إعداد: شيماء عبد الحميد
منذ وصولها إلى البيت الأبيض فى مطلع عام 2021، وضعت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن هدفًا رئيسيًا لنفسها، وهو السعى إلى توسيع نطاق اتفاقيات أبراهام للسلام وتعزيز العلاقات العربية الإسرائيلية من خلال ضم دول عربية جديدة لهذه الاتفاقيات، على رأسها المملكة العربية السعودية، ومن جانبه أيضًا؛ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” منذ اليوم الأول لتولى منصبه، أن أحد أهدافه الرئيسة فى الفترة المقبلة سيكون توقيع اتفاق سلام مع السعودية.
وفى ضوء هذه المعطيات؛ كثُر الحديث فى الآونة الأخيرة عن احتمالية تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية قريبًا، حيث روجت تقارير أمريكية عدة لوجود صفقة تنظر فيها إدارة بايدن، من شأنها أن تغير كثيرًا من الأوضاع فى الشرق الأوسط، إذ تشمل هذه الصفقة توقيع اتفاق سلام بين الرياض وتل أبيب بوساطة وضمانات أمريكية، ورغم أنه لا توجد أى مؤشرات على أرض الواقع تشير إلى تغير موقف المملكة الرسمى من هذا الملف، إلا أن كثرة الحديث عن هذه الصفقة يثير العديد من التساؤلات؛ سواء فيما يخص بنودها أو دوافعها وأهدافها أو احتمالات تحقيقها بالفعل.
صفقة أمريكية شرق أوسطية جديدة:
تتهافت الولايات المتحدة من أجل تحقيق اختراق فى ملف التطبيع السعودى الإسرائيلى، حيث أطلقت سلسلة من الاتصالات على المستوى الرفيع لإحراز تقدم فيما يخص انضمام المملكة إلى اتفاقيات “أبراهام”؛ من بينها زيارة أجراها مستشار الأمن القومى “جايك سوليفان” للمملكة فى 8 مايو 2023، حيث صرح بأن واشنطن لا تزال تعمل على تحقيق هدف إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، فضلًا عن زيارة أجراها وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى 5 يونيو الماضى، أشار خلالها إلى أن بلاده ستواصل القيام بدور أساسى فى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة والتوسع فيه أكثر فأكثر، وبهذا تكون خرجت جهود الولايات المتحدة لتحقيق هذا الاختراق إلى العلن بعد أن ظلت سرية منذ مجيء إدارة بايدن.
ولم تتوقف المساعى الأمريكية عند هذا الحد؛ بل فى 27 يوليو الماضى، أوفد “جو بايدن” كلًا من “جاك سوليفان وبلينكن ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك”، إلى جدة للقاء ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، وقد أكدت تقارير صادرة عن صحيفتى وول ستريت جورنال وواشنطن بوست، أن المحادثات بين الجانبين تضمنت مناقشة الشروط المحتملة لاتفاق أمنى مرتقب بين السعودية والولايات المتحدة، من شأنه أن يؤدى إلى تسوية العلاقات بين الرياض وتل أبيب، على أن يتم تحديد تفاصيل الاتفاق بحلول مارس 2024.
وفيما يخص تفاصيل الاتفاق ومطالب الأطراف الثلاثة؛ فقد نشر الكاتب فى صحيفة نيويورك تايمز، “توماس فريدمان” بعد اجتماعه مع الرئيس بايدن، مقالًا تحدث فيه عن صفقة أمريكية كبرى فى منطقة الشرق الأوسط تقوم على اتفاق أمنى مشترك بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يتضمن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية شريطةً المطالب التالية:
أ. المطالب السعودية:
- تقديم إسرائيل تنازلات كبيرة للقضية الفلسطينية من شأنها أن تحفظ حل الدولتين؛ منها: أن تبقى القدس عاصمة لفلسطين، عودة اللاجئين، استرداد الأراضى التى تم بناء مستوطنات عليها، تقديم ضمانات بالإبقاء على سلطة الحكم الإدارى الذاتى فى الضفة الفلسطينية بكفالة أمريكية ودعم سعودى وتفاهمات مع تل أبيب، التعهد من جانب إسرائيل بعدم ضم أجزاء من الضفة الغربية أبدًا، وكذلك وقف بناء المستوطنات فى الضفة الغربية، ونقل أجزاء من المنطقة ج الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلى، إلى المنطقتين أ، ب فى الضفة الغربية الخاضعة لرعاية السلطة الفلسطينية، عدم الاستمرار بعمليات الحفر التى تحصل أسفل المسجد الأقصى، تأسيس قوة للشرطة الفلسطينية وجيش فلسطينى نظامى يشرف على المقدسات الدينية ويشرف على بناء الدولة الفلسطينية وحمايتها.
- تمكين السعودية من تملك قدرات تخصيب اليورانيوم على أراضيها تحت إشراف أمريكى؛ بحيث تحصل المملكة على مساعدة واشنطن من أجل تطوير برنامج نووى مدنى، وإقامة محطة نووية سلمية فى المملكة، من خلال تعاون كامل فى نقل وبناء وتوطين الخبرة الأمريكية فى المجال النووى السلمى.
- تزويد المملكة بأسلحة أمريكية متطورة، وخاصة بنظام اعتراض الصواريخ الباليستية “ثاد”، وبطائرات “إف-35”.
- التوقيع على آلية دفاع مشتركة (أمريكى – سعودى) ترتقى لمستوى المادة 5 فى معاهدة الناتو التى تملى الدفاع المشترك فى حالة العدوان والحرب، بحيث تكون هذه الآلية ملزمة لواشنطن بالدفاع عن المملكة ضد التهديدات الموجودة والمستقبلية فى المنطقة، على أن يتم تمرير الاتفاق بموافقة الكونجرس.
ب. المطالب الأمريكية:
- اعتراف السعودية بالدولة الإسرائيلية وإعلان التطبيع التام معها وتبادل العلاقات التجارية والأمنية وغيرها من العلاقات، بما فى ذلك تبادل البعثات الدبلوماسية.
- تقييد علاقات المملكة الاقتصادية والعسكرية المتنامية مع الصين، مثل عدم السماح للصين ببناء قواعد عسكرية على أراضى المملكة، أو الحد من استخدام التكنولوجيا الصينية، أو التعامل بالدولار وليس باليوان الصينى فى صفقات النفط.
- دعم الهدنة ووقف القتال فى اليمن، وتقديم حزمة مساعدات سعودية كبيرة للمؤسسات الفلسطينية فى الضفة الغربية.
المكاسب الأمريكية والإسرائيلية من الصفقة:
تأتى الرغبة الأمريكية والإسرائيلية المُلحة لتوقيع اتفاق سلام مع السعودية، والتى يعبر عنها مسؤولو الدولتين علنيةً بشكل متزايد فى الآونة الأخيرة، مدفوعة بعدد من المكاسب والأهداف التى ستحظى بها واشنطن وتل أبيب فى حال إتمام الصفقة، وهو ما يمكن إيضاحه على النحو التالى:
أ. مقومات سعودية جاذبة:
- استقرار الوضع السياسى والاقتصادى فى السعودية حاليًا، يجعلها جاذبة بشدة سواء بالنسبة لإسرائيل أو للولايات المتحدة.
- فى الفترة الأخيرة، وبخلاف التطور الاقتصادى، ظهرت تكتيكات سعودية مغايرة عن الأعوام الماضية، منحتها مكانة إقليمية ودولية رائدة، وقد بدأت هذه التحركات باستعادة علاقاتها مع إيران، فضلًا عن التحرك السعودى فى الأزمة السورية والتصالح مع بشار الأسد، وتقاربها المتزايد من روسيا والصين.
- تخدم التحركات السعودية أهدافها هى فقط، وهذا أصبح أمر ملفت للانتباه بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تريان حاليًا أنه من الضرورى نقل علاقاتهما مع السعودية إلى مستوى آخر متطور حتى لا يخسرا نفوذهما فى الشرق الأوسط والقضايا الإقليمية، وبالتالى؛ فهما يدركان أنهما سيكونان أكبر المستفيدين من تطور علاقتهما بالسعودية.
ب. المكاسب والأهداف الأمريكية:
- إنشاء علاقات رسمية بين السعودية وإسرائيل يمكن أن يؤدى إلى تغيير جذرى فى الجغرافيا السياسية فى الشرق الأوسط، وسيكون بمثابة فوز كبير فى السياسة الخارجية للرئيس “بايدن” بينما يستعد لحملة إعادة انتخابه فى عام 2024، وقد يحظى على خلفيته بدعم قوى من الجالية اليهودية الأمريكية.
- ضمان عدم ترك الشرق الأوسط مفتوحًا أمام نفوذ الصين المتزايد، خاصةً وأن وساطة الصين فى الاتفاق السعودى الإيرانى وجهودها لتطوير العلاقات مع إسرائيل وكذلك الإمارات، مثلت مشكلة لضعف صورة الإدارة الأمريكية فى المنطقة، وبالتالى تهدف واشنطن من وراء هذه الصفقة إلى البقاء كلاعب رئيسى فى الشرق الأوسط، من أجل عزل روسيا وإحباط جهود الصين لكسب موطئ قدم فى المنطقة.
- إنقاذ إسرائيل من نفسها فى ظل الأزمة العميقة التى تشهدها والمفتوحة على كل السيناريوهات، فنجاح هذه الصفقة يجمد الأزمة الداخلية الإسرائيلية، ويمنعها من التدهور، كما أن بدء مفاوضات جادة بين إسرائيل ودولة عربية وازنة بحجم السعودية قادر على أن ينتج زخمًا يكفى لإقناع نتنياهو بضرورة التحلى بالمرونة اللازمة للتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد فى الصراع العربى الإسرائيلى.
ج. المكاسب والأهداف الإسرائيلية:
- يمثل إقامة علاقات مع السعودية أولوية لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى صرح فى مقابلة أجرتها معه قناة العربية فى منتصف ديسمبر 2022، بأنه سيسعى لإبرام اتفاق سلام مع السعودية، لأن هذا السلام يخدم غرضين؛ حيث سيكون خطوة كبيرة نحو سلام شامل بين إسرائيل والعالم العربى، وسيساعد فى نهاية المطاف على تحقيق السلام (الإسرائيلى – الفلسطينى).
- ستحصل إسرائيل على عمليات تبادل اقتصادية ضخمة، وذلك يتمثل فى زيادة حجم التبادل التجارى بين الدول العربية وخاصة السعودية مع إسرائيل، فضلًا من دخول عمالقة الطاقة العربية فى الاستثمار فى قطاع الطاقة مثل “أرامكو وأدنوك والغاز القطرية” فى إسرائيل مثل التنقيب عن النفط أو التنقيب عن الغاز، كما قد يتم ربط إسرائيل فى المشروع السككى المحتمل بدول الخليج.
- من شأن الاتفاق الرسمى، الذى من المرجح أن يوافق عليه الكونجرس الأمريكى، أن يمنح إسرائيل ضمانات أمنية أمريكية أقوى، فى وقت تواصل إيران دفع برنامجها النووى، كما قد تنضم إسرائيل فى قوة عسكرية موحدة فى منطقة الشرق الأوسط، مما يضمن لها الجانب الأمنى.
- إقامة علاقات مع السعودية؛ باعتبارها من أكبر الدول العربية والإسلامية، بالإضافة لما لها من رمزية ومكانة دينية كبيرة، تفتح الباب لتطبيع العلاقات مع دول عربية وإسلامية أخرى.
عقبات فى طريق الصفقة الأمريكية:
بغض النظر عن موضوعية بنود الصفقة سالفة الذكر، وتفاوت احتمالات تطبيقها على أرض الواقع، هناك مجموعة من العقبات التى تقف أمام الأطراف الثلاثة؛ السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، والتى قد تعيق توقيع اتفاق سلام بين الرياض وتل أبيب بوساطة أمريكية، ومن بين هذه العقبات:
أولًا؛ من حيث الجانب السعودى:
- بقاء الموقف السعودى الرسمى من القضية الفلسطينية دون تغيير؛ فعلى الرغم من الترويج الإعلامى الغربى والإسرائيلى لاقتراب تسوية العلاقات السعودية الإسرائيلية، لا تزال القضية الفلسطينية فى أولى أولويات الاهتمام السعودى من بُعدين؛ عربى وإسلامى، ولا يزال موقف المملكة من القضية ثابت، وقائم على المبادرة العربية التى أطلقتها الرياض فى قمة بيروت العام 2002 وحظيت بالإجماع العربى، والتى تنص على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل الاعتراف وتطبيع العلاقات بين العواصم العربية وتل أبيب.
وقد أكدت السعودية على موقفها هذا بشكل رسمى وعلنى؛ حيث فى مطلع مارس 2022، صرح ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، فى مقابلة أجرتها معه مجلة “ذى أتلنتك” الأمريكية، بأن المملكة لا تنظر لإسرائيل كعدو، بل كحليف محتمل فى العديد من المصالح، لكن يجب أن تُحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك، كما سبق وأن أكد وزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان، فى يناير 2023، أن بلاده تعتقد أن التطبيع مع إسرائيل أمر يصب فى مصلحة المنطقة إلى حد كبير، ولكن سيتحقق ذلك فقط من خلال منح الفلسطينيين الأمل والكرامة، مشددًا على أن ذلك يتطلب إعطاء الفلسطينيين دولة، وأن تلك هى الأولوية.
كما أحدثت المملكة اختراقًا فى القضية الفلسطينية مؤخرًا، يتماشى مع موقفها الرسمى المعلن، حيث قررت المملكة تعيين سفيرها فى الأردن نايف السديرى، كأول سفير غير مقيم للرياض فى فلسطين، وكذلك أول قنصل عام غير مقيم فى القدس، وقد قدم “السديرى” يوم 12 أغسطس الجارى، أوراق اعتماده إلى المستشار الدبلوماسى لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مجدى الخالدى.
ويُعتبر هذا التعيين رسالة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل، مفادها أن السعودية لن تتخلى عن القضية الفلسطينية، وأنها تتمسك بحق الفلسطينيين فى دولة كاملة السيادة، كما أن الخطوة السعودية تشكك فى حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخير بأن القضية الفلسطينية ليست جزءًا بارزًا من مفاوضات التطبيع بين البلدين، وقد أثار التحرك السعودى غضب وزير الخارجية الإسرائيلى “إيلى كوهين”، الذى أكد أن إسرائيل لن تسمح بفتح بعثة دبلوماسية سعودية لدى السلطة الفلسطينية.
- العلاقات الفاترة بين ولى العهد السعودى والرئيس الأمريكى؛ استمرار العلاقات الفاترة بين الرئيس الأمريكى جو بايدن، وولى العهد السعودى محمد بن سلمان، قد يعوق دور الوساطة الذى تلعبه واشنطن فى هذا الملف.
- إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة صينية؛ والتى ساهمت فى بداية فترة جديدة فى العلاقات الثنائية بين البلدين، وجاءت ضمن سلسلة من المصالحات الإقليمية فى المنطقة، مما قد يفتح المجال أمام السعودية لحل مشكلة اليمن وتخفيض حدة التوتر فى المنطقة، وتقلل هذه التطورات من حاجة السعودية على المدى المنظور لتطبيع علاقتها مع إسرائيل والتى قد تشوش فترة المصالحة الجديدة مع إيران، والتى تصب فى صالح السعودية ضمن رؤيتها 2030.
ثانيًا: من حيث الجانب الإسرائيلى:
- وجود أكثر الحكومات اليمنية تشددًا فى إسرائيل؛ تشترط السعودية الحصول على تنازلات إسرائيلية كبيرة تجاه الفلسطينيين من أجل تسوية العلاقات مع تل أبيب، ولكن من غير المرجح أن تقدم الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب “الليكود” المؤيد للضم إلى حد كبير والعديد من الأحزاب المتطرفة الأصغر، تنازلات كبيرة تجاه الفلسطينيين، كما أن موافقة “نتنياهو” على الصفقة الأمريكية قد تقود إلى انهيار حكومته.
وقد عبر عدد من مسؤولى الحكومة الإسرائيلية اليمنية المتشددة، رفضهم للتطبيع مع السعودية فى ضوء المطالب المفترضة سالفة الذكر؛ حيث أكدت أوريت ستروك، العضو فى الحزب الصهيونى الدينى اليمينى والتى تشغل منصب وزيرة المهمات الوطنية، أن الحكومة الإسرائيلية لن تقدم أى تنازلات فى الضفة الغربية، كما عارض زعيم المعارضة الإسرائيلية “يائير لابيد”، أى اتفاق يمنح السعودية أسلحة متقدمة وقدرة على تخصيب اليورانيوم، بدعوى تهديده لأمن إسرائيل والمنطقة.
ومن جانبه؛ أكد مستشار الأمن القومى الإسرائيلى “تساحى هنغبى”، أن الطريق لا يزال طويلًا لإقامة علاقات بين السعودية وإسرائيل، وأن الاتفاق الكامل بين البلدين ليس قيد المناقشة، كما أشار “هنغبى” إلى أن إسرائيل لن تقبل بأى شيء يقوض أمنها.
- العلاقة المتوترة التى تجمع بين نتنياهو وبايدن؛ فقد واصلت الولايات المتحدة رفع الصوت عاليًا حول الممارسات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، ولا سيما أنشطة الاستيطان، وأهمية الحفاظ على هدف حل الدولتين الطويل الأمد، مهما بدت هذه الفكرة صعبة التطبيق، كما أن السعى المحموم لسياسيى اليمين المتطرف فى ائتلاف “نتنياهو” الحاكم لتطبيق مشروع الإصلاحات القضائية أثار أيضًا ردود فعل صاخبة من الإدارة الأمريكية وقطاعات واسعة من المجتمع اليهودى الأمريكى، وقد دفع هذا الشرخ المتنامى بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الرئيس الأمريكى إلى الامتناع عن دعوة نتنياهو إلى زيارة واشنطن، ما يُعد تطورًا كبيرًا نظرًا إلى العلاقات الوطيدة التى تربط بين إسرائيل والولايات المتحدة تاريخيًا.
ثالثًا: من حيث الجانب الأمريكى:
- الرفض الأمريكى لشرط السعودية بتخصيب اليورانيوم؛ حيث ترفض الولايات المتحدة أن يكون لأى بلد من بلدان المنطقة قدرات خاصة لتخصيب اليورانيوم، لأن هذا قد يفتح الطريق أمامه لصنع أسلحة نووية فى المستقبل، وقد يدفع نحو تشجيع بلدان أخرى فى المنطقة على فعل ذلك، وبالتالى تقترح واشنطن أن تتخلى السعودية عن مطلب تخصيب اليورانيوم بنفسها وأن تستورده من الولايات المتحدة، وتطور بذلك برنامجها النووى المدنى الذى يبقى تحت رقابة أمريكية، لكن لا يبدو حتى الآن أن السعودية مستعدة لقبول هذا الخيار.
ولا يُغفل فى ذلك موقف إيران التى لن تصمت إذا شاهدت السعودية تحصل على التكنولوجيا النووية الأمريكية، بدعم رسمى من واشنطن، حيث يُتوقع أن تقوم بتسريع برامج تخصيب اليورانيوم الخاصة بها، ومن المحتمل أيضًا أن توثق روابطها الخاصة مع روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية أو الثلاثة جميعًا، بشكل غير مسبوق، كرد على الصفقة الأمريكية السعودية الإسرائيلية.
- موقف مجلس الشيوخ من الضمانات الأمنية التى تنص عليها الصفقة؛ فربما يكمن التحدى الأكبر فى واشنطن فى مجلس الشيوخ، الذى سيحتاج إلى الموافقة على الشراكة الأمنية الرسمية التى تسعى إليها المملكة العربية السعودية، فى حين أنه من المتوقع أن يكون هناك معارضة كبيرة من اليسار التقدمى بين الديمقراطيين والفصيل الجمهورى اليمينى المتشدد.
وقد انعكس هذا الرفض المتوقع للصفقة من جانب الكونجرس فى تصريح السناتور الأمريكى “كريس مورفى”، والذى قال فى أواخر مايو 2023، إنه حصل على تعهد علنى من “باربرا ليف”، المسؤولة عن الشرق الأوسط فى وزارة الخارجية، بأن الإدارة لن تقدم أى ضمانات أمنية للسعودية من دون السعى للحصول على موافقة الكونجرس أولًا، هذا إلى جانب عنصر مهم فى هذا الملف قد يقف عقبة أمام التزام واشنطن بالمطالب السعودية الأمنية؛ ألا وهو ضرورة التزام الولايات المتحدة بمبدأ الحفاظ على التفوق العسكرى النوعى الإسرائيلى فى المنطقة، والذى من شأنه أن يحظر تقديم أنواعًا معينة من الأسلحة الأمريكية إلى السعودية.
وإجمالًا:
لا يوجد شيء مستحيل فى مجال السياسة، وما يشهده الشرق الأوسط من تطورات جيواستراتيجية متلاحقة، كانت غير متوقعة من جانب عديد من الخبراء والمراقبين فى وقت حدوثها، يدل على أنه لا يمكن القول بأن توقيع اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل دربًا من المستحيل، ولكن هناك عدة حقائق يمكن التمسك بها والبناء عليها فى هذا الملف؛ الأولى أن الطرف (الأمريكى – الإسرائيلى) هو المتلهف لتوقيع مثل هذا الاتفاق وليس السعودية، ومن ثم؛ فالكرة الآن فى ملعب تل أبيب وواشنطن، والأمر متروك لمدى استجابتهما للمطالب السعودية، والثانية أن المملكة لن تقبل بتطبيع دون تنازلات كبيرة تعيد آمال حل الدولتين من جديد، وذلك إدراكًا منها بمدى حساسية وأهمية موقعها فى العالم العربى والإسلامى، والثالثة أن الولايات المتحدة ستكون واهمة إذا اعتقدت أنها قادرة على تحقيق اختراق فى هذا الملف فى ضوء المعطيات سالفة الذكر والتى تمثل عقبات أمام أى تطبيع (سعودى – إسرائيلى).