المقالات
متي تنجح المفاوضات الروسية الأوكرانية؟
- مارس 13, 2022
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: رؤى تحليلية
البروفيسور أيمن سلامة: أستاذ القانون الدولي العام
مقدمة
بالرغم من خصوصية المفاوضات الجارية بين الدولتين المتحاربتين روسيا الفيدرالية وأوكرانيا بحسبانها لن تفضي في القريب العاجل لتسوية نهائية للنزاع الدولي المحتدم بين البلدين ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، حيث تهدف الدولتان في مفاوضاتهما التي لم تنقطع غلي ابرام اتفاق وقف إطلاق نار جزئي في القطاعات التي خصصت فيها الممرات الإنسانية، وقد صرح اليوم الأحد الثاني عشر من مارس 2022 المسؤولون الاوكرانيون أن المفاوضات مستمرة بين البلدين عبر الفيديو [1].
أهمية المفاوضات الدبلوماسية
ما انفكت المفاوضات المباشرة تعد أحد أهم الوسائل لتسوية النزاعات على اختلاف مجالاتها بين الدول سلمياً، وتحتل فى القانون الدولى المركز الأول والرئيس بين كافة الوسائل السلمية الأخرى لتسوية المنازعات الدولية، وتستخدم المفاوضات بنجاح كبير لأجل تخفيف حدة التوتر بين الأطراف المختلفة، واللجوء إلى المفاوضات يمكن أن يفضى إلى النتائج المزدوجة التالية: الحل المباشر للخلاف و تحقيق اتفاق بشأن اللجوء إلى أية وسيلة سلمية أخرى لتسوية النزاع[2].
ولكى تكون المفاوضات حيوية وفعالة؛ يجب أن تُجرى بحُسن النيَّة من قِبل الأطراف ولأجل تحقيق اتفاق بشأن المسألة المستعصية والمتنازع عليها، وهذا يفترض وجود الثقة المتبادلة بين الأطراف والأخذ فى الحسبان لمصالح بعضها البعض، وأن تُجرى المفاوضات على أساس المساواة والتكافؤ بين الأطراف، ولذلك من المهم بمكان أن يدخل أطراف المفاوضات بكل حرية مع الاحتفاظ بكامل وجهات نظرهم القانونية [3]، ولأجل إنجاح المفاوضات يجب اختيار الوقت المناسب لإجرائها، فاللحظة التى خلالها يمكن تخفيف حدة العلاقات المتوترة بين أطراف النزاع هى أكثر لحظة مناسبة لإجراء المفاوضات.[4]
وفضلاً عن ذلك تعتبر المفاوضات عادة مطلباً أساسياً للجوء إلى وسائل التسوية السلمية الأخرى للمنازعات، وقد اقرت المحكمة الدائمة للعدل الدولى ذلك بقدر ما يتعلق الأمر بالإجراءات التحكيمية والقضائية على النحو التالى: “قبل أن يشكل النزاع موضوعاً لإجراء قانونى؛ فإن موضوعه يجب أن يُحدد على نحو واضح عن طريق المفاوضات الدبلوماسية” [5].
المزايا التفضيلية للمفاوضات
تعتبر المفاوضات أكثر وسيلة من وسائل التسوية التى أوصت بها الجمعية العامة لأطراف النزاع ، وفى هذا السياق يُشار إلى القرار 40/ 9 المؤرخ 8 نوفمبر 1985 حيث وجهت فيه الجمعية العامة نداءً رسمياً إلى الدول المتنازعة لفض خلافاتها عن طريق المفاوضات والوسائل السلمية الأخرى، وفى عدد من المناسبات، قام مجلس الأمن – بناء على مسؤولياته – بموجب الميثاق فى مجال تسوية المنازعات بالوسائل السلمية أو لدى ظهور أية حالة يؤدى استمرارها إلى احتمال تعرض المحافظة على السلم والأمن الدوليين للخطر، باتخاذ قرارات يطلب فيها إلى الدول الدخول فى مفاوضات.[6]
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن أن يتم تكليف الأطراف المعنية بإجراء مفاوضات بقرار قضائى يُلزمها بذلك ، وفى هذا السياق يُشار إلى قضايا الولاية القضائية لصيد الأسماك[7] التى ذكرت فيها محكمة العدل الدولية ما يلى: “إن الإلتزام بالتفاوض ينبثق من ذات الطبيعة الخاصة بحقوق كل طرف من الأطراف، لذا فإن تكليف الأطراف بالتفاوض يعتبر ممارسة ملائمة للوظيفة القضائية فى هذه القضية، وينسجم هذا أيضاً مع مبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالتسوية السلمية للمنازعات”، على النحو الذى أشارت إليه المحكمة فى قضايا الجرف القارى لبحر الشمال.[8]
وقد ظلت عبارة “مفاوضات” تُستعمل للتعبير عن التعامل السلمى بين الدول حتى منتصف القرن السابع عشر حيث محلها عبارة “الدبلوماسية” التى يعرِّفها البعض حتى الآن بأنها فن المفاوضات، وتُعرف الدبلوماسية على أنها إدارة العلاقات الدولية بالتفاوض.[9]
وحتى لو لم تؤدِ المفاوضات إلى حل ودى؛ سيبقى لها الفضل فى حصر النزاع وإثارة مختلف النقاط العالقة أو وضع النقاط على الحروف بالنسبة للخلاف القائم بين الطرفين. وفى حال عدم التوصل إلى حل حول جوهر الموضوع؛ فيمكن للمفاوضات أن تعالج الأمور الإجرائية لتحديد النقاط الواقعية القانونية التى يجب حسمها والطريقة الأكثر تناسباً للظروف والمعطيات.[10]
ماهية المفاوضات
التفاوض أسلوب معقد من أساليب التسوية السلمية، فهو ليس أسلوباً بسيطاً أو واضحاً فى آلياته وأشكاله، مع ذلك، فإن المدى الذى تصل إليه تعقيداته يتوقف على طبيعة القضايا محل النزاع، وطبيعة العلاقة بين الطرفين المتنازعين، ومدى توافر خيارات أخرى لدى كل منهما لحل النزاع، إضافة إلى الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بطرفى المشكلة، وهى الظروف التى تدفع نحو ضرورة اتباع أسلوب التفاوض أو غيره لحل النزاع.[11]
وهناك عدة تعريفات للمفاوضات: فهى مشاورات ومباحثات تجرى بين دولتين أو أكثر، بقصد تسوية خلاف أو نزاع قائم بينهما، بطريقة ودية ومباشرة.[12]كما تًعرف بأنها تبادل الرأى بين دولتين بقصد الوصول إلى تسوية للنزاع القائم بينهما، ويكون تبادل الآراء شفاهة أو فى مذكرات مكتوبة أو بالطريقتين معاً.[13]
كما يُقصد بها الاتصال المباشر بين دولتين أو الدول المتنازعة وتبادل الآراء بقصد الوصول إلى تسوية للنزاع القائم بينهما [14]، كما أنها تعنى اللقاء المباشر للأطراف بهدف الوصول إلى اتفاق مشترك مقبول من قِبل الجميع.[15]
وأخيراً، يرى البعض أن التفاوض هو عملية اجتماعية ونفسية ومنطقية تعتمد على التفاعل والتأثير النفسى والإقناع والحث من خلال الحوار وتبادل وجهات النظر الهادفة بين طرفين أو أكثر، لديها تباين فى الآراء والأهداف التى يسعى كل منهما لتحقيقها، وتتعلق بقضية أو نزاع أو صفقة أو مسألة معينة ترتبط مصالحهم بها، وذلك بغرض التوصل إلى حل أو اتفاق مقبول لجميع الأطراف.[16]
وتعتبر المفاوضات من اقدم الوسائل السلمية لتسوية المنازعات وأكثرها شيوعاً، وهى وسيلة مُثلى لحل المنازعات الدولية، لأنها وسيلة سلمية، ولأنها طريقة تفاهم مباشرة بين الطرفين المعنيين بالأمر فى موضوع يمثل مصلحة مشتركة بينهما هما أدرى بها، وهما أصحاب الحق فيها ولا قيمة لأى حل إلا إذا جاء باقتناع منهما، وهذا ما تحققه المفاوضات، ويتم التفاوض مباشرة بين الطرفين، وقد يتم عن طريق طرف ثالث، كما أن الوضع الواقعى لدى كل طرف من أطراف النزاع كقوته العسكرية وإمكاناته الاقتصادية وقدراته السياسية تلعب دوراً مهماً فى سير المفاوضات وفى الحل الذى يمكن أن ينتهى إليه.
ازدادت الحاجة فى العصر الحديث للإرتقاء بفن التفاوض وتطويره وصقله وفق أسس علمية، إذ اصبح التفاوض منهجاً علمياً لا يخضع لاستعمال القوة، وإنما هو علم Science وفن Art واختبار وتقويم قائم بذاته.[17]ولأنه جزء من عملية صنع القرار الوطنى فى الدولة، وتأتى التسوية لأى نزاع انعكاساً للإتصالات بين صانعى القرار فى الدول المتنازعة وتعبيراً عن اقتناعهم بإمكان حل النزاع بطريقة ودية ومفيدة لجميع الطراف. [18]
واستخدام الوسيلة التفاوضية لتسوية النزاع يتطلب المعرفة النظرية لطبيعة المفاوضات، والشروط الواجب توافرها فى المفاوض، وكيفية الإعداد للمفاوضات بصفة عامة، وكيفية إعداد المفاوض نفسه، وتزويده بالمعلومات والوثائق والمستندات المرتبطة بالموضوع، والجوانب المتعددة لقضية التفاوض.[19]
والتفاوض ليس مجرد إجراء شكلى يتم اللجوء إليه، وإنما لا بُد من توافر النيَّة نحو التوصل إلى اتفاق بشأن النزاع ذاته، بما يحتم على الأطراف المعنية أن تتصرف بطريقة تجعل للتفاوض معنى وغاية، ويتطلب ذلك قدراً من المرونة من جانب الأطراف المعنية، وهو ما يقتضى أيضاً أن يراعى كل منهم حقوق الآخر. فإذا توافرت هذه النيَّة كان للتفاوض معنى حتى ولو لم يتفق الأطراف فى النهاية، فالتفاوض إن كان يتطلب السعى نحو الوصول إلى حل للنزاع، فإنه لا يعنى بالضرورة الاتفاق حتماً على ذلك فقد توجد ظروف تحتم بقاء كل طرف على موقفه، إذا وجد – مثلاً – أن المفاوضات لا تعطيه حقه كاملاً أو أنها تهضم جزءاً كبيراً منه، وهذا ما حدث تماما في المفاوضات الأولية بين روسيا و أوكرانيا ، حيث أحال المفاوض الأوكراني فشل التوصل لاتفاق نسبي فعال لوقف اطلاق النار في أوكرانيا علي تشدد نظيره الروسي ، حيث وصف الشروط الروسية لوقف الحرب بالشروط التعجيزية [20]، فالالتزام بالتفاوض هو التزام بالقيام بعمل وليس التزاماً بالوصول إلى نتيجة حتمياً، فهو لا يعنى ضرورة الإتفاق بأى ثمن وتحت أى شكل من الأشكال.[21]
وقد عرفت المفاوضات الدولية الحديثة تطوراً هائلاً بعد أن اصبحت تشكل جوهر نشاط المنظمات والمؤتمرات الدولية. فتعددت وتنوعت المنظمات الدولية وأصبحت تقدم إطاراً مؤسساتياً ذا إجراءات سياسية مرنة تهدف فى المقام الأول إلى مساعدة الدول على حل منازعاتها بواسطة المفاوضات الدبلوماسية، كما تنامى دور المفاوضات الدولية التى تجرى فى إطار المؤتمرات الدولية المخصصة لتسوية منازعات محددة، أو لوضع نظام قانونى جديد، أو تعديل النظام القائم، تحت رعاية منظمة دولية كالمم المتحدة أو خارجها. وساعد على تطور المفاوضات ازدهار علم السياسة وعلم العلاقات الدولية واستخدام الوسائل الحديثة التى تملكها هذه العلوم لمحاولة وضع منهجية للمفاوضات الهادفة إلى استخلاص قواعد من الممارسة تطبق على أي مفاوضة. ومن هذه الوسائل اعتماد اساليب التحليل والأرقام والتعميمات وتطبيق نظرية الأنماط المنطقية والرياضيات.[22]
وليست هناك قواعد قاطعة مثل قواعد القانون يمكن أن يقال إنها تحكم عملية التفاوض، ولكن توجد بعض الخطوط الإرشادية Guidelines التى هى ليست قواعد ثابتة وليست لها صفة الإلزام ولم تستقر بعد فى المجتمع الدولى حتى يمكن أن يقال عنها إنها تشكل قواعد جازمة يتعين الإلتزام بها، وعدم الخروج عليها.[23]
الأشكال المختلفة للمفاوضات
للمفاوضات أشكال متعددة هى: المفاوضة من أجل تحقيق مصالح الطرفين حيث يتفاوض الطرفان فى هذه الحالة وفقاً للمصلحة المشتركة بينهما بهدف الوصول إلى صيغة اتفاق تحقيقا لمصالحهما، ويكون قصد كل طرف من المفاوضة فى هذه الحالة هو عدم الإضرار بمصالح الطرف الآخر، وبالتالى يعزز هذا النوع من التفاوض مجالات التعاون ويوثق العلاقات القائمة وآفاقها المستقبلية ، و المفاوضة من أجل تحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر وهنا يحاول كل طرف من أطراف المفاوضة فى هذه الحالة إنهاك خصمه، وتحقيق مصالحه على حسابه، ويتحقق ذلك عادة عندما يكون طرفا المفاوضة غير متكافئين نتيجة اختلال توازن القوة بينهما أو نتيجة لفشل أحدهما فى اختيار الوقت المناسب للمفاوضة، أو نتيجة لتعرض أحدهما لضغوط خارجية، وبالتالى يكون الاتفاق الذى يتم التوصل إليه نتيجة المفاوضة عُرضة للتغيير فى أى وقت، وبمجرد تغيير موازين القوى لصالح الطرف الضعيف ، و هناك أيضا المفاوضة الاستكشافية: حيث يسعى كل طرف من طرفى المفاوضة فى هذه الحالة لمعرفة نوايا الطرف الاخر وأهدافه، وما يسعى لتحقيقه، وتتم المفاوضة إما مباشرة بين الطرفين، أو عن طريق وسيط.
نظريا و عملياً أيضا يبرز الشكل الحاصل الآن في خضم النزاع المسلح الروسي الأوكراني وهو التفاوض بهدف خفض مستوى الصراع ، حيث يهدف أطراف النزاع فى هذه الحالة إلى خفض مستويات الصراع فقط نتيجة لوجود عقبات وصعوبات تحول دون الوصول إلى حل نهائى للنزاع القائم بينهما، ومن ثم تنتهي المفاوضات بين الدولتين إلي ابرام اتفاق اطلاق النار الجزئي الذي ينصب علي أقاليم وقطاعات محددة في أوكرانيا و التي خصصت فيها الممرات الإنسانية لإخلاء المدنيين الأوكرانيين ولعامل الزمن هنا دور كبير، حيث أنه يساهم فى تهدئة الخصوم، والوصول إلى نهاية الأمر إلى حل يُرضى كافة الأطراف.[24]
والمفاوضات أحياناً تتم بصورة مباشرة بين أطراف النزاع سواء فى إطار ثنائى أو متعدد الأطراف أو فى إطار مؤتمر دولى أو منظمة دولية بطريقة مباشرة من خلال وساطة طرف ثالث، سواء أكان شخصية ذات نفوذ واعتبار لدى أطراف النزاع، أم دولة، أم منظمة دولية، خاصة فى حالة عدم وجود اعتراف متبادل بين أطراف النزاع أو قدع العلاقات الدبلوماسية بينهما نتيجة تحول النزاع القائم بينهما إلى نزاع مسلح، بهدف تقريب وجهات نظرهم تمهيداً لمفاوضات مباشرة يشترك فيها الطرف الثالث أو تتم تحت رعايته.[25]
ولكن على جانب آخر، يمكن تقسيم أطراف التفاوض إلى: أطراف مباشرة وهى الأطراف التى تجلس فعلاً على مائدة المفاوضات وتباشر عملية التفاوض، وأطراف غير مباشرة وهى الأطراف التى تشكل قوى ضاغطة لاعتبارات المصلحة أو التى لها علاقة قريبة أو بعيدة بعملية التفاوض.[26]
وقد أصبحت للمفاوضات الجماعية أهمية بالغة فى تطور العلاقات الدولية، وعقد اتفاقيات دولية جماعية نتيجة المفاوضات المباشرة بين مجموعة كبيرة من الدول، كما اتجه المجتمع الدولى إلى وضع قواعد خاصة بالمفاوضات الجماعية.[27]
وتوقف سرية أو علانية المفاوضات على اتفاق الأطراف أنفسهم، وإن كانت فى الغالب تكون سرية، بمعنى أن مختلف الإقتراحات والمذكرات التى يقدمها أطرافا النزاع لا يتم النشر عنها رغبة فى تلافى تاثير الرأي العام أو الصحافة ووسائل الإعلام. كل ذلك من أجل تسهيل التوصل غلى حل يوفق بين الأطراف المتنازعة. على أن الواقع العملى يُظهر لنا أيضاً أنه اثناء المفاوضات، وبموافقة أطرافها؛ يُعطى للصحافة ووسائل الإعلام عادة بياناً مشتركاً للنشر.[28]
ولما كان الهدف من التفاوض هو الوصول إلى حد أدنى من الإتفاق، لذلك وجب أن يكون هناك نوع من التنازل من الجانبين، فالتوصل إلى تسوية النزاع لا يخلو من المساومات والتنازلات، ونجاح المفاوضات فى الغالب يتوقف على ما تقدمه الأطراف من تنازلات، ولهذا فإن التفاوض يفترض توافر قدراً من المرونة لدى الأطراف المتفاوضة، وساعد ذلك فى مراعاة حقوق كل طرف من أطراف التفاوض ، و تتوقف معايير تقييم نجاح التفاوض علي مدي تحقيق المنافع لكلا الطرفين الروسي و الأوكراني تدليلاً ، فمن المهم التمييز بين تسوية جميع القضايا العالقة ، وبين الشيء الأكثر صعوبة في تحقيقه وهو تسوية تعود بالنفع على الطرفين..[29]
لكن كثيراً ما تدخلت الوعود والضغوط كعوامل للتاثير فى أطراف المفاوضة. وقد تأخذ الوعود شكل مساعدات اقتصادية، أو تعويضات مالية، أو دعم عسكرى، أو تأييد سياسى. وقد ترقى الضغوط إلى نوع من التهديد بإلحاق الضرر والدمار بالطرف الآخر. وقد استخدمت الولايات المتحدة هذا الأسلوب فى مفاوضاتها مع فييتنام الشمالية عندما عمدت – أثناء المفاوضات – إلى شن غارات وحشية بقصد التوصل إلى إيقاف الحرب التى كانت وبالاً على واشنطن ، كما استخدمت إسرائيل – بعد اجتياح لبنان 1982 – هذا الأسلوب أيضاً خلال المفاوضات التى كان يجريها المبعوث الأمريكى “فيليب حبيب” من أجل انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ، و المشهد الروسي الأوكراني ليس ببعيد في هذا السياق .[30]
معوقات نجاح المفاوضات الروسية – الأوكرانية
تُعد العقبة الرئيسية في نجاح المفاوضات بين الدولتين المتحاربتين المطالب المتفاوتة بين الطرفين و التي يعب مقابلتها ، فروسيا تصر علي اعتراف أوكرانيا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم ، والاعتراف بمناطق دونباس التي تحتلها روسيا كدول مستقلة ، وهذا من شأنه أن يُعادل الاستسلام غير المشروط من الطرف الأوكراني و الذي ترفضه بشده أوكرانيا .
في هذا الصدد تحاول الوساطات المختلفة التي مارستها دول عديدة في الاتحاد الأوربي و تركيا و إسرائيل أن تساعد في إنجاح المفاوضات المباشرة بين البلدين ، ولكن تثير هذه المجهودات الحثيثة تساؤلاً حول ما إذا كانت الوساطة الدولية بين روسيا وأوكرانيا ستحقق أي احتمالات أفضل للنجاح، بالنظر لفشل جهود الوساطة الدولية السابقة في حل أي من القضايا الناجمة عن غزو روسيا واحتلالها لأجزاء من أوكرانيا عام 2014.
خلال الأيام القليلة الماضية ، أظهر فشل محاولات الاتفاق حتى على ممرات إنسانية للسماح بإجلاء المدنيين مدى صعوبة إحراز تقدم في الجانب الإنساني ، حتى أكبر وأقوى منظمة في هذا المجال ، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، فشلت في جهودها لتسهيل المرور الآمن للمدنيين من مدينة ماريوبول المحاصرة.
الوسطاء الجدد الفاعلون
من الواضح أن الصين كانت غير مرتاحة بشأن التصعيد في أوكرانيا وعرضت الوساطة بين أوكرانيا وروسيا عندما يحين الوقت المناسب ، و قد يعطي هذا بعض الأمل في إمكانية أن تلعب الصين الشعبية دورًا أكثر إيجابية ، خاصة بعلاقاتها الوطيدة مع روسيا الاتحادية ، على الأقل في دفع الرئيس بوتين إلى طاولة المفاوضات وحثه على تبني موقف تفاوضي أكثر وسطية .
يمكن أن تلعب الهند أيضا دورا فاعلا في صدد تحفيز المفاوضات بين الدولتين المتحاربتين ، بالنظر الي الاهتمامات الكبيرة للهند في توازن علاقاتها مع الطرفين ، فضلا عن رعاية مصالح الآلاف من رعاياها في أوكرانيا خاصة الطلاب المبتعثين في أوكرانيا .
العامل العسكري الضاغط
في نهاية المطاف ، تبرز مصالح الطرفين المتحاربين في ضرورة إنجاح المفاوضات ، فاللحظة التاريخية حرجة لكلا الطرفين وليس لطرف واحد ، ويحدث ذلك غالبًا عندما لا يعود بإمكان أطراف النزاع تحمل الأعباء الكارثية للعدائيات العسكرية ، ناهيك عن تصعيدها ، وهنا فأي انتصار عسكري روسي في الميدان ، لا يمكن عزله عن الانهيار الاقتصادي الحاصل في روسيا ، و الأخير يعد عاملاً مرجحا لحد نسبي في فتح ولو كُوة ضيقة في المشهد التفاوضي .
المصادر:
[1]-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D9%83%D9%88%D9%86%D9%81%D8%B1%D8%A7%D9%86%D8%B3/
[2] ـ ديب عكاوى: القانون الدولى العام. دار الجندى للنشر والتوزيع، القدس 2015، ص 355.
[3] محمد طاهر أورحمون ، الجامع لاجتهاد المحاكم و الهيئات القضائية الدولية في المعاهدات الدولية ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، لبنان ، 2019 ، ص 35 .
[4] ـ ديب عكاوى: نفس المرجع ، ص 356.
[5] ـ الأمم المتحدة: دليل بشأن تسوية المنازعات.. مرجع سابق، ص 9.
[6] ـ الأمم المتحدة: دليل بشأن تسوية المنازعات.. مرجع سابق، ص 13.
[7] ـ الأمم المتحدة: موجز الأحكام والفتاوى والأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية 1948- 1991.مرجع سابق ، ص 107ـ 114.
[8] ـ المرجع السابق، ص 99.
[9] ـ صالح يحيى الشاعرى: تسوية النزاعات الدولية سلمياً. مكتبة مدبولى 2006، ص 28.
[10] ـ على زراقط: الوسيط فى القانون الدولى العام. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 2011، ص 485.
[11] ـ مفيد شهاب: المفاوضات الدولية علم وفن. ندوة المفاوضات الدولية، معهد الدراسات الدبلوماسية، وزراة الخارجية السعودية، الرياض، فبراير 1993، ص 211.
[12] ـ محمد المجذوب: القانون الدولى العام. مرجع سابق، ص 680.
[13] ـ على أبو هيف: القانون الدولى العام. ط 10، منشأة المعارف، الإسكندرية 1992، ص 730.
[14] ـ مفتاح عمر درباش: المنازعات الدولية وطرق تسويتها.. ص 64.
[15] ـ سمير معلا: بعض المسائل الساسية فى القانون الدولى الحديث. ط1، دار علاء الدين للطباعة والنشر، دمشق 2014، ص 281.
[16] ـ محمد سعد ابو عامود: التفاوض الدولى. ط1، دار الفكر الجامعى، افسكندرية 2010، ص 15، 16.
[17] ـ أسامة الباز: المفاوضات السياسية. دراسة حالة مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية. ندوة المفاوضات الدولية، معهد الدراسات الدبلوماسية، وزارة الخارجية، السعودية، فبراير 1993، ص 92.
[18] ـ محمد المجذوب: القانون الدولى العام.. مرجع سابق، ص 680.
[19] ـ اسامة الباز: المفاوضات السياسية.. مرجع سابق، ص 211.
[20] https://www.skynewsarabia.com/world/1506759-%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%94%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%AC%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D9%82%D9%88%D9%84%D8%A9%D8%9F
[21] ـ أحمد أبو الوفا: الوسيط فى القانون الدولى العام.. مرجع سابق، ص 569، 570.
[22] ـ الخير قشى: المفاضلة بين الوسائل التحاكمية وغير التحاكمية..مرجع سابق، ص 15، 16.
[23] ـ أسامة الباز: المفاوضات السياسية.. مرجع سابق، ص 93.
[24] ـ عبد الحكيم ضو زامونة: المفاوضات الدولية. العدد الأول، مجلة العلوم الشرعية والقانونية، كلية القانون بالخمس، جامعة المرقب، ليبيا 2015، ص 205، 206.
[25] ـ المرجع السابق، ص 19.
[26] ـ جمعة سعيد سرير، محمد حمد العسبلى: وسائل التسوية السلمية للمنازعات الدولية.. مرجع سابق، ص 29.
[27] ـ عبد الحميد العوضى القطينى محمد: الوسائل السلمية لتسوية النزاع الدولى. دكتوراة غير منشورة، كلية الدراسات العليا، جامعة شندى، جمهورية السودان 2016، ص 115.
[28] ـ أحمد أبو الوفا: الوسيط فى القانون الدولى العام.. مرجع سابق، ص 572، 573.
[29] ـ محمد المجذوب:القانون الدولى العام.. مرجع سابق، ص 680.
[30] ـ أمين محمد قائد اليوسفى: تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية. دار الحداثة، بيروت 1997، ص 31.