ تمثل معاً 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع ذلك؛ جذبت ما يزيد قليلاً عن 10% -أي 550 مليار دولار- من إجمالي ما يطلق عليه الاستثمار في المنشآت الجديدة منذ 2017. كما شهدت هذه الدول تسارع تجارتها مع العالم بدرجة تتجاوز الاتجاه السائد خلال السنوات الخمس الماضية.
مقومات مصر للتعاون والشراكة:
من الناحية الجيوسياسية فمصر دولة عربية كبرى، وتتمتع بموقع استراتيجي هام على طرق المواصلات العالمية، حيث تربط الشرق بالغرب بحريا من خلال قناة السويس، وبريا من خلال انشائها حاليا طرق وسكك حديد تربط العين السخنة على البحر الأحمر بالعلمين على البحر المتوسط، كما تقوم بتنفيذ برنامج إصلاح إقتصادى لتحديث الاقتصاد وجذب الإستثمار الأجنبى، كما أنها حافظت على علاقات متوازنة بين الدول المتنافسة والمتنازعة، والملفت أن اقتصاد مصر متعطش لتنمية قدراته فى مجالات تحرز فيها تلك الدول تقدم، فمثلا فيتنام وصناعة الرقائق الإلكترونية ستكون مفيدة لمصر، التى ستكون بوابة لأوروبا والشرق الأوسط، خاصة مع تزايد أهمية تلك الصناعة على الصعيد العالمى فى الآونة الأخيرة، كما تمتلك مصر الكثير من الإغراءات مقارنة بدول أخرى فى الإقليم، مثل الأيدى العاملة الكثيفة وغير المكلفة وحتى انخفاض تكلفة الاستثمار فى ضوء سياسة تحرير العملة الوطنية.
تلك المقومات تضاف الى العلاقات الجيدة بالفعل مع تلك الدول، فمصر ثاني أكبر شريك تجاري لفيتنام في قارة إفريقيا، في عام 2023، أقامت الدولتان آلية تعاون ثنائي، هي اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، وأعلنت فيتنام أنها مستعدة لمساعدة مصر في الوصول إلى دول رابطة آسيان، في ضوء ما تتمتع به مصر باعتبارها بوابة إفريقيا والشرق الأوسط، فيما تعد فيتنام بوابة للشركات المصرية لتوسيع أعمالها في دول الآسيان، وروابطها الاقتصادية، ومع شركاء آخرين في المنطقة، كما تعد مصر واحدة من أكثر الوجهات السياحية المفضلة لفيتنام.
أيضا، اتفقت مصر وبولندا، فى 2021 على إنشاء منطقة اقتصادية بولندية في العين السخنة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بمساحة تتراوح بين 400 ألف إلى مليون متر مربع، تستهدف صناعات غذائية وصناعات إلكترونية وقطع غيار السيارات، حيث رافق الوفد البولندي 18 شركة بولندية لتفقد المنطقة الصناعية بالعين السخنة ورؤية ما يتناسب معهم من الصناعات المستهدف إقامتها في المنطقة البولندية بالسخنة، هذا المشروع الهام سيصبح أول منطقة صناعية لدولة من الاتحاد الأوروبي في مصر حيث سيسهم في فتح آفاق جديدة للتجارة البينية والاستثمارات المشتركة بين البلدين ونقل الخبرات الصناعية البولندية الكبيرة للصناعة الوطنية في مجالات تكنولوجيا المعلومات والآلات والمعدات والسكك الحديدية والنقل والمواصلات.
أما عن إندونيسيا، ففى يوليو الماضى، اتفقت مصر وإندونيسيا على أهمية بذل الجهود من أجل زيادة حجم التبادُل التجاري بين البلدين، ولاسيما من خلال نموذج الصفقات المُتكافئة، واتفق الجانبان على تعزيز الاستثمارات الإندونيسية في مصر للاستفادة من المزايا والحوافز التي تُقدمها المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، وما يُمثله المقصد المصري من فُرص للنفاذ إلى الأسواق الإفريقية بالاستفادة من اتفاقيات التجارة الحُرة التي تتمتع بها مصر مع عدة شُركاء في مُختلَف أنحاء العالم، كذلك فى مايو الماضى، وقع وزير التجارة والصناعة ونظيره الإندونيسي اتفاقاً لإنشاء لجنة تجارية مشتركة تحت مظلة لجنة التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، وذلك بهدف تعزيز وتسريع وتيرة التعاون التجاري بين البلدين إذ يتضمن إطار عمل اللجنة الترويج للأنشطة التجارية، وتبادل المعلومات التجارية، بالإضافة إلى الترويج للشركات الصغيرة والمتوسطة، والمواصفات القياسية، والقواعد الفنية، وإجراءات تقييم المطابقة، وهو ماسيسهم في إعطاء دفعة قوية للعلاقات التجارية بين مصر وإندونيسيا وسيمثل إطاراً هاماً لمناقشة موضوعات التعاون التجارى والاقتصادى المشترك.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الشراكة الاقتصادية، فالمكسيك أكبر مستثمر من أمريكا اللاتينية
فى مصر، ففى مجال الأعمال، نجد أنه ليس فى اتجاها واحدا بل فى الاتجاهين، فكما توجد استثمارات مكسيكية فى مصر، توجد شواهد عديدة على تزايد الاستثمارات المصرية بالمكسيك، لذا فإن تدفق الاستثمارات فى الجانبين يعد دليلا على الثقة المتبادلة لكل دولة فى الأخرى، وهو ما يخلق فرصا جديدة و يعزز من علاقتنا الاقتصادية، كما تتسم العلاقات بين البلدين بالهدوء بوجه عام، وإن كانت المكسيك ومصر تسعيان جدياً لتوطيد العلاقات الثنائية.
كذلك هناك اتفاقيات كثيرة تربط بين مصر والمغرب على المستوى الإقليمى، فى مقدمتها اتفاقية أغادير، واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، التى دخلت حيز النفاذ منذ عام تقريبا، وكل هذه الاتفاقيات تمنح مميزات نسبية للتبادل التجارى بين البلدين، وقد حدثت استفادة للجانبين من اتفاقية أغادير واتفاقية المنطقة الحرة العربية خلال السنوات الماضية، وهناك عدد كبير من السلع يتم تبادلها بين مصر والمغرب.
مميزات التحالف والشراكة:
ستكون خطوة مهمة لمصر خاصة بعد إنضمامها للبريكس، أخر التحالفات التى إنضمت لها والتى تتشابه غاية مصر من الانضمام إليه بغايتها فى الاستفادة من الدعوة لتأسيس مجموعة الربط، كما أن المجموعتين تضم إقتصادات ناشئة تسعى لأن تصبح دول صاعدة، وقد نشأت مجموعة بريكس عام 2009 بعد نشر مقالة لاحظت وجود عدة دول تقود النمو العالمى ثم تلقفتها الارادات السياسية وأسست التجمع، كتحالف لمجموعة من الأسواق الناشئة سريعة النمو، وتأمل مصر أن يساهم انضمامها إلى المجموعة في الاستفادة الإقتصادية من خلال تعميق الشراكات.
ويبدو أن تلك المجموعة الجديدة المزمع إنشاؤها – من خلال غياب خلافات أو نزاعات بين أعضائها، ومن ناحية أخرى يجمعها موقف مشترك هو الحفاظ على موقف متوازن إزاء الصراعات الدولية، كما أن جميع الأعضاء اقتصاديات ناشئة تملك فرص التكامل، وحجم الأقتصادات غير متفاوت بشكل كبير وبالتالى تغيب فكرة سيطرة طرف على باقى الأطراف- لن تواجه صعوبة في الانسجام الداخلي بين أعضائها، كما أن تلك الخطوة ستساعد مصر
فى تنويع شركائها ما يعطى مزيد من الخيارات لتخطى أزمة العملة التى تعيشها حاليا، ولا يتبقى سوى أن تتوفر إرادة سياسية تبادر مصر بها للدعوة لإنشاء ذلك التجمع.