المقالات
غموض المشهد السياسي الإثيوبي كيف يؤثر على الملفات الجيوسياسية
- يناير 4, 2022
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
رابعة نور الدين وزير
إن العالم مشغول حول الوضع في إثيوبيا هذا الانشغال يدور في محاولة لإيجاد إجابة للتساؤل الذي يدور في إطار كيف يمكن أن تؤثر الحرب الاهلية الدائرة في إثيوبيا على استقرار ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان؟، وعلى صعيد آخر نجد أن الوطن العربي وإفريقيا باعتبارهم محيط إقليمي لإثيوبيا أيضًا منشغلين ببعض الأسئلة كما يلي؛ ما هو تأثير هذه الحرب على منطقة القرن الإفريقي، وما هو مصير ملف “سد النهضة” في ظل تطورات الأوضاع في إثيوبيا، هل يتجه إلى مزيد من التعقيد، أم ستستأنف المفاوضات؟ وللإجابة على هذه الأسئلة لابد من المرور على الوضع في إثيوبيا الآن، وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ظل المواقف الدولية والتغيرات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي.
قراءة في وضع الصراع الإثيوبي الآن ما الذي قلب سير الحرب
بالمرور على تطورات الوضع العملياتي في ساحة القتال الإثيوبية، نجد أن العملية العسكرية الأولى التي أعلن عنها “آبي أحمد”، في مطلع شهر نوفمبر 2021 والتي تستهدف قيادته للجيش الإثيوبي لمواجهة جبهة تحرير تيجراي، حيث كان يرى أن هذه الجبهة لا تعبر عن مصالح الإقليم وإنما تعبر عن مصالحها الخاصة، كما أن وجودها يقوض الوضع الأمني ويهدد استقرار البلاد، وعليه فقد دعي المدنيين من قبل في أغسطس 2021 لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمشاركة القوات الإثيوبية في حربها ضد متمردو “الجبهة”، الذين أنبنت عقيدتهم القتالية ضد قوات الحكمة على مجموعة فرضية أهمها اعتبار “آبي أحمد” مغتصب للسلطة، ويريد اقصاء الجبهة بعد فترة حكم امدت لأكثر من ثلاثين عام، بالإضافة إلى محاولته لتغيير دستور البلاد 1994، الذي ينص على أن إثيوبيا دولة فيدرالية، وأن السلطة تجتمع في يد الأقاليم وليست في يد الحكومة الفيدرالية كما هو معمول به في ظل حكومته.
وعليه فقد تم إعلان بدء العملية العسكرية الأولى ضد “جبهة تحرير تيجراي” والتي استمرت لأسبوعين استطاعت خلالها القوات الإثيوبية السيطرة على عدة مدن كانت تابعة للإقليم، وكان من بينها منطقة “غاشانا أربيت”، التي تعد محورًا إستراتيجيًّا يربط 4 مدن كبرى في إقليم أمهرة، بالإضافة إلى منطقة “لاليبيلا” المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي -والتي استعادتها الجبهة مرة أخرى بعد مرور 11 يوم على سيطرة الجيش الإثيوبي- ، بالإضافة إلى بلدتين إستراتيجيتين، وبعد أن حققت الجبهة نجاحات في عدة أقاليم ووصل زحف القوات التابعة للجبهة إلى ما يقرب من 300 كيلومتر من العاصمة “أديس أبابا” إلا أن الوضع تغير واضطرت القوات التابعة للجبهة إلى العودة مرة أخرى لشمال البلاد.
وقد نتج عن هذه الحرب الطاحنة إلى تدهور الوضع الإنساني في البلاد وسقوط عشرات الألاف من الضحايا ونزوح ما يزيد عن مليون فرد، بالإضافة إلى وقع 3.7 مليون فرد لأزمة توفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية.
تحول دراماتيكي في الصراع الإثيوبي يغير موازين القوى
تفاوت حجم الدعم الخارجي لأطراف الصراع، فعلى الرغم من تحالف “الجبهة” مع العديد من القوى والتيارات السياسية ومن بينها “جيش تحرير أوروميا”، “الحزب الوطني الديمقراطي العفري”، “الحركة الشعبية لتحرير بني شنقول”، “الحركة الشعبية لتحرير أوغادين” ولعل كل هذه التيارات جمعها هدف واحد وهو أن لديها مطالب انفصالية قديمة وتتجدد بشكل مستمر للانضمام للسودان أو الصومال، كما أن جميعهم ذات اغلبية مسلمة، وبالتالي فمن الممكن أن يتحدوا معًا بدعم من أي قوى أو دول خارجية فإنه سيجعل الوضع في إثيوبيا أكثر تأزمًا، ولعل ذلك ما يفسر دعوة “أبي أحمد”، للتعبئة في صفوف المدنيين وانضمامهم للجيش الاتحادي.
وعلى الرغم من ذلك فقد تبين من خلال تتبع مسرح العمليات خلال ديسمبر 2021، نجد ان حجم الدعم الذي تتلقاه هذه القوات بالإضافة إلى عددها والذي قدر بحوالي 25 ألف جندي، بالإضافة إلى التجهيزات العسكرية، لم تصل لمستوى التسلح والدعم العسكري الذي حصلت عليه قوات الحكومة الفيدرالية وهو ما ظهر جليًا باعتراف من الجبهة في بيانها الموجه للأمم المتحدة في 3 ديسمبر 2021 لحث الحكومة على وقف إطلاق النار وحظر الطيران الجوي فوق الإقليم، فعلى الرغم من الانتصارات الاستراتيجية التي حققتها الجبهة على مدار أشهر إلا أن “الطائرات المسيرة” كان لها دور كبير في إحداث تحول دراماتيكي في الصراع، نتج عنه سحب القوات التابعة للجبهة والمطالبة بالجلوس على مائدة المفاوضات.
الطائرات المسيرة وتحقيق التفوق النوعي، لعبت الطائرات المسيرة “الدرونز” دورًا هامًا خلال الحرب الإثيوبية فقد تمكنت الحكومة الإثيوبية من عقد صفقات مع تركيا بقيمة 95 مليون دولار في أغسطس 2021 بموجب اتفاق تعاون بين البلدين، فضلًا عن الدعم الإيراني الذي تمثل في استمرار الطائرات الإيرانية رحلاتها لأديس أبابا بهدف توريد الطائرات من دون طيار للمشاركة في الحرب الإثيوبية، وهو ما دفع واشنطن إلى مطالبة آبي أحمد بإيقاف تلك الرحلات بسبب تورط فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في هذه العملية، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وأديس أبابا خلال الفترة الأخيرة، فضلًا عن الصين التي عبرت من خلال زيارة وزير خارجيتها لإثيوبيا خلال نوفمبر 2021 عن استمرار الدعم الصيني للنظام الحاكم في أديس أبابا سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وهو ما يعزز التقارير التي تفيد بإمداد بكين لأديس أبابا بشحنات من الطائرات من دون طيار، وغيره من مظاهر الدعم الدولي والإقليمي.
رغبة الجبهة في الحصول على دور في التسوية السياسية المقبلة، لعل أحد دوافع الجبهة للتراجع يتمثل في رغبتها في الضغط على إثيوبيا من قبل المجتمع الدولي للانخراط في الحوار الوطني عقب تشكيل الحكومة الفيدرالية للجنة الحوار الوطني، بهدف ضمان التواجد ضمن العملية السياسية في إثيوبيا حال البدء في عملية المفاوضات لتسوية الصراع، وتفويت الفرصة على “آبي أحمد” وحلفائه من إقصائها نهائيًّا من المشهد الإثيوبي.
الضغوط الدولية واستمرار توقيع العقوبات الاقتصادية، أعلنت الأمم المتحدة في بيانها الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 2021، أن كافة أطراف الصراع الإثيوبي تقوم بعمليات انتهاك لحقوق الإنسان، كما أعطت الضوء الأخضر لانطلاق آلية تحقيق دولية في الممارسات؛ لمنع انتشار العنف والصراع على مستوى إقليمي يصْعُب احتواؤه، كما أن الولايات المتحدة الامريكية ما زالت تضع إثيوبيا في قائمة الدول المستبعدة من قانون “أغوا” الاقتصادي الذي يعفى عدد من السلع الإفريقية من رسوم الدخول إلى السوق الامريكية.
لماذا تراجعت النداءات الدولية المنددة بالوضع فلي إثيوبيا؟ وهل يشكل فرصة لفاعلين أخرين؟
نجد أن تحركات “آبي أحمد” الأخيرة تجاه “جبهة تحرير تيجراي” قوبلت بصمت دولي على عدة أصعدة وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية حيث أن النداءات عند مقارنتها في بداية اندلاع الحرب كانت واسعة وشديدة اللهجة وعلى عدة مستويات، ولكن مؤخرًا نجد أن المجتمع الدولي قد سكت عن الصراع الإثيوبي، بصرف النظر عن الترحيب الكبير الذي لاقته قرارات الانسحاب والتراجع من ساحة القتال إلا أنه في الوقت الحالي يعتبر ملف الصراع الإثيوبي مسكوت عنه بين مختلف الوحدات الدولية.
ولعل هذا الصمت يأتي في إطار السماح لحكومة “آبي أحمد” بإعادة ترتيب أوراقها وإدارة الصراع الداخلي في البلاد، ومحاولة وضع إطار لتسوية سياسية ترضي جميع الأطراف، حيث أن تراجع الطرفين عن الزحف والاستمرار في القتال يمثل بادرة أمل لكثير من الدول لأنه أنقذ البلاد من السقوط في الهاوية حتى وإن كانت التهدئة لا ضمانات لها في الوقت الحالي إلا انها خطوة إيجابية، خصوصًا وأن إثيوبيا حليف إستراتيجي في القرن الإفريقي وتشارك بشكل فعال في عمليات التهدئة ومحاربة الإرهاب في المنطقة كما تشارك ببعض قواتها في قوات حفظ السلام أيضًا، كما أنه في حالة لو لم تهدأ الأوضاع في إثيوبيا فإن ذلك ينذر بانفراط عقد المنطقة.
على صعيد آخر قد يشكل الصمت الدولي الذي يخيم على الملف الإثيوبي، فرصة لكلًا من الصين وتركيا وإيران وإسرائيل للعب دور أكبر على الساحة الإثيوبية، خاصة وأن هذه الدول دعمت بالفعل الحكومة الفيدرالية بالعدة والعتاد لمواجهة “قوات تحرير تيجراي” وبالتالي فإن صمت المجتمع الدولي يعتبر فرصة كبيرة لهذه القوى بالإضافة إلى قوى إقليمية أخرى لتوسيع نطاق علاقتها بإثيوبيا، كمفتاح لدعم وجودها في منطقة القرن الإفريقي بالكامل سواء على المستوى الاقتصادي- العسكري- الأمني وغيره، وهذا سيفيد الصين كثيرًا في ظل التنافس الصيني الأمريكي المحموم بين الطرفين.
الانسحاب لا يغير حقيقة عدم حسم الصراع… فرص عودة الحرب مجددًا وعوائق تثبيت التهدئة؟
بالنظر إلى التطورات النوعية، فعلى الرغم من اتجاه منحنى الصراع الإثيوبي نحو التهدئة في الوقت الحالي وإعلان الطرفين وقف العمليات العسكرية، إلا أن خيار عودة الحرب مجددًا مطروح على الساحة، فمن الممكن أن يكون انسحاب جبهة تحرير تيجراي مجرد إجراء تكتيكي الهدف منه هو إعادة تعبئة القوات والمعدات والعودة مرة أخرى لساحات القتال فقد أثبتت الحرب التفوق الكبير لجبهة “تحرير تيجراي” في مقابل القوات الإثيوبية الحكومية التي اعتمدت على عدة مقومات وعوامل خارجية منها قوات من أقاليم مجاورة وعلى رأسهم “إريتريا” والاستعانة بالطائرات النسيرة والمعدات العسكرية من دول مختلفة.
كما يمكن أن يكون إعلان الجبهة الانسحاب يأتي في إطار البحث عن أطراف خارجية داعمة في مقابل الحكومة الإثيوبية، وخاصة أن التطورات النوعية التي طرأت على ساحة القتال ليست مستحيلة الحدوث بالنسبة للجبهة فمن الممكن أن تحصل على الدعم العسكري الخارجي أيضًا.
صيغة بيان الانسحاب من الطرفين، فعلى الرغم من أن الوضع يبدو وكأن الحرب وضعت اوزارها إلا أنه بالنظر لصيغة بيانات الانسحاب نجد أن إعلان الحكومة الإثيوبية تضمن ان قواتها لن تتقدم إلى “تيجراي” ولكن هذا الموقف من الممكن أن يتغير في حالة تعرض السيادة الإقليمية للتهديد، كما أن البيان الحكومي لم يتضمن بند وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى أن سياسة “آبي أحمد” في التعاطي مع هذا الملف لم تنطوي على تقديم تنازلات حتى في فترة تراجع قواته فلماذا يقبل بها الآن!
وعليه فإن القلق ما زال موجود ما لم يحسم أمر الصراع من خلال خطة ومسار واضح للحوار الوطني المزمع تشكيله وبرعاية أممية، تشمل كافة الأطراف بما فيهم “إريتريا”، لذا فإن مزيد من الاستقرار في إثيوبيا مرهون بالتسريع في المباحثات بين أطراف الصراع.
هل تتوسع نفوذ إثيوبيا كقوة إقليمية في القرن الإفريقي والشرق الأوسط؟
في حالة استمر منحنى الصراع في الهبوط ولم تشهد البلاد موجة أخرى من الاضطرابات بين الحكومة الفيدرالية وبين “جبهة تحرير تيجراي” فمن المؤكد أن يكون للحكومة الإثيوبية دور كبير في العديد من الملفات الإقليمية التي تعج بمنطقة القرن الإفريقي، حيث أن القرن الإفريقي يضم 8 دول ويبلغ عدد سكانهم 250 مليون نسمة، تعتبر إثيوبيا أكبرهم من حيث الكثافة السكانية التي تبلغ 115 مليون نسمة، وهي الدولة الأكثر فاعلية وتحركًا في هذا المحيط، وقد شهدت منطقة القرن الإفريقي ثلاث تغيرات والأخير يتعلق بانبثاق دولة “صوماليا لاند” التي وإن كانت لا تحظي باعتراف دولي إلا أنها صارت أمرًا واقعًا في خريطتها السياسية خلال الثلاثين عامًا الفائتة تمثلت في استقلال إريتريا عن إثيوبيا واستقلال جنوب السودان عن السودان، ومازالت تعاني هذه الدول من العديد من الصراعات والأزمات، وبالتالي فإن التأثير والتأثر في هذا المحيط شديد التقارب حتمي، وعليه فبالتأكيد اتجاه الوضع الإثيوبي يؤثر على العديد من الملفات بالمنطقة كما يلي: –
ملف التسوية السودانية، بالطبع إن هدوء الوضع في إثيوبيا من شأنه أن يؤثر على ملف التسوية السياسية السوداني، خصوصًا وبحكم التقارب الجغرافي بين البلدين نجد أنه مع تصاعد الصراع الإثيوبي فإن السودان معرضة لخطر كبير يتعلق بالنزوح واللجوء، بالإضافة إلى تأجج النزاع الحدودي على إقليم “الفشقة” بين البلدين، ولكن مع الاتجاه نحو التهدئة فإن ذلك يساعد في دعم الوصول لتسوية سياسية في السودان ويخفف من حدة التوترات الإقليمية التي من الممكن أن تتعرض لها.
دور أكبر لإثيوبيا في الصومال، إن نجاح استراتيجية “آبي أحمد” في مواجهة “تيجراي” وما ترتب عليها بالإضافة إلى عوامل أخرى من تهدئة للأوضاع من شأنه أن يمهد لدور إثيوبي أوسع في الصومال، فهدوء الأوضاع ستمكنه من مواصلة مشاركته في الحرب على الإرهاب المتمثل في “حركة الشبان الملمين” وغيرها من المليشيات المسلحة، حيث أن توتر الوضع في إثيوبيا من الممكن ان ينعكس على انتشار وتعمق أنشطة المليشيات المسلحة في القرن الإفريقي.
استقرار الوضع في إريتريا، يمثل هدوء الوضع في إثيوبيا فرصة كبيرة لاستقرار إريتريا فمن المعروف أن الدولتين تقعان في نفس النطاق الجغرافي وتشتركان في العديد من الخصائص وحتى العرقيات وعلى رأسهم “التيجراي” وبالتالي فإن نجاح الحكومة الإثيوبية حتى الآن في السيطرة على الأوضاع يمثل نجاح لإريتريا في تحقيق الاستقرار، حيث أنه إذا لم تستطيع الحكومة الأخذ بزمام الأمور كان من الممكن أن تسيطر “الجبهة” على مسار الأمور في إثيوبيا، كان من الممكن أن تنتقل عدوى الصراع إلى إريتريا ممثلة “بتيجراي إريتريا” خصوصًا مع تصاعد عديد من المطالب القومية للتيجراي في إريتريا للانفصال عن الدولة الأم.
تهدئة الخلاف بين كينيا والصومال، إن استقرار الوضع في إثيوبيا يؤثر على الوضع بين كلًا من كينيا والصومال، حيث أن الدولتين لديهم ذاكرة تاريخية من الصراع على مناطق حدودية في المحيط الهندي، بالإضافة إلى النزاع على إقليم “جوبا لاند”، وقد استغلت كينيا تصاعد الأحداث في الصومال وفرضت سيطرتها على هاتين المنطقتين محاولة فرض سياسة الامر الواقع على الصومال، وبعد لجوء الطرفين للتحكيم ذهبت معظم هذه الأراضي للصومال ولكن لم تقبل كينيا، وعليه فقد تحالفت الحكومة الصومالية مع إثيوبيا لمواجهة كينيا، وبالتالي فإنه في حالة تدهورت الأوضاع في إثيوبيا من الممكن أن يعزز ذلك من المطامع الكينية في هذه المناطق وبالتالي اشتعال الصراع في بؤرة أخرى في القرن الإفريقي.
ظهور إثيوبيا كمحور إقليمي فاعل في الشرق الأوسط، إن استقرار الأوضاع في إثيوبيا يمهد لها لدور أكبر في قضايا الشرق الأوسط، خصوصًا وأن لها حضور كبير في سياسات الفاعلين الإقليميين الأساسيين في المنطقة ممثلين في كلًا من (تركيا- إيران- إسرائيل)، فضلًا عن وزنها في منطقة القرن الإفريقي والدعم الذي تتلقاه من الصين، واستلالها لقضية “سد النهضة” كأداة دعائية تجعل لها حضور كبير في المنطقة.
هل يشهد الملف المائي تطورات جديدة؟ وما هي الخيارات المتاحة للجانب المصري؟
الأوضاع في السودان وإثيوبيا تعيق استئناف المفاوضات، وفقًا للمعطيات الحالية فمن المتوقع أن “أبي أحمد” يضع مسارًا لسياسته خلال الفترة المقبلة بحيث تبنى في الأساس على محاولة معالجة الخلافات الداخلية توسيع وتعميق الشراكات مع القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي فمن المؤكد أن هذا التوجه سيؤثر على سير ملف الأمن المائي “سد النهضة” فقد يشهد تأجيل بجحه البحث عن الاستقرار والانكفاء لحل المشاكل الداخلية في إثيوبيا.
كما يعتبر استمرار الوضع في السودان وعدم الوصول إلى تسوية سياسية حتى الآن، من الأمور التي تساهم في استمرار تجميد ملف “سد النهضة”، وتعطيل استئناف المفاوضات، لانشغال السلطات السودانية بالأوضاع الداخلية.
هل يتغير وضع ملف “سد النهضة” بتولي السنغال رئاسة الاتحاد الإفريقي، فعلى الرغم من تعهد السنغال في وقت سابق بجعل ملف “سد النهضة” ضمن أولوياتها خلال فترة رئاستها للاتحاد الإفريقي، إلا أن فرص تأثيرها على مسار الملف ضئيلة بالنظر إلى عدم وضوح الرؤية بالنسبة للأوضاع في كلًا من السودان وإثيوبيا، وعليه فيستبعد أن تكون هناك أي مفاوضات جدية حول السد قبل الاستقرار والتسويات الداخلية في إثيوبيا والسودان والتي قد تستغرق شهورا.
ما هي الخيارات المتاحة امام القيادة المصرية، تواجه القيادة المصرية بدائل منحسرة وسيناريوهات ضبابية فيما يخص التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن وضع ملف “سد النهضة” ولكن هناك بعض الخيارات المتاحة في إطار سياستها الخارجية المبنية على الرشادة، والسلام والتنمية، وعليه فما زالت الأداة الدبلوماسية متاحة امام الجانب المصري ومن الممكن أن تلجأ لخيار الدبلوماسية الاقتصادية الذي يرتكز على تمويل مصر لما تبقى من السد وإنشاء خطوط لنقل وتصدير الكهرباء لتكون مشاريع مصرية لدعم احتياجات الشعب الإثيوبي، ولبدء تعاون بناء بين دول المنطقة.
كما أن الحلول المحلية المبنية على استمرار مشروعات تبطين الترع، وتحلية مياه البحر واعتماد أنظمة ري وزراعة جديدة تقلل الفاقد من المياه، وهذه الطرق من الممكن أن تساهم في توفير جزء من الاحتياجات المائية وإن كانت قليلة ولا تغطي الاحتياجات المحلية إلا أن الخيار يظل مطروحًا، ويمكن أن تلجأ مصر إلى الضغط على إثيوبيا من خلال بعض القوى الدولية للبدء في الجلوس على مائدة المفاوضات، أو حتى القوى الإقليمية وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية أو الأمارات العربية المتحدة، وأيا يكن الحل والمسار فيستبعد بشكل كامل المواجهة العسكرية.
الخاتمة
مما سبق يمكن استنتاج الوضع في إثيوبيا والإجابة عن التساؤلات التي طرحت في مقدمة الرؤية، حيث أن الوضع في إثيوبيا ما زال ضبابي على الرغم من هدوءه إلا أن إمكانية العودة للتصعيد ما زالت مطروحة أيضًا وفقًا لما سبق تحليله، وعليه فان هذا الوضع ينبني عليه خلق أدوار ومساحات لفاعلين في منطقة القرن الإفريقي في ظل صمت المجتمع الدولي عن ملف إثيوبيا على الأقل في الوقت الحالي، فكما سبقت الإشارة إلى أن الهدوء غير مؤكد وبالتالي فلا يمكن توقع الكثير في ملف “سد النهضة” خصوصًا مع تصاعد الاضطرابات في السودان أيضًا، حتى وإن اتجهت الأوضاع إلى الاستقرار فمن المؤكد أن الحكومة الإثيوبية ستجد مبررها في استمرار تجميد المفاوضات متمثلًا في انطلاق استراتيجية داخلية تستهدف الحفاظ على وحدة واستقرار إثيوبيا والجلوس مع كافة أطراف على مائدة الحوار، وعلى الرغم ما سبق ومع اتجاه الوضع للتهدئة إلا أن ذلك لا ينفي سيناريو العودة إلى ساحة الحرب مرة أخرى.