المقالات
لم ينضم للمدنيين ولا للمجلس السيادي: تحديات المشهد السياسي بعد استقالة حمدوك
- يناير 9, 2022
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: حسناء تمام كمال
منذ أكتوبر الماضي و المشهد في السودان لا يتوقف عن التحرك والتغير السياسي، فبعد ما بدا أنه رأب للصدع بين التيارين المدني والعسكري بالاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، بدلًا من الحكومة التي أعلن عزلها في 25 أكتوبر، بيد أن صراع كامن بين الفصيلين كان مستمرًا، لينهيه رئيس الوزراء بحل أحادي معلنًا استقالته بشكل نهائي من منصبه.
“لا تأتي مكاسب الثورات حزمة واحدة” ، هذا ما أغفله رئيس الوزراء حمدوك قبل استقالته ، فالبيان الذي أعلن فيه استقالته، و أبدى فيه تفهمه لطبيعة المطالب الخاصة بـ الثورة السودانية ، وكذلك لمكونات المشهد السوداني ، وطبيعة التحديات التي تواجه المرحلة الانتقالية في السودان داخليًا وخارجيًا، أغفل هذه الحقيقية ، ولا شك أن المشهد يتجه نحو المزيد من عدم الاستقرار في الداخل السوداني.
أولًا: لماذا لم يُوفق “حمدوك” في قرار الاستقالة
فرصة مهدرة : بالرغم من التحديات التي أشار إليها حمدوك في خطابة والتي لا خلاف عليها ، والتي نتج عنها عزله من منصة ، واستقالته الأولى والاحتجاجات في الشارع السوداني ، إلا أن كل هذه التحديات كانت متضمنة في داخلها فرصة ، وهي أنه ما زال -آنذاك- رئيسًا للوزراء ، ويمتلك من الصلاحيات مايمكنه من إعادة صياغة المشهد بما يضبط الموازين لصالح الفصيل المدني ،خاصة في ظل القبول الذي كان يحظى به حمدوك،
حياد سلبي: من ناحية أخرى وفيما يخص موقف رئيس الوزراء، فيمكن وصف موقفه بأنه حياد سلبي ، كموقف الدول التي تمتنع عن التصويت في المنظمات الدولية ، وبالتالي فتأخذ دولًا القرار نيابة عنه، فحمدوك بقرار الاستقالة لم يعبر عن المدنيين باستمرار م واصل تمثيلهم في السلطة ، كما لم ينضم للمجلس الانتقالي السيادي ويستكمل خارطة أكتوبر التي وقعت مع رئيس المجلس السيادي، وترك قيادة المشهد لآخرون.
ترك الساحة دون بديل: بالرغم من أن القائد العام للجيش السوداني ، عبد الفتاح البرهان ، وعد بتنظيم انتخابات نزيهة في خطاب ألقاه وتأكيده إن البلاد تمر بحالة صعبة ، وتواجه تحديات وأزمات ، وهذه التحديات والأزمات هي في الواقع تهديدات وجودية لا يمكن تجاهلها ، وتعويل حمدوك على الخيار ذاته إلا أن الانتخابات كعلاج غير مضمون ان إجراءها بمفرده قادر على حل الأزمة ، فإجراء انتخابات جديدة والأرضية السياسة والدستورية غير ممهدة أمر أثبتت تجارب دول الجوار في التحول الديموقراطي عدم جدواه .
ثانيًا: تحديات المشهد السوداني بعد الاستقالة
لا شك أن قرار استقالة حمدوك أضفى المزيد من التوتر والتحديات على المشهد السياسي السوداني ، في توقيت هو في أمس الحاجة لاستبعاد أي تحديات جديدة ، هذه التحديات متنوعة منها السياسي والاقتصادي والأمني، لكن يبقى أكثر حضورا في الفترة المقبلة ولحين الاستقرار على بديل لحمدوك هو التحديات السياسة ومن هذه التحديات ما يلي:
خلو الساحة من الكوادر المدنية : إن اختيار رئيس وزراء مدني جديد ليس بالأمر اليسير ، خصوصا أن لا يوجد على الساحة السودانية ترشيحات لخيارات عديدة تلائم المرحلة ، وقادرة على التوافق مع المجلس السياسي ، والتعبير عن متطلبات الشارع السوداني في الآن ذاته، وبالتالي فإن فيبقي قبول من يحل محل حمدوك أمر محل اختبار.
تمسك تجمع المهنيين السودانيين بمطالبهم فيما يتعلق بالحكومة : تعتبر مطالب تجمع المهنيين باختيار حكومة مدنية انتقالية لمدة أربع سنوات مطلب غير واقعي وغير عملي لأنه بذلك سيوجد حكومة مختارة ، وبالتالي سيخلق إشكالية جديدة حول شرعيتها ، وتصدير فلسفة البناء من جديد ستفتح باب لتطبيقات مماثلة في مختلف المؤسسات.
خلل في موازين الفصائل السياسية : لا شك أن استقالة حمدوك أخلت بتوازن القوى بين الفصيل السياسي والعسكري ، ولا شك أن في ظل عدم التوزان هذا قد تتطغى تفضيلات الفصيل العسكري على اخيار رئيس الوزراء ، وهذا في حد ذاته قد يكون إشكالية جديدة ، يجب أن يعمل المجلس السيادي على تفاديها.
مرحلة الطوارئ: سيقود قرار الطوارئ الذي أعلنه البرهان في أكتوبر الساحة السياسية في السودان. ويرجع ذلك إلى تزايد أعداد المتظاهرين في شوارع الخرطوم وعملية قطع الاتصالات والإنترنت المستمرة من حين لآخر. وتزامن ذلك مع إغلاق الجسور وانتشار مكثف لقوات الأمن على الطرق والمواقع الرئيسية. واستمرار تعليق أحكام وثيقة الإعلان الدستوري.
التأثير علي القضايا السودانية الحيوية وتأثر دول الجوار:
- النزوح إلى مصر : باستمرار المظاهرات تزداد مؤشرات عدم الاستقرار السياسي في السودان ، بل يمتد غياب الأمن المجتمعي إلى نطاقات أوسع ، ومعه يرجح أن تشهد السودان في المرحلة القادمة تزايد في معدلات النزوح لدول الجوار ، وعلى رأسها مصر ، وهو ما يمكن اعتباره خروج للتحديات السودانية من الداخل السودان ، لتؤثر بشكل فعلي على دول الجوار .
- مزيد من التعثر لمفاوضات سد النهضة : أن استمرار الوضع المتأزم في أثيوبيا ، كذلك في السودان ، في دولتي من أصحاب قضية سد النهضة ، لا شك أن يؤدي إلي تأخر استكمال المفاوضات في السد، سواء بشكل غير مقصود بحكم تحديات حقيقية في السودان، أو قد يكون ذريعة للمطالبة بالإرجاء من جانب أثيوبيا.
- تحديات أمنية متعلقة بالحدود مع أثيوبيا: لم تغادر القوات المدنية والثورية شوارع السودان ، واستمرار حالة الاستنفار الأمنى بالعاصمة والمدن السودانية ، مع استمرار التوترات الحدودية مع إثيوبيا ، يجعل استمرار هذه التوترات الداخلية مهدد حقيقي لأمن الحدود السودانية الأثيوبية.
إجمالا يمكن القول أن لا خلاف على أن المشهد السوداني يواجه تحديات جمة ، وهذه التحديات رغم تزامنها إلا أنها مألوفة في أوقات التحول الديمقراطي وبعد الثورات؛ لتعدد الرؤى حول الإصلاح، رغبة كل طرف في تطبيق نموذج ، والتعامل مع هذه التحديات يتطلب صلابة في المواقف وإدراك لطبيعة المرحلة ، من ثم فيمكن القول بأن قرار حمدوك بالاستقالة ، يمكن تفهم الظروف المحيطة به لكن يبقى تأييده مستبعد.
أن أهم ما ميز الثورة السودانية واتفاق السلام فيها، أن الأطراف اقتنعوا أن المرحلة الانتقالية ، لا يمكن أن تتم دون شراكة بين الفصائل المختلفة ، ويبدو أن هذه القناعة بحاجة لإعادة تأكيد، فخيار أن يسير المشهد بدون الفصيل المدني ، أو العسكري خيار غير واقعي، إبعاد أيًا من الفصيلين للآخر سيؤدي إلى تضييق الأفق والوقوع في سلسلة الإقصائات التي يمكن أن تطال كل فصيل داخليًا على حدا.
كما أن القول بأن إبعاد أو حتى تمييع موقف المدنيين من قيادة المرحلة الجارية لصالح العسكريين ، أمر يخل بصحة المشهد السوداني القائم على تغييرات بعد الثورة ، وبالمثل للفصيل العسكري فإن إلدعوة إلى إقصائه غير واقعية لا تأخذ في الاعتبار المقومات الضعيفة للمؤسسات في السودان، والتي يعد الجيش أكثرها تماسكًا.
من ناحية ثالثة فإن استمرار القوى المدنية المتظاهرة بالتعويل على الشارع في الاستجابة للمطالب أمر غير عملي، وسينتج عنه استنزافها للوقت والجهد ، فعدم ترشيد أداءة اللجوء إلى الاحتجاجات قد يؤدي إل أن تفقد ” الاحتجاجات ” قوتها كورقة تفاوضية ضاغطة يستخدمها المدنيين ، كما سيعيد أعمال العنف مجددا ، ومنه الابتعاد كليا عن مسار التحول الديمقراطي.