المقالات
تحليلٌ نقديٌّ لكتاب (مؤتمرات قِمَّة حركة عدم الانحياز)
- يناير 20, 2024
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: منة صلاح
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
تُعدُّ حركةُ عدمِ الانحيازِ منظمةً دوليةً تضُمُّ مُعْظَمَ دول العالم ما بعد الاستعمار، كما أنها تضُمُّ أكبرَ تجمُّعٍ للدول بعد منظمة الأمم المتحدة، وبدأت هذه الحركة خلال الستينيات كنتيجةٍ للصراع بين الشرق والغرب ثمَّ تحوَّلت إلى الصراع بين الشمال الجنوب خلال السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات، ولم تكُنْ المنظمة الوحيدة التي تسعى إلى الشُّمُول البنيوي لما يُعْرَف بالعالم الثالث أو الجنوب العالمي، ولكن سقط العديد من المنافسين التنظيميين الآخرين، أمَّا الحركة كانت ولا تزال إلى جانب مجموعة (G77) الناجية الوحيدة من العقود المضطربة من الحرب الباردة، وتُعْرَفُ قِمَمُ حركة عدم الانحياز، بأنها تجمُّعات رئيسية، تمَّت فيها صُنْع القرارات الحاسمة الخاصة بمصير الحركة نفسها ومستقبل العالم، ويتناول هذا الكتاب جميع قِمَمِ حركة عدم الانحياز، التي لها صِلَةٌ بالأحداث والأزمات الكُبرى التي حدثت بين الكتلتيْن أو بين القُوَى العُظْمَى وبعض دول عدم الانحياز، أو بين دول عدم الانحياز نفسها.
نبذة عن الكاتب:
(Jovan Čavoški) هو باحث في معهد التاريخ الحديث لصربيا، وحصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الدبلوماسي في جامعة بكين، وشارك في أكثر من أربعين مؤتمرًا دوليًّا في أجزاء مختلفة من أوروبا وآسيا وأفريقيا والأمريكتيْن، وتمَّ نشر مقالاته وفصول كتبه التي تتناول تاريخ العلاقات الخارجية للصين وحركة عدم الانحياز في مجلات ومجلدات رائدة في صربيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، هذا فضلًا عن كوْنِهِ يتحدث عدة لغات أوروبية (الإنجليزية، الروسية، الإيطالية، الاسبانية)[1].
الأفكار الرئيسية التي تناولها الكاتب:
1- المعني التاريخي لعدم الانحياز.
برز عدم الانحياز كتعبيرٍ عن نضالات مختلفة؛ من أجل الاستقلال السياسي أو الاقتصادي، وكردِّ فعلٍ على ظهور كتلتيْن متعارضتيْن في الشؤون العالمية، ولقد أدَّى صعود الحرب الباردة وسقوط الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية إلى تغييرات جيوسياسية، ساهمت في حدوث تحوُّلاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ؛ ما وجَّه السياسة الخارجية لعدم الانحياز إلى التوسُّع عالميًّا والتطوُّر تدريجيًّا، وهناك أربعة شروط تاريخية مُسْبَقة أدَّت إلى ظهور وتطوُّر عدم الانحياز العالمي وتمثَّلت فيما يلي:
- الثورات المناهضة للاستعمار: والتي أدت إلى دخول التحرُّر السياسي والاستقلال لأغلب دول آسيا وأفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية.
- التباطؤ الاقتصادي: يُعدُّ التباطؤ الاقتصادي سِمَةً مشتركةً لهذه المجموعة المتنوعة من الدول؛ ما دفع البعض منها إلى ربْط حرية عملها الدولي بالتطوُّر الاقتصادي.
- نظام الحرب الباردة ثنائي القطبية: وهو ما شكَّل الإطار العام، الذي يمكن أن تتفاعل ضمنه حركة عدم الانحياز بحرية، ودعت في الوقت ذاته إلى تخفيف التوتُّرات الدولية والحدِّ من تدخُّلات القُوَى الكُبْرى.
- إنشاء منظمة الأمم المتحدة: وبالطابع الديمقراطي لمنظمة الأمم المتحدة، تمَّ خلْقُ فُرَصٍ إضافيةٍ لدول عدم الانحياز؛ للمشاركة في الحوار مع القُوَى الكُبْرى وتقديم الأفكار ووجهات النظر بحرية، من خلال الإجراءات الفردية أو الجماعية.
2- تمهيد الطريق: مؤتمر بلغراد عام 1961م
يعتبر مؤتمر بلغراد عام 1961م رسميًّا القمة الأولى لدول عدم الانحياز؛ إذ إنه بمثابة نقطة انطلاق حركة عدم الانحياز، ويُعدُّ نتيجة الجهود السلمية الخاصة بتعبئة البلدان التي كانت محلًّا لسياسات القُوَى الكُبْرى، ولكنها تكافح حتى تصبح موضعًا للشؤون العالمية، وحضره حوالي خمسة وعشرين مشاركًا وثلاثة مراقبين، بالإضافة إلى أربعين وفدًا من مختلف حركات التحرُّر الوطني، وعلى الرغم من أن هذا المؤتمر غير متجانس، ويضم العديد من الدول المختلفة، سواء سياسيًّا أو ثقافيًّا، إلا أنه تمَّ تحقيق مستوى عالٍ من التسوية المتبادلة؛ إذ كان هناك تفاهُمٌ عامٌ بشأن القضايا المصيرية، كما ساهم هذا المؤتمر في تشكيل الوعي السياسي للعديد من الدول النامية.
3- الأفروآسيوية مقابل عدم الانحياز: مؤتمر القاهرة عام 1964م.
يُعدُّ مؤتمر القاهرة عام 1964م حدثًا هامًّا في تطوُّر مجموعة حركة الانحياز نحو حركة عدم الانحياز، وحضره ممثلو 57 دولةً، وكانت الأغلبية العُظْمَى منهم منشغلةً بالأحداث العالمية الجارية؛ إذ يرى بعضهم، أن هناك ضرورةً لخفْض التوتُّرات بين الكتلتيْن؛ أمَّا البعض الآخر؛ مثل يوغوسلافيا، فلا تزال ترى أن هذه العملية إيجابية، ويجب أن تشمل العالم بأسره، وألَّا تُطبَّقَ على سياسات القُوَى الكُبْرى نفسها، بل على سياسات كُلٍّ منها نحو القوى الصغيرة والمتوسطة، ولكن نجح المؤتمر بشكلٍ عامٍ في التوصُّل إلى إجماعٍ عامٍ حوْل كافَّة القضايا الدولية، وتمكَّن أيضًا من الرَّبْط بين مجموعتيْن من القضايا، إحداهما: تتعلق بعدم الانحياز والسلام والتنمية الاقتصادية، والأُخرى: تدافع عن مناهضة الاستعمار والنضال ضد الإمبريالية.
4- اتِّخاذُ مُنْعَطَفٍ جديدٍ: مؤتمر لوساكا عام 1970م.
يُعدُّ مؤتمر لوساكا عام 1970م، بمثابة لحْظةٍ حاسمةٍ في تاريخ مجموعة عدم الانحياز؛ إذ تحوَّل إطار العمل الممثل في القمتيْن المتعلقتيْن بعاميْ 1961م و1964م إلى منظمةٍ دوليةٍ مكتملةٍ، سواء من حيث المبادئ أو الأفكار أو البرامج، وذلك باعتبارها المتحدث الرسمي باسم العالم النامِي، وتوصل مؤتمر لوساكا إلى ثلاثة مبادئ رئيسية، تدفع لتعاون حركة عدم الانحياز في المستقبل، وتمثَّلت في الاعتماد الجماعي على الذات، والأنشطة المشتركة القائمة على برنامج العمل المتفق عليه، واستخدام المكانة الأخلاقية والسياسية؛ لتعبئة الدول ذات التفكير المتشابه؛ من أجل العمل بشكلٍ مُنسَّقٍ؛ إذ تحوّل تركيز الحركة إلى القضايا الاقتصادية التي من شأنها أن تُميّزَ موقفها الاستباقي، وتحوَّلت أيضًا إلى أداةٍ للصراع بين الشمال والجنوب.
5- العالم الثالث يرُدُّ على الضربات: مؤتمر الجزائر 1973م.
كل ما تمَّ بناؤُه فيما يتعلق بحركة عدم الانحياز، سواء بالمعنى التنظيمي أو المفاهيمي، تمَّ اكتمالُه في مؤتمر الجزائر عام 1973م، والذي حضره 75 مشاركًا و9 دول و16 حركة تحرير وطني و4 منظمات دولية كمراقبين، وتوسَّعت عضوية الحركة بمقدار النصف، مقارنةً بأعضاء الحركة الحاضرين في لوساكا، وعدَّلَتْ الحركة جدول أعمالها حتى تتمكن من إنهاء الاستعمار، ومثَّلت هذه القمة لحظة تاريخية، عندما أصبحت الحركة أداة مُوحَّدة في النضال الجماعي لدول الجنوب، وسيظل أكبر إِرْثٍ لهذه القمة، هو البدْء الرسمي لـ(NIEO) كبرنامج عملٍ شاملٍ لدول عدم الانحياز والدول النامية لتعزيز النظام الاقتصادي الدولي، وهذا النظام يجب أن يربط بين القضايا الأمنية والاقتصادية، ويسمح بالتنمية الحرة للاقتصادات الوطنية، دون تدخُّلات أجنبية، وذلك باتباع مبدأ تكافؤ الفُرَص والتعاون المتبادل.
6- البحث عن نظامٍ جديدٍ: مؤتمر كولومبو عام 1976م.
لقد كانت الفترة ما بين مؤتمريْ الجزائر وكولومبو إيذانًا ببدْءِ حِقْبَةٍ من البحث الجماعي؛ بهدف استعادة السيادة الاقتصادية للدول النامية، وخلال مؤتمر كولومبو، وصل النفوذ العالمي للحركة وقدرتها على إحداث تغييرات في النظام العالمي – لا سيما التغييرات الاقتصادية – إلى ذروتها، ولأول مرة بدأت تؤثر قرارات الحركة على القوى الكبرى والدول المتقدمة بشكلٍ عامٍ، وعلى الرغم من النجاح الذي حققه مؤتمر كولومبو، إلا أنه شهد اتجاهيْن متناقضيْن؛ ما زاد من الاستقطاب الداخلي الذي ميَّز النصف الأخير من السبعينيات؛ إذ كان هناك أهداف طويلة الأمد؛ لإعادة هيكلة النظام العالمي من جهة، وصعوبات تعمل في الاتجاه المعاكس من جهة أُخرى؛ ما أثَّر على كفاءة وفعالية الحركة.
7- من أجل روح حركة عدم الانحياز: مؤتمر هافانا عام 1979م.
شكَّلت أواخر السبعينيات فترةً محددة، كانت فيها حركة عدم الانحياز أكثر شهرةً وتأثيرًا على الصعيد الدولي، وكانت محلَّ اجتذابٍ من قِبَلِ القوتيْن العُظْمَيَيْن، وذلك على عكس السنوات السابقة، وخلال هذه القمة، تمَّ الترويج لجوهر عدم الانحياز المستقل والديمقراطي، وتهميش أفكار كوبا وفيتنام حول الطابع الثوري لحركة عدم الانحياز، ولكن لم يتمكن هذا المؤتمر من محْوِ الاستقطاب الأيديولوجي من صفوفه، وهو ما يشير إلى ضبابية المشهد المستقبلي للحركة.
التحليل النقدي للكتاب:
تناول الكتاب حركة عدم الانحياز على اعتبار أنها أحد الظواهر السياسية والاجتماعية الرئيسية في النصف الثاني من القرن العشرين، فضلًا عن أنها الفاعل الدولي الأكثر أهمية خارج نطاق القوى الكبرى، التي وقفت على مفترق طرق الصراعات بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب، خلال فترة الحرب الباردة؛ ما جعل حركة عدم الانحياز حدثًا تاريخيًّا فريدًا من نوْعه، ويتسم هذا الكتاب بالشمولية؛ إذ تطرَّق إلى القِمَمِ السبع الكُبْرَى الأولى لحركة عدم الانحياز مع معالجة القمم التالية التي تزامنت مع نهاية الحرب الباردة، وتنْبُع أهمية هذا الكتاب في انطلاقه من افتقار علم التاريخ الدولي إلى هذا النَّوْع من النَّهْج في معالجة تاريخ حركة عدم الانحياز منذ نشأتها؛ إذ هدف هذا الكتاب إلى فهْم مَاهِيَةِ حركة عدم الانحياز، وطبيعة الدوْر الذي تمارسه على الصعيد العالمي، وما كان يحدث قبْل أو بعد هذه الأحداث الكبرى، والتي أثَّرت بشكلٍ كبيرٍ على نشاط وفعالية الحركة، وفي سياق المُتغيِّرَات الجيوسياسية على الصعيد الدولي سوف تُعقد قمة دول عدم الانحياز، خلال شهر يناير الجاري، على وقْع الحرب على غزة، وقد شُكِّلَتْ للملف الفلسطيني لجنة مُختصَّة في حركة عدم الانحياز، ونتيجةً لانتهاء الرئاسة الدورية للحركة من جمهورية أذربيجان، التي ترأَّست الحركة خلال الفترة (2019م:2024م) سوف تتولَّى أوغندا الرئاسة بدلًا منها.
إجمالًا:
يمكن القول: إن تاريخ حركة عدم الانحياز تتميز إلى حدٍّ كبيرٍ بسلسلةٍ من الصعود والهبوط، وعلى الرغم من أنها كانت تتأرجح بين الصراعات بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وبين أجنداتها السياسية والاقتصادية، وبين المجموعات المختلفة من الدول الأعضاء التي كانت تُؤثِّرُ على مسارها العام، وبين نجاحاتها الكبيرة وإخفاقاتها أيضًا، إلا أنها لا تزال أحد العناصر الرئيسية لتاريخ العالم، بعد عام 1945م، لا سيما في إطار الدور السياسي لدول العالم الثالث، وفي السياق ذاته، تمكَّنت الحركة بنجاحٍ من إنهاء الاستعمار بشكلٍ كاملٍ، ووضعت القضايا الاقتصادية والاجتماعية في مقدمة تطلُّعات الجنوب العالمي، وهو الاتجاه المستمر حتى الآن، بالإضافة إلى ذلك، عملت الحركة على غرْس الشُّعُور بالاستقلال واحترام الذَّات داخل جميع أعضائها، وهو ما لا يزال يُلْهِمُ الدول النامية لمواصلة نضالها؛ من أجل إرساء أنواع مختلفة من العلاقات السياسية والاقتصادية في العالم.
ولا يزال وجود حركة عدم الانحياز ضروريًّا إلى جانب المنظمات الأخرى متعددة الأطراف، لا سيما أن العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي لم يتم حلُّها لا تزال تطارد العالم النامي، واستكمالًا لقِمَمِ حركة عدم الانحياز فتستضيف العاصمة الأوغندية (كمبالا) قمة دول عدم الانحياز واجتماعات مجموعة الـ77 لدول الجنوب النامي، خلال شهر يناير الجاري، وسوف تُركِّزُ هذه القمة على تعزيز دوْر الحركة في بناء عالمٍ يتَّسِمُ بالتعدُّدية والمصداقية؛ ما قد يُعزِّزُ الأمن والسِّلْم العالمييْن، ومن المقرر خلال هذه القمة، أن تتسلم أوغندا الرئاسة الدولية للحركة من جمهورية أذربيجان، خلال الفترة (2024م:2027م)، ما قد يُنْذِرُ بِبُطْءِ وضعْفِ الحركة خلال الفترة المقبلة.
المصادر:
[1] Tamás Matura, Central and Eastern European Center for Asian Studies, 2014.
https://www.ceecas.org/czechrepublic/i6mb3m0430/Jovan-%C4%8CAVO%C5%A0KI-PhD