المقالات
لا خلاف دائم بالسياسة…. فصل جديد في العلاقات المصرية القطرية
- أكتوبر 26, 2021
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية وحدة الشرق الأوسط
إعداد : رابعة نور الدين وزير
على خلفية اللقاء بين وزير التجارة والصناعة المصرية الدكتورة نيفين جامع، والسفير القطري في مصر سالم مبارك؛ لدعم وتعزيز العلاقات بين البلدين بالمجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، استعرضت الوزيرة مع الممثل التجاري المصري الملفات ذات الاهتمام المشترك بين مصر وقطر، كما صرح السفير بأن قطر تسعى لتدعيم العلاقات الثنائية مع مصر.
جدير بالذكر أن العلاقات بين قطر ومصر بالوقت الحالي تشهد مزيدًا من التقارب والتعاون على المستويين السياسي والاقتصادي، بعد فترة من انخفاض التعاون لاختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا، وعليه فنحاول من خلال الورقة التالية تسليط الضوء على الفصل الجديد الذي تشهده العلاقات بين مصر وقطر، وما يمكن أن يكون عليه المستقبل بينهما.
بإيجاز… خلفية العلاقات المصرية القطرية
لطالما شهدت العلاقات بين مصر وقطر تعاونًا كبيرًا على عدة مستويات منذ عشرات السنين، ولكن كما هو معروف كقاعدة منطقية أن التغير هو الشيء الوحيد الثابت بالعالم، وعليه فالعلاقات المصرية القطرية شأنها في ذلك شأن كل الأشياء والأطر التي تتغير بشكل متسارع تبعًا للتوجهات الخاصة بكل دولة وأوضاعها الداخلية والخارجية والتحالفات وغيرها من العوامل التي تساهم بتغيير منحنى العلاقات بين الدول، فقد شهدت العلاقات المصرية القطرية تراجعًا ملحوظًا منذ عام 2014 للاختلاف حول زوايا التقييم للوضع المصري، ومن ثم تصاعد الخلاف في عام 2017 لنفس السبب، وتم إيقاف التمثيل الدبلوماسي بين البلدين ولكن كما سبقت الإشارة “لا خلاف يدوم”، فقد عادت العلاقات بين البلدين بفعل بعض العوامل الداخلية والخارجية التي سيتم التطرق لها بالسطور التالية.
مقدمات إعادة التقارب المصري القطري
لعل أول محطة بإعادة التقارب المصري القطري هو التوقيع على اتفاق “العلا” الذي عقد بالسعودية في يناير 2021 ووقعت عليه قطر ودول الخليج المقاطعة لها منذ عام 2017، وعليه فقد تم اتخاذ بعض الإجراءات لتحسين مستوى العلاقات بين البلدين كما يلي: –
بدأت مع فتح المجال الجوي بين البلدين وعودة الرحلات الجوية بين مصر وقطر، ثم زار وزير المالية القطري “علي العمادي”، القاهرة لافتتاح أحد المشروعات الاستثمارية القطرية والتي تم تأجيل افتتاحها من قبل، فقد كان حضور وزير المالية القطري بمثل هذا الحدث يؤكد على وجود إمكانية لتعزيز العلاقات بين مصر وقطر على المستوى الاقتصادي، كما أن المسؤولين القطريين لم يتركوا مناسبةً رسميةً إلا وأكدوا فيها على عمق الروابط مع مصر ورغبتهم بإعادة العلاقات بين البلدين وبالمقابل كانت مصر تصدر بيانات وتصريحات تثمن فيها من هذه الجهود والتصريحات.
وتمثل أيضًا عقد أول مؤتمر رسمي بين الوفدين القطري والمصري في فبراير 2021 لإجراء محادثات ثنائية منفصلة بين قطر والإمارات بالكويت؛ حيث تركزت اللقاءات على بناء الثقة وتحسين العلاقات الثنائية، جاء في مارس 2021، اللقاء بين وزير الخارجية المصري “سامح شكري” ونظيره القطري “محمد بن عبد الرحمن الثاني”، أثناء حضور أحد اجتماعات الجامعة العربية، فقد صرح وزير الخارجية القطري عن نية قطر بالمحاولة لإعادة الأمور لدفتها والعودة للتعاون مع مصر بصورة إيجابية، ثم تلى ذلك محادثة هاتفية بين أمير قطر والرئيس عبد الفتاح السيسي لتهنئته بحلول شهر رمضان، وكان أول اتصال بينهما منذ التوقيع على اتفاق “العلا” في يناير 2021.
ثم تم تخفيف القيود الأمنية وتخفيف الحراسة على مقر السفارة القطرية بالقاهرة، وسرعان ما أعادت الدولتان تمثيلهما الدبلوماسي بعد قمة “العلا”، ولعل تعيين قطر “سفير فوق العادة” لدى مصر يعتبر من أهم مساعيها لدعم العلاقات مع مصر والتأكيد على أهميتها ومكانتها.
وفي يونيو 2021 عقد اجتماع وزراء الخارجية العرب بالدوحة بقطر وخلال هذا الاجتماع تم التأكيد على نية كلتا الدولتين باستعدادهما التعاون بشكل أوسع، تلى ذلك لقاءات على المستوى الثنائي بين وزراء الدولتين على سبيل المثال اللقاء بين وزير النقل المصري ونظيره القطري لبحث سبل التعاون بهذا القطاع، وتلى ذلك نقاشات حول التعاون بمجال النقل البري والبحري خاصةً بقطاع الموانئ البحرية، فضلًا عن لقاءات موسعة لعرض فرص الاستثمار بين البلدين.
وآخرها لقاء وزير الصناعة والتجارة المصري بالسفير القطري بالقاهرة لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين على المستوى التجاري والصناعي والاستثمار، ولعل هذه الخطوات تحمل بمضمونها دلالات تعكس دوافع كل طرف لإعادة الأمور لنصابها مع نظيره وهذا ما سنتطرق إليه بالعنصر التالي.
دوافع العودة بين مصر وقطر
لا شك أن عودة العلاقات بين مصر وقطر هي عودة مدفوعة بعدة عوامل سواء على المستوى التاريخي أو التقارب الجغرافي والإقليمي وغيره، إلا أن هناك دوافع اقتصادية وتجارية وحتى سياسية لإعادة العلاقات فيما بينهما.
على المستوى الاقتصادي: تستفيد مصر من قطر بشكل كبير حيث يصل حجم العمالة المصرية بقطر ما يزيد عن 300 ألف مواطن، كما أن الجالية المصرية هي الجالية الأولى من حيث العدد في قطر، وهذه الأعداد تساهم بصورة كبيرة ببناء الاقتصاد القطري ودفع التنمية ولكنها بالوقت ذاته تفيد مصر من خلال تحويلات العاملين بالخارج التي وصلت لأكثر من 1.3 مليار دولار خلال العام المالي 2019/2020 وفقًا لبيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، والتي تشكل نسبة لا يمكن الاستهانة بها من مصادر الدخل القومي.
على مستوى الاستثمار: تستفيد مصر من الاستثمارات القطرية بها والتي يصل حجمها لحوالي679.4 مليون دولار وتحتل قطر المرتبة التاسعة بحجم الاستثمارات الأجنبية بمصر، كما أن استثماراتها تنمو بشكل كبير وصل لحوالي 77.8 بالعام المالي 2019/2020، وفقًا لبيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كما زادت الصادرات المصرية لقطر خلال نفس العام المالي بنسبة 132%، وارتفعت واردات مصر من قطر بنسبة 10.9% خلال نفس العام، إذن فالعلاقات على المستوى الاقتصادي في تزايد، وبالتالي فإن ذلك يمثل دفعة لإعادة مسار العلاقات بينهما.
على المستوى السياسي: لعل من أهم الدوافع التي أدت للرغبة بإعادة الوضع بين مصر وقطر هو التغيرات العالمية التي تشهدها الدول الكبرى وعلى أثرها تؤثر على خارطة التحالفات الإقليمية فعلى سبيل المثال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتحالف “أوكواس” وإقصاء فرنسا وغضب حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي من التحركات الأمريكية التي تمت دون مشورتهم، كل هذا يجعل قطر ترغب بالتعاون مع مصر لدعم التعاون على مستوى الشرق الأوسط وضبط ميزان القوى في ظل توجه الولايات المتحدة الامريكية نحو آسيا مع تقلص الوجود الأمريكي بالشرق الأوسط.
ولعل سياسة مصر الخارجية الرشيدة وتحركها على المستوى الدولي والإقليمي المتوازن والداعم لسيادة الدولة واتباع سياسة عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول، ومشاركتها بمشروعات إعادة الإعمار بـ(غزة، وليبيا)، وقيادتها للتحالف الاقتصادي الكبير مع العراق والأردن، كل ما سبق يؤكد لقطر أن مصر فاعل لاغنى عنه بأي تحركات أو تحالفات على مستوى الشرق الأوسط، كما يمكن أن تكون مصر بمثابة الجسر الذي يربط كافة التحالفات الإقليمية والدولية معًا، كما أن مصر على المستوى السياسي بحاجة لقطر كوسيط بملف الأمن المائي مع “الخرطوم” و”أديس أبابا”، خاصةً أن قطر لديها علاقات جيدة مع إثيوبيا والسودان.
ردود الفعل حول التحول الإيجابي بالعلاقات بين مصر وقطر
المملكة العربية السعودية: لقد سعت المملكة العربية السعودية لإعادة العلاقات بين مصر وقطر بشكل كبير، وعليه فقد تم عقد مؤتمر “العلا” في يناير 2021، ورحبت المملكة العربية السعودية بهذه الخطوة لإعادة العلاقات الخليجية مع دولة قطر بعد أعوام من القطيعة.
ولم تكن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي رحبت بعودة العلاقات بين مصر وقطر بل تبعتها دول مجلس التعاون الخليجي جميًعا.
العلاقات المصرية القطرية من الخلاف إلى التقارب هل تؤثر على ميزان الشرق الأوسط
لقد كان للتقارب المصري القطري دور إيجابي بالعديد من الملفات التي تزدحم بها ساحة الشرق الأوسط، ويرجع ذلك لأن لكل دولة منهما دور إقليمي كبير يمكنهما من تنسيق الجهود ولعب دور محوري في التفاعلات بالمنطقة، وكان من مقدمات ذلك هو وساطة كل من مصر وقطر بالنزاع الأخير بين (غزة وإسرائيل) من وقف لإطلاق النار، ثم قيادة مصر لعملية إعادة الإعمار بغزة بعد ذلك، كما تضمنت مسيرة التفاهمات بين البلدين الأزمة الليبية؛ نظرًا لنفوذ كل منهما في ليبيا.
ولعل عودة العلاقات بين مصر وقطر يساهم بشكل كبير بإحداث توازن بالشرق الأوسط بمواجهة تصاعد النفوذ الإيراني والتركي بشكل كبير بالمنطقة، خاصةً أن فترة الخلاف بين مصر ودول الخليج مع قطر تصاعدت فيه العلاقات بين قطر وإيران، واختل ميزان القوى بشكل ما، وأصبحت كل دولة تتبنى إستراتيجيتها الخاصة لمواجهة إيران.
كما أن عودة قطر للحاضنة العربية يعطي ثقلًا نسبيًّا للمواقف العربية فيما يخص القضايا الكبرى، على سبيل المثال الملف المائي المصري، كما أنه في حال فشل الاتفاق النووي الإيراني فمن الممكن أن تمثل قطر جسرًا مهمًا لمواجهة النفوذ الإيراني خاصةً أنها عقدت العديد من الاتفاقيات معها مؤخرًا.
ختامًا، يمكننا القول: إن العلاقات بين مصر وقطر ستشهد في المستقبل تفاهمًا كبيرًا وستتسع دوائر العلاقات بين البلدين بشكل كبير، بعد أن مرت بمرحلة خلاف تلاها مرحلة من التعاون الحذر وأخيرًا اتجهت العلاقات للتوسع بعدة مجالات وتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة والممرات البحرية، وبالتالي فإن مثل هذه التحركات تنذر ببوادر لتعميق العلاقات بين الطرفين.