الأزمة السورية فى أبعاد وجوانب جديدة
إعداد : مصطفي أحمد مقلد
لايزال المشهد السورى مضطرب إلى حد كبير، فالنظام السورى لم يفرض بعد كامل سيطرته على البلاد، ويتوازى ذلك مع فشل جهود إخراج تسويات سياسية، بما في ذلك، المشاريع التى قادتها الأمم المتحدة أو روسيا للتوصل إلى تسويات سياسية ودستورية، وعدم حدوث أي تطور جاد فى جهود إعادة الإعمار، كما أن جهود إعادة اللاجئين السوريين لم تسفر بعد عن المتوقع والمطلوب.
ومع المستجدات على الساحة الدولية، انصرف كثير من الاهتمام الدولى عن الأزمة السورية وتحولت الى ورقة تستخدمها الدول ذات النفوذ داخل سوريا فى المقايضات الجيوسياسية، فقضايا عديدة برزت زادت من تعقيد المشهد السورى حتى بعد أن خفتت حدة الصراعات المسلحة.
إجمالاً، لا تزال الحياة تعيسة فى سوريا الذي نهشته الحرب، ويحتمى الفقراء والنازحون فى مخيمات تفتقر إلى الصرف الصحي والمياه، ويخيم شبح الحزن والمعاناة بعد عقد من الحرب حيث لا تزال القنابل ونيران الهاون والصواريخ والضربات الجوية بين الحين والآخر تقطع الهدوء.
التقارب السورى التركى:
شكَّلت تصريحات وزير الخارجية التركى “مولود جاويش أوغلو” فى ملتقى السفراء الأتراك فى أنقرة فى 11 أغسطس 2022، دليلًا واضحًا على استعداد أنقرة لإعادة النظر فى علاقتها السياسية مع سوريا، فى نفس السياق، أدلى أردوغان بتصريح أثناء عودته من زيارة لأوكرانيا فى 19 أغسطس، قال فيه إن تركيا مستعدة لنقل الاتصالات مع نظام الأسد إلى مستوى أعلى، أى إلى مستوى سياسى.
كانت قد ظهرت رياح التغيير فى السياسة التركية تجاه الصراع فى سوريا مع التدخل العسكرى الروسى فى سبتمبر 2015، حيث تبدلت أولويات تركيا فى سوريا فتخلت عن هدف الاطاحة بالأسد لصعوبة تحقيق ذلك عمليا، وأصبح شاغلها الأول هو منع قيام دولة كردية أو كيان كردى مستقل على حدودها الجنوبية، وأدى ذلك إلى تمهيد الطريق أمام تفاهمات تركية روسية كان جوهرها تخلى أنقرة عن سياسة تغيير النظام فى دمشق مقابل تعاون موسكو فى منع قيام كيان كردى على الحدود مع سوريا.
وانعكس التفاهم الروسى التركى فى إطلاق مسار “أستانة” مطلع عام 2017 الذى يضم أيضا إيران بحكم نفوذها وانتشار المليشيات التابعة لها على الأراضى السورية، الذي أدى إلى تجميد الصراع بين النظام والمعارضة عبر إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد (بسط النظام سيطرته على ثلاث منها)، وصولًا إلى موافقة أنقرة على مقترح إنشاء اللجنة الدستورية لحل الأزمة السورية، والذي برز خلال مؤتمر سوتشي فى يناير 2018، وهدف إلى تحقيق تسوية بين النظام والمعارضة.
يمكن القول أن عوامل سياسية واقتصادية وكذلك ضغوط من المعارضة التركية المحلية دفعت أردوغان إلى تغيير سلوكه فيما يتعلق بمستجدات الملف السورى، فقد كان للعلاقة مع سوريا خصوصية إضافية واضحة عن باقى دول الاقليم ممثلة بوجود نحو 3.7 ملايين لاجئ سورى فى تركيا، وتعتبر تلك القضية نقطة قوة للمعارضة التركية وتحاول الاستفادة منها فى الانتخابات المقبلة 2023، ما حنى بالسياسة التركية لمحاولة الوصول لتفاهمات مبدئية مع النظام السورى بهدف إعادة اللاجئين السوريين لوطنهم وذلك مع تعذر تركيا القيام بعملية عسكرية جديدة كانت تستهدف من خلالها التوغل 30 كيلومتر داخل الاراضى السورية وتوطين مليون لاجئ سورى فيها، وذلك بسبب ضغوط غربية وروسية وحتى رفض إيرانى واضح حتى لا تصبح الجماعات الشيعية فى مناطق الزهراء وتل رفعت ونبل هدف للعملية التركية.
حاول أردوغان مجددًا انتزاع موافقة على العملية العسكرية خلال القمة التي عقدها مع بوتين فى سوتشى فى أغسطس 2022، مستغلًا حاجة موسكو إليه في الصراع الدائر في أوكرانيا، خاصة بعد توسط تركيا فى اتفاق الحبوب واكتسابها زخم دبلوماسى فى الحرب الاوكرانية، لكن بوتين طرح على أردوغان بدلًا من ذلك التفاهم مع النظام السورى لحل قضيّتي الأكراد واللاجئين، ومثلت تصريحات أردوغان وحكومته أثناء عودته من سوتشى موافقة تركية على السير فى مقترح بوتين، مع اشتداد ضغط العامل الانتخابي، وإلحاح العامل الاقتصادي الذى صار بعد أزمة أوكرانيا مرتبطًا خصوصًا بإمدادات الطاقة، التي أخذت حسابات دول شرق المتوسط تتأثر بها بصورة واضحة، بينما يشتد التنافس بينها على اقتسام حقولها المكتشفة حديثًا في المنطقة، وقد يكون هذا أحد العوامل الإضافية التي تدفع أنقرة إلى التقارب مع النظام السورى.
ونتيجة للانفتاح التركى على الحوار مع النظام السورى فإن الاخير سيحاول الاستفادة قدر الإمكان من خلال الضغط لوضع جدول زمنى للإنسحاب التركى من الأراضى السورية، والتخلي عن دعم المعارضة، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل منها إلى النظام، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى ومعبر كسب، وكذلك على طريق M4 الدولى التجارى. بجانب حصول النظام على تعهد بألا تدعم تركيا العقوبات الأوروبية والأمريكية ضد رجال الأعمال والشركات المقربة من دمشق.
بالمقابل تطلب تركيا تعهد النظام الانخراط فى مفاوضات جدية مع المعارضة للوصول إلى تسوية سياسية وتصفية أعضاء حزب العمال الكردستاني، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى سوريا.
يختلف المحللون حول ما إذا كان التقارب مع الرئيس السورى هو تحول حقيقى فى السياسة أم أنه مجرد خطاب انتخابى مدفوع بالارتفاع الأخير فى الخطاب المناهض للاجئين والذي شهد أيضًا حوادث عنيفة ضد اللاجئين السوريين، حيث على خلفية الأزمة الاقتصادية فى تركيا، يريد 48 فى المائة من المواطنين الأتراك خروج اللاجئين السوريين من البلاد.
ومن الصعب وصفه بأنه تحول فى السياسة، بل مزيد من البيانات للاستهلاك العام، ولإظهار أن حزب العدالة والتنمية لديه خطة حول كيفية التعامل مع اللاجئين، بحسب إليزابيث تسوركوف، الزميلة غير المقيمة في معهد نيو لاينز للاستراتيجيات والسياسات.
كما أنه من أجل حدوث تقارب كبير، لن يقبل النظام أى نوع من الوجود التركى على الأراضى السورية، كما أن المعارضة أو الجماعات التى تعمل بالوكالة التى حافظت عليها تركيا فى شمال حلب أو النازحين ليس لديهم سبب للثقة في وعود النظام، وبالتالى سيحاولون الفرار، ما يمثل تدفق إضافى للاجئين وهو سيناريو مرعب لتركيا، وهو ما يدعم القول بعدم جدية المصالحة بين سوريا وتركيا.
حدد أردوغان علنًا لأول مرة يوم 25 أغسطس المنقضى منطقة آمنة تربط سوريا والعراق لمواجهة التهديدات التى ترى تركيا أنها من الجماعات الكردية المسلحة فى الجارتين، وأعلن أردوغان أنه لن يوقف العمل المسلح حتى ينشئ منطقة أمنة تمتد إلى عمق 30 كيلومترًا، وتعهد بأن العمليات العسكرية التركية ستستمر حتى لو انسحبت من سوريا حتى تتم تلبية مخاوفها، ويبدو أن تصريحاته تعكس الغضب من الشروط التى أثيرت ردًا على عروضه لدمشق.
من المرجح أن تكون هذه الرؤية على طاولة المفاوضات إذا وافقت أنقرة ودمشق على مراجعة الاتفاق الأمني لعام 1998 المعروف باسم اتفاق أضنة، والذى كانت موسكو تعتبره أساسًا للمصالحة بين الجارتين، وتتلاقى مصالح دمشق وأنقرة فى التقليل من سلطة السلطات الكردية فى الشمال الشرقى، فأحد السيناريوهات للقيام بذلك هو دمج وحدات حماية الشعب -التي سعت للحصول على دعم الأسد ضد العملية العسكرية التركية الأخيرة- فى الجيش السورى، لكن ذلك لن يروق لتركيا التى سيكون من الصعب عليها استهداف قوات كردية لانها بذلك ستستهدف جيش دولة ذات سيادة.
تغيرات إستراتيجية على الساحة السورية:
هناك بواعث قلق تثير طهران أكثر من أى وقت مضى بشأن خطط أنقرة فى سوريا، خاصة الإتجاهات الحديثة فى السياسة التركية الخارجية والإقليمية، حيث مع بدء التقارب التركى الإسرائيلى، تنظر إيران بعين الريبة إلى أن دعم القوات المناوئة ل”بشار الأسد” هو مشروع تركى إسرائيلى مشترك تم الاتفاق عليه خلال زيارة وزير الخارجية التركي “جاويش أوغلو” فى مايو المنقضى إلى تل أبيب، بحيث تستثمر إسرائيل فى نفوذ تركيا فى سوريا، لخلق حالة من عدم الاستقرار فى سوريا لإبقاء طهران مشغولة.
لدى الإيرانيين سبب وجيه للاعتقاد بأن تركيا وإسرائيل يشكلان جبهة مشتركة ضد إيران، حيث فى 23 يونيو الماضى، قبل وقت قصير من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلى آنذاك “يائير لبيد” إلى تركيا، أُعلن أن قوات الأمن التركية أحبطت مؤامرة إيرانية لاغتيال سياح إسرائيليين، وهو إتهام نفته إيران ووصفته بأنه “سخيف”، وما يعزز شكوك إيران في وجود أجندة معادية لإيران فى سياسة أنقرة الخارجية هو أن تركيا تعمل أيضًا على تطوير علاقات مع خصوم إيران الإقليميين الآخرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
كما تعمل إيران على دفع الأكراد نحو اتفاق مع “دمشق” يُلزمهم تسليم السيطرة على “تل رفعت” للجيش السورى، وهذا من شأنه قطع الطريق على أي عملية عسكرية تركية فى سوريا، ومواجهة التمرد الكردى وإضعاف النفوذ الأمريكى فى سوريا من خلال تقويض التحالف بين الميليشيات الكردية وواشنطن.
فى سياق أخر، شنّت إسرائيل سلسلة غارات على مواقع وُجِدت فيها وحدات للحرس الثورى الإيرانى، والميليشيات التابعة لطهران فى مناطق متفرقة من سوريا شملت مطار حلب الذى خرج من الخدمة نتيجة القصف، نتيجة معلومات استخباراتية عن حلول بعض هذه الميليشيات مكان قوات روسية انسحبت من هذه المواقع وحلت مكانها قوات موالية لإيران.
لا ينفصل توالى الضربات الإسرائيلية لمواقع تابعة للميليشيات التي يقودها الحرس الثورى فى سوريا عن سياق مفاوضات إحياء الاتفاق النووى بين إيران والولايات المتحدة، وبين التصعيد العسكرى المرتقَب نتيجة تأجيل هذا الاتفاق وسعى إسرائيل إلى نسف احتمال إنجازه.
تفاخرت إسرائيل بقصفها الأخير لمطار حلب معتبرة ذلك إنجازاً ضمن خطة واسعة للقضاء على البنى التحتية العسكرية لإيران فى سوريا، ويمكن استنتاج الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل عام فى أنها إحباط محاولات إيران بناء ميليشيات مسلحة معززة بأسلحة دقيقة حول الحدود الإسرائيلية، وأن اسرائيل تحاول منع أمرين مهمين فى سوريا، الأول تموضع القوات الإيرانية فى مختلف المناطق والثانى هو منع نقل أسلحة متقدمة وربما أيضاً مكونات دفاع جوي لحزب الله اللبنانى.
تعتبر إسرائيل أن أحد التحديات التى تواجهها هو انصراف الاهتمام الروسي نحو حرب أوكرانيا، وإهمال المسرح السورى وهو ما يخدم مصلحة إيران، لكن يمكن القول أن ذلك يمثل ظرف مؤقت، لأن روسيا لا تنوى الانسحاب من سوريا، التى تمثل حجر الزاوية للنفوذ الروسى فى الشرق الاوسط والمحطة الابرز على المياه الدافئة بالنسبة لروسيا، فالانسحابات الروسية هذه تتم فى شكل متواتر منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا من بعض المواقع الصغيرة التي وجدت فيها القوات الروسية، أو من مواقع ليست أساسية بالنسبة إلى الدور الروسى.
وبينما كان التحدى السابق لإسرائيل فى سوريا هو تجنب الصدام مع القوات الروسية، عند توجيه ضربات جوية للميليشيات الموالية لطهران، فإن التحدى الجديد يكمن فى انعكاسات الخلاف بين موسكو وتل أبيب نتيجة موقف الأخيرة المتعاطف مع أوكرانيا، فإسرائيل تواجه احتمال قيام موسكو فى المقابل بتمرير معلومات استخباراتية إلى سوريا والإيرانيين عن نوايا إسرائيل شن هجمات على الأراضى السورية، أو تمرير أسلحة تقليدية متقدمة إلى سوريا مثل صواريخ “أس 300″، ثم غض النظر عن انتقال هذه الأسلحة إلى المجموعات الموالية لإيران، ولا سيما “حزب الله”، كما حصل فى شأن بطاريات “أس أي 17″ و”أس أي 22 ” و”أو أس آي” للدفاع الجوى وصواريخ “ياخونت”، مع ما يعنيه ذلك من تهديد مباشر لحركة سلاح الجو الإسرائيلى.
وعلى الرغم من مئات الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية لم يتحرك الإيرانيون للرد، فطهران تعطي الأولوية لحفظ دورها فى سوريا بالاتفاق مع روسيا وهي لا تريد فتح جبهة فى سوريا ضد تل أبيب كى لا تعرض تحالفها مع موسكو للانهيار ولعلمها أن روسيا وإسرائيل تنسقان جيداً بما في ذلك العمليات ضدها.
يدرك الإيرانيون أن الجيش الروسى لن يدخل فى مواجهة مع إسرائيل، فالعلاقات بين الطرفين أعمق بكثير من الحديث المتجدد عن تقارب استراتيجى بين طهران وموسكو، والثمن الذى تريده إسرائيل هو إخراجهم من سوريا وهذا ما لا يبدو أن روسيا قادرة أو راغبة فيه إلا مقابل ثمن تدفعه الولايات المتحدة قوامه إطلاق يد روسيا فى سوريا وانسحاب القوات الأميركية من “التنف” وربما من شرق سوريا كله.
الملاحقة المتواصلة للطيران الإسرائيلي للوجود الإيرانى ينسبها بعض المطلعين للتوجه الإسرائيلى المتشدد فى رفض مشروع الاتفاق على النووى، وفى سياق الضغط من أجل منع إتمامه، ويرون أن تحوّل سوريا إلى ساحة للرسائل والضغوط الدولية المتبادلة يسمح فى أحيان كثيرة بتقاطع مصالح بعض الدول، فموسكو لم تعد متحمسة هى أيضاً لإنجاز الاتفاق على النووى، فتتقاطع مصلحتها مع تل أبيب لكن لدوافع مختلفة، فهي تخشى من تطبيع إيران علاقتها مع دول الغرب بإنجاز الاتفاق ورفع العقوبات عنها، فتصبح أحد مصادر النفط والغاز لدوله، فى ظل الصراع الروسى الغربى والمواجهة القائمة فى حرب أوكرانيا.
كما أن موسكو لا تمانع فى إبقاء حليفتها إيران تحت الضغط على الأرض السورية، فتغض النظر عن القصف الإسرائيلى لمواقعها لأنه يضعف حرية حركة ميليشياتها التى تنافسها بالنفوذ، على الرغم من تصريحات الاستنكار الروسية لعمليات القصف ضد المواقع الإيرانية.
فيما سعت طهران لتعزيز نفوذها الاقتصادى فى سوريا، من خلال تفعيل استثماراتها المالية والاقتصادية التى كانت قد حصلت فى شأنها على امتيازات من الحكومة السورية، وعليه فإن موسكو تقف غير سعيدة بذلك، لكن انحراف اهتماماتها نحو الحرب في أوكرانيا، والصعوبات الاقتصادية التى تواجهها جعلتها غير مستعدة لأخذ خطوات تحد من طموحات إيران، وقامت بتخفيف مساعداتها الاقتصادية للنظام السورى بغية توفير الموارد لحربها فى أوكرانيا، فى وقت تعاني سوريا أزمة معيشية خانقة، أفادت طهران بالدخول محل روسيا فى مجال تقديم المساعدات بما يحقق نفوذ أكبر.
وعلى هذا ترسل الولايات المتحدة رسائل أنها لاتزال تحتفظ بما لديها من نفوذ شرق الفرات وأنها لا تتخلى عن حلفائها الأكراد، حتى لو كان هذا الدعم يتمثل فى إرسال مبعوثين للإجتماع مع القادة الأكراد، فالممثل الجديد للولايات المتحدة “نيكولاس غرانجر” زار مناطق شمال وشرق سوريا فى 31 من أغسطس الماضى، والذى شدد على أن الحضور الأميركى فى المنطقة هدفه الاستمرار فى مكافحة الإرهاب ودعم شمال وشرق سوريا فى تأمين الاستقرار ومساعدة الإدارة الذاتية على مستويات عدة سياسياً واقتصادياً وانسانياً.
مباحثات عودة سوريا للجامعة العربية:
على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات السورية العربية، حيث من المقرر أن تستضيف دمشق مؤتمرًا عربيًا للطاقة فى عام 2024، إلا أن إعادة سوريا لمجالها العربى لا يزال يتطلب عملاً هامًا على المستوى الإقليمي، فقد دفعت موجة من الأنشطة والإجراءات بقيادة الإمارات العربية المتحدة دمشق إلى الساحة الإقليمية مرة أخرى، حيث لم تصبح أبو ظبى “الشريك التجاري العالمي الأبرز لسوريا” فحسب، ولكنها أيضًا تنحاز سياسياً مع الرئيس السورى.
وتختلف أسباب رغبة الدول العربية فى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، يقوم الأردن بجهود للعب دور وساطة للتنسيق لعودة سوريا، وأعاد الأردن فتح معبر جابر (المعروف بمعبر نصيب على الجانب السورى) على الحدود مع سوريا بعد موافقة أمريكية على طلب الاردن ذلك، وتم تبرير هذا الإجراء بأنه مساعدة الاقتصادات السورية والأردنية المتعثرة ضمن شبكة إقليمية متكاملة من البلدان.
فى الثالث من أكتوبر2021، تحدث الأسد هاتفياً مع العاهل الأردنى وناقشا العلاقات الثنائية، فى الوقت الذى تعمل فيه الأردن والعراق ومصر على زيادة تعاونها الاقتصادي والأمني بعد سلسلة من الاجتماعات بين قادتها فى إطار ما يعرف بمشروع الشام الجديد، وليس من الصعب رؤية سوريا تضاف كلاعب رابع فى مثل هذه الكتلة الاقتصادية، بالنظر إلى أن العراق ومصر متحمستان لقبول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
عامل آخر للتطبيع مع سوريا يتعلق بالمشروع الأخير لمساعدة لبنان فى تأمين إمدادات الطاقة لقطاع الكهرباء المتداعى، بعد اقتراح معقد من قبل السفيرة الأمريكية فى لبنان “دوروثي شيا”، ليكون لبنان قادرًا على استقبال الغاز المصرى عبر خط الغاز العربى الذى يمر عبر سوريا، كذلك يريد لبنان أن يكون فى موقع أقوى فى مناقشة عودة اللاجئين السوريين مباشرة مع النظام تحت مظلة جامعة الدول العربية وتسريع العملية.
وكانت روسيا قد حاولت الضغط لدفع بعض الدول الخليجية لتطبيع العلاقات مع النظام السورى، بهدف موازنة النفوذ الإيرانى فى سوريا، لكن تراجع بشكل ملحوظ الحديث فى الأوساط العربية عن تطبيع العلاقات مع النظام، تزامُناً مع الغزو الروسى لأوكرانيا الذى يبدو أنّه أثّر على أولويات السياسة الخارجية الروسية فى سوريا، فيما يبدو أنّ ذلك قد يترك أثراً مباشراً على مسار التطبيع العربي مع النظام.
فالمخاوف العربية من نفوذ إيران في سوريا، وعدم وجود رغبة سورية للإنفتاح على المحيط العربى لا سيما بعد زيارة “علي مملوك” رئيس مكتب الأمن الوطنى التابع للنظام إلى طهران نهاية فبراير 2022، ثم زيارة بشار الأسد طهران مطلع مايو نفس العام شكل قناعة لدى دول عربية مؤثرة مثل الأردن والخليج بصعوبة فكّ ارتباط النظام عن إيران، وبالتالي ضرورة تجميد المساعى المتعلّقة بتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دمشق، والذى سيدفعها أيضاً لإبداء مزيد من التشدُّد فى مسألة استعادة النظام لمقعده فى الجامعة العربية.
كذلك تتأثر تلك المساعى سلبا نتيجة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا نتيجة المواجهة غير المباشرة فى أوكرانيا، وتصاعد احتمال توقف آلية التنسيق المشتركة بين الطرفين حول سوريا، والذى من شأنه أن يدفع واشنطن لممارسة ضغط أكبر على الدول العربية الراغبة بتطبيع العلاقات بهدف حرمان روسيا من تحقيق أى مكاسب في سوريا.
ورغم تراجع الاهتمام بمسار التطبيع العربى مع النظام، لكن هذا لا يعني بالضرورة تخلى الدول التى تتبنى هذه المقاربة عنها بالكامل، خاصة مع وجود نية لدى الجزائر التى تستقبل القمة العربية المقبلة لدعوة سوريا ومحاولة تهيئة الأوضاع لتحقيق ذلك.
الموقف السورى من العودة للجامعة العربية ظهر خلال استقبال بشار الأسد، وزير الخارجية الجزائرى “25 يوليو 2022” بدمشق، حيث مع اقتراب موعد انعقاد قمة جامعة الدول العربية فى الجزائر، المقرر عقدها فى نوفمبر المقبل، أعلن وزير خارجية الجزائر بعد المباحثات أن سوريا تفضل عدم اقتراح عودتها إلى جامعة الدول العربية خلال القمة المقبلة، ما يعنى أن “الأسد” غير متعجل للعودة للجامعة العربية.
كما أن وزير خارجية النظام السورى “فيصل المقداد” أبلغه خلال اتصال هاتفى أن بلاده تفضل عدم إثارة موضوع العودة إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، من أجل المساهمة فى تحقيق هدف توحيد الدول العربية فى مواجهة التحديات التى يفرضها الوضع الراهن إقليمياً ودولياً، وكرد جميل للجزائر التى تسعى لإنجاح القمة العربية وألا تكون عودة سوريا على حساب الإجماع العربى.
والجزائر من بين عدة دول عربية أعربت عن دعمها لإعادة النظام السوري إلى الجامعة، إلى جانب دول مثل لبنان والعراق وسلطنة عمان، بالإضافة لدول تطبع العلاقات مع سوريا كالإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن.
فى المقابل، فإن السعودية أبرز المعارضين لعودة النظام السورى إلى جامعة الدول العربية، وتضع شروطًا لعودته وتطبيع العلاقات معه، وأهمها النأى بنفسه عن إيران وحزب الله اللبنانى، وبالتالى فالموقف السعودى من النظام السورى سيعيق عودة سوريا إلى القمة العربية، إذ إن “عودته تتطلب موافقة بالإجماع وليس الأغلبية”.
المليشيات كفاعل سياسى فى سوريا:
تنتشر غالبية الميليشيات المدعومة من إيران، فى الجنوب السورى ودمشق وريف حلب الجنوبى وريف حماة الشرقى وحمص وريفها بالاضافة لدير الزور، ويبلغ عدد الميليشيات الطائفية الإيرانية والمدعومة من إيران فى سوريا نحو 50 تشكيلاً، وتُقسم الميليشيات بحسب منشأ عناصرها إلى أربعة فرق هى: العراقية واللبنانية والميليشيات الأجنبية (الإيرانية والأفغانية وغيرهما) ورابعاً الميليشيات المحلية (السورية).
تضم المليشيات العراقية:
1- ميليشيا “أبو الفضل العباس”
وتتخذ من السيدة زينب مقراً لها، وقد نشأت الميليشيا من العراقيين الشيعة الموجودين فى سوريا منذ ما قبل الثورة، ويتفرع عنها كلّ من:
- “لواء ذو الفقار” ويعد هذا اللواء الأكثر نشاطاً، حيث قاتل في غوطة دمشق الشرقية، ومحيط السيدة زينب، والقلمون، وإدلب، وحلب، وريف حلب الجنوبي، ونبل والزهراء، وهو مرتكب مجزرة النبك.
- وكتيبة “قمر بني هاشم” عدد مسلحيها نحو 200، و”لواء اللطف” الذي لا يتجاوز عدد مسلحيه 150 شخصاً، وأيضاً “لواء المعصوم”.
2- ميليشيا “كتائب الإمام علي”
التابعة للحشد الشعبى فى العراق، وتضم نحو 1000 مسلح يقاتلون فى البادية الشامية.
3- “النجباء”
وتعتبر (النجباء) ثانى أقوى ميليشيا عراقية موجودة فى سوريا، وتحظى باهتمام ورعاية ودعم الحرس الثوري الإيراني، ويصل عدد أفرادها لنحو 10 آلاف مسلح، ثم كتائب “سيد الشهداء” و”حركة الأبدال”.
وبالنسبة للمليشيات اللبنانية:
فيتوزع عناصر حزب الله فى غالبية مناطق سيطرة النظام، وخصوصاً فى المناطق المحاذية للحدود اللبنانية السورية من ريف حمص وصولاً إلى الغوطة الغربية فى ريف دمشق، وينضوى تحت إمرته لواء “السيدة رقية” و”القوة 313″ ويتراوح عددهما بين “150- 200” مسلح لكل ميليشيا منهما ويتركزان فى البادية الشامية.
أما الميليشيات الأجنبية:
هما اثنتان، الأولى ميليشيا “فاطميون” وعناصرها من الشيعة الأفغان اللاجئين فى إيران، ويبلغ عددهم نحو 3000 مسلّح، وقاتلوا فى درعا وتدمر وحلب.
وغالباً ما يشكلون رأس حربة فى المعارك، ويرسلون لتنفيذ الاقتحامات والاشتباكات القريبة مع فصائل المعارضة، أما الثانية فهي ميليشيا “زينبيون” ومقاتلوها من باكستان، وهم أقل أهمية وعدداً من “فاطميون”.
الميليشيات المدعومة من إيران والعاملة على الأرض السورية، كانت ولا تزال إحدى العقد التى تزيد من صعوبة الحل فى سوريا، حيث تتصارع على النفوذ والقوة، مثل منافسة حزب الله اللبنانى مع مليشيا فاطميون الذى تم تأسيسه في إيران بالتزامن مع اندلاع الثورة السورية، على يد قيادات الحرس الثوري الإيراني، ويتكون من عناصر غير إيرانية، حتى لا يثير استخدامهم قلقاً في الداخل، ولا يغدو يوماً ما قوة أساسية إلى جانب لواء القدس والحرس الثوري.
شارك الفصيلان المدعومان إيرانياً، بالعمليات العسكرية ضد الفصائل المعارضة المسلحة والجهادية على امتداد الجغرافيا السورية، أما الاقتراب من القواعد الأميركية واستهدافها، بدا عبئاً أكبر من حزب الله اللبناني، الذى خشى على ضياع ما استحوذ عليه بسيطرته على الحدود بين لبنان وسوريا، فانكفأ دوره وتصدى للقيام بالمهمة لواء فاطميون بجانب حماية الأضرحة والمزارات المقدسة الشيعية في سوريا، وبذلك أصبح الأقرب إلى قلب الإيرانيين من حزب الله الذي انشغل بالتهريب والأزمة داخل لبنان.
المعابر الحدودية كقضية سياسية:
إنشاء المعابر “السورية- اللبنانية” فى الآونة الأخيرة من حيث المبدأ هو محاولة للتغلب على السوق السوداء أو الاقتصاد غير الشرعى القائم فى كل من لبنان وسوريا، حيث افتتحت سوريا ولبنان، معبراً حدودياً جديداً بين البلدين، وهو السادس بين البلدين، ويهدف إلى تحسين واقع العلاقات التجارية والاقتصادية والسياحية، وتسهيل مرور المواطنين بين البلدين.
وفى الحالة اللبنانية، ومنذ منتصف عام 2019، توجد محاولات من الحكومة اللبنانية بضغط أمريكى وغربى لإغلاق المعابر غير الشرعية، ولا سيما المعابر التى يستخدمها “حزب الله” للدخول والخروج من لبنان، وغيرها من المعابر الواقعة تحت سيطرة بعض المهربين المفسدين على أطرافها.
وقد نشأت فكرة فتح معابر على الحدود بعد الاستسلام لعمليات التهريب، والعمل على حلها عبر السماح بدخولها بطريقة شرعية وخاصة فى منطقة الهرمل، التي لم تتوقف فيها عمليات التهريب وحركة السيارات والدراجات النارية، ويُعتقد أن المعبر لن يفيد النظام أو الطرف اللبنانى، حيث يرى مراقبون أنه لن يحقق فائدة اقتصادية كبيرة، إذ إن التبادلات التجارية بين الدولتين بقيت ذاتها في السنوات الأخيرة، كما أن عمليات التهريب لن تتوقف بهذا المعبر، ولن تمنع البضائع المهربة من العبور من لبنان إلى سوريا.
أما عن معبر”باب الهوى” الحدودى بين سوريا وتركيا، فهو المعبر الوحيد الذى يمكن عبره نقل مساعدات إلى مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة فى إدلب ومحيطها، من دون المرور فى مناطق سيطرة النظام السورى، ومن خلاله يتم إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود عبر ألية تابعة للأمم المتحدة منذ عام 2014 وتسمح بنقل مساعدات لأكثر من 2.4 مليون نسمة فى منطقة إدلب.
واستخدمت روسيا “الفيتو”، فى 8 فى يوليو 2022، خلال تصويت مجلس الأمن الدولى على مشروع قرار لتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا من دون موافقة دمشق لعام واحد، ولم تقبل موسكو سوى تمديد لستة أشهر، وذلك للضغط على تركيا للكف عن دعم جماعات المعارضة هناك ولسحب الجماعات المتطرفة، وذلك وفق اتفاق بين الطرفين لم ينفذ.
فى نفس السياق، رصدت الولايات المتحدة الأميركية 756 مليون دولار إضافية لتقديم مساعدات إنسانية لمحتاجيها فى سوريا، حيث أعلنت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” عن المساعدة الجديدة خلال اجتماع عقده مجلس الأمن الدولى بشأن سوريا، فى 14 سبتمبر الحالى.
أزمة اللاجئين:
يصل عدد اللاجئين السوريين الى قرابة الـ 6.8 مليون لاجئ فى الشرق الأوسط ، بعد أن فروا عبر الحدود إلى البلدان المجاورة، فى لبنان يشكل عدد اللاجئين 14٪ من سكان لبنان، ويعيش الكثيرون فى ظروف بدائية فى مستوطنات غير رسمية من الخيام، وهى ليست مخيمات رسمية للاجئين، ومع قلة الفرص القانونية لكسب المال، فإنهم يكافحون من أجل تحمل رسوم الإقامة والإيجار والمرافق والطعام.
ويعانى لبنان من عبء اللاجئين السوريين، وهو مقسم بين مؤيدين ومعارضين للأسد، وعلى هذا الاساس تمت صياغة مفهومين يعكسان مواقف الأطراف السياسية المتنازعة: “العودة الآمنة” و “العودة الطوعية”. حيث دعا حزب الله والتيار الوطني الحر وهم حلفاء مقربون من نظام الأسد وإيران إلى عودة اللاجئين إلى “المناطق الآمنة” أي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، ويعنى ذلك إعادة اللاجئين فورًا، بغض النظر عن أى تسوية سياسية لإنهاء الحرب بين الأطراف المتحاربة.
رئيس التيار الوطنى الحر “جبران باسيل”، حث سوريا على تقديم ضمانات لتشجيع اللاجئين السوريين على العودة إلى ديارهم، لاعتبارين رئيسيين: يخشى أن يؤدي استمرار وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين فى البلاد إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافى، لأن غالبيتهم من السنة، فالتوازن الديموغرافى غير مستقر لدرجة أن أى تذبذب قد يؤدى إلى عدم الاستقرار والصراع الطائفى، بجانب أن عودة اللاجئين ستزيل إحدى العقبات الرئيسية أمام توطيد النظام السوري سلطته فى البلاد، وبالتالى إشارة إلى انتصاره على المعارضة.
وبمقابل ارتفاع التوجهات العنصرية لدى التيار الوطني الحر، يُلاحظ خفوت الخطاب المعاكس لدى معظم التيارات الأخرى، بما فيها تلك التي تعادى النظام السورى، ويعود امتناع هذه الأطراف عن تقديم الخطاب البديل إلى اشتراك بعض الأطراف فى المصالح السياسية مع التيار الوطني الحر، مثل الرغبة فى ابتزاز الاتحاد الأوروبى والحصول على المساعدات الأوروبية للميزانية اللبنانية.
العودة الطوعية للاجئين لم تنجح ويعود هذا الفشل للمخاوف الأمنية، والتى رفض حلفاء النظام فى روسيا ولبنان تقديم أيّة ضمانات بخصوصها، والتدقيق الأمنى المسبق من طرف النظام، والخدمة الإلزامية، وسوء الأوضاع المعيشية فى سوريا.
الظروف المحيطة بمسألة العودة إلى الوطن مسيسة إلى حد كبير، حيث يشغل المانحون للمنظمات التى تدعم اللاجئين السوريين مناصب تعكس أجنداتهم السياسية. وتدفق الدعم المالى المقدم من المانحين الرئيسيين “الولايات المتحدة والكويت” عبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونيسيف وغيرها من المؤسسات كان غير متسق. كما أن تضارب جداول الأعمال السياسية للمانحين فى بعض الأحيان أعاق وضع سياسة مشتركة واضحة وأعاق التنسيق.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن اللاعبين الدوليين، وخاصة خصوم نظام الأسد، قد خفضوا دعمهم المالى للاجئين، وبذلك سعوا إلى الضغط على النظام لمعالجة مشكلة اللاجئين، وكذلك على لبنان والدول المضيفة الأخرى للامتناع عن تطبيع العلاقات مع دمشق ريثما يتم التوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف المتحاربة، العامل الأهم وراء هذه السياسة هو أن العودة إلى الوطن ساعدت فى تغذية التصور بأن الحرب فى سوريا على وشك الانتهاء وحان الوقت الآن لعودة السوريين، التى استفاد منها نظام الأسد وحليفته روسيا.
كذلك تبرز قضية مخيم الهول فى شمال شرق سوريا، حيث يعيش حوالى 60 ألف نازح، معظمهم من النساء والأطفال فى ظروف مزرية، وما زال المتعاطفون مع تنظيم “داعش” يحاولون ممارسة نفوذهم هناك. ويسعى معظم سكان المخيم للهروب من “داعش” لأن50 بالمئة من سكان المخيم يرثون أفكار “داعش”، و50 بالمئة ليس لديهم مكان آخر للعيش، وحذرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من نشاط خلايا “داعش” فى المخيم ومحاولاتها للسيطرة الكاملة عليه، لترتيب صفوف التنظيم من جديد وتزداد خطورة المخيم لعدة أسباب:
يعد المخيم من أكبر مخيمات سوريا وبه قسم خاص بعائلات “داعش” وأطفالهم، ويقدر عددهم بـ10 آلاف شخص ينتمون إلى 54 جنسية غربية وعربية، واكتظاظ المخيم فهو يضم نحو 56 ألف شخص، بجانب سوء الأوضاع الإنسانية به لارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه.
وتسببت الحرب فى أوكرانيا فى تأخر حسم ملف المقاتلين الأجانب بمخيم الهول، فقبل تصاعد الحرب فى أوكرانيا كانت هناك جهود متواضعة من قبل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا لإعادة أطفال ونساء داعش، لكن انشغال أوروبا بالحرب أثر سلبا على هذا الملف، ويكمن الحل فى لجوء الدول المعنية والتي تنحدر منها الجهاديات وأطفالهن، لقراراتٍ سريعة تنظم عودتهم إلى أوطانهم الأصلية، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم أو دمجهم من جديد في مجتمعاتهم، ما يؤمن الاستقرار والأمن لشمالى شرق سوريا.
ختاما، فإن خفوت حدة الحرب لا يعنى انتهاء الأزمة السورية، بل زاد الأمر تعقيدا بسبب محاولة الأطراف المعنية الخروج بمكاسب سياسية واقتصادية، بجانب ذلك لا تزال مشكلة إدلب أقوى معاقل المعارضة المتبقية فى شمال غرب البلاد والمناطق المجاورة فى شمال حماة وغرب حلب عصية على إيجاد تسوية لها.
لكنها تضم كذلك فصائل المعارضة المسلحة الأخرى، ويعيش أكثر من 2.7 مليون نازح فى هذه المنطقة، من بينهم مليون طفل فى مخيمات أوضاعها متردية، تقوض مشكلة إدلب التوصل لتسوية سياسية، كذلك عدم وجود خارطة طريق تتفق عليها الجهات المحلية والإقليمية وحتى الدولية لإنهاء الازمة السورية يمثل العائق الأكبر لإحلال السلام فى سوريا.
وعليه يمكن القول، أن وجود حكومة تفرض سيطرتها على التراب السوري وتحقق وحدة وسلامة الشعب السورى علي المدى المنظور أمر صعب، لكن يمكن دفع الاطراف المعنية للتقارب بهدف تخفيف حدة الاستقطاب بين الاطراف المتنازعة والعمل على موازنة نفوذ طرف إقليمي أو دولى بنفوذ طرف أخر والدعوة لإعادة الإعمار باعتبار أن المصالح الاقتصادية هى الحافز الأهم والأقوى لإنهاء النزاعات.