إعداد: دينا لملوم
سلسلة من الصراع المعقد، وربما المتجمد الذى تردد صداه فى الأروقة الدولية منذ قرون، ذلك النزاع ثنائى الأبعاد الذى اندلع بين اليونان وتركيا حول جزيرة قبرص وجزر بحر إيجة، يمر بحالة من المنعطفات التى شهدت هدوءًا نسبيًا فى فترة من الفترات، إلا أنها عاودت التصعيد مرة أخرى بعد بزوغ عدة ملفات شائكة حول جزر بحر إيجة على طول سواحل البحر المتوسط، وبصفة خاصة ملف التنقيب عن غاز شرق المتوسط وتقسيم جزيرة قبرص إلى شطرين، الشمالى تحت سيطرة تركيا، والجنوبى تحت قبضة اليونان؛ وهو ما دفع العلاقات (اليونانية – التركية) إلى منزلق قد تكون تداعياته وخيمة تصل إلى احتمالية التصعيد العسكرى، فى ظل أجواء مشحونة بالتوترات، وكعادة أى صراع، تتدخل أطراف دولية وإقليمية لتقديم حلول تسهم فى إحداث تسوية سلمية، إلا أنه سرعان ما تتعقد حلقة الصراع ويزداد تشابكها، لا سيما وأنها أصبحت مشكلة متجذرة وشبه متجمدة، وقد تدفع المحادثات التى تجرى حاليًا بين المسؤولين اليونان والأتراك إلى إحداث انفراجه فى هذا المشهد المعقد عما قريب.
ماهية بحر إيجة:
بحر إيجة عبارة عن ممر مائى فى البحر المتوسط، يشكل حدًا مائيًا فاصلًا بين اليونان وتركيا، وتبلغ مساحته ٢١٤ ألف كيلومتر مربع، يتواجد منذ أكثر من ٧ آلاف عام قبل الميلاد، ويعمل كمركز للموانئ على السواحل اليونانية والتركية، وتنبع أهميته الاقتصادية من كونه مركزًا رئيسيًا لاستغلال خام الرخام والحديد، ويتم ممارسة الأنشطة الزراعية والحيوانية من خلاله، كما أنه يعد منطقة جذب سياحى؛ نظرًا للمدن الساحلية والجزر المتواجدة به، والتى تشكل مقاصد سياحية مهمة، وتزداد أهميته؛ بسبب تنافس وتكالب الدول لا سيما تركيا واليونان؛ للهيمنة عليه وضمه تحت لوائها، بيد أن هذا البحر يحوى أكثر من ١٠٠ جزيرة تتكون من خمسة أجزاء (سبوردايس الشمالية – سيكلاديس – جزر منتشى – جزر المضايق – صاروخان)، ومن أهم هذه الجزر، جزيرتى كريت ورودس.
الجزر الإيجية
التسلسل التاريخى للخلافات حول بحر إيجة:
بدأت جذور الصراع بين اليونان وتركيا حول بحر إيجة عام ١٨٢٩، عندما حصلت الدولة اليونانية على استقلالها عن العثمانيين، فى الوقت الذى كانت فيه أثينا تهيمن على جزر بحر إيجة الغربية الممثلة فى سبوردايس الشمالية، وسيكلاديس وكريت، فى حين سيطر العثمانيون على الجزر الشرقية وجزر المضيق وصاروخان ومنتشى حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، بيد أن اندلاع حرب طرابلس عام ١٩١١-١٩١٢، جعلت إيطاليا تستحوذ على جزر منتشى؛ مما أدى إلى قيام أنقرة وروما بتوقيع معاهدة أوشى، والتى بموجبها تقوم السلطات الإيطالية بتسليم الجزر إلى الأتراك، وتم تسليمها بشكل فعلى بعد توقيع معاهدة لوزان عام ١٩٢٣، التى عملت على ترسيم الحدود بين دولتى النزاع، وبناءًا عليه، تم منح تركيا ثلاث جزر فى بحر إيجة وهم: جوكتشى يادا، وطفشان، وبوزكادا، أما الجزر المتبقية فقد كانت من نصيب اليونان، وأثناء الحرب العالمية الثانية قام النظام النازى الألمانى بالسيطرة على كافة الجزر عام ١٩٤١، وفى عام ١٩٤٧، جرى التفاوض على اتفاق سلام فى باريس، يقضى بإعادة كافة الجزر التى كانت فى حيازة اليونان قبل الحرب، إضافة إلى جزر منتشى، مع الإبقاء على الثلاث الجزر التابعة لتركيا، إلا أن الخلاف حول ملكية جزر شرق إيجة أدى لنشوب حرب بين أنقرة وأثينا؛ وذلك بعد تقديم الخرائط البحرية المعاصرة، والاختلاف حول أمور عدة، منها استغلال الحكومة التركية الجرف القارى البحرى لتطوير النفط والغاز، ناهيك عن المجال الجوى لطائرات كل دولة، وملف تسليح الجزر، وقد تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لتمرير نص المادة ١٤ من معاهدة باريس، التى تطالب فيها بنزع السلاح من المناطق الساحلية التركية جنوب بحر إيجة، وظل وضع نزع السلاح عن الجزر متجمدًا حتى عام ١٩٦٨، إلى أن قامت اليونان بنقل معدات عسكرية إليها خاصة الجزر الشرقية؛ وذلك بسبب التخوف من النشاط العسكرى التركى فى المنطقة، وغزو الأتراك شمال قبرص عام ١٩٧٤؛ لذا فقد دعت الضرورة أثينا إلى تجهيز الجزر استباقيًا؛ للدفاع عن نفسها حال تعرضها للمضايقات التركية، لا سيما بعد أن شيدت أنقرة جيشها الرابع فى بحر إيجة، ومواصلة الطيران التركى تحليقه فى حدود ستة أميال بحرية وفقًا للمعاهدة الفرنسية؛ وهو ما أشعل فتيل الصراع وأدى إلى تأجيج التوترات بين البلدين.
بحر إيجة والجزر اليونانية والتركية
معاهدات واتفاقيات مختلفة:
١- اتفاقية أوشى:
فى عام ١٩١٢، سيطرت إيطاليا على ١٦ جزيرة عثمانية جنوب بحر إيجة إبان الحرب العثمانية الإيطالية؛ لكى تتمكن من قطع طريق الإمدادات على العثمانيين، وبموجب اتفاقية أوشى التى وقعت بين روما والدولة العثمانية عام ١٩١٢، كان على إيطاليا الانسحاب من الجزر التى احتلتها فى بحر إيجة مقابل انسحاب القوات العثمانية من طرابلس وبنغازى.
٢- معاهدة لندن:
بعدما وضعت حرب البلقان أوزارها رضخت الدولة العثمانية للدول الكبرى (ألمانيا- النمسا- بريطانيا- فرنسا- المجر- روسيا- إيطاليا)؛ وذلك فيما يتعلق بتحديد مصير كافة جزر بحر إيجة، ووقعت معاهدة لندن بين العثمانيين والدول السالف ذكرها مايو ١٩١٣، وبموجبها تنازلت الدولة العثمانية عن كافة حقوقها السيادية فى جزيرة كريت، وتُرك أمر تحديد مصير الجزر الأخرى للدول الست، وفى نوفمبر من نفس العام، تم توقيع اتفاقية أثينا بين العثمانيين والدولة اليونانية، وتعهد الطرفان بتطبيق والالتزام بأحكام معاهدة لندن.
٣- معاهدة سيفر:
فى أغسطس ١٩٢٠، تم توقيع معاهدة سيفر بعد أشهر من المفاوضات بين المنتصرين فى الحرب العالمية الأولى، وتنص هذه المعاهدة على منح الجزر التركية الواقعة فى بحر إيجة لليونان، واعتبار مضيقى البسفور والدردنيل مناطق منزوعة السلاح وتحت إدارة دولية، وقد قوبلت هذه القرارات بالرفض من قبل تركيا، وعمدت إلى إخراج اليونانيين من الأناضول والدعوة إلى تسوية جديدة.
٤- معاهدة لوزان:
وقعت معاهدة لوزان يوليو ١٩٢٣، وقد كانت هذه المعاهدة مجحفة فى نظر تركيا؛ نظرًا لقيامها بمنح إيطاليا حق السيادة على بعض الجزر العثمانية الواقعة على مقربة من البر التركى لإيطاليا، والتى تنازلت عنها لليونان بعد الحرب العالمية الثانية، وقد وقع أول صدام مع لوزان حول المضائق البحرية التى تشرف عليها تركيا، كمضيق البسفور الذى يصل البحر الأسود ببحر مرمرة، ومضيق الدردنيل الذى يصل مرمرة ببحر إيجة، وعليه فقد منعت اتفاقية لوزان تركيا من إدارة هذه المضائق ووضعتها تحت إشراف عصبة الأمم، كما منعتها من إغلاقها أو عسكرة شواطئها.
٥- معاهدة باريس:
إبان الحرب العالمية الثانية استخدمت ألمانيا جزر منتشى الواقعة تحت سيطرة حليفتها إيطاليا؛ لاتخاذها قاعدة انطلاق لشن هجماتها، كما احتلت جزيرة كريت ١٩٤١، ومع انسحاب روما من الحرب واستسلام برلين، سلمت الأخيرة كافة جزر بحر إيجة التى احتلتها إلى بريطانيا، وبموجب معاهدة باريس ١٩٤٧، نقلت الجزر الواقعة تحت قبضة الاحتلال الإيطالى إلى ملكية اليونان، وهو ما جعل أثينا تعلن سيادتها على جزر إيجة، إلا أن تركيا رفضت هذه المزاعم، وأنها لم تكن طرفًا فى هذه المعاهدة، كما رفضت أحقية اليونان فى ملكية هذه الجزر؛ لذا فقد أجرت أنقرة العديد من المساعى لتحديد مصير عدة جزر تابعة لبحر إيجة.
أهمية جزر إيجة:
أولًا: الأهمية الأمنية والإستراتيجية:
تتقاطع المصالح التركية اليونانية فى محيط إيجة، الأمر الذى عمل على تأجيج حدة التوترات بين البلدين، ففى الوقت الذى ترى فيه أثينا أحقيتها فى مد محيطها الإقليمى ١٢ ميلًا بحريًا كغيرها من الدول البحرية، ترى أنقرة ذلك تهديدًا صارخًا للأمن التركى؛ لأن ذلك سيجعل بحر إيجة بحيرة شبه يونانية، حتى أن ٧١.٥٣٪ من إجمالى مساحة البحر ستكون تحت سيادة اليونان بشكل كامل، وستؤول ٨.٧٦٪ فقط إلى تركيا، ويمكن القول إن هذه التغيرات سوف تُفقد الجانب التركى عدة ميزات، أهمها الثروات التى يحويها الجرف القارى، سواء كان نفط أو معادن وخلافه، ناهيك عن تقييد حركة المد البحرى التركى، ومن ثم فإن التنقل من منطقة بحرية إلى أخرى داخل الأراضى التركية سيتطلب إذنًا من السلطات فى اليونان؛ نظرًا لكون الجزر اليونانية تنتشر بكثرة حول شواطئ تركيا.
ثانيًا: الأهمية الاقتصادية:
امتازت منطقة شرق المتوسط بالثراء الطبيعى، حيث النفط والغاز، بيد أن هذه الثروات باتت مطمعًا للعديد من الدول، وشكلت نقاط خلاف بين تركيا واليونان على وجه التحديد؛ لاحتواء هذه المنطقة على حقولًا غنية بالغاز الطبيعى، والتى قُدرت بحوالى ١٢٢ تريليون قدم مكعب وفقًا لتقديرات عام ٢٠١٠، إضافة إلى ١.٧ مليار برميل من النفط[1]، كما أن تركيا تسعى للحصول على حصة قبرص التركية من الغاز قبالة قبرص، وتحذير اليونان من التوسع فى عمليات التنقيب فى المياه الإقليمية، علاوة على أن إرسالها مقاتلات تركية حلقت فوق منصة استكشاف يونانية، هو ما يبرز حلقة التشابك والنزاع الدائرة بين البلدين، إلى جانب ذلك يتنافس مشروعان اقتصاديان يشكلان أهمية اقتصادية كبيرة، يسعيان لمد خط أنبوب شرقى المتوسط يعبر إلى أوروبا، الأول يحظى بموافقة إسرائيلية، ويعمل على نقل الغاز إلى أوروبا عبر قبرص واليونان ويصل طوله إلى ١٩٠٠ كم، ويسمى “إيست ميد”، ويتقاطع خط هذا المشروع مع المنطقة الموقع عليها بين تركيا وليبيا، أما الثانى، فهو خط روسى تركى يحمل اسم “تُرك ستريم”، ينقل الغاز الروسى إلى تركيا ثم إلى جنوب وغرب أوروبا، وتعود أهمية فتح ملف ملكية جزر بحر إيجة فى هذا التوقيت إلى كون هذه المنطقة مصنفة كأكثر الأماكن الغنية بالنفط والغاز الطبيعى، فضلًا عن اتصالها المباشر بالعديد من البحار المفتوحة، وسيطرتها على العديد من المضائق والخلجان التى تجعلها تتحكم فى حركة الملاحة الحرة فى المنطقة.
وعليه فإن الخلاف الكامن حول جزر بحر إيجة يكمن فى مسألتين، الأولى سيادة الجزر الممنوحة لليونان مع ضمان عدم تسليحها، والثانية قضية المياه الإقليمية وتقاطع المصالح الاقتصادية وتشابكها فى هذه الجزر.
النزاع (التركى – اليونانى) حول جزيرة قبرص:
فى أوائل الخمسينيات تأسست حركة سرية تشكل قادتها وكوادرها من القبارصة اليونانيين تسمى “أيوكا”، تزعمها مكاريوس الثالث الموالى لليونان، ودعمت الكنسية الأرثوذكسية فى أثينا هذه الحركة وأمدتها بالمال والسلاح، وأضفت على أعمالها طابعًا مقدسًا، وفى عام ١٩٥٠، أصبح مكاريوس رئيسًا لأساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية وشنت “أيوكا” بقيادته حرب عصابات على الاحتلال البريطانى عام ١٩٥٥، طالت شظايا هذه الحرب القبارصة الأتراك المسلمين؛ مما أدخل البلاد فى حرب أهلية سقط فيها الكثير من الضحايا.
وفى عام ١٩٥٦، نفت إنجلترا مكاريوس إلى جزر سيشل، ثم عادت وأطلقت صراحه، ونالت قبرص استقلالها وتم انتخابه أول رئيس لجمهورية قبرص الناشئة ١٩٥٩، وفى عام ١٩٧٤، وقع انقلاب فى قبرص؛ أسفر عن وقوع العديد من المجازر التى استدعت تدخل القوات التركية؛ لحماية أرواح القبرصيين الأتراك، وتمكنت من السيطرة على قرابة ٣٩٪ من أراضى قبرص، وبعد ذلك أجبر الجيش التركى حوالى ١٧٠ ألف قبرصى يونانى إلى النزوح جنوب البلاد، ونتيجة للهيمنة التركية، نزح ما يقرب من ٥٠ ألف قبرصى تركى شمال البلاد؛ وهو ما أدى إلى انقسام الجزيرة إلى شطرين، تركى ويونانى، ولكن جاء قرار مجلس الأمن الدولى رقم ٥٤١، الذى أعلن عدم شرعية هذا الاستقلال؛ مطالبًا القوات التركية بالانسحاب.
ومع فشل الجانب التركى ونظيره اليونانى فى التوصل لحل لهذه المعضلة، شكل القبارصة الأتراك هيئة تأسيسية عام ١٩٧٥، لوضع دستور جديد لدولة مستقلة، وتم إعلان شمالى قبرص منقطة حكم ذاتى، أطلق عليها الولايات القبرصية التركية الفيدرالية، وفى عام ١٩٨٣، جرى استفتاء شعبى عام لسكان شمال قبرص، وأعلن القبارصة الأتراك هذه المناطق دولة مستقلة، واعترفت تركيا بهذه الجمهورية الوليدة، ولكنها لم تنجح فى الحصول على اعتراف أى دولة أخرى، وظلت هذه المنطقة تعيش فى عزلة اقتصادية وتجارية دولية، تعتمد فى اقتصادها على التمويل التركى لها بنحو ٧٠٠ مليون دولار سنويًا.
وفى عام ٢٠١٥، انتُخب “مصطفى أكينجى” رئيسًا لقبرص التركية، حيث أنه كان من أكبر الداعمين للمصالحة مع الحكومة القبرصية اليونانية، وقد جرت مفاوضات بين الطرفين؛ نجم عنها الإعلان عن مرحلة جديدة؛ لإرساء الأمن والمساواة، إلا أن هذه المحاولات وصلت إلى طريق مسدود، وفى عام ٢٠١٧، أجرى رئيس أركان الجيش التركى “خلوصى أكار” جولة استطلاعية شملت الاقتراب من جزيرة كارداك المتنازع عليها بين تركيا واليونان، أعقبها نوعًا من التصعيد السياسى والإعلامى والعسكرى بين البلدين، وفى عام ٢٠١٩ للمرة الأولى فى تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، انطلقت أضخم مناورات عسكرية تحت مسمى “الوطن الأزرق”؛ امتدت فى البحار الثلاثة المحيطة بتركيا (البحر الأسود – بحر إيجة – البحر المتوسط)، وبعد ذلك أرسلت أنقرة سفينة؛ للتنقيب عن النفط فى منطقة شرق المتوسط محمية بقطع عسكرية؛ للتصدى لمحاولات الهيمنة اليونانية والقبرصية؛ للاستحواذ على الغاز الطبيعى ومصادر الطاقة؛ لتبدأ العلاقات اليونانية والقبرصية والتركية فصلًا جديدًا من الخلافات والتوترات التى لم يهدأ لهيبها، فى ظل أطراف معقدة من الصراع تلهث وراء تحقيق مصالحها الاقتصادية وتسعى لحماية أمنها القومى، وعلى الرغم من محاولات الأمم المتحدة لتوحيد جزيرة قبرص عبر عقد جولات مستمرة بين القبارصة اليونانيين والأتراك، إلا أنها كانت تبوء بالفشل؛ بسبب إصرار الجانب التركى على الدفاع عن حقوق القبارصة الأتراك، وقد كان ذلك محاولة تركية لرفض أى مساومات سياسية تتجاهل حقوق الأتراك فى قبرص.
قبرص التركية وقبرص اليونانية
عسكرة بحر إيجة:
شهدت السنوات الأخيرة الماضية تصاعد وتيرة التوترات بين اليونان وتركيا على خلفية المناورات العسكرية التى قام بها الطرفان، وقد اتبعت أثينا مسار عسكرة وتسليح جزر بحر إيجة، وهو ما يشكل انتهاكًا لمعاهدة لوزان وباريس، وعسكرة منطقة يفترض أنها منزوعة السلاح؛ أما عن تركيا فقد وجهت إليها اليونان تهمة انتهاك مقاتلاتها المجال الجوى اليونانى أكثر من مرة، وتحليقها على ارتفاع منخفض فوق الجزر التابعة لها، وهو ما يؤرق مصير العلاقات المتوترة بين البلدين والتى فاقمتها محاولات التنقيب التركية شرق المتوسط فى الفترات الأخيرة، وفى الوقت الذى تتعرض فيه اليونان للهجوم من قبل أنقرة فيما يتعلق بقضية تسليح محيط إيجة، ثمة برامج بحرية تركية توحى باحتمالية عودة التوترات ثانية فى بحر إيجة.
ففى أغسطس ٢٠٢١، أعلنت ترسانة حوض “آريس” لبناء السفن التركية تصميم وتطوير سفينة حربية مسيرة مضادة للغواصات، وفى أكتوبر من نفس العام أطلقت كلا من “آريس” وشركة تكنولوجيا الدفاع “ميتيكسان سافونما” نسخة من السفينة “يو ال أى كيو”، والتى تعد أول سفينة مسلحة مسيرة تركية تعمل فى ميدان الحرب فوق سطح الماء، ويبلغ مداها ٤٠٠ كم، بسرعة قد تصل إلى ٦٥ كم فى الساعة، وفى يناير ٢٠٢٢، أدخلت تركيا أول سفينة لجمع المعلومات الاستخباراتية فى الخدمة، كما أعلنت عن نيتها بدء بناء نموذج أولى لسفينة ستصبح جزءًا من أسطول مخطط إنشائه من الزوارق الهجومية التركية، وتحمل هذه المحاولات رسائل مباشرة لأثينا، مفادها أن أنقرة قادرة على الرد عسكريًا على اليونان حال تطلب الأمر ذلك، وأن ثمة أطرافًا إقليمية ودولية تدعم حقوقها فى بحر إيجة على حد تعبيرها، بدليل مشاركة قرابة ٣٧ دولة فى مناورات “أفس ٢٠٢٢”.
مسيرات تركية ترصد تسليح اليونان جزرًا فى بحر إيجة
تعاون عسكرى يونانى أمريكى:
مؤخرًا شهدت العلاقات اليونانية الأمريكية تقدمًا ملموسًا، وبخاصة فى مجال التعاون العسكرى والدفاعى بين البلدين وفقًا للاتفاقية المبرمة بينهما عام ١٩٩٠، وتعزيز النفوذ العسكرى الأمريكى على الحدود اليونانية التركية، وبموجب التعديل الأخير للاتفاقية الذى جرى فى مايو ٢٠٢٢، يتم تجديد التواجد الأمريكى العسكرى فى أثينا كل خمس سنوات بدلًا من سنة واحدة، علاوة على توسيع وتطوير البنية التحتية لقاعدة “سودا” البحرية الأمريكية فى جزيرة كريت، بجانب وجود قاعدة عسكرية أمريكية فى منطقة “ألكسندروبولى” على بحر إيجة قرب تركيا، حيث تضم قرابة ١٨٠٠ مدرعة أمريكية و٢٠ ألف جندى أمريكى، وهو ما تعتبره أنقرة تهديدًا صريحًا لأمنها القومى، ولم يقتصر التعاون العسكرى بين البلدين على هذا الحد فحسب، ففى أواخر العام الماضى قامت واشنطن بإمداد أثينا بطائرتين مقاتلتين من طراز “إف ١٦ فايبر”، كدفعة أولى من برنامج لتحديث القوة الجوية اليونانية تبلغ حوالى ١.٥ مليار دولار، حيث يشمل تحديث ٨٣ مقاتلة يونانية من طراز فايبر، بالإضافة إلى وصول اليونان إلى مراحل متقدمة من التفاوض من الولايات المتحدة حول شراء عدة طائرات بدون طيار من نوعية “إم كيو ٩”، كل هذه الأمور فاقمت من حدة الغضب التركى إزاء الترتيبات الأمنية التى تقوم بها اليونان والتى تعتبرها أنقرة موجهة ضدها خاصة بعد التصريحات التى أدلى بها رئيس الوزراء اليونانى “كيرياكوس ميتسوتاكيس” أثناء زيارته إلى واشنطن، والتى شكلت حجر عثرة أمام مفاوضات الكونجرس الأمريكى المتعلقة ببيع مقاتلات “إف ١٦” لتركيا؛ وبرر الجانب اليونانى ذلك، بأن أنقرة تنتهك المجال الجوى اليونانى.
على الصعيد الآخر نجد أن واشنطن لديها تسع قواعد عسكرية فى اليونان أهمها، قاعدة بحرية فى جزيرة كريت، وقاعدة جوية قرب مدينة لاريسا، بالإضافة إلى مطار عسكرى فى “ستيفانو فيكيو” بغرب اليونان وميناء ألكسندروبوليس، بالإضافة إلى بعض المواقع الأخرى على الأراضى اليونانية، وعلى الرغم من أن موقف الولايات المتحدة من النزاع التركى اليونانى يبدو منحازًا إلى هذا الأخير، إلا أن المحصلة النهائية تكمن فى محاولة الطرف الأمريكى لعب دور حيادى ومتوازن فى هذا الصراع؛ للحفاظ على علاقاتها مع كلا الطرفين، لا سيما أن أى تعارض بين أنقرة وأثينا من شأنه إلحاق الضرر بحلف الناتو الذى تنتمى إليه الدول الثلاث.
حجم القوة العسكرية بين اليونان وتركيا:
- يصنف الجيش التركى فى المرتبة رقم ١٣ بين أقوى ١٤٢ جيشًا حول العالم فى ٢٠٢٢، بينما يتم تصنيف الجيش اليونانى فى المرتبة رقم ٢٧ عالميًا.
- يقدر عدد سكان تركيا بـ ٨٢ مليون نسمة، أما عدد سكان اليونان فيقدر بـ١٠ ملايين نسمة تقريبًا.
- يمتلك الجيش التركى ٤٢٥ ألف من القوة العاملة و٢٠٠ ألف قوة احتياطية و١٥٠ ألف من القوات شبه العسكرية، فى حين يستحوذ الجيش اليونانى على ١٣٠ ألف قوة عاملة و٢٢٠ ألف قوة احتياطية و٣٥ ألف قوة شبه عسكرية.
- ميزانية دفاع الجيش التركى ٩.٦ مليار دولار، بينما ميزانية دفاع الجيش اليونانى ٦.٦ مليار دولار.
- لدى تركيا ألف و٥٧ طائرة حربية تضم ٢٠٥ مقاتلات و٨١ طائرة نقل عسكرى و٢٧٠ طائرة تدريب و٢٠ طائرة مهام خاصة و٤٧٤ مروحية بينها ١٠٧ مروحيات هجومية، أما اليونان فتمتلك ٦٣٣ طائرة حربية تحوى ١٨٨ مقاتلة و١٧ طائرة نقل عسكرى، إضافة إلى ١٤٤ طائرة تدريب و١٤ طائرة مهام خاصة و٢٧٠ مروحية من بينها ٢٩ مروحية هجومية.
- يبلغ عدد القوات البرية التركية ٣ آلاف و٢٢ دبابة، فضلًا عن ١٣ ألفًا و٢٧٠ مدرعة و٩٥٦ مدفعًا ذاتى الحركة وألف و١٨٩ مدفعًا ميدانيًا و٤٠٧ راجمات صواريخ، بينما عدد القوات البرية اليونانية يصل ألف و٢٤٣ دبابة و٦ آلاف و١٣٤ مدرعة، علاوة على ٥٩٠ مدفعًا ذاتى الحركة و٦٦٩ مدفعًا ميدانيًا و١٤٧ راجمة صواريخ.
- يحظى الأسطول الحربى التركى بالمرتبة رقم ١٨ عالميًا ويمتلك ١٥٦ وحدة بحرية من بينها ١٢ غواصة و١٦ فرقاطة بجانب ١٠ كورفيتات و٣٥ سفينة دورية و١١ كاسحة ألغام بحرية، ويأتى الأسطول اليونانى فى المرتبة رقم ٢٦ عالميًا ويمتلك ١٢٠ وحدة بحرية تشمل ١١ غواصة و١٣ فرقاطة و٣٥ سفينة دورية و٨ كاسحات ألغام بحرية.
- تمتلك تركيا ٩٨ مطارًا و١٠ موانئ، بينما تمتلك اليونان ٧٧ مطارًا و٧ موانئ.[2]
وهو ما يشير إلى أن حجم القوة العسكرية التركية يفوق اليونانية، ولكن الفارق يكمن فى الشرعية التى تحظى بها أثينا سواء فى جزيرة قبرص، أو على جزر بحر إيجة التى تستحوذ فيها على نصيب الأسد، وهو ما يجعلها تمتلك أوراقًا للضغط ربما تكون السبب وراء حشد الجهود الدولية المتعددة تجاه هذا الملف العالق، ودعم مواقف اليونان، هذا وإن لم يكن هنا نوع من الشخصنة والبحث عن المصالح الشخصية فى المقام الأول من قبل الأطراف المنخرطة فى هذا الصراع تحت لواء التسوية وتصفية الخلافات بين الجارتين اليونانية والتركية.
المواقف الدولية من الصراع فى بحر إيجة:
حلف الناتو:
يقف حلف شمال الأطلسى على مسافة واحدة من حلقة الصراع المشتعلة بين عضوين فى الحلف، واتباع دبلوماسية الحياد، ولعل الحضور السياسى والأمنى الأمريكى فى المنطقة يعزز من فاعلية الناتو فى شرق المتوسط، وإبراز حاجته إلى تحقيق الأمن والاستقرار فى هذه المنطقة، فى حين انخراط حليفى الناتو فى دبلوماسية الزوارق الحربية التى تمخض عنها توترات فى مناطق عدة، وقد سعى هذا الكيان إلى إيجاد مخرج لحلقة الشد والجذب التى يحتمل أن تؤدى إلى عدوى الانتشار إقليميًا، وفى منطقة تعانى من حالة احتقان مزمن بشكل متزايد، يسعى شمال الأطلسى إلى بحث سبل تجنب الصدامات العرضية فى شرق المتوسط، ودراسة ما يسمى بإجراءات منع الاشتباك؛ للتصدى للحوادث البحرية المحتمل وقوعها.
وفى سبعينيات القرن المنصرم، نشبت حربًا بين أنقرة وأثينا حول وضع جزيرة قبرص المنشطرة، كانت الأولى من نوعها بين عضوين فى الناتو، وهو ما دفعه إلى التدخل لوقف إطلاق النار، وتعد هذه الأزمة من الأزمات المعقدة التى فشل الحلف فى حلها، على الرغم من المفاوضات التى عقدها لوضع حد لها؛ وهو ما دفع اليونان إلى الانسحاب من الناتو فى السبعينيات، إلا أنها عادت إليها؛ لاعتقادها أن خروجها سيعطى تركيا الموقع والأفضلية فى بحر إيجة، بجانب حرمانها من الأسلحة والمعدات الحربية الغربية، والتى كانت فى حاجة ماسة إليها لتقوية موقفها فى نزاعها مع تركيا، وبهذا يتضح أن حلف شمال الأطلسى كان أكثر ميلًا للتوفيق بشكل سلمى بين أنقرة وأثينا؛ نظرًا للأهمية الإستراتيجية التى يشكلها كل منهما للحلف، ولكنه فشل فى إيجاد حل يرضى الطرفين وينهى حالة الصراع المضطربة فى بحر إيجة.
الاتحاد الأوروبى:
سعى الاتحاد الأوروبى؛ لإيجاد حل للصراع المشتعل بين اليونان وتركيا فى بحر إيجة، واستخدامه وسائل الضغط المختلفة، وعلى الرغم من ذلك لم تفلح مساعيه، كما حاول بالتعاون مع الولايات المتحدة رعاية المحادثات التى عُقدت بين طرفى النزاع فى الفترة من ١٩٧٦-١٩٨١، فى الوقت الذى تقدمت فيه أثينا لعضوية الاتحاد الأوروبى، واتسمت هذه الآونة بالهدوء النسبى والجلوس على طاولة المفاوضات لمحاولة التوصل لتسوية سلمية للأزمة وتجنب خيار الحرب، إلا أن تردى الأوضاع بين البلدين حال دون ذلك، وقد سعت تركيا حثيثة من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبى، إلا أنه اشترط عليها تحسين علاقاتها مع اليونان وحل نزاع بحر إيجة العالق حتى يتم قبول طلبها، أما عن دور هذا الكيان فقد كان ممثلًا فى لعب دور الوسيط، وتقديم مذكرات للتنديد بالوضع حال اشتداد حدة النزاع، كما أن وجود أثينا كعضو فى الاتحاد دون أنقرة يجعل هناك نوعًا من الابتعاد عن الحياد بشكل أو بآخر، وهو ما يضعف فعاليته، التى لم تنجح فى حلحلة الأزمة، وربما تشكل رغبة تركيا الرامية إلى الانضمام للاتحاد الأوروبى دافعًا لتحسين الأوضاع حتى تتمكن من الوصول إلى مطلبها، وهو أمر مستبعد بعض الشئ فى ظل الصراع حول موارد الطاقة شرق المتوسط.
الأمم المتحدة:
لعبت الأمم المتحدة دورًا مهمًا فى حلحلة الأزمة القبرصية، أما فيما يتعلق بحل الصراع القائم فى إيجة فقد كان دورها سطحيًا، حيث اكتفت بالبث فى الشكاوى المقدمة من محكمة العدل الدولية، وتوجيه الدعاوى إلى الدولتين بضرورة التريث وحل هذا الخلاف، وقد قامت بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى وتبنى مبادرة تعمل على التقريب بين اليونانيين والأتراك، عبر دعم أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان.
على الرغم من هذه المساعى الدولية المختلفة، إلا أنها كانت هشة لم تعمل على حل هذا الصراع، فربما عزمت هذه الأطراف على البعد عن المواجهة المباشرة، وبالتالى فإن التسوية لن تحدث إلا إذا كانت هناك رغبة حقيقة من قبل الأطراف المتناحرة لإنهاء هذه الحلقة المظلمة.
التداعيات الأمنية للصراع التركى اليونانى:
تفرض التحركات العسكرية فى محيط بحر إيجة واقعًا ينذر بزيادة التوترات الأمنية فى المنطقة، فمع تصاعد عمليات العسكرة والمناورات العسكرية بين الطرفين، قد يدفع ذلك إلى زيادة القدرات الدفاعية لليونان وتركيا، خاصة فى ظل المحاولات الاستباقية المتبادلة وتطوير التحالفات العسكرية، وقد أدى تراجع تأثير جولات الحوار بين أنقرة وأثينا، والاتجاه نحو العمليات العسكرية فى إيجة إلى فرض المزيد من الأعباء الأمنية على دول الإقليم، لا سيما أن ذلك سيؤدى إلى إحداث تحولات فى منظومة الأمن الإقليمى، وهو ما اتضح فى اتجاه اليونان إلى توقيع اتفاق دفاعى مع فرنسا سبتمبر ٢٠٢١، بموجبه تحصل أثينا على فرقاطات بحرية فرنسية، على الجانب الآخر اتجهت قبرص لتحسين وضع ترسانتها العسكرية من خلال توقيع اتفاقيات دفاعية مع واشنطن فى العام ذاته.
انفراجه فى المشهد:
تشهد العلاقات بين اليونان وتركيا تطورات إيجابية فى الصراع العالق بينهما، يفضى إلى انفراجه فى المشهد فى ظل مساعى الطرفين لفتح قنوات مفتوحة للحوار على الأصعدة كافة، ففى الخامس من سبتمبر الجارى أعلنت تركيا توصلها لاتفاق مع اليونان بشأن طرح مبادرات جديدة لحل القضايا العالقة بينهما، ومواصلة الحوار مع أثينا دون شروط مسبقة، فضلًا عن تعزيز العلاقات الثنائية على أساس المصلحة المشتركة، ومن ثم حل الخلافات القائمة والتى تردد صداها منذ أزمنة بعيدة، وبشكل عام فإن هذه المحاولات تمثل بارقة أمل أمام صراع معقد، إن عجزت عن تقديم حلول ملموسة، فإنها ربما تخفف من حدة التوترات وتعمل على إطفاء لهيب هذا النزاع ولو بشكل مؤقت.
سيناريوهات مستقبلية:
فى ظل التعقد المشهدى للعلاقات الثنائية بين اليونان وتركيا، نجد أن المستقبل القريب تحكمه عدة رؤى وسيناريوهات، ربما يكون التصعيد هو السمة الغالبة عليها، ولكن بدرجات مختلفة قد يتخللها بعض الهدوء.
السيناريو الأول:
هدوء نسبى: فى ظل التحركات الأخيرة بين مسؤولين يونانيين وآخرين أتراك، نجد أنه ربما يحكم المشهد خلال الفترة القادمة بعض الهدوء النسبى والجلوس على طاولة المفاوضات؛ لإجراء حوار شامل حول القضايا الخلافية، ومحاولة إيجاد حل عادل ومُرضٍ للجميع، حتى ولو لم يكن هذا الحل هو إنهاء حالة الاحتدام فى محيط بحر إيجة، فعلى الأقل التوقف عن عمليات التسليح المتبادلة فى المنطقة ودحر التهديدات العسكرية ومراعاة مصالح وحقوق دول الإقليم، خاصة فى ظل المساعى التى تقوم بها أنقرة للانضمام للاتحاد الأوروبى.
السيناريو الثانى:
إبقاء الوضع كما هو عليه: ربما تكون العمليات التفاوضية التى تتم خلال هذه الأيام ما هى إلا عقدة فى سلسلة من المحاولات السلمية التى باءت بالفشل، وبالتالى فإن السيناريو الأقرب لأرض الواقع، هو استمرار حالة التصعيد من قبل كل طرف، مع وجود احتكاكات عسكرية أو مواجهة جزئية، ومواصلة المناورات التى تقوم بها السفن التركية واليونانية بين الحين والآخر فى بحر إيجة ضد بعضهما البعض.
السيناريو الثالث:
مواجهة شاملة: هذه الفرضية غير واردة ومستبعدة بشكل كبير، حيث تفترض اندلاع حرب شاملة بين اليونان وقبرص من جهة وتركيا من الجهة الأخرى، وكدولتين أعضاء فى حلف الناتو لن يسمح لهما الحلف بمحاربة بعضهما البعض، كما أن الدول الكبرى أمثال الولايات المتحدة وروسيا لن تسمحا باندلاع حرب تحول دون تحقيق مصالحهما فى منطقة شرق المتوسط، فى ظل الرغبة العارمة لتوطيد نفوذهم خاصة فى ظل التواجد العسكرى لهما فى هذه المنطقة، أيضًا فإن الاقتصاد التركى ونظيره اليونانى ليسا فى حالة تسمح لأى من الدولتين إعلان حالة الحرب.
ختامًا:
إن واقع التسليح المستمر والمتبادل بين اليونان وتركيا فى محيط بحر إيجة، ينذر بوجود نوع من سباق التسلح بين دولتين تحت مسمى صراع الجزر، وهو أمر بالغ الخطورة خاصة إذا تفاقم الأمر أكثر من ذلك، ولن يكون التهديد الأمنى على دولتى الصراع فحسب، بل قد تمتد عدواه إلى دول أخرى فى ظل التشابكات الدولية المختلفة، والأمر الأكثر خطورة هو التناحر حول مصادر الطاقة التى تم العثور عليها فى منطقة شرق المتوسط، فالجانب التركى يحارب بشتى الطرق للمحافظة على الإرث التاريخى فى جزر إيجة التى يمتد النزاع فيها لقرون عديدة، وإعادة رسم خارطة المنطقة الجيوستراتيجية وفقًا لأجنداته التوسعية.
وأما عن قضية الطاقة فقد عمقت من تشبثه بهذا الحق، لا سيما فى ظل التقارب الجغرافى لحدود الدولتين البحرية، وأن سيطرة اليونان على بحر إيجة سوف تشكل تهديدًا لتركيا، وعليه فإن استمرار التوترات بين أثينا وأنقرة من شأنه إحداث تداعيات أمنية وخيمة على مستقبل البلدين والدول المجاورة، بل والإضرار بمصلحة المنطقة ككل.
المصادر: