المقالات
تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على دول الساحل
- مارس 1, 2022
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: رؤى تحليلية
بقلم سعادة السفير محمد سالم الصوفي: المدير العام للمعهد الثقافي الإفريقي العربي
كما هو واضح لا توجد تداعيات مباشرة من حيث المكان للأزمة الأوكرانية على دول الساحل نظرا للمسافة، باستثناء محنة الطلاب وجاليات هذه الدول في أوكرانيا، فالتداعيات السلبية الأكيدة هي التداعيات “غير المباشرة” وهي على مراحل؛ التداعيات غير المباشرة في المرحلة الأولى هي تداعيات اقتصادية تماما مثل ما يحصل في أنحاء أخرى من العالم وفي مناطق أخرى من القارة الإفريقية نفسها.
فبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا فجر الأحد 24 فبراير 2022، أصيبت الأسواق العالمية بما يصفه الخبراء بنوبة جنون، فانخفضت أسهم وقيم البورصات وفي الاتجاه المعاكس أخذت أسعار المواد الأولية في صعود صارخي بدء بالبترول والغاز ثم إن البنك المركزي الروسي اضطر إلى التدخل من أجل إيقاف السقوط الحر للعملة الروسية الروبل.
فإن أحداث الخميس الأسود كما يسميه الإعلام هذه الأيام أدت إلى اضطرابات عميقة وحادة في الأسواق الدولية وعلى المشهد الاقتصادي الدولي قاد إلى تأثيرات عميقة واعتبرها الخبراء الاقتصاديون أشنع وأكثر ضررا من تلك التي حصلت في مارس 2020 مع دخول أغلبية دول العالم في عمليات حجر والحد من الحركة بسبب جائحة كورونا.
وعلى سبيل المثال تجاوز سعر برميل البترول 100 دولار سواء بالنسبة للبترول الأمريكي أو بترول بحر الشمال للمرة الأولى منذ 2014 كما أن الألمنيوم والقمح وصلا أرقاما قياسية ولم تكن الأسواق العالمية تتوقع سيناريو الحرب وبالتالي لم تكن مهيأة لمواجهة هذه الصدمة حسب الخبراء. علما بأن روسيا وأوكرانيا هما بلدان رئيسيان في تزويد الدول الأخرى بالغاز والبترول والقمح ومواد أولية أخرى أساسية في اقتصاديات الدول المعنية وأدت هذه الأزمة إلى تصاعد أسعار الطاقة الذي يمثل معضلة بالنسبة للدول الأوربية على وجه الخصوص وهي تعتمد بنسبة 40% من الغازو30% من البترول على مصادر روسيا.
ومن هذه الزاوية تتأثر دول الساحل الإفريقي بطبيعة الحال فقد أدت الأزمة إلى صعود صاروخي لأسعار الحبوب التي تعتمد فيها دول الساحل على روسيا وأوكرانيا على وجه الخصوص.
وبعد ساعات قليلة من انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا وتحرك الدبابات الروسية وإطلاق القنابل الأولى اندلعت أزمة أخرى هي انفجار صاروخي لأسعار المواد الأولية الزراعية على وجه الخصوص. فقد وصل سعر القمح إلى 344 أورو للطن خلال نفس اليوم على السوق الأوربي الذي تستورد منه دول الساحل ليستقر في نهاية اليوم عند 316,5 أورو مقابل 300 أورو للطن في المعدل في شهر نوفمبر الماضي وهذه أسعار تتجاوز بكثير متوسط سعر الطن الذي كان قائما طيلة 2021 واستقر في أغلب الوقت عند 200 أورو.
ويقول الخبراء إن دول الساحل بالإضافة إلى وضعيتها المقلقة سابقا بسبب العوامل المحلية المعروفة الأمنية والمناخية تواجه الآن أزمة غذائية قد تكون الأخطر منذ عدة عقود وقد تستعد هذه الدول لمواجهة تداعيات هذه الأزمة فمن المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الحبوب وخاصة القمح إلى رفع سعر الخبز وهو مادة حساسة أدت في السابق إلى أعمال شغب واضطرابات في الكثير من دول المنطقة وتعتبر هاجسًا بالنسبة لهذه الدول ذات الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتي يعيش أكثر من نصفها مراحل انتقالية في وضعية سياسية مضطربة إلى ضبابية ولم تكن مستعدة لهذه الصدمة المفاجئة.
يتوقع المراقبون إذا استمرت التداعيات السلبية للأزمة الأوكرانية الروسية على سوق الحبوب وعلى الأسواق العالمية للغلال الأخرى أن تقود في النهاية إلى اضطرار أغلب الدول إلى إجراءات تقشفية والاضطرار أيضًا إلى رفع أسعار بعض المواد الأساسية وهو ما سيؤدي دون شك إلى تحريك الشارع الشعبي الحساس اتجاه هذه الأمور.
تصاحب هذه الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية انعكاسات أخرى سياسية لا شك أنها ستزيد من النفوذ الروسي في دول المنطقة التي بدأت منذ بعض الوقت تعلن عن ربط علاقات لم تكن بهذا المستوى مع روسيا، حيث بدأ التغلغل الروسي يمتد من وسط إفريقيا حتى وصل إلى مالي، ومن اللافت أن اتشاد عرفت خلال اليومين الماضيين مظاهرات ضد الوجود الفرنسي تمت خلالها إهانة العلم الفرنسي ورفع الأعلام الروسية في شوارع انجامينا وهذا يأتي بعد المظاهرات المشابهة ضد فرنسا في جميع دول الساحل باستثناء موريتانيا حتى الآن، فقد كانت موريتانيا واتشاد هما الاستثناء لأن المظاهرات جرت في بوركينافاسو والنيجر ومالي المعروف بعلاقاته المتوترة مع فرنسا منذ بعض الوقت.
في النهاية، لا شك الآن لدى المراقبين أن الأزمة الروسية الأوكرانية تلقي بظلالها على المشهد السياسي في دول الساحل والتحولات التي يشهدها الآن، وسيتأثر هذا المشهد السياسي دون شك بالتداعيات الاقتصادية على الشارع الشعبي، ومن خلال ردود الفعل التي يتوقعها المراقبون في حالة استمرار الأزمة فترة طويلة.