المقالات
هل يصبح الحوثيين تهديدًا للملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر؟
- يناير 17, 2022
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: رؤى تحليلية
رابعة نور الدين وزير
منذ سيطرة ميليشيات الحوثي على الساحل الغربي من اليمن تصاعدت المخاطر التي تهدد حرية الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر بالإضافة إلى أنها تشكل تهديدًا لأمن المنطقة وخاصة بعد سيطرة المليشيات على كلًا من ميناء الحديدة –أكبر موانئ اليمن المطلة على الساحل الغربي-، ومضيق باب المندب، المتنفس الرئيسي لعدد من الدول الإقليمية.
فقد تمكن الحوثيين من السيطرة على ملاحة البحر الأحمر، وبعدها استغلوا هذه السيطرة في تهديد طريق ملاحي عالمي بما يعطل حركة التجارة العالمية بشكل عام عبر مضيق باب المندب الذي يعتبر أحد اهم الممرات الملاحية الاستراتيجية الموجودة في البحر الأحمر.
وعليه فسنتناول خلال التحليل التالي كيف أصبح الحوثيين تهديد للملاحة البحرية في مضيق باب المندب، ما هي الدوافع وراء ذلك وما المتوقع في ظل تصاعد العمليات والتهديدات التي يشكلونها على البحر الأحمر.
“ألغام الحوثي”……..قراءة في آخر العمليات في البحر الأحمر
يعتبر ضمان أمن واستقرار طرق الملاحة البحرية، أمراً حاسماً بالنسبة للاقتصاد العالمي، كما يعد مضيق باب المندب الفاصل بين أفريقيا وآسيا عبر البحر الأحمر، من أقل الممرات المائية استقراراً في العالم، بسبب التهديدات التي تطال تدفقات الطاقة إلى السوق العالمي، وتتمثل تلك التهديدات فيما يلي؛ الحرب في اليمن وأنشطة القرصنة والتهريب، علاوةً على ذلك، وبسبب جغرافية المنطقة، استضاف المضيق المصالح المتنافسة، حتى أصبح ساحة معركة.
وفي إطار ما سبق فقد شهد مطلع يناير الجاري 2022، تحركات في هذه المنطقة، حيث تمكنت جماعة الحوثي بالسطو المسلح من السيطرة على سفينة “روابي” الإماراتية بالقرب من مدينة الحديدة، وبحسب بيان صادر عن قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن فقد تم التأكيد على أن السفينة كانت في مهمة بحرية من جزيرة “سقطري” وحتى إلى ميناء “جزان”، وكان على متنها بعض المعدات الطبية اللازمة لتجهيز المستشفى السعودي الميداني، وقد طالبت قوات تحالف دعم اليمن بضرورة الإفراج عن السفينة بشكل عاجل وإلا تشتعل الازمة من جديد وقد عبرت العديد من القوى على المستوى الإقليمي عن رفضها لسلوك الحوثيين واعتبرته انتهاكًا سافرًا لقواعد القانون الدولي، بالإضافة إلى اعتبار دماعة “الحوثي” تهديد حقيقي لأمن الملاحة في البحر الأحمر والساحل الغربي وكان من بينهم جمهورية مصر العربية، الأردن، البحرين، الكويت.
جدير بالذكر أن عمليات الحوثي في البحر الحمر لم تكن وليدة اليوم بل تمتلك جماعة الحوثي سجلًا من العمليات على السفن البحرية والناقلات التجارية، والتي بدأت منذ عام 2016 حينما تمكنت من السيطرة على أحد السفن “سويفت” الإماراتية التي كانت تحمل المصابين من الحرب في اليمن للعلاج بالخارج، وفي ذات العام شرعت جماعة الحوثي وبشكل عشوائي في استهداف السفن الأمريكية في المياه الدولية من خلال قصفًا صاروخيًا ولكن وفقًا لتصريحات الجيش الأمريكي فإن هذا القصف لم يصب أي سفينة، فضلًا عن استهداف فرقاطه سعودية قرب ميناء الحديدة في نفس الفترة.
خلاصة القول، أن هجمات جماعة “الحوثي” على السفن في البحر الأحمر ليست حديثة العهد بل أن هجماتهم قديمة وتستهدف تعطيل حركة الملاحة العالمية بما يخالف القانون الدولي، حيث أدت مرات عدة إلى توقف النقل وعرقلة الوصول إلى إمدادات النفط عبر قناة السويس أو خط أنابيب “سوميد”، لذا تنبع المخاوف الدولية، من احتمالات تصعيد قد يخرج عن نطاق السيطرة، وذلك في حال وجه الحوثيون ضربة صاروخية على مناطق بعينها، تتسبب بوقوع إصابات أو أضرار كبيرة قد تدفع العديد من القوى للرد على إيران.
تهديدات الحوثي في البحر الأحمر… وتعثر الحوار السعودي الإيراني
إن الدور الإيراني في اليمن له بالغ الأثر منذ سنوات طويلة، فقد عملت إيران على توسيع وجودها في الخارج بداية من القرن الأفريقي إلى ما وراء وجودها في الخليج العربي والمياه الساحلية للمحيط الهندي، كما عملت على رسم خريطة جديدة لنفوذها البحري، متوسعة، وهو ما يظهر جليًا من تركز عناصر من القوات البحرية التابعة “للحرس الثوري الإيراني، وتتمركز عناصر من القوات البحرية التابعة لـ”الحرس الثوري” في خليج عدن منذ نوفمبر 2008، ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في توسع الدور الإيراني في البحر الأحمر، تنامي علاقات طهران مع الحوثيين في اليمن، حيث لعب الدعم الإيراني للحوثيين دوراً رئيساً في تحويلهم إلى ميليشيا مسلحة، تهدد الأمن القومي اليمني، فضلاً عن الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي، ودفع ذلك الوضع، التحالف العربي إلى اتخاذ إجراءات لإحباط الدور الإيراني المتنامي في اليمن، وهو ما أشار إليه الأمين العام لجامعة الدول العربية، “أحمد أبو الغيط”، إلى أن “إيران تهدف إلى السيطرة على مضيقَي هرمز وباب المندب، إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ليعكس التهديد المستمر الذي يشكله الحوثيون للملاحة في البحر الأحمر.
وهنا يمكننا القول بأن إيران تقوم بمثل هذه الأنشطة رغبة منها في الضغط على المجتمع الدولي مستخدمة هذه الورقة من أجل الحصول على امتيازات أكبر في مشروعها النووي، وعلى جانب آخر فإن مثل هذه التحركات تؤدي إلى تعثر الحوار مع المملكة العربية السعودية، وذلك لأن جهودها في دعم الحوثي يقوض الوضع الأمني في اليمن ويطيل أمد الصراع في البلاد، بما يتعارض مع الجهود المستمرة للملكة العربية السعودية في دعم الأمن والاستقرار في اليمن، فمن المعروف أن المملكة العربية السعودية قد تكبدت الكثير على مختلف الأصعدة من أجل دعم استقرار الوضع في اليمن.
كما إن اتجاه الحوثيين نحو تعطيل سفن الملاحة الإماراتية التي تعتبر حليف مهم واستراتيجي للمملكة من شأنه أن يؤدي إلى مزيج من التعثر في الحوار بين إيران والمملكة العربية السعودية، ويؤثر على أمن منطقة الخليج بالكامل بل وعلى الأمن القومي العربي.
هل يتوسع الصراع في اليمن بحرًا؟
إن امتلاك جماعة الحوثي للإمكانيات العسكرية التي تمكنهم من السيطرة على سفن في مياه البحر الأحمر، يعتبر تطور نوعي كبير لا يمكن غض الطرف عنه، فهذا يعني أن وحداتها الخاصة المزودة بزوارق سريعة، وقدرات عالية على الرصد والمتابعة، يمكن أن تتحكم بالملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومضائقه، خاصة باب المندب، وهو ما يعني إمكانية انتقال ميدان الصراع في اليمن أو توسعه بحيث يشمل المجال البحري،
خاصة بعد إعلان جماعة الحوثي الأخير -احتجازها سفينة إماراتية، مقابل ميناء الحُديدة على ساحل البحر الأحمر غربي البلاد-، وهو ما يوحي بإمكانية حدوث تصعيد بين الحوثيين ومختلف القوى التي لها مصالح في البحر الأحمر، ومن بينهم على المستوى الإقليمي إسرائيل التي ستكون حتمًا الأكثر قلقًا من هذا التّصعيد في جنوب البحر الأحمر لأن أكثر من 80 بالمِئة من صادراتها تمر عبر هذا الخطّ البحري، سواءً لدول شرق آسيا، أو القارة الإفريقية، الأمر الذي يضع جميع سفنها التجاريّة، وربما العسكرية، عرضَةً وهدفًا في المستقبل المنظور لعمليات مماثلة.
ختامًا، إن ميليشيات الحوثي تشكل خطرًا حقيقيًا في الشرق الأوسط، نظراً لتواجدها في خاصرة الخليج، الهدف الأبرز لإيران، وتمثل تهديداً حقيقياً للأمن الدولي، لتواجدها بالقرب من باب المندب، أهم الممرات المائية الاستراتيجية الذي يمر منه ثلثي إنتاج العالم من النفط يومياً. ومن ثم ومع إمكانية تصاعد التوترات الإقليمية، هناك حاجة ملحة إلى تدخل دولي نشط، يقوم على أمرين، الأول هو إنقاذ اتفاقية ستوكهولم، والثاني يضمن وقف الهجمات عبر الحدود، كما يتعين على الجهات الدولية الفاعلة، لا سيما الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، إحياء دعمهم النشط للوساطة التي تقودها الأمم المتحدة.