الزيارة المصرية لقطر: توقيت خاص.. ودوافع التقارب
إعداد: رضوى الشريف
يصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة القطرية «الدوحة»، اليوم، الثلاثاء، 13 سبتمبر، في زيارةٍ رسميةٍ تستمر ليومين، هي الأولى له منذ تولِّيه منصبه، في 2014، ولا شك بأن الزيارة ستُؤسِّسُ لمرحلةٍ جديدةٍ، ومحطة مهمة في مسار العلاقات الثنائية بين «الدوحة، والقاهرة»، والارتقاء بها إلى مستوى الشراكة المُثْمِرة.
وقد شهدت هذه العلاقات تطوُّرًا إيجابيًّا ملحوظًا، منذ أن وقَّعت الدولتان على اتفاقية «العلا» في السعودية، مطلع عام 2021، وانتهت الخلافات بين «مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين» من جهةٍ، وقطر من جهةٍ أُخرى.
وتشهد العلاقات «القطرية – المصرية» بشكلٍ خاصٍ في الفترة الأخيرة، حركة اتصالات، وزيارات نَشِطَة من الطرفيْن، باتجاه توثيقها لما فيه مصلحة البلديْن؛ حيث كان الأمير «تميم» قد زار «القاهرة»، في نهاية شهر يونيو الماضي، في زيارةٍ استغرقت يومين؛ حيث ناقش خلالها الرئيس السيسي، والأمير تميم، العلاقات المشتركة، كما تمَّ توقيع عددٍ من مذكرات التعاون المشتركة.
توقيتٌ مهمٌ
وتكتسب الزيارة الحالية للرئيس السيسي، أهميةً خاصة من حيث توقيتها؛ لمجيئها قبل انطلاق القمة العربية في الجزائر، في شهر نوفمبر المقبل، وكذلك أعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في «نيويورك»، وتتزامن مع جُمْلةٍ من التطوُّرات الدولية المتسارعة، خاصةً فيما يتعلق بالأوضاع والمُسْتَجَدَّات بالشرق الأوسط، والحرب في أوكرانيا، وهو ما يتطلب زيادة وتكثيف التشاوُر والتنسيق بين البلديْن، تجاه كافة المُسْتَجَدَّات، ومختلف القضايا، التي تمسُّ الأمن العربي، والتطلُّعات، والطموحات، والحقوق المشروعة للشعوب العربية الشقيقة، بما يُحقِّق وِحْدَة الصفِّ العربي والأمن والاستقرار في المنطقة، ويخدم المصالح والمواقف العربية في مختلف المحافل، ويزيد صلابتها وحصانتها أمام كافة التحديات والمخاطر.
دوافع التقارُب
لا شك أن تطوير العلاقات بين «مصر، وقطر» تأتي مدفوعةً بمجموعةٍ من الدوافع، منها ما هو «اقتصادي، واستثماري»، ومنها ما هو «سياسي»، خاصةً في ظل التغيُّرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتداعيات الخاصة بالأزمات الدولية التي خيَّمت بظلالها على دول المنطقة كافة.
دوافع سياسية
تشير التحوُّلات التي تشهدها المنطقة، فيما يتعلق بخارطة التحالفات الإقليمية، إلى إمكانية تقارُب وتنسيق «مصري – قطري »على مستوى أوسع، في ظل ما تشهده العلاقات بينهما، في مقابل تزايُد مساحات التبايُن بين «القاهرة، وأبو ظبي».
فمن المتوقع، أن يكون هناك فرص لتوسُّع مساحات التنسيق «المصري – القطري»، خلال الفترة المقبلة، وستكمُن تلك الفرص، في تجاوُز الإمارات لمبادرة السلام العربية، وتطبيعها بشكلٍ مجانيٍّ مع إسرائيل؛ بحثًا عن مصالحها الخاصة.
وما يزيد من فُرص هذا التقارب، هو الموقف بشأن القضايا الإقليمية الرئيسية، وفي مقدمتها «القضية الفلسطينية، وقطاع غزة»؛ حيث من الممكن أن تمثل نقطة التقاء جوهرية بين البلديْن، ويمكنها أن تشكل قناةً تواصلية أُخرى، عكس الإمارات التي تتبنَّى نهْجًا مختلفًا، ولديها رغبة في تعميق العلاقات مع إسرائيل، بعد تطبيعها بشكل رسمي.
كما يمكن لـ«مصر، وقطر»، التعاون بشكلٍ أفضل لحل الأزمة الليبية، خاصةً بعدما صارت «القاهرة، وأبو ظبي» على طرفيْ نقيض في ليبيا، فمصر بما تملكه من ثقل «جيوسياسي»، في حاجةٍ إلى قوةٍ تمويليةٍ تُحفِّزُ الرُّؤى الخاصة بحل الأزمة، بما يحفظ ويتواءم مع المصالح العربية.
وحول ما إذا كان ملف «جماعة الإخوان» لايزال حاضرًا في المباحثات بين البلديْن، وإمكانية تأثيره على العلاقات، فهناك نوعٌ من الفصْل بين ملف الإخوان وباقي الملفات الأخرى في العلاقات بين «مصر، وقطر»، وهو ما تمَّت ملاحظته كذلك عند الحديث عن العلاقات «المصرية – التركية»، فهذا الملف قد يكون أصبح هامشيًّا وغير مُؤثِّر-على الأقل في الفترة الحالية- كما أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة ساهمت في تحييد هذا الملف – على الأقل- من جانب «القاهرة»، التي كانت تطالب بتسليم مطلوبين من «الإخوان»، مقيمين في «الدوحة، وإسطنبول»؛ ما ساهم في تحريك المياه الراكدة.
أما بشأن إمكانية لعب دور الوسيط؛ لتحسين العلاقات «المصرية – التركية» بحكم علاقاتها مع «أنقرة»، فـ«الدوحة» على مدار العقود الماضية، لعبت أدوارًا بارزةً في الوساطة بين العديد من الأطراف على المستوييْن «الإقليمي، والدولي»؛ ما يؤهلها للعب دور الوساطة، التي يمكن أن تساهم في تطوير العلاقات «المصرية – التركية»، التي شهدت جمودًا، خلال الأشهر الماضية.
دوافع اقتصادية
تأتي الزيارة المصرية، والتطوُّرات التي تشهدها العلاقات بين «الدوحة، والقاهرة»، في وقتٍ أعلنت فيه الحكومة المصرية عن سياسات جديدة، خاصة بجذْب الاستثمارات الأجنبية، وإشراك القطاع الخاص، والاستعداد لطرْح شركات مملوكة للحكومة في البورصة، وسط رغبةٍ من الصناديق السيادية الخليجية للاستثمار في الأصول المصرية.
كان هناك توافقات تمَّ تأكيدها خلال زيارة الأمير القطري لـ«القاهرة»، في يونيو الماضي، بشأن استثماراتٍ لبلاده، تصل قيمتها إلى نحو 12 مليار دولار، تعتزم «الدوحة» ضخَّها في السوق المصرية، خلال السنوات الثلاثة المقبلة، أيضًا يُوجد اهتمام قطري بقطاعيْ «الطاقة، و”النقل البحري، والموانئ”» في مصر؛ حيث تعتزم «الدوحة» توجيه جانبٍ كبيرٍ من استثماراتها المرتقبة في قطاع الموانئ المصرية تحديدًا.
ومنذ أغسطس الماضي، بدأت تتضح خطط صندوق قطر الاستثماري تجاه السوق المصري، ففي منتصف الشهر الماضي، كشفت تقارير عن مفاوضات متقدمة بين الصندوق، وصندوق مصر السيادي، بشأن الاستحواذ على حصص من شركات مصرية، تتركز ففي «التكنولوجيا المالية، والطاقة المتجددة».
وكشفت التقارير، أن صندوق قطر للاستثمار يدرس شراء حصص فى «3، أو4» شركات، من بينها «إى فاينانس»، و«فوري».
وتبع ذلك، الكشف عن اهتمام جهاز قطر للاستثمار «الصندوق السيادي القطري» بشراء حصة، تصل إلى % 25 من أسهم شركة «إيسترن كومباني – الشرقية للدخان»، إضافةً إلى رغبةٍ في الاستحواذ على حصة، تدور بين «15، و %20»، في شركة مصر لإنتاج «الأسمدة – موبكو».
وفي الوقت ذاته، يستعد جهاز قطر للاستثمار؛ للاستحواذ على حصة تتراوح من «25 إلى % 45» من شركة فوادفون مصر، المملوكة للشركة المصرية للاتصالات.
في النهاية:
تحُوم حالةٌ من التفاؤُل بالنَّهْج الجديد الذي تنتهجه الدبلوماسية الرئاسية المصرية، في ضبط العلاقات، وإعادتها للمسار الطبيعي، واستجابة كل الدول لها، واستطاعت الدبلوماسية الرئاسية، حجز مكانة متقدمة لمصر في الإقليم وخارجه؛ إذ تأتي زيارات الرئيس السيسي الأخيرة، في إطار الترتيبات التي تُجرى للحسابات والتقييمات «السياسية، والإستراتيجية»، التي تخططها أجهزة الدولة؛ لخدمة المصالح المصرية؛ حيث إن أغلب تلك المصالح متعلقة بقضايا الأمن المصري.
والعالم بأكمله، أصبح يمُرُّ بظروفٍ استثنائيةٍ، وهناك العديد من النزاعات والحروب والجبهات المفتوحة؛ الأمر الذي يتطلب تفعيل الدور الدبلوماسي، والتشاوُر المستمر بين قيادتيْ البلديْن؛ لتبادُل وجهات النظر، والتباحُث إزاء التعامل الأمثل مع هذه المسائل والقضايا.