المحتوي
بعد شهور من التعثر السياسي في ليبيا، الذي ارتبط بفشل إجراء الانتخابات في موعدها في ديسمبر الماضي، والخلاف حول شرعية أيًا من الحكومتين، ارتكزت مداخل الحل طوال الفترة الماضية على تقريب وجهات النظر بين الحكومتين، غير أن مؤخرا اقترح عدد من النواب الليبيين اقترابات أخرى للحل ،تعتمد على إعادة تشكيل المؤسسات المختلفة، وفي هذا الصدد نسلط الضوء على أبرز ما طرح ونحاول فهم حدود تأثيره.
أولًا: طرح اقترابات مختلفة للحل
تحدث بعض أعضاء مجلس النواب مقترحًا تشكيل مجلس رئاسي جديد برئيس جديد وعضوية رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، عن غرب البلاد، فيما يتم اختيار شخصية ممثلة جنوب البلاد عضوا بالمجلس من ثم فأولي تبديل المقاعد يكون في المجلس الرئاسي.
كما تضمن المقترح تكليف فتحي باشاغا بإعادة النظر في حكومته الحالية، وتقليص عدد وزاراتها، لتتولى الجانب التنفيذي في مرحلة الإعداد للانتخابات.
من جهة أخرى وفي تصريح لرئيس البرلمان نفسه لصالح عقيلة اقترح تقديم إجراء الانتخابات البرلمانية على الرئاسية مع استبعاد كافة شروط الترشح للانتخابات الرئاسية من مسودة الدستور، بما فيها ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، والاستفتاء عليه قبل إجراء الانتخابات البرلمانية.
ثانيًا: اقتراح تبديل المقاعد
وفقا لما جاء في هذه الأطروحات فإنها تقدم اقتراب مختلف لحل الأزمة في ليبيا، يركز هذا الاقتراب على المعضلة الرئيسية في المشهد الليبي المتمثلة في الانتخابات، وتحاول إزالة بعض الخلافات في المؤسسات بتجنيب أطرافها.
إعادة تشكيل المجلس الرئاسي
هناك خلاف كامن بين المجلس الرئاسي وبين المجلس الليبي، متمثل في طبيعة الدور الذي يمكن القيام به، وكذلك موقف كلًا منها إزاء الآخر، فيرى مجلس النواب أن هناك ميلًا من الرئاسي ناحية مجلس الدولة على حساب النواب، ويرى المجلس الرئاسي أن بإمكانه حل الخلاف الرئيس بين مجلسي النواب والدولة .
كما أن هناك خلاف حول تفسير حدود صلاحيات المجلس، فيري المجلس الرئاسي وأعضائه أن بإمكانه أن يصدر مرسوماً رئاسياً بقوة القانون لاعتماد قاعدة دستورية بالتشاور مع جهات عدة تشكل الإطار القانوني للانتخابات المقبلة، في حين يرى أعضاء مجلس النواب ان صلاحية الرئاسي لا تتجاوز الأعمال المسندة إليه، وأن ذلك تعدياً على اختصاصات مجلس النواب التشريعية.
إن اقتراح إعادة تشكيل المجلس الرئاسي في حذ ذاته قد لا يكون مرحب بها من جانب أعضاء المجلس الرئاسي، و يجعل الرئاسي ينظر لمبادرة تحمل هذا الطرح بارتياب، ومنها فلا يرجح ان يكون هذا الاقتراب في التعامل مع المجلس الرئاسي قادر على توسيع التفاهمات بينه وبين المؤسسات الأخرى.
موقف التوافق مع حكومة الدبيبة
واحد من أبواب واسباب الاشتباكات التي عرفتها ليبيا مؤخرا ناتج عن وجود حكومتين والخلاف حول أحقية كلا منهما بالشرعية، فعلى سبيل المثال جرى يوم 26 من أغسطس اشتباك بين قوة من الأمن العام بقيادة عماد الطرابلسي، المتحالف أخيراً مع رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، و”اللواء 777 قتال” بقيادة هيثم التاجوري، أشهر قادة كتيبة “ثوار طرابلس”، في صدام بين الحكومتين حول طرابلس ومحاولة باشاغا دخولها. في إطار التأزم الأوسع بين الحكومتين، فلدي كلا منها قواتها ، وقادرين علي التصعيد لإدخال ليبيا في صراع مسلح جديد.
وبالرغم من وجاهة طرح تسريع إتمام العملية الانتخابية فكرة جوهرية في مساعي الاستقرار وتمهد لتشكيل حكومة جديدة، لكن الوصول إليها يكاد يكون شبه مستحيل ، في ظل عدم التوافق بين الحكومتين، وفي أحسن الأحوال يواجه معوقات سياسية وأمنية وتصادم متنوع المستويات والاتجاهات، من ناحية أخرى فإن مبادرة دون توافق بين الحكومتين، تتجاهل جانب كبير من مسببات الصراع.
عدم النقاش حول المسائل الخلافية المتعلقة بدستورية الانتخابات
في لقاء صالح خلال جلسة لمجلس النواب في بنغازي، التوصل إلى اتفاق مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ونائبيه باستبعاد شروط الترشح للرئاسة من مشروع الدستور، وقال صالح إنه “يستثنى من الاستبعاد البند الخاص بأن يكون المرشح ليبيا من أبوين ليبيين”، مضيفا: أن “الأمر يُـترك للمشرع، الذي يمكنه أن يقرر شيئا الآن، ثم يغير رأيه بعد سنة أو سنتين”.
ثالثًا: حراك دبلوماسي واسع في ليبيا
من جهة عقيلة صالح
في مطلع أغسطس استقبل رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، رئيس مجلس النواب الليبي في طبرق عقيلة صالح، في العاصمة أنقره.وخلال الاجتماع تم التأكيد على أن العلاقات القائمة بين تركيا وليبيا تمتد إلى عهود قديمة، مبينا أن تعزيز العلاقات بين برلماني البلدين.
كما زار رئيس مجلس النواب الليبي، إن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي القاهرة لإجراء مباحثات مصرية ليبية.وكذلك أجرى رئيس المجلس عقيلة صالح ، بزيارة إلى دولة قطر التقي أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لـ”إنهاء الخلاف” بين الجانبي بدعوة رسمية كان قد تلقاها من وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن.
ومن المرجح وبحسب المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب فتحي المريمي، إن رئيس مجلسالنوب عقيلة صالح سيقوم بزيارة إلى روسيا خلال الأيام القريبة المقبلة. لمناقشة المصالح المشتركة بين كل من ليبيا وروسيا
وفي هذا الصدد يمكن فهم نشاط رئيس مجلس النواب بأنه حراك الدبلوماسي في التفاعل مع الملف الليبي، لا سيما تركيا ومصر، اللتين تعتبران لاعبين أساسيين في الملف.
المجلس الرئاسي
ومن جهة المجلس الرئاسي فيجري الآخر تحركاته والتي كان أخرها استقبال المنفي،الأمين العام لجامعة الدول العربية، على هامش أعمال الدورة العادية الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وفق بيان للمجلس الرئاسي و واستعرض رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أهم الملفات السياسية والأمنية في ليبيا.
وفي وقت سابق زارة رئيس المجلس الرئاسي لـ ليبيا السنغال لبحث سماعي المصالحة، كما جرى المشاركة في مؤتمر تيكاد واشغال مؤتمر “تيكاد 8” المنعقد في تونس واستقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي.
رابعًا: بالون اختبار لمبادرة جديدة
ما بين أطروحات النواب وما تداولته وسائل الإعلام قال رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، إنه سيعلن خطة قريبًا تركِّز على ما “يحقق الاستقرار والسلام والازدهار… ويضمن وصولنا إلى انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، حرة ونزيهة”. وأضاف باشاغا في منشور عبر صفحته بموقع “فيسبوك” ، أنه عقد “اجتماعات مثمرة وبناءة مع الدول الصديقة والشقيقة”.
أما المجلس الرئاسي نفى توصله إلى “اتفاق مع مجلس النواب بشأن استثناء شروط الترشح للانتخابات العامة من مشروع الدستور الليبي المرتقب” والتي أشار إليها رئيس البرلمان آنفًا في تصريحاته.
في النهاية يمكن القول أن ما طرحه بعض أعضاء مجلس النواب بمحاور الثلاث، إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وتجنيب القاعدة الدستورية، وتقليص حكومة باشاغا للاشراف على تنفيذ العملية. كأنهم بلونة اختبار لرؤى الأطراف في هذا المقترحات، والتي بناء عليها يمكن طرح مبادرة بشكل نهائي قد تشمل بعض ما أشير إليها في المقترحات تلك بدرجة ما. لكن مبادرة توافيقة ستخرج قريبا من مجلس النواب وبشكل رسمي تحمل بعض ما اقترحه النوابـ، هو أمر يمكن توقعه وبقوه.
كمايمكن التأكيد أن البرلمان واحدة من المؤسسات التي لديها شرعية لا خلاف عليها ، باعتبار أنها أت بانتخابات أولًا وأنه بصلاحيات كاملة ، ويحظي بتوافق بين المؤسسات المختلفة داخليا ولا خلاف علي شرعيته خارجيًا، ومن ثم فله قدرة على تحريك المشهد السياسي الليبي وهذا بحدذاته سلاح ذو حدين فالالتفاف حوله ونجاحه في إحداث توافق يسرع فرص حل المشهد الليبي، ومن ناحية فتفاقم الخلاف حول مبادراته يفتح مساحة لخلاف أوسع بين المؤسسات ويبعد فرص التوصل لتسوية، وهو ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند صياغة مبادرات للتسوية يتبناها البرلمان.