إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
تُعدُّ جذور الصراع «الإسرائيلي – الفلسطيني» راسخةً بعُمْقٍ في التاريخ المُعقَّد والمضطرب في منطقة الشرق الأوسط، والذي يعود تاريخه إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وقد ألقى إعلان إسرائيل لـ “حالة الحرب” ردًّا على عملية طوفان الأقصى التي شنتها كتائب القسام (الذراع العسكري لحركة حماس)، صباح السبت الماضي، مرةً أُخرى بهذا الصراع الطويل الأمد إلى دائرة الاهتمام العالمي.
وهناك مخاوف من أن يدفع التصعيد الحالي في أعمال العنف بين الطرفيْن بالصراع «الإسرائيلي – الفلسطيني» إلى حافَّة حرب مدمرة محتلة؛ حيث يُعدُّ الوضع في غاية الخطورة؛ لأنه أدَّى بالفعل إلى سقوط ضحايا كثيرة من كلا الجانبين، وأسْر العديد من الإسرائيليين، فضلًا عن تدمير مبانٍ عديدة في قطاع غزة.
ولا شكَّ بأن حدثًا مثل هذا ليس له تأثير على الداخل الفلسطيني، أو في واقع إسرائيل ومصيرها فقط، بل يمتد تأثيره على المعادلات القائمة في المنطقة عربيًّا وإقليميًّا، أو حتى في معادلات المنطقة والمجتمع الدولي، ويُلْقِي هذا التقرير تحليلًا موجزًا حول التداعيات المحتملة لهذا التصعيد الأخير على الخريطة الأمنية للشرق الأوسط.
تأثير “الدومينو”: التداعيات الإقليمية
كان الصراع «الإسرائيلي – الفلسطيني» تاريخيًّا، بمثابة بُؤْرة مشتعلة في الشرق الأوسط، وكانت له آثار بعيدة المدى، تمتد إلى ما هو أبعد من حدود إسرائيل وفلسطين، ومع تصاعد التوترات الأخيرة، هناك قلق متزايد بشأن التداعيات المحتملة على المنطقة، ففي الشرق الأوسط، غالبًا ما يكون لعدم الاستقرار في منطقة واحدة تأثير “الدومينو “؛ ما يؤثر على التوازن الجيوسياسي الدقيق للمنطقة بأكملها؛ لذا فمن المحتمل، بأن يؤدي التصعيد الحالي إلى تفاقُم التوترات القائمة، أو التي هي في حالة “خمول/جمود” وإشعال صراعات جديدة.
فضلًا عن إمكانية تأجيج المشاعر المعادية لإسرائيل بين الدول الواقعة في المحيط الإقليمي لإسرائيل، وهذا ما ظهر بشكلٍ واضحٍ في “تركيا، وإيران، والجزائر، واليمن، وتونس، ولبنان” وغيرهم من بلدان أخرى؛ لذا فهناك مخاوف من أن يؤدي هذا إلى اضطرابات سياسية وحتى أعمال عنف، خاصة في البلدان ذات السلام الهشِّ مثل لبنان.
ومن التداعيات الإقليمية المهمة لما يحدث حاليًا. . الآتي:
تحذيرات إسرائيل لحزب الله وتهديد بقصف دمشق
في لبنان حيثما حزب الله، والذي له تحالف وثيق مع حماس؛ يذكر أن الانقسامات الطائفية القائمة في لبنان قد خلقت سلامًا هشًّا بالفعل؛ لذا فإن إطالة التصعيد الحالي بدون وجود وساطة إقليمية ودولية، تحُول دون ذلك؛ قد تؤدي إلى تأجيج المشاعر المعادية لإسرائيل بين أنصار حزب الله؛ ما قد يدفع الجماعة إلى الانخراط بشكل أكبر، وهذا من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار لبنان، وقد تمتد التداعيات إلى ما هو أبعد من حدوده؛ ما يؤدي إلى إرسال موجات صادمة في جميع أنحاء المنطقة.
وبالفعل، أعلن حزب الله مسؤوليته، صباح يوم الأحد الماضي، عن قصف 3 مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، وأوضح في بيان، أن المواقع التي استهدفتها مجموعة «عماد مغنية» هي موقع الرادار، وزبدين، وويسات العلم، كما أشار إلى أن هذا التحرك أتى تضامنًا مع الشعب الفلسطيني و«فصائل المقاومة»، كما جاء من ضمن سعيه لتحرير ما تبقَّى من الأراضي اللبنانية المحتلة، وفق تعبيره.
من ناحية أخرى، جاء رد فعل الجيش الإسرائيلي وقصف محيط بلدة كفرشووبا، وحذَّرت إسرائيل الأمين العام لحزب الله في لبنان، من مغبّة الانضمام إلى حركة حماس في الحرب الجارية مع إسرائيل، وقالت: إنه في حال حدوث ذلك سيتوجب عليه مواجهة القوة الكاملة للجيش الإسرائيلي، والمدعومة بالقوة البحرية الأمريكية التي تشُقُّ طريقها إلى شرق البحر المتوسط، وضمنت تحذيرات إسرائيل من أن انضمام حزب الله إلى الحرب سيدفع إسرائيل إلى التصرُّف بأسلوب “صاحب البيت الذي جُنَّ جنونه”، طبقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، وستلحق الضرر بحليف حزب الله، وهو الرئيس السوري بشار الأسد، كما سيتم تدمير العاصمة السورية دمشق والضاحية الجنوبية (معقل حزب الله) في العاصمة بيروت على حدٍّ سواء، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
ولكن هناك تحديًا سيقف في طريق إسرائيل؛ في حال تنفيذها لتهديدها بقصف دمشق؛ حيث “روسيا، وإيران” ستدعمان – بلا أدنى شك- النظام السوري في مواجهته للهجمات الصاروخية الإسرائيلية؛ الأمر الذي قد يزيد من حِدَّة رد فعل أذرع إيران في سوريا أو حتى لبنان تجاه إسرائيل، وقد يثير هذا التطوّر (الفعل ورد الفعل) مخاوف من تصعيدٍ إضافيٍّ يتخطَّى حدود ما يحدث حاليًا في إسرائيل وغزة.
مخاطر دفع الفلسطينيين إلى مصر
دائمًا ما تتحرك مصر لدعم قطاع غزة في كل جوْلة تشنها إسرائيل على القطاع خلال السنوات الماضية، ويتضمن المسار المصري في مثل هذه الحالات السيْر في عدة مستويات مختلفة، منها؛ وقف العمليات العسكرية، وفرض هُدْنة لدواعٍ إنسانية، ثم الانتقال بعد ذلك إلى وقْفٍ طويل الأمد لإطلاق النار، ومطالب متعددة من كلا الطرفين، وهو ما يحتاج إلى وسيطٍ نزيهٍ يتمتع بثقة الجانب الفلسطيني، ويرتبط في الوقت نفسه بعلاقات مع الجانب الإسرائيلي، تسمح له بممارسة مهام الوساطة، وهو ما يتوفر في مصر.
ولكن دعوات النزوح الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، التي أعلنتها إسرائيل، من الممكن أن تُعكِّر صفو العلاقات «المصرية – الإسرائيلية»؛ حيث نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن متحدث عسكري إسرائيلي، اليوم الثلاثاء، بأنه ينصح الفلسطينيين الفارّين من الضربات على غزة بالتوجه إلى مصر.
ومن الجانب الآخر، حذَّرت مصادر مصرية رفيعة المستوى، أن دعوات النزوح من قطاع غزة، وتفريغ القطاع من سكانه، كفيلة بتصفية القضية الفلسطينية ذاتها، وقالت المصادر في تصريحات لوسائل إعلام مصرية: إن السيادة المصرية ليست مستباحة، وإسرائيل هي المسؤولة عن إيجاد ممرات إنسانية لنجدة شعب غزة، مشيرةً إلى أن رؤية القاهرة كانت بعيدة المدى، عندما حذَّرت من خطورة الموقف وتداعياته على ثوابت القضية الفلسطينية.
وتحمل عملية نزوح الفلسطينيين إلى الحدود المصرية، وإمكانية تجاوزها إلى داخل سيناء، عددًا من المخاطر والتداعيات الكبيرة، التي لا يمكن أن تقبل بها مصر؛ ارتباطًا بمجموعةٍ من العوامل والتي من أهمها:
أن سيناء ستصبح عبارة عن عددٍ من المستوطنات للفلسطينيين كلاجئين، وهو ما يسعى إليه الغرب في تخطيطه منذ أعوام، كذلك سيتطور الأمر إلى إقامة دولة فلسطينية بديلة، وفي المقابل سيطرة إسرائيلية على كافَّة أراضي دولة فلسطين التاريخية؛ ما يعني في المجمل تصفية القضية الفلسطينية تمامًا، وتحقيق الحلم الإسرائيلي القديم.
كما أن تعمير غزة بعد تلك الضربات إذا ما تم التدخل البري الإسرائيلي سيستغرق وقتًا طويلًا، ومن ثم سيتعين على مصر أن توفر لهذه المجموعات أماكن للإقامة والإعاشة، وهو عِبْءٌ كبيرٌ لا تستطيع مصر تحمّله في هذا الوقت.
وسيترتب الكثير من المخاطر الأمنية ليس فيما يتعلق بعملياتهم، التي يمكن أن تستهدف الوجود الإسرائيلي على امتداد الحدود المصرية، ولكن على الأمن المصري في تلك المنطقة، الذي تحمل الكثير من المخاطر الأمنية في ذلك الاتجاه الاستراتيجي لها منذ فترة طويلة؛ حيث هناك مخاوف من أن تتسلل وسط هذه الجموع من الفلسطينيين عناصر إرهابية وتكفيرية إلى سيناء، وبالتالي، إمكانية عودتهم مرةً أُخرى؛ للقيام بعمليات عسكرية أو التمركز داخل سيناء.
لذا فإن تخلِّي المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة عن أراضيهم، ونزوحهم إلى الحدود المصرية؛ من شأنه تهديد عملية السلام في الشرق الأوسط، وأن يخلق تداعيات أمنية واسعة النطاق، ستطال آثارها كافة دول الشرق الأوسط دون استثناء.
لذا فإن أيَّ تعكير لصفو العلاقات الإسرائيلية مع مصر، التي لعبت أدورًا محوريةً على مدار العقود الماضية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي المرتبط بالقضية الفلسطينية، وأي تدهور في هذه العلاقات، يمكن أن يُخِلَّ بتوازن القوى الدقيق في الشرق الأوسط.
مستقبل محادثات التطبيع «السعودي – الإسرائيلي»
لا شك بأن التصعيد الحالي له عواقب خطيرة، وقد تمتد إلى جهات مختلفة، ومن الصعب التنبؤ بأن محادثات التطبيع التي تتم بوساطة أمريكية بين “السعودية، والإسرائيل” ستُحقق تقدُّمًا كبيرًا، في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل أسوأ هجومٍ مفاجئٍ تعرضت له منذ حرب أكتوبر؛ حيث نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالًا للكاتب “توماس فريدمان”، أكد فيه أنّ يوم عملية “طوفان الأقصى”، هو “أسوأ يومٍ لإسرائيل”، ورأى “فريدمان” أنّ أيَّ حرب طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس، يمكن أن تُحوِّل المزيد من المعدات العسكرية الأمريكية التي تحتاجها كييف إلى تل أبيب، وستجعل صفقة التطبيع «السعودية – الإسرائيلية» المقترحة “مستحيلة” في الوقت الحالي.
ما مدى مسؤولية إيران عما يحدث؟
قالت صحيفة وول ستريت جورنال: إن مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا في التخطيط لهجوم حماس المفاجئ على إسرائيل، وأعطوا الضوء الأخضر للهجوم في اجتماع في بيروت، الذي عُقد يوم الثاني من شهر أكتوبر الجاري.
وتشير الصحيفة إلى أن خطة إيران الأوسع نطاقًا، تتمثل في خلق تهديد متعدد الجبهات، يمكن أن يخنق إسرائيل من جميع الأطراف (حزب الله والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الشمال وحركة الجهاد الفلسطينية وحماس في غزة والضفة الغربية).
ولفتت وول ستريت جورنال إلى أن من شأن انخراط إيران في دور مباشر في هجوم حماس؛ سيفضي إلى خروج صراع طهران الطويل الأمد مع إسرائيل من الظل؛ ما يزيد من خطر نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط؛ إذ تعهَّد مسؤولون أمنيون إسرائيليون كبار، بتوجيه ضربة إلى القيادة الإيرانية، إذا ثبتت مسؤولية طهران عن قتل إسرائيليين.
وهناك طرْح يبرر دوافع إيران بإعطائها الضوء الأخضر لحماس لشن هذا الهجوم المباغت على إسرائيل، وهو لإحباط المحادثات «الإسرائيلية – السعودية».
وكان “نتنياهو” الذي يرأس أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، قد طوى صفحة السلام مع الفلسطينيين، وقدم التطبيع مع دول الخليج على أنه المستقبل، خصوصًا في ظلِّ ما يجمعها بإسرائيل من توجُّسٍ مشتركٍ حيال إيران.
وعلى الرغم من أن “إيران، والسعودية” اتفقتا في أبريل الماضي، على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وجَّهت طهران انتقادًا لاذعًا للحديث عن تطبيع محتمل بين “الرياض، وتل أبيب”، كما سبق لها أن انتقدت كل اتفاقات التطبيع السابقة.
واعتبر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، هذا الشهر، أن المقاربة الواجب اعتمادها حيال إسرائيل هي “المقاومة” عوضًا عن “التطبيع والاستسلام”، وفي بيان تهنئةٍ لحماس، اعتبر حزب الله اللبناني، أن عملية طوفان الأقصى “رسالة إلى العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بأسره، وخاصة أولئك الساعين إلى التطبيع مع هذا العدو، أن قضية فلسطين قضية حية لا تموت حتى النصر والتحرير”.
تأثير “الدومينو”: التداعيات المحتملة في الداخل الإسرائيلي
وعلى الصعيد الداخلي في إسرائيل، فقد أسفرت العملية العسكرية “طوفان الأقصى”، عن وجود شرْخٍ كبيرٍ في الداخل الإسرائيلي؛ حيث كشفت عن تفاقم الأزمات التي تعاني منها تل أبيب، خاصة منذ تولِّي “نتنياهو” رئاسة الحكومة الحالية في أواخر العام الماضي، ومن بين هذه الأزمات الداخلية المتراكمة: المظاهرات الاحتجاجية ضد إجراءات ما يُسمَّى بقانون الإصلاح القضائي، الذي تسعى حكومة “نتنياهو” لتمريره، بالإضافة إلى التحديات الهيكلية التي يواجها الجيش الإسرائيلي نفسه.
وبالتالي، زادت هذه العملية من عِبْء التحديات التي تواجه الداخل الإسرائيلي، وذلك بشكل خاص في المجال الأمني الذي أظهر نقاط ضعف في معادلة الردع التي كانت تعتمد عليها المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وحتى في الوقت الذي تتجه فيه إسرائيل نحو تشكيل حكومة طوارئ لمواجهة حماس، وتضم حزبي المعارضة، وهما «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس، و«يوجد مستقبل»، بقيادة يائير لبيد، توجد معارضة لها شديدة من قِبَلِ طرفيْ الخريطة الحزبية والأوساط الراديكالية في اليمين واليسار، فبينما يوافق “غانتس” على تشكيل حكومة طوارئ، بدون شروط، يضع “لبيد” شرطًا، ألا وهو إخراج كتلة «الصهيونية الدينية» بقيادة “بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير”؛ فهو يعتقد أن حكومة الطوارئ ينبغي أن تكون قائمة على أساس برنامج سياسي معتدل، يجعل حكومة إسرائيل مقبولة في العالم وفي المنطقة، وقادرة على إدارة الحرب على «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بحُرية.
ومن المستبعد، أن يوافق حزب الليكود على التخلِّي عن وزير المالية والوزير بوزارة الدفاع، كما أن اليمين يُعدُّ إقامة حكومة مثل هذه ضربة له؛ ستؤدي أولًا إلى إجهاض «الخطة الحكومية لإصلاح القضاء»، التي تعدها المعارضة «خطة للانقلاب على منظومة الحكم وإضعاف الجهاز القضائي»، وسوف تقيد المشروع الاستيطاني، وتعيد المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين إلى الطاولة، على أساس حلِّ الدولتين، وعمليًّا ستنسف الأجندة التي جاء بها اليمين إلى الحكم.
يضع كل هذا الحكومة الإسرائيلية في مواجهة ضغوطٍ كبيرةٍ؛ للتعامل مع تداعيات التصعيد الأخير، والحد من تأثيرها المستقبلي على استقرار الحكومة، خاصة أن الرأي العام الإسرائيلي يحمل الجزء الأكبر من مسؤولية ما حدث على عاتق الحكومة، وفشلها في اكتشاف وتوقع مخطط الهجوم.
في هذا السياق، تجد إسرائيل نفسها في الوقت الحالي في وضْعٍ صعبٍ ومُعقَّد؛ حيث تعاني من تداعيات معقدة، تجعل الخيارات المتاحة لحل الوضع الراهن محدودة، وتبدو مكلفة بشكلٍ متنوعٍ، وتعتمد على مصالح الأطراف المشاركة في الأحداث الحالية.
وبغض النظر عن النتيجة النهائية لما يحدث الآن في حربها مع حماس، إلا أن هذا التصعيد قوَّض الوضع الداخلي الإسرائيلي، وسيتطلب وقتًا طويلًا لمعالجة تأثيراته بشكل كامل.
الخلاصة:
- يُعدُّ الصراع «الإسرائيلي – الفلسطيني» بمثابة تذكير بالتحديات التي تواجه حل النزاعات العميقة الجذور، وإمكانية قيام القوى الخارجية بتفاقم الصراعات، بدلًا من التوسط فيها.
- إن التصعيد الحالي للصراع «الإسرائيلي – الفلسطيني» يحمل في طيَّاتِه خطرًا جسيمًا، ولا يقتصر تأثيره فقط على الداخل الفلسطيني أو في واقع إسرائيل ومصيرها فقط، بل يمتد تأثيره على المعادلات القائمة في المنطقة عربيًّا وإقليميًّا أو حتى في معادلات المنطقة والمجتمع الدولي.
- الطبيعة الدائمة للصراع «الإسرائيلي – الفلسطيني» وقدرته على تشكيل تحالفات عالمية هي في الواقع شهادة على تعقيده وأهميته في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط؛ فيؤدي دعم إيران طويل الأمد لحركة حماس، إلى وضعها على خلاف مع إسرائيل، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، ولم يؤجج هذا الانقسام الإيديولوجي والاستراتيجي التوترات الإقليمية فحسب، بل أثر أيضًا على التحالفات العالمية الأوسع، فقد دأبت الولايات المتحدة، وهي من أشد الداعمين لإسرائيل، على تقديم المساعدات العسكرية للحكومة الإسرائيلية باستمرار، ومن الجانب الآخر، تتخذ “الصين، وروسيا” موقف الحياد تجاه ما يحدث، ولكن يدعون بأن المخرج الأساسي من هذا الصراع يكمن في تنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
- هناك مخاوف من أن يؤدي تباين المواقف الدولية تجاه ما يحدث إلى محاولة بعض القوى الدولية وهما (روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة من جانب) بصبِّ “الزيت على النار”؛ الأمر الذي قد يزيد من حِدَّة أعمال العنف في المنطقة.
لذا في خضم التصعيد الحالي، فإن الوساطة أمر ضروري؛ لإنهاء دائرة العنف التي قد تستمر لأيام أخرى؛ حيث إن التعقيدات التاريخية والسياسية والإنسانية التي تحيط بالصراع؛ تجعل منه تحديًا كبيرًا، ولكن العواقب المترتبة على التعامل السلبي أشد خطورة من أن نتجاهلها.
من هنا تأتي أهمية دور مصر في هذا الوقت؛ حيث يجب أن تتصدر جهود التوسط والتحكيم، بالتعاون مع بعض الدول الإقليمية والدولية؛ حيث قد يلعب الدور الحاسم للضغط الدولي، مع تحالف الدول الإقليمية المؤثرة، مثل مصر، دورًا محوريًا في تعزيز التوصل إلى حل عبر الوساطة.