إعداد : رضوى رمضان الشريف
يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو لمنصب رئاسة الوزراء بعد فوزه في الانتخابات التشريعية التي جرت في الأسبوع الأول من نوفمبر، بعد أن أظهرت النتائج النهائية حصول حزب الليكود برئاسته على 32 مقعداً، و18 مقعدا للحزبين المتدينين المتشددين “يهودوت هتوراه” لليهود الاشكناز الغربين وحزب “شاس” لليهود الشرقيين (سفراديم)، و14 مقعدًا لتحالف اليمين المتطرف “الصهيونية الدينية”. وبذلك تكون الكتلة اليمينية برئاسة نتانياهو حصلت على 64 مقعداً، أي أغلبية مستقرة في البرلمان المؤلف من 120 مقعداً، لتسدل الستار بالتالي على حقبة غير مسبوقة من الجمود السياسي.
ربح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو جولة الانتخابات، وثأر لهزيمته السياسية التي أدت إلى إسقاط حكومته السابقة. لكن ماذا بعد انتصاره؟ وهل يتمكن من تشكيل حكومة متماسكة وتنفيذ وعوده وتهديداته الانتخابية؟
حكومة يمنية خالصة
في البداية، سيكون التحدي الذي يواجه نتنياهو هو تشكيل حكومة يمينية متجانسة ومشاركة كافة أقطاب معسكر اليمين وعلى رأسهم اتحاد أحزاب اليمين المتطرف بزعامة بتسلئيل سمودريتش، وإيتمار بن غفير، وآفي معوز الذين خاضو الانتخابات تحت قائمة “الصهيونية المتدينة”، وحصلوا على 14 مقعداً، بالإضافة للأحزاب المتدينة بشقيها، حركة شاس الشرقية واتحاد يهودية التوراة للمتدينين من أصول غربية.
ويضمن هذا الخيار لنتنياهو حكومة يمينية محافظة ومتجانسة قائمة على أحزاب مستعدة لتشريع قوانين تساعده على تجاوز معضلة القضايا التي تواجهه في المحاكم الإسرائيلية وربما إلغائها من خلال تعديلات تلغي تهم الخداع وخيانة الأمانة من قوانين العقوبات الإسرائيلية أو تعديلها بطريقة تمكنه من الاستمرار في الحياة السياسية دون أن تتم إدانته بالسجن أو “دمغه بالعار” قانونياً ما يمنع مشاركته في الحياة السياسية لمدة 7سنوات بعد الانتهاء من قضاء محكوميته.
وستضمن الحكومة اليمينة لنتنياهو أيضاً إمكانية تطبيق سياسة يمينية ليس فقط في مجالات القضاء وإعادة ترتيب علاقات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية في إسرائيل، بل في تطبيق سياسة اليمين بكل ما يتعلق بالعلاقات مع الفلسطينيين بما فيها استئناف مشروعات بناء واسعة في الضفة الغربية والقدس أو ضم مناطق “ج” في الضفة الغربية والتي تشكل 60% من مساحتها.
ماذا تعني عودة نتنياهو لرئاسة وزراء إسرائيل بالنسبة للمنطقة؟
أولا: ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان
تعهد نتنياهو حال عودته إلى الحكم في إسرائيل بأن يقوم بفسخ الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، حيث قاد حملة عنيفه ضد الاتفاق، واعتبره بمثابة خيانة وتنازل عن السيادة الإسرائيلية أمام “حزب الله”.
ويعد ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان من أهم التهديدات وآخرها بالنسبة للحكومة الإسرائيلية المنتخبة، لا سيما أن مسار الترسيم والتفاوض بين لبنان وإسرائيل بواسطة الإدارة الأميركية اتسم بتهديد “حزب الله ” بشن هجمات على منصات الاستخراج الإسرائيلية في حقل كاريش جنوب الخط 23 الذي تم الموافقة عليه من جانب الطرفين اللبناني والإسرائيلي تحت حكومة يائير لابيد.
لذلك فمن المرجح بأن يحدث ملف اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان انفجارا إذا ما نفذ نتنياهو تعهداته الانتخابية بإلغاء الاتفاق. حيث فسخ الاتفاق سيدفع ذراع إيران في لبنان إلى إعادة رفع جاهزيتها القتالية والعودة إلى التصعيد بداية بحرب نفسية، وربما لاحقاً إلى تنفيذ تحركات ذات طابع عسكري كتطيير مسيّرات فوق حقل كاريش الذي بدأت منصة شركة “إنيرجين” اليونانية – البريطانية العمل فيه، بما يعيد توتير الوضع على الحدود مع لبنان.
لكن ما قد يعرقل تنفيذ نتنياهو لتعهداته بفسخ الاتفاق، أولاً أن الولايات المتحدة هي الطرف الثالث الضامن للاتفاق، وأي خطوة يقدم عليها نتنياهو لفسخ الاتفاق قد تؤدي إلى نشوب أزمة في العلاقات بين إسرائيل وإدارة بايدن التي لا تنظر بعين الرضا إلى عودة نتنياهو إلى الحكم. ورغما عن تر الكيمياء بين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، من الصعب على أي رئيس حكومة إسرائيلي أن يصطدم وجهاً لوجه مع مطلق أي إدارة أميركية.
ثم إنه بالإضافة إلى الضمانات الأميركية في الاتفاق، يمكن القول إن ثمة طرفاً رابعاً يكمل حلقة الضمانات الدولية، وهو الطرف الفرنسي الذي فاوض في الإطار العملي عبر قصر الرئاسة الفرنسي “الإليزيه” وشركة “توتال إنيرجي”، بما يعني أن أوروبا جزء من الاتفاق، لأن إنتاج حقل كاريش ولاحقاً إنتاج حقل قانا (بحسب ما سينتج من الغاز) موجهان لتعويض المستهلك الأوروبي عن إمدادات الغاز الروسي.
وثمة عامل آخر يعترض طريق نتنياهو لفسخ الاتفاق، ويتمثل في أن حقل كاريش بدأ الإنتاج، والأهم أن المجتمع الإسرائيلي الذي حمل نتنياهو إلى الحكم مرة جديدة بغالبية تبدو واضحة، لا يتجه صوب خلق توتر بين إسرائيل والخارج. فالتصويت الإسرائيلي الذي يميل إلى اليمين موجه ضد الفلسطينيين، ولا يمثل بأي حال إجازةً لبنيامين نتنياهو للتورط في خلاف حول مشكلة ترسيم حدود مع لبنان، مثلت من الناحية العملية اعترافاً غير مباشر من “حزب الله” وبالتالي من إيران بإسرائيل.
بناءً على ذلك، يمكن ترجيح أن بنيامين نتنياهو لن يقوم بفسخ الاتفاق وحفاظا على ماء الوجه قد يقتصر فقط على التصعيد الكلامي فيما يتعلق بالاتفاق ويشتت الانتباه عن وعوده الانتخابية.
ثانيا: مستقبل العلاقات بين تركيا وإسرائيل
لا يعد فوز نتنياهو بالضرورة تطورا لطيفا للعلاقات التركية الإسرائيلية، حيث خلال معظم فترة ولايته السابقة، تدهورت العلاقات التركية الإسرائيلية بشكل كبير. وكان أحد الأسباب الرئيسية هو سياسات نتنياهو العدوانية تجاه الفلسطينيين ومشاركته في كتلة مناهضة لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.
وغالبا ما كان ينخرط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونتنياهو في حرب كلامية، مما يزيد من تعقيد العلاقات بين بلديهما. لذلك، ساهمت هزيمة نتنياهو في الانتخابات العامة السابقة بإزالة عقبة كبيرة من أمام عملية التطبيع بين أنقرة وتل أبيب وسرعت الجهود الدبلوماسية لاستعادة العلاقات بينهما. وبالإضافة إلى ذلك، عزز التطبيع الأخير بين البلدين التعاون والتنسيق الأمني بشأن المسائل ذات الأهمية الإقليمية، خاصة ما يتعلق منها بإيران.
في حين أنه ما يزال من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كان نتنياهو سيختار العودة إلى نفس السياسات القديمة، وبالتالي تقويض التقدم الذي تم إحرازه فعليًا في العلاقات التركية الإسرائيلية، أو ما إذا كان سيختار التكيف مع الوضع الحالي وربما البناء على التقدم، من المرجح أن يستمر التعاون الاقتصادي والاستخباراتي الحالي بين تركيا وإسرائيل على نفس الوتيرة.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالعلاقات السياسية والدبلوماسية، فإن تصرفات نتنياهو تجاه تركيا والفلسطينيين وبعض القضايا الإقليمية الساخنة، مثل الوضع في شرق البحر الأبيض المتوسط، هي التي ستقرر أي اتجاهات ستسلكها العلاقات في الفترة القادمة.
ثالثا: مستقبل القضية الفلسطينية واتفاقات إبراهيم
مع أن عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة كانت متوقعة، إلا أن النتيجة القوية التي حققها تحالف “حزب الصهيونية الدينية” المكون من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش كانت الخبر الكبير الحقيقي للانتخابات الإسرائيلية –حيث جعلته ثالث أكبر حزب في الكنيست.
وستكون المشاركة المحتملة لتحالف “حزب الصهيونية الدينية” في الحكومة المقبلة تداعيات تتجاوز السياسة الداخلية؛ فلم يكتفِ قادة اليمين المتطرف في إسرائيل برفض فكرة التنازل عن الأراضي للفلسطينيين فحسب، بل إنهم جعلوا من ضم الضفة الغربية أيضا حجر زاوية في برنامجهم.
كما أن التماسك الذي ظهر خلال نتائج الانتخابات الإسرائيلية سيطرح تحديات محتملة أمام قدرة إسرائيل على توسيع علاقاتها المتنامية مع العالم العربي. فما جعل نتنياهو يبرم اتفاقات إبراهيم خلال فترة ولايته السابقة هو أن ائتلاف الحكومة كان يضم عناصر وسطية، مثل وزير الدفاع آنذاك بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي. وقد وضعت تلك العناصر قيودا حاسمة على السياسات –مثل الضم المقترح آنذاك لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية– والتي كان من الممكن أن تعرقل علاقات إسرائيل مع شركائها العرب الجدد.
وكان نتنياهو قد وعد بالفعل بضم أجزاء من الضفة الغربية في العام 2020، قبل أن يتراجع عن ذلك بعد توقيع اتفاقات إبراهيم مع الإمارات والبحرين. ومنذ ذلك الحين، تلاعب مرارًا وتكرارًا بالفكرة بغية جذب الناخبين اليمينيين المتطرفين.
يمكن أن تكون لعودة ظهور مثل هذه الخطة عواقب وخيمة على السياسة الخارجية الإسرائيلية. وسيكون من شأنها أن تثير توترات غير ضرورية مع إدارة بايدن في وقت يجب أن تكون فيه المعضلة النووية الإيرانية محور الاهتمام.
والأهم من ذلك، أن ضم الضفة الغربية يمكن أن يقوض أيضًا التقارب بين إسرائيل والدول العربية التي أوضحت لمواطنيها في العام 2020 أن توقيع اتفاقات إبراهيم هو الذي منع ضم الضفة الغربية.
وقد أعرب مسؤولون في أبو ظبي والمنامة مُسبقًا عن مخاوفهم بشأن تحالف نتنياهو مع الحركة الصهيونية الدينية.
وإذا عادت حكومة ائتلافية جديدة في القدس إلى خطة عام 2020، فسوف يُنظر إلى ذلك على أنه إهانة لشركاء إسرائيل الخليجيين، الذين قد لا يكون لديهم خيار سوى تعليق التقارب.
وإذا اعتقدت الدول العربية أنها ستشعر بالحرج من الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع حكومة من هذا النوع، فإن التقدم في تعميق اتفاقات إبراهيم، وتوسيعها إلى بلدان جديدة، سيكون مرتقى صعبا.
رابعا: مستقبل الاتفاق النووي الإيراني
تمثل عودة نتنياهو مرة أخرى للسلطة معرقلا آخر لفشل الاتفاق النووي الإيراني الذي كان معلقًا بالفعل بخيط رفيع بسبب التعنت الإيراني والاضطرابات الداخلية.
ونظرًا لهوسه الطويل بإيران، يمكن توقع أن يزيد نتنياهو الضغط على إدارة جو بايدن لتكثيف إنفاذ العقوبات والعمل مع إسرائيل لإعداد خيارات أكثر عنفًا لمحاولة إضعاف وتأخير برنامج إيران النووي.
الخاتمة
لا شك بأن نتائج الانتخابات الجديدة التي تشير إلى تحول حاسم نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية، مع ما يجلبه ذلك من تداعيات على علاقات إسرائيل في المنطقة، والتوترات المستمرة بينها وبين الفلسطينيين، والعلاقات بين اليهود والعرب. إلا أنه لايزال من الباكر الحسم بأن نتنياهو سيستمر بنفس سياساته السابقة التي يمكن أن تضر بجهود إسرائيل الأخيرة خاصة المصالحة مع تركيا والتطبيع مع دول الجوار. فعندما يواجه نتنياهو خطر تعريض أحد أكبر إنجازات السياسة الخارجية الإسرائيلية للخطر في السنوات الأخيرة والذي عمل من أجله فعليًا، فإنه قد يفضل البراغماتية الاستراتيجية بدلا من تكتيكات الحملات الانتخابية.
وسيكون الموضوع الأكثر مراوغة بالنسبة لنتنياهو هو غزو روسيا لأوكرانيا، نظرًا لارتباطه الطويل بالرئيس بوتين. وستبقى العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وثيقة، لكن من المرجح أن تكون مسالكها أكثر وعورة، خاصة إذا حاول وضع إبهامه على ميزان السياسة الأميركية لدعم الجمهوريين كما فعل في الماضي.