إعداد: مصطفى أحمد مقلد
قدم معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى دراسة بعنوان “الطريق إلى التطبيع: العلاقات بين إسرائيل والسعودية”، صادرة بتاريخ 23 يوليو 2023، برؤية “يول جوزانسكى” وتستعرض الدراسة التطبيع المحتمل للعلاقات الإسرائيلية السعودية، والموقف الحالى، والتحديات التى تقابل تطور ذلك المسار، بجانب مناقشة الجهود الإسرائيلية الممكنة لإنجاح الاتفاق.
وتؤكد الدراسة، أن التقدم فى مسار التطبيع يعتمد على عدة متغيرات، على رأسها العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن التطبيع الجزئى بين تل أبيب والرياض ممكن فى ظروف معينة، حتى من دون تسوية سياسية إسرائيلية فلسطينية كاملة، بشرط أن يحصل السعوديون على ما يعتبرونه “تعويضًا مستحقًا” -على حد وصف الكاتب- من الولايات المتحدة، باعتبار أن الرياض تنظر إلى الولايات المتحدة كونها المصدر الرئيسى “للتعويض”، على أساس أنه لا ما زال يتعين على السعودية إظهار أنها اكتسبت “شيئًا” من إسرائيل فى سياق الصراع (الفلسطينى – الإسرائيلى).
وهو وصف نراه قاصرًا، حيث نرى أن السعودية تُجرى محادثات التطبيع فى إطار إستراتيجية أشمل هدفت لتحديث المملكة داخليًا، وتلبية طموح يراودها لتبوء مكانة إقليمية رائدة ولعب دورًا دوليًا أكبر، ويظهر ذلك فى سلوك السعودية مسلك التنمية والسلام مع خصومها السابقين كإيران وقطر وتركيا والحوثيين بجانب إسرائيل، والعمد إلى تنويع الوسطاء والشركاء الدوليين
فى تحقيق ذلك، من خلال الاعتماد على الصين كوسيط لدفع العلاقات السعودية الإيرانية إلى الأمام، فى مقابل اعتبار الولايات المتحدة هى الوسيط فى مسار التطبيع مع إسرائيل، كما أن السعودية ربطت إتمام نجاح التطبيع بشروط تخدم مصالحها، وبتحقيق تقدم جوهرى فيما يخص القضية الفلسطينية، وهو ما دللت عليه بتعيين أول سفير لها لدى دولة فلسطين.
واعتبرت الدراسة أنه فى السنوات الأخيرة، كان هناك تغيير تدريجى ولكن ملموسًا فى المواقف السعودية والإسرائيلية تجاه تحسين العلاقات، كما يتضح من تصريحات المسؤولين السعوديين والإجراءات على الأرض، وفى إسرائيل، حيث حددت الحكومة لنفسها هدفًا طموحًا فى بداية ولايتها، هو معاهدة سلام مع السعودية كحلقة جديدة لـ”اتفاقيات أبراهام”، لكن ما زال مدى قدرة الإدارة الأمريكية على الاستجابة للمطالب السعودية مقابل التطبيع مع إسرائيل غير واضح، ويرجع ذلك جزئيًا إلى اختلاف الأولويات والصعوبات التى تميز علاقات الرياض مع الإدارة الأمريكية الحالية، كذلك أعلنت الحكومة الإسرائيلية وحتى المعارضة تحفظات على الشروط السعودية للمضى قدما فى مسار التطبيع، وهو ما يمثل حجر عثرة حاليًا، ويؤكد أن التغيير المشار إليه غير كاف لتحقيق اختراق دبلوماسى لذلك الجمود.
الموقف الحالى:
اعتبر الكاتب أن عملية التطبيع تدريجية وبطيئة، لجس النبض وتعويد الرأى العام السعودى تدريجيًا على علاقات أوثق محتملة مع إسرائيل فى المستقبل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مكانتها
فى العالم الإسلامى، ومكانتها فى العالم العربى، والمشاعر المعادية لإسرائيل بين الجمهور السعودى، والطابع الدينى والمحافظ للبلاد، ومع ذلك، فإن السعودية لديها مصلحة فى تحسين وضعها العلاقات مع إسرائيل والمكاسب التى يمكن أن تجنيها فى هذا الصدد على وجه الخصوص من الولايات المتحدة، وتوقع نتيجة لذلك، أنه ستكون هناك علاقات بين إسرائيل والسعودية، ولكن ليس على نموذج اتفاقيات إبراهيم، حيث ستتقدم العملية بوتيرة أبطأ، ومع معايير مختلفة عن تلك التى تحكم علاقات إسرائيل مع البحرين والإمارات العربية المتحدة.
يرى الكاتب أن الأساس وراء التقارب المتزايد بين إسرائيل والسعودية على مدى العقدين الماضيين هو تصورهما المتشابه (وإن لم يكن متطابقًا) للبيئة الإستراتيجية، وفى المقام الأول، مخاوفهما المشتركة بشأن قوة إيران المتنامية، وأن الاحتياجات الأمنية السعودية والإسرائيلية المماثلة ستظل هى المحرك الرئيسى للتقارب، على الرغم من أن هناك حاجة إلى عناصر أخرى لإقامة علاقات مفتوحة بالكامل.
وقد شجع التهديد الإيرانى المتزايد والشكوك السعودية بشأن الدعم الأمنى الأمريكى للمملكة، على قنوات الحوار بين الرياض وطهران، وتجديد العلاقات الرسمية بين بلديهما، فبالنسبة للسعوديين، تهدف هذه الخطوة إلى استقطاب إيران لتقليل خطر الصراع معها، ولذلك فإن إيران تشكل أيضًا عاملًا مؤثرًا فى العلاقات بين إسرائيل والسعودية، كما تشكل تحديًا لتقدم هذه العلاقات، كما أن تجدد العلاقات بين إيران والسعودية يضر إلى حد ما بمحاولات إسرائيل لإنشاء معسكر مناهض لإيران فى المنطقة، ومع ذلك، فإن العلاقات المتجددة لا تشكل فى حد ذاتها عائقًا أمام التطبيع المستقبلى مع إسرائيل، ويبدو أن العلاقات الأمنية بين السعودية وإسرائيل زادت بالفعل من اهتمام طهران بتخفيف التوترات مع الرياض، ويُعتقد أن اللفتات الأمريكية تجاه السعودية فيما يتعلق بإيران (الأمن والأسلحة) ستسهل على السعوديين التحرك نحو إسرائيل، أى “التطبيع مقابل الحماية من إيران”.
فى تقديرنا، أن الكاتب لم يذكر أبعادًا كافية لشرح ديناميكيات عودة العلاقات السعودية الإيرانية، فلم يكن التهديد الإيرانى هو المبعث الرئيس على عودة العلاقات، فمن شأن ذلك إظهار السعودية بموقف المضطر لطلب السلام، وبالتالى حصول إيران على مكاسب إستراتيجية، غير أن ذلك لم يحدث، ويبدو أن الكاتب قد تأثر بموقف حكومته من إيران، لذا فإننا نرى أن السعودية هدفت لتحقيق غايتين فى آن واحد، هما تشجيع الصين للعب دور أكبر فى المنطقة
فى ضوء فتور العلاقات مع الولايات المتحدة، وبما يحقق للسعودية مساحة أكبر للمناورة وإعطاء نفسها دفعة كدولة صاعدة خاصة بعد الثقل السياسى المكتسب بعد الحرب الأوكرانية، والغاية الأخرى هى القفز على الخلافات الإقليمية باعتبارها تسعى للريادة الإقليمية.
من ناحية أخرى، فإن إيران كانت مقبلة على عودة العلاقات فى ضوء تعثر المفاوضات
فى الملف النووى وما نتج عنه من احتقان فى العلاقات الإيرانية الغربية، وبالتالى سعيها لفتح قنوات تعاون إقليمية على أمل أن تنعش اقتصادها فى ظل غموض مستقبل رفع العقوبات الغربية.
ولبعض الوقت كانت هناك علاقات أمنية هادئة بين السعودية وإسرائيل، والتى كانت الأساس للتطور التدريجى لعلاقات أكثر انفتاحًا، لكنها ستستمر حتى بدون هذا الانفتاح بسبب المصالح الأمنية المشتركة، لذا ينبغى التمييز بين العناصر السرية فى العلاقات بين الدول وبين العناصر الأكثر علنية، والتى شملت فى السنوات الأخيرة الحوار بين الأديان، الاعتراف السعودى بالمحرقة، تعزيز التسامح والتغييرات فى الكتب المدرسية (خاصة فيما يتعلق بالخطاب المعادى للسامية)، لقاءات عامة بين شخصيات رفيعة سابقة من كلا الجانبين، خاصة فى المؤتمرات الدولية، وتصريحات أكثر واقعية حول إسرائيل من المسؤولين السعوديين، وتغطية أكثر إيجابية لإسرائيل واتفاقيات إبراهيم فى وسائل الإعلام السعودية (بما فى ذلك نشر مقالات لكتاب إسرائيليين مخضرمين على المواقع السعودية، والعكس صحيح)، ومواقف أكثر انتقادًا تجاه السلطة الفلسطينية، وفتح المجال الجوى السعودى أمام الطائرات الإسرائيلية، والتخفيف الفعلى لشروط التعامل مع الإسرائيليين.
وتتمتع السعودية أيضًا بأكبر اقتصاد فى الشرق الأوسط، وإمكانات كبيرة للشركات الإسرائيلية فى مختلف المجالات، وبفضل ثقلها الاقتصادى، يمكن للمملكة أن تساعد فى تهدئة الساحة (الإسرائيلية – الفلسطينية) من خلال تقديم حوافز مالية للفلسطينيين، ويمكن أن تشجع أيضًا العملية السياسية، وهنا يعرض الكاتب لأمور بعيدة عن الواقع، فالأمر الأول هو امتناع الحكومة الإسرائيلية عن اقتطاع جزء من أموال المقاصة قبل نقلها للسلطة الفلسطينية كخطوة من خطوات بناء الثقة، كما أن الفلسطينيين لن يقبلوا بالتفريط فى حل الدولتين مقابل مساعدات جديدة من السعودية.
حتى الآن فإن فوائد الاتصال الهادئ كافية، وسيكون نشر الاتصالات علنًا أمرًا مبالغًا فيه، نظرًا للثمن الذى سيتعين دفعه، خاصة فى سياق الرأى العام العربى الذى ما زال يتحفظ على العلاقات الرسمية المفتوحة مع إسرائيل. من ناحية أخرى، ربما تعيق هذه العلاقات السرية غير الرسمية تقدم التطبيع: بما أن المملكة تستفيد من هذه الاتصالات الصامتة واسعة النطاق، فليس لديها حافز كبير للانتقال إلى علاقات مفتوحة دون “جزرة” الولايات المتحدة.
كما أنهم سيحتاجون أيضًا إلى إظهار أن هذه الخطوة تحقق فوائد على المستوى الدولى، ويمكن أن يطالب السعوديون منع أى تحركات للضم، والحد من البناء فى المستوطنات، وتعزيز الهدوء فى الأراضى الفلسطينية، والحفاظ على وضع آمن فى الحرم القدسى، وغيرها من التحركات لبناء الثقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وذلك جزئيًا لمنع انهيارها.
السعودية حريصة على أن تكون حذرة وحساسة فى السياق الفلسطينى، لذلك فهى تؤيد الحل السياسى للقضية كشرط للتطبيع، حيث تتوقع الرياض مكاسب يمكن تقديمها على أنها إنجاز يسهم فى تنفيذ حل الدولتين، لكن كمرحلة انتقالية، قد تكون الرياض مستعدة لقبول الهدوء
فى القدس والضفة الغربية وخطوات إسرائيلية إيجابية رمزية تجاه الفلسطينيين، حتى من دون تحقيق اختراق كبير فى العملية السياسية.
التحديات الرئيسية للتطبيع
- الإدارة الأمريكية:
تؤكد الدراسة أن مشاركة الولايات المتحدة، من خلال سد الفجوة بين الأطراف وخاصة تقديم “الحوافز”، أمر جوهرى لأن السعوديين يجعلون التطبيع المحتمل مع إسرائيل مشروطًا بتلقى بعض المكافآت من الولايات المتحدة، ومن الواضح أن النشاط الصينى الناشئ، كما انعكس
فى الاتفاق السعودى الإيرانى، ذكّر الولايات المتحدة بأهمية الحفاظ على مشاركتها الإقليمية، لذا فإنه فى يوليو 2023، عبر وزير الخارجية الأمريكى عن أن الولايات المتحدة منخرطة بعمق
فى محاولة تحقيق تقدم فى محادثات التطبيع (الإسرائيلية – السعودية) على الرغم من الوضع على الساحة الفلسطينية، “لكن بعض تصرفات الحكومة الإسرائيلية تجعل من الصعب المضى قدمًا”.
وفى يونيو/حزيران 2023، عينت الإدارة دان شابيرو، سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، مستشارًا خاصًا لشؤون التكامل الإقليمي. وبهذه الخطوة، تشير الإدارة إلى رغبتها
فى تعزيز العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وكجزء من وظيفته، سيعمل شابيرو كمبعوث خاص لوزارة الخارجية الأمريكية لمسألة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، كما سيعمل على “دعم الجهود الأمريكية للمضى قدمًا فى بناء مجتمع أكثر سلمية وسلامًا فى منطقة مترابطة، وتعميق وتوسيع اتفاقيات إبراهيم وبناء منتدى النقب”.
يتطلب تحقيق اختراق سياسى مع السعوديين، إحراز تقدم فى قضايا محددة فى السياق السعودى الأمريكى، والتى تعتبر مهمة أيضًا للعلاقات (السعودية – الإسرائيلية)، مثل: الضمانات الأمريكية فيما يتعلق بإيران وحتى معاهدة الدفاع (الأمريكية – السعودية)، وتصدير الأسلحة الأمريكية المتطورة إلى المملكة، والتعاون النووى (المدنى)، وتشكل هذه المطالب تحديات كبيرة لإسرائيل وتطرح تساؤلات حول ثمن التطبيع مع السعودية، لكن التدخل الصينى فى الخليج يزعج واشنطن ويضغط لإتمام التطبيع، ومن ناحية أخرى تضع الولايات المتحدة الحد من وصول الصين إلى المملكة شرطا لجعل علاقاتها وثيقة مع السعوديين، ومع ذلك يرى الكاتب أنه فى الوقت الحالى، ليست العلاقات بين الرياض وواشنطن فاترة فحسب، بل إن الإدارة الأمريكية ليست فى عجلة من أمرها لتلبية المطالب السعودية، وكذلك السعوديون.
- القضية الفلسطينية:
تشير التقديرات إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد مهمة بالنسبة للمملكة كما كانت فى الماضى، لكنها لا تزال محورية، ولا ترى الحكومة الإسرائيلية الحالية أى سبب لبدء مناقشات سياسية مع الفلسطينيين لتعزيز إطار الدولتين، فهى تسعى لتجاوز القضية الفلسطينية وتعزيز التطبيع بين إسرائيل وجيرانها، بما فى ذلك السعودية، لكن المملكة التى تعتبر نفسها زعيمة العالم العربى الإسلامي، ستجد صعوبة فى إقامة علاقات كاملة ورسمية مع إسرائيل دون إظهار أنها حققت تقدما فى هذا الشأن.
علاوة على ذلك يتحدث الكاتب، أنه منذ تولى الحكومة الحالية مهامها فى إسرائيل، طرأت زيادة كبيرة فى نطاق وشدة الانتقادات السعودية لتصريحات الوزراء الإسرائيليين والأحداث
فى الضفة الغربية، ويبدو أن هذا التطور لا يشكل فقط دليلًا على عدم الرضا السعودى
عن سياسة الحكومة الإسرائيلية، بل ربما أيضًا على استعدادها للمشاركة بشكل أكبر فى العملية الإسرائيلية الفلسطينية، وفى هذا السياق، تقوم المملكة أيضًا بمراجعة موقفها من حماس، وقد تكون مستعدة لتقديم المساعدة المالية وحتى القيام بدور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية.
- الرأى العام والشرعية الإسلامية:
تشير سلسلة من استطلاعات الرأى للمواطنين السعوديين قبل وبعد توقيع “اتفاقيات إبراهيم” إلى المعارضة المستمرة للتطبيع مع إسرائيل، وظل مدى رفض الاعتراف بإسرائيل والحفاظ على العلاقات معها ثابتًا على مدى العقد الماضى، وتعكس بيانات أخرى أيضًا انخفاضًا فى دعم الاعتراف بإسرائيل فى أعقاب “اتفاقيات إبراهيم”، وتنتشر المشاعر المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة على نطاق واسع وتضع عقبات فى طريق أى تقدم فى العلاقات مع إسرائيل، وهو ما يتصور الكاتب إمكانية تخطيه من خلال وجود دعم من المؤسسة الدينية فى البلاد وموافقتها على هذه الخطوة، ويراهن على عملية الانفتاح الثقافى والدينى، مع وجود رغبة واضحة فى خلق صورة أكثر اعتدالًا وتسامحًا، من خلال التغييرات الشاملة فى العلاقات بين الدين والدولة، بما فى ذلك القيود على صلاحيات الشرطة الدينية ورجال الدين، وتقليص الدراسات الإسلامية، باعتبار أن ذلك من الممكن أن يحمل تأثيرًا إيجابيًا على المواقف تجاه إسرائيل.
ماذا يمكن أن تقدم إسرائيل؟
على الساحة الفلسطينية: تقديم التزام إسرائيلى بالامتناع عن تطبيق السيادة (الضم) فى الضفة الغربية، ويبدو أنه سيكون من الصعب على إسرائيل “مقايضة” الضم (مرة أخرى)، كما حدث مع “اتفاقيات أبراهام”، مقابل علاقات أكثر دفئًا مع السعودية، إذا كان السعوديون مستعدين للتطبيع مع إسرائيل، فلن يكتفوا بالتزام علنى بالامتناع عن الضم وسيطالبون باتخاذ خطوات تخص المستوطنات.
الدين: لا تستطيع إسرائيل منح السعودية نفوذًا على المسجد الأقصى، الأمر الذى سيكون مخالفًا لمعاهدة السلام وترتيبات الوضع الراهن مع الأردن ووضعه الخاص هناك، فضلًا عن الإضرار بالسلام الإسرائيلى الأردنى، كما من الممكن وضع ترتيبات خاصة للمسلمين القادمين للصلاة فى المسجد الأقصى مع الأردنيين.
التكنولوجيا والأعمال: وضع محمد بن سلمان لنفسه هدفًا يتمثل فى جلب التنويع الاقتصادى والتكنولوجيا للمجتمع السعودى، وبالتالى فهو يروج لسلسلة من المبادرات التى تتطلب استثمارات خارجية، ويمكن أن يوفر التحرك نحو التطبيع مكاسب دولية للمملكة ويساعد
فى مشاريع التنمية الطموحة التى يروج لها ولى العهد فى إطار رؤية 2030، فضلًا عن تحسين الصورة السعودية وتقليل التوتر مع الولايات المتحدة، ويمكن لإسرائيل أن تساعد
من خلال توفير الوصول إلى التقنيات التى تتمتع فيها بميزة نسبية، على سبيل المثال، المشاركة فى تطوير نيوم.
التعاون الأمنى: كلا البلدين مهتمان بأن يكونا جزءًا من نظام الدفاع الجوى الإقليمى ضد الصواريخ والطائرات بدون طيار تحت رعاية الولايات المتحدة، ويمكن لإسرائيل أيضًا أن تبيع للسعودية بعضًا من تقنياتها ووسائلها لكشف الطائرات والصواريخ وإسقاطها.
المبادرة السعودية العربية: تحمل هذه المبادرة ثقلًا كبيرًا لدى القيادة السعودية، وهى محددة كأحد شروط التقدم المحتمل للتطبيع (الإسرائيلى – السعودى)، وتسعى السعودية لاعتراف إسرائيلى بالمبادرة أو على الأقل الإشارة إليه، كأساس للمفاوضات بشأن الصراع (الإسرائيلى – الفلسطينى).
ينتهى الكاتب إلى أن تحقيق اختراق سياسى بين إسرائيل والسعودية ممكن، لكنه يتطلب مشاركة أمريكية عميقة واتفاقًا بشأن المكافآت الأمريكية للسعوديين والتى تكون مقبولة أيضًا لإسرائيل، هذا الأمر مهم جدًا لأن الكثير من المطالب السعودية، خاصة فى المجال النووى، حساسة بالنسبة لإسرائيل.
وأن التغييرات فى تركيبة الائتلاف الإسرائيلى الحالى من شأنها أن تساعد فى إحراز تقدم من خلال السماح بالمزيد من المرونة الإسرائيلية فيما يتعلق بمسألة العلاقات مع الفلسطينيين، وحتى وقت كتابة هذا التقرير، فيما يتعلق بمعاهدة السلام الكاملة، فإن الحد الأقصى الإسرائيلى لا يلبى الحد الأدنى السعودى.
بالنسبة للسعودية، لا تزال معاهدة السلام مع إسرائيل خطوة بعيدة للغاية. وفى الوقت نفسه، اختارت السعودية تعزيز علاقاتها مع إسرائيل تدريجيًا، بالشروط والظروف التى تراها مناسبة، مع الحفاظ على اتصالاتها السرية مع إسرائيل، ولا تزال هناك إمكانية لمزيد من التقارب على أساس تدابير بناء الثقة، بما فى ذلك، على سبيل المثال، تصاريح للحجاج بالسفر مباشرة من إسرائيل إلى المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى بعض الحوافز لممارسة الأعمال التجارية، وبعبارة أخرى، استمرار “التطبيع الزاحف”.
حرب غزة
بعد أحداث 7 أكتوبر والرد الإسرائيلى الذى خرج عن إطار القانون الدولى وتحول لحرب غير إنسانية، جمدت المملكة محادثات التطبيع، ويدعى البيت الأبيض أن السعودية أكدت للولايات المتحدة أنها ستستأنف مناقشة التطبيع بعد انتهاء الحرب، ومع هذا فإنه إذا استؤنفت المحادثات، فإن معالجة القضية الفلسطينية – التى كانت أصلًا على قائمة رغبات الرياض من المفاوضات ستقفز دون شك إلى طليعة القضايا التى ستُعالَج، ويمكن لتصوير التطبيع على أنه وسيلة الرياض لمساعدة القضية الفلسطينية أن يمنع ردود الفعل المحلية، لكن من غير الواضح ما إذا كانت المملكة تمتلك رؤية واضحة لما قد يبدو عليه الحل المرضى للصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
ويبدو أن السعودية غاضبة من حماس التى لم تخفِ سعادتها بتعطل محادثات التطبيع، وأن ذلك كان هدفًا لها من خلال هجومها على إسرائيل، وتقرأ السعودية الموقف بشكل أعمق حيث لا تستبعد أن إيران تحاول الاستفادة من تلك التطورات فيما يخص تكريس نفوذها فى غزة والقضية الفلسطينية، وتعطيل خطة السعودية لمنعها من الحصول على الشروط التى طلبتها نظير التطبيع، ويمكن أن تؤثر تلك المعطيات على مضامين المحادثات حال استئنافها بعد الحرب.
لكن السعودية الآن وفى ضوء انتهاكات إسرائيل الواضحة فمن غير المرجح أن تستأنف المحادثات بسهولة، وقد يتطلب استئناف المحادثات تغيير قيادة الحكومة الإسرائيلية، والواقع أن السعودية متحقق لها الآن وضع أفضل لممارسة الضغوط لتحقيق مكاسب أكبر للقضية الفلسطينية ولها، غير أنها ستفصح عن ذلك عند عودة المفاوضات وليس الآن، فهى لا تريد أن تُظهر لحماس الدعم السياسى، لكن فى الوقت ذاته تحاول لعب دورًا فى منع تهجير الفلسطينيين ودور آخر للإغاثة.
ويؤكد ذلك عدم توتر العلاقات (السعودية – الإسرائيلية) عكس ما حدث بين إسرائيل من جهة والأردن والبحرين ولبنان وتركيا من جهة أخرى، وهو ما يوضح رغبة الطرفين فى عدم إنجاح هدف حماس بتعكير صفو العلاقات، على الرغم من أن البحرين- إحدى دول “اتفاق أبراهام”- سحبت سفيرها من إسرائيل فى إشارة لرفضها الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
وفى ضوء الحديث عن أن مستقبل نتنياهو السياسى مهدد بعد الحرب، فإن ذلك سيشكل محددًا آخر من محددات التطبيع الإسرائيلى السعودى، فصعود حكومة أقل تطرفًا وأكثر اعتدالًا، سيسهم فى تقديم فرصة حقيقية لمزيد من السلام وشكلًا أفضل للتطبيع (السعودى – الإسرائيلى)، لكن غياب رؤية واضحة عند الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الحرب وفلسطينيى غزة ومستقبل حماس وإدارة القطاع، يجعل مستقبل التطبيع غامضًا ومعلقًا على تلك الرؤية غير الواضحة.
كذلك من الملفت للنظر، تواصل الرئيس الإيرانى وولى العهد السعودى للتباحث بشأن الحرب ثم زيارته للرياض أثناء عقد القمة العربية الإسلامية المشتركة، وهو ما أظهر دفئًا أكثر
فى العلاقات مع السعودية ومصر، وهو ما يؤشر على أن إيران تحاول قطع الطريق على الولايات المتحدة وإسرائيل فى إنشاء حلف مضاد لها، حتى لو أن ذلك الحلف كان مرفوضًا سابقًا من جانب مصر.