المقالات
مباحثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني فيما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: مفارقات جديدة تندد بموازين القوى بالمنطقة
- أكتوبر 19, 2021
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
إعداد: رضوى رمضان عبد الفتاح شريف
في زيارة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى موسكو في 6 أكتوبر، وبعد محادثات أجراها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، جاءت مخرجات اللقاء بتقارب وتوافق روسي إيراني تؤكد على ضرورة استئناف مفاوضات فيينا بأقرب وقت، وشدَّد لافروف على أن طهران “مستعدة” للمحادثات، مؤكدًا أن العالم ينتظر عودة الولايات المتحدة لـ “شرعية الاتفاق وإلغاء القيود غير القانونية” ضد طهران، وعدم جدوى محاولات عدد من الدول ربط الحفاظ على الاتفاق النووي بتنازلات إيران بقضايا أُخرى.
جاءت مفاوضات فيينا سعيًا لإنقاذ الاتفاق حول الملف النووي الإيراني الذي بات مهددًا بالانهيار منذ إعلان ترامب الانسحاب منه عام 2018، وقام بفرض عقوبات مشددة انعكست سلبًا على الاقتصاد الإيراني وقيمة العملة المحلية؛ ما أدى لتراجع إيران التدريجي عن تنفيذ معظم التزاماتها بالاتفاق؛ إذ رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى60 % لصنع القنبلة النووية، بينما لمَّحت إيران لاحقًا قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%.
ولقطع حالة الجمود التي مرت بها محادثات فيينا، تعمل طهران حاليًّا على استقبال مفاوضات فيينا “قريبًا” دون إعطاء تاريخ محدد، ولكن من الجهة الأُخرى، يوجد قلق وشكوك إسرائيلية تجاه الإدارة الأمريكية حول تعاملها مع ملف إيران النووي.
مع إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة بالانسحاب العسكري من مناطق استنزفت مواردها، يأتي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مؤثرًا على موازين القوى بالمنطقة مخلفًا وراءه مفارقات جديدة، ومؤثرًا على ملفات مهمة، ويزداد التركيز على الملف النووي الإيراني والتهديدات المتصاعدة جراء ما تتخذه طهران من خطوات ترفع من حِدّة التوتر والقلق الدولي من خطر امتلاك طهران سلاحًا نوويًّا.
تقارب روسي إيراني
لا يقتصر التوافق الروسي الإيراني تجاه الملف الأفغاني عن طريق ضرورة الحزم بمكافحة الإرهاب وتنسيق جهودهما بمجال التسوية الأفغانية، بل ثمَّة توافق بوجهات النظر بين موسكو وطهران بأن المفاوضات بصيغة فيينا يجب استئنافها بالقريب العاجل.
تأتي دوافع التقارب الروسي الإيراني حول وجود قوات إسرائيلية بحدود أذربيجان – شمال غرب إيران- التي تعاونت مع إسرائيل في العديد من القضايا العسكرية؛ ما أثار قلق إيران إزاء تواجد الإرهابيين وقوات إسرائيلية بجوارها، ودعت روسيا للمصادقة على ميثاق الدول المُطلّة على بحر قزوين، وأحد بنوده عدم وجود أيّ قوات عسكرية.
بالرغم من وجود تقارب بوجهات النظر بين روسيا وإيران بمعظم الملفات مع اختلاف الدوافع، تهتم روسيا بعدم انتشار السلاح النووي، خاصةً بالقرب من حدودها الجنوبية؛ لذا تحاول التفاهم كوسيط مع إيران لإحياء الاتفاق النووي ببنوده المتفق عليها 2015، حيث إن قدرة إيران لامتلاكها سلاحًا نوويًّا يقترب بشكل سريع على غرار كوريا الشمالية، وهذا سيخل بالتوازن الإستراتيجي وزعزعة الوجود الروسي؛ لذا ترى روسيا أن التأخير باستئناف المفاوضات، لا يؤدي إلا لتطور القدرات الإيرانية، وقد تصبح إيران قريبة بخطوة واحدة للدولة النووية مثل كوريا الشمالية واليابان.
قلق إسرائيلي وهدوء أمريكي غير معتاد
إسرائيل من أكثر دول العالم اهتمامًا بمنع إيران امتلاك السلاح النووي، وأكثرها تضررًا إن لم تُوضع قيودٌ على الملف النووي الإيراني؛ لما قد تشكله من تهديد حقيقي لأمنها، ويُوجد إحباط إسرائيلي تجاه إدارة بايدن خلافًا للأجواء الإيجابية المعلنة للمحادثات الإسرائيلية الأمريكية التي تم إجراؤها الأسبوع الماضي؛ حيث فشلت إسرائيل بإقناع الأمريكيين بإجراءات حازمة ضد إيران.
يُعدُّ انسحاب القوات الأمريكية ودول الناتو من أفغانستان تطورًا مشجعًا على المدى الطويل بالنسبة لإيران ووكلائها بالمنطقة؛ إذ يهدد فشل سياسة العصا (انسحاب الوجود الأمريكي من المنطقة) والجزرة (الاتفاق النووي الإيراني) أمن إسرائيل؛ حيث المخاوف إسرائيلية من السُّبُل الدبلوماسية التي تسعى إليها الإدارة الأمريكية في التعامل مع إيران، ورفع العقوبات تدريجيًّا عنها سيؤدي لتعزيز قوتها، فمع وجود العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب، ردَّت إيران بعدم الالتزام ببنود الاتفاق وزادت من قوة تخصيب اليورانيوم؛ لذا تهدف الإستراتيجية الإسرائيلية لضرورة وجود رادع عسكري حازم من الولايات المتحدة تجاه طهران، لكن تتمسك الإدارة الأمريكية بانتهاج طريق الدبلوماسية بكونه الأمثل لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، وستلجأ الإدارة لخيارات أُخرى في حال فشل الدبلوماسية.
في خطوة مقلقله لتأكيد شكوك إسرائيل، رفعت فيها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الجمعة 8 أكتوبر، عقوبات عن كيانين إيرانيين، وهما مجموعة ماموت الصناعية (ماموت إندستريز) وفرعها ماموت ديزل، وكانتا تخضعان للعقوبات الأمريكية باعتبارهما منتجين وموردين رئيسيين للسلع ذات الاستخدام المزدوج من الدرجة العسكرية لبرامج الصواريخ الإيرانية.
أدى التغيير بالسياسة الأمريكية الجديدة لتنامي الإحباط الإسرائيلي تجاه أمريكا؛ إذ أدركت بأنهما ليستا على نفس الوتيرة، وأن تصوراتهما لإستراتيجية التهديد النووي الإيراني تختلف اختلافًا جوهريًّا؛ إذ لا تُوجد خطة طوارئ مشتركة وفعلية ضد إيران عند فشل جهود العودة للاتفاق النووي، والأسوأ من ذلك، جعل أمريكا الأولوية للتركيز على قضاياها المحلية، وضخِّ اقتصادها المتأثر بجائحة كورونا.
ترقب سعودي أمريكي يقابله تودد إيراني للسعودية
تخلَّت أمريكا مسبقًا عن دعمها لقوات التحالف الذي تقوده السعودية بوقف الدعم العسكري وتوريد الأسلحة لقوات التحالف، وبوجود الدعم الإيراني للحوثيين وتقدمهم بمأرب – التي تملك احتياطات وفيرة من النفط- وجاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مغيرًا كل موازين القوى بالمنطقة.
أفقد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان ثقة دول الخليج تجاه أمريكا؛ حيث أدى الانسحاب لتصارع القوى الإقليمية، وبمقدمتها إيران التي تستغل تلك الفرصة لبسط نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط وتمركز قواعدها بكلٍّ من (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن)، كما يُعدُّ كارثيًّا استمرار إيران بالتدخل في شؤون دول الجوار من خلال دعمها لعملائها بتلك الدول، علاوةً على إثارة التفرقة الطائفية ودعمها للوجود الشيعي، وتهديدها للملاحة البحرية في بحر العرب وعبر مضيق هرمز وباب المندب؛ لذا يمكن القول: إن خروج القوات الأمريكية من المنطقة يؤثر بشكل مباشر على الناقلات النفطية؛ حيث إنه من أهداف إيران الإستراتيجية السيطرة على المضايق الإستراتيجية؛ ما يعني التحكم بالملاحة البحرية والذي سيشكل تهديدًا مباشرًا للتجارة الدولية وبالتالي للاقتصاد العالمي.
في 4 أكتوبر في تجمع (الأوبك بلس) الذي يضم 23 دولةً بقيادة السعودية وروسيا، ضغط بايدن على الدول المنتجة للنفط لزيادة إنتاجها من النفط الخام في ظل تزايد المخاوف من أزمة طاقة عالمية، واستمرار ارتفاع الأسعار، ولكن في خطوة غير متوقعة، رفض التجمع أيّ زيادة إضافية في الإنتاج.
وعلى النقيض، يُوجد انفتاح إيراني مع دول المنطقة؛ إذ تود إيران عودة العلاقات مع السعودية لمسارها الطبيعي؛ إذ أعلن وزير الخارجية الإيراني عن قطع مسافة جيدة بالمفاوضات مع السعودية، يأتي الموقف الإيراني بعد أيام من وصف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لهذه المحادثات بـ(الاستكشافية)، مُبديًا أمله بوضع المحادثات أُسسًا لمعالجة المواضيع العالقة بين الطرفين.
وبالتحفظ السعودي تجاه ضرورة التزام إيران بالاتفاق النووي الإيراني كدول المنطقة، تدعم السعودية كل الجهود الدولية لمنع إيران امتلاك سلاح نووي يهدد المنطقة والعالم أجمع، تطرق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية خطيب زاده بخصوص الاتفاق النووي ليطمئن الجانب السعودي، بأنه صار- بناء على قرار مجلس الأمن – “وثيقة دولية”، لكن الطرف الأمريكي انتهك القرار 2231 وكافة بنود الاتفاق النووي، وعمد لمعاقبة جميع الأطراف المشاركة به، وفرض أقسى أنواع الحظر الظالم على الطرف الإيراني، وأكد على أن إيران ستقدم على وقف كافة إجراءاتها التقويضية، عند رفع جميع العقوبات وبنحو مؤثر، مبينًا أن تلك الإجراءات اتُّخذت للتعويض عن الخسائر.
تأتي دوافع التودد الإيراني تجاه السعودية؛ لفك الحصار والخناق عن إيران؛ لتعيد السعودية – واجهة العالم الإسلامي والعربي- العلاقة معها، ولكن تأتي حالة التريث السعودي تجاه الحكومة الجديدة الإيرانية التي يشكلها وصول أطراف إيرانية لها ماضٍ غير ناصعٍ للسلطة؛ إذ لدى إبراهيم رئيسي ملفات جنائية سابقة.
سيناريوهات مستقبلية
يبدو أن المؤشر الجديد فيما يتعلق بملفات المنطقة سيكون كنتيجة عكسية للانسحاب الأمريكي من منطقة الخليج بشكل عام ومن أفغانستان بشكل خاص؛ إذ تسعى إدارة بايدن للتركيز على قضاياها المحلية؛ ما قد يؤثر على مصالح إسرائيل- أكبر حليف لها- فإذا تم رفع العقوبات عن إيران، أو تم فشل إحياء الاتفاق النووي، سيقوِّض هذا من أمن واستقرار إسرائيل ويغير توازنات دول المنطقة، وفيما يلي أبرز سيناريوهات المشهد.
سيناريو تفاؤلي بالنسبة لإيران: تريد إيران بأن تتفاوض من مركز قوة، وهي بالفعل كذلك في الوضع الحالي، فقد توافق إيران على العودة للاتفاق من جديد، ولكن شريطة بأن تقدم الولايات المتحدة تنازلات أكبر.
سيناريو خطي: قد تستمر الولايات المتحدة بإمساك العصا من المنتصف بالبقاء على العقوبات، أو سحبها تدريجيًّا مع استئناف مفاوضات فيينا.
سيناريو تشاؤمي بالنسبة لدول المنطقة: في حال فشل المحاولات الأمريكية إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وعدم وجود خطة بديلة للولايات المتحدة للتصدي، قد تقوم إسرائيل بتنفيذ خطة ردع عسكرية تحالفية مع دول المنطقة؛ إذ تقدم إسرائيل الدعم الاستخباراتي عن داخل إيران، بينما تقدم دول المنطقة الدعم العسكري.