قانون الانتخابات التونسي واستمرار حالة التأزم السياسي
إعداد : محمد فوزي
أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد في 15 سبتمبر الجاري عن إصدار مرسوم رئاسي جديد يشتمل على تعديلات لقانون الانتخابات التونسي والذي صدر في سنة 2014، كجزء من إجراءات الرئيس التونسي لاستكمال خارطة الطريق التي طرحها في 13 ديسمبر الماضي، حتى أن الرئيس التونسي اعتبر أن “القانون الجديد يحظى بأهمية تضاهي الدستور الجديد للبلاد”، وقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أمس الخامس والعشرين من سبتمبر عن تمرير هذه التعديلات والبدء في “فترة الانتخابات التشريعية” المقرر عقدها في 17 ديسمبر المقبل، وعلى الرغم من أهمية الخطوة في إطار مساعي استكمال خارطة الطريق، إلا أنه زاد من حجم التأزم السياسي الذي تشهده البلاد، في ضوء تصاعد حالة الرفض والانتقادات الموجهة للقانون الجديد، واعتبار بعض الدوائر السياسية التونسية أن القانون جاء كاستكمال “للمسار المتفرد للرئيس قيس سعيد منذ 25 يوليو 2021”.
إشكالات رئيسية
تُمثل التعديلات التي أدخلها الرئيس قيس سعيد على القانون الانتخابي، نقطة تحول في مسار العملية الانتخابية والمسار السياسي ككل في تونس، إذ أنها كانت بمثابة إصدار قانون انتخابي جديد، وقد لاقت هذه التعديلات انتقادات واسعة في ضوء بعض التحفظات على ما ورد فيها، وذلك على النحو التالي:
1- كان القانون الانتخابي في تونس يقوم في السنوات الأخيرة على نظام الاقتراع على القوائم الحزبية، لكن التعديلات التي أقرها الرئيس التونسي حولت هذا النظام إلى “الانتخاب الفردي”، ما يعني أهمية حصول المرشح على 50%+1 ليتمكن من الفوز بمقعد في البرلمان الجديد، وقد اعتبرت العديد من الدوائر التونسية أن هذا النمط الانتخابي يُحجم من دور الأحزاب السياسية التونسية ويقلل من فاعليتها، خصوصاً وأنه سيؤدي إلى إقصاء العديد من الأحزاب والمنظمات التونسية.
2- وضع القانون الانتخابي الجديد في تونس شروطاً دقيقة للترشح، حيث نص على ضرورة تزكية 400 ناخب للمرشح واستخراج بطاقة السوابق العدلية والحساب الضريبي، كما نص الفصل 20 من المرسوم على أنه لا يمكن لكل من أعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين والقضاة ورؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسية والقنصلية، والولاة، والمعتمدين الأول والكتاب العامين للمحافظات والمعتمدين والعمد والأئمة، ورؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية، الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب، إلا بعد مرور سنة من انتهاء وظائفهم، كما لا يمكنهم الترشح في آخر دائرة انتخابية مارسوا فيها وظائفهم المذكورة لمدة سنة على الأقل قبل تقديم ترشحهم، وقد اعتبرت بعض الدوائر التونسية ومنها دوائر مؤيدة لمسار 25 يوليو (حزب حركة الشعب على سبيل المثال)، أن هذه الشروط تعجيزية وغير واقعية، ما زاد من حجم المعارضة للقانون الجديد.
3- نص المرسوم الجديد الخاص بقانون الانتخابات، على أنه لا يجوز الترشح في نفس الوقت للانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية والبلدية في حالة تزامنها، وقد اعتبرت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، أن هذا النص وُضع خصيصاً من أجل منعها من الترشح للرئاسة، وذلك بعد أن أعلنت نيتها الترشح، وتبنت العديد من التحركات المناهضة للرئيس قيس سعيد.
4- تضمن المرسوم في فصله الـ 39 نصاً جديداً يتعلق بـ”سحب الوكالة” من النائب وشروطها وطرق الطعن فيها، حيث يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في حال إخلاله بواجب النزاهة أو تقصيره البين في القيام بواجباته النّيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح، ولا يمكن سحب الوكالة قبل انقضاء الدورة النيابية الأولى أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة النيابية. كما لا يمكن تقديم عريضة سحب الوكالة من النائب إلا مرة واحدة طيلة المدة النيابية، وتُقدم عريضة سحب الوكالة معللةً وممضاة من قبل عشر الناخبين المسجلين بالدائرة الانتخابية التي ترشح بها النّائب المعني إلى الإدارة الفرعية للانتخابات المختصة، وقد اعتبرت بعض الدوائر التونسية أن هذا النص يفتح الباب أمام تغول السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية، فضلاً عن أنه يُطيح بمبدأ الفصل بين السلطات، ويُضعف من الدور الرقابي للبرلمان الجديد.
5- أتى المرسوم بتتمة للفصل 106 من القانون الانتخابي والذي حدد عدد مقاعد المجلس النيابي الجديد بـ161 مقعداً، وكان العدد السابق للمقاعد هو 217 مقعداً. أما عدد الدوائر الانتخابية فأصبح وفق المرسوم 161 دائرة انتخابية موزعة بين 151 دائرة انتخابية داخل أرض الوطن و10 دوائر خارجه، واعتبرت بعض الدوائر التونسية أن استبدال القانون الجديد دائرة المحافظة بدائرة المعتمدية سيقوي الهويات المحلية الضيقة على حساب الهوية السياسية الوطنية الجامعة، فضلاً عن أن هذا النظام قد يدفع باتجاه صعود المال السياسي والفساد.
6- ألغى القانون الانتخابي الجديد مبدأ التناصف في الترشح بين الرجل والمرأة الذي كان قائماً في السابق، الأمر الذي اعتبرته العديد من الدوائر النسوية ضرباً للمكاسب الديمقراطية التي حققتها المرأة في تونس، خصوصاً وأنه سيقلل من حضور المرأة في البرلمان التونسي، وسيُضعف من فرصها.
وفي ضوء رصد ردود الأفعال على القانون الانتخابي الجديد، يمكن القول إن هناك بعض الاتجاهات التي عبرت عن دعمها للقانون كجزء من دعمها لمسار 25 يوليو ككل وعلى رأسها أحزاب: حركة الشعب، والتيار الشعبي، وحركة البعث، والائتلاف الوطني التونسي، وحركة تونس إلى الأمام.
فيما أعلنت العديد من الأحزاب والمنظمات التونسية عن رفضها لهذا القانون في ضوء التحفظات على ما ورد فيه، وعلى رأس هذه الاتجاهات: حزب حركة النهضة والاتجاهات المؤيدة للنهضة والمتحالفة معها (جبهة الخلاص الوطني – ائتلاف الكرامة – حزب قلب تونس – حزب حراك تونس الإرادة بقيادة المنصف المرزوقي – حزب حركة أمل – حزب العمل والإنجاز المنبثق عن حركة النهضة بقيادة عبد اللطيف المكي)، بالإضافة إلى بعض الأحزاب التي لا تدور في فلك إخوان تونس أيديولوجياً ولكنها اختلفت مع سياسات وتوجهات الرئيس قيس سعيد في مرحلة ما بعد 25 يوليو وعلى رأسها: الحزب الدستوري الحر – تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي تضم “الحزب الجمهوري” و”حزب العمال” اليساري، و”القطب الحداثي” و”التيار الديمقراطي” و”التكتل الديمقراطي”، وقد أعلنت معظم الأحزاب الرافضة للقانون عن مقاطعتها للانتخابات التشريعية المقبلة، وادعوا أن “هذه الانتخابات سوف تكرس للحكم الفردي للرئيس قيس سعيد”.
الاتجاهات المؤيدة
الاتجاهات الرافضة
مستقبل مجهول
على الرغم من الاعتراضات الكبيرة على مشروع الرئيس قيس سعيد منذ 25 يوليو 2021، وهو المشروع الذي كان آخر مظاهره هو القانون الانتخابي الجديد، إلا أن الرئيس التونسي قد ينجح في استكمال مساره الإصلاحي وفق رؤيته، وذلك في ضوء بعض الاعتبارات وعلى رأسها قدرته على إضعاف ومحاصرة الأحزاب المؤثرة في المشهد وبالتحديد حركة النهضة (التي تعاني من عزلة سياسية ومجتمعية بالأساس بسبب العشرية السوداء) والدستوري الحر، فضلاً عن الدعم الكبير الذي يحظى به الرئيس من قبل مؤسسات الدولة خصوصاً الأمنية، وكذا حفاظ الرئيس على هامش تواصل مع المؤسسات النقابية بالبلاد وخصوصاً الاتحاد التونسي العام للشغل وقرب التوصل إلى اتفاق معه بخصوص معالجة الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تونس، وأخيراً قرب التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتعزيز العلاقات مع بعض الدول بما يضمن توفير دعم اقتصادي لتونس وهو ما تجسد في حالتي اليابان والجزائر.
وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من تصاعد فرص الرئيس قيس سعيد في تنفيذ مشروعه الإصلاحي في تونس، إلا أن هذه الرؤية تواجه جملة من التحديات، وعلى رأسها تزايد حجم المعارضة الداخلية للرئيس وعدم وجود ظهير سياسي وحزبي له، وتوتر العلاقات مع العديد من الدول الغربية خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ضوء انسياق هذه الدول وراء سردية حركة النهضة، فضلاً عن تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تونس في المرحلة الراهنة، وكذا تصاعد التهديدات الأمنية التي عبر عنها الكشف عن العديد من الخلايا الإرهابية في الأسابيع الأخيرة، وهي الخلايا التي تحاول استغلال الأزمة السياسية في تونس من أجل ممارسة النشاط الإرهابي.