مروة سماحة حشيش
على نغمة الفوضى السياسية والانهيار الاقتصادي، من المقرر أن يُجري لبنان انتخابات رئاسية، بحلول نهاية تشرين الأول «أكتوبر» 2022، وتعتبر هذه الانتخابات بمثابة استحقاق مفصلي في تاريخ لبنان السياسي، الذي يعرب عنه انتخاب رئيسٍ للجمهورية، خلفًا للرئيس، ميشيل عون، الذي تم انتخابه عام 2016، بتسويةٍ سياسيةٍ ثلاثيةٍ، ضمَّت كلًّا من: «حزب الله، وتيار المستقبل، والتيار الوطني الحر»، بعد فراغٍ رئاسيٍ في سُدَّة الحكم دام لسنتيْن، وعلى هذا الصدد، فإن هذا الاستحقاق الانتخابي على عاتقه مسؤولية رسْم صورة لبنان في المرحلة القادمة، وطبيعة علاقاتها بالدول على الصعيديْن «الإقليمي، والدولي»، ومن هنا تكْمُن أهمية الاستحقاق، وحرص القوى السياسية، بأن يُعْقَد في موعده الدستوري؛ حتى لا تشهد البلاد فراغًا سياسيًّا للمرة الرابعة .
الانتخابات اللبنانية وطموح التغيير
بات كل ما يتعلق بالداخل اللبناني مُعتمدًا بشكلٍ واسعٍ على انتخابات الرئاسة الجمهوية اللبنانية؛ فهذا الملف لا يقتصر تأثيره على الأوضاع المحلية فقط، بل يمتد ليشمل سياسة لبنان الخارجية على الصعيديْن «الإقليمي، والدولي»، وهذا ما أكدته السفيرة الفرنسية في بيروت «آن غريو»؛ حيث أفادت، أنه على الشعب اللبناني، التأنِّي في اختيار رئيسٍ للبلاد، على مستوى تحديات المرحلة، وأن لبنان لا تشكل أولوية دولية حاليًّا.
وعليه، فإن أنظار اللبنانيين في الوقت الحالي، تتجه إلى ما سيكون عليه الوضع مع قُرْب انعقاد الانتخابات الرئاسية، ويكْمُن وراء ذلك الترقُّب العديد من التخوُّفات، المرتبطة بعدم إجرائها، وتكرار سيناريو عام 2016، الذي صاحبه شغورٌ رئاسيٌّ، دام قُرَابَة عاميْن ونصف.
وفي هذا السياق، فقد تعهد الرئيس «عون» أثناء خطابه، الذي ألقاه إبَّان الاحتفال بعيد الجيش اللبناني الـ«77»، في الأول من أغسطس، بالعمل على انتخاب رئيسٍ جديدٍ؛ ليواصل مسيرة الإصلاح، الذي انتهجها منذُ تولِّيه الحكم، إضافةً إلى تحمُّله المسؤولية الدستورية الكاملة، وبذْل قصارى الجهود؛ لإتمام تلك العملية، مُعبِّرًا عن أمله، في ألَّا يكون مصير الانتخابات الرئاسية مماثلًا لمصير تشكُّل الحكومة الجديدة، التي لم تتوافر لها حتى الساعة، المُقوِّمات والمعايير الضرورية؛ لتكون حكومةً فاعلةً، قادرةً على القيام بمسؤولياتها، وبناءً على ذلك، فقد أكَّد «عون»، أن ذاك الأمل لن يتحقق إلا في ظلِّ تحمُّل مجلس النواب الجديد – بكافة عناصره – المسؤولية، إزاء اختيار من يجد فيه اللبنانيون، الشخصية والمواصفات الملائمة لتحمُّل المسؤولية.
ومن ناحيةٍ أُخرى، فقد عَمِلَ «حسن نصر الله»، الأمين العام لـ«حزب الله»، على إثارة شكوك الشعب اللبناني، بعدما دعا المسؤولون اللبنانيون لتشكيل حكومة تتمتع بكامل صلاحياتها لتحمُّل مسؤولياتها، سواء تم انتخاب رئيس أم لا، وكانت هي المرة الأولى التي يتحدث فيها «نصر الله» علنًا، عن إمكانية عدم إجراء الانتخابات الرئاسية؛ ما أفزع البعض من حدوث فراغٍ رئاسيٍّ في البلاد المنكوبة بالأزمة، على غرار ماسبق في انتخابات الرئيس، ميشيل عون، 2016، والذي استمر أكثر من عاميْن.
شبح الفراغ الرئاسي بالبنان يكاد يُعيد نفسه للمرة الرابعة
تجْدُر الإشارة، إلى أن شبح الفراغ الرئاسي ليس بشيءٍ غير متعارفٍ عليه، بالنسبة لتاريخ السياسة اللبنانية؛ حيث إنه سبق أن شهدته البلاد ثلاث مرات: وكانت المرة الأولى: بين «سبتمبر 1988، ونوفمبر 1989»، حينما ترك الرئيس اللبناني آنذاك «أمين الجميل»، رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» منصبه، وشهدت البلاد شغورًا رئاسيًّا، وانشطارًا بين حكومتيْن، الأولى «مدنية»، والثانية «عسكرية»، وذلك بعدما خفق البرلمان في انتخاب مرشحٍ بديلٍ لـ«الجميل».
وبالنسبة للمرة الثانية: فقد عاش لبنان فراغًا في الرئاسة، لمدة 18 شهرًا، بين «نوفمبر 2007، ومايو 2008»، وعانت لبنان إبَّان تلك الفترة بصراعات محتدمة؛ بسبب عدم الإجماع على خليفةٍ للرئيس «إميل لحود»، المنتهية صلاحيته آنذاك، واستطاعت «قطر» أن تتدخل بدور الوسيط؛ لإنهاء تلك الأزمة، وذلك عقب توقيع الفصائل اللبنانبة على اتفاق «الدوحة»، وإثر ذلك، تمَّ انتخاب «ميشيل سليمان» رئيسًا للبلاد.
بالنسبة للفراغ الرئاسي الثالث: فقد كان الأطول، واستمر لمدة 29 شهرًا؛ فكان بين «مايو 2014، وأكتوبر 2016»، ولم ينتهِ ذلك الفراغ، إلا بعد انتخاب «ميشيل عون» رئيسًا للبلاد.
وها هنا لبنان، على شفا الوقوع مرةً أُخرى في حافة الفراغ الرئاسي، وذلك انطلاقًا لعديدٍ من المؤشرات:
أولًا: عدم اتفاق القوى السياسية على مرشحين محددين للرئاسة، فلم يتم تحديد موعدٍ للاستحقاق الرئاسي، ولا ملامح واضحة للانتخابات الرئاسية المقبله؛ بسبب وضْع «سليمان فرنجيه» رئيس «حزب المردة» الغير مستقر، الذي يرجع إلى تراجُع «جبران باسيل»، رئيس «التيار الوطني الحر» عن تأييد لـ«فرنجيه»، علاوةً على ذلك، رفض كُلّ من «القوات اللبنانية، والنُّواب الجُدُد، والمستقلين» تأييده.
ثانيًا: يكْمُن المؤشر الثاني: في إعلان رئيس مجلس النواب «نبيه بري»، رئيس «حركة أمل»، أنه لن يدعو إلى جلسة انتخابات رئاسية، دون التصديق على قوانين الإصلاحات، التي أفرزها البرلمان، وهذه عقبةٌ لا يُسْتَهان بها، لا سيما في ظلِّ فراغٍ حكوميٍّ تشهده البلاد؛ بسبب الخلافات بين كُلٍّ من الرئيس «عون»، ورئيس الوزراء المُكلَّف بتشكيل الحكومة «نجيب ميقاتي»، والتي تكْمُن في كثيرٍ من المواضع منها: رغبة «نجيب ميقاتي» في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الرئاسية؛ حتى تستمر حكومته مدة أطول، وهذا الأمر يرفضه «عون» بشدَّة، فضلًا عن ذلك، رغبة «عون»، و«جبران باسيل» رئيس «التيار الوطني الحر»، في إجراء مجموعة تعيينات في كافة الأركان، لا سيما «مصْرف لبنان»، وهذا ما يرفضه «ميقاتي» بشدة، ومعه رئيس مجلس النواب «نبيه بري».
سيناريوهات المستقبل: هناك العديد من السيناريوهات، حول مستقبل الرئاسة اللبنانية، التي ستحدد مصير لبنان بشكلٍ فارقٍ.
السيناريو الأول: فراغٌ في سُدَّة الرئاسة الأولى، وفشلُ عملية الانتخاب الأولى
ووفقًا لهذا السيناريو، ستشهد البلاد مزيدًا من التأزُّم «الاقتصادي، والاجتماعي»، وستنهال عليها العديد من العقوبات الاقتصادية، فضلًا عن ذلك، لن يتم تقديم مساعدات اقتصادية للبنان.
والذي يوطِّد هذا السيناريو، احتمالية عدم سماح موازين القوى بداخل المجلس النيابي لأي تكتُّلٍ سياسيٍ، أن يختار رئيس جمهوية من نسيجه، وتلك العملية ستؤدي إلى فراغٍ سياسيٍ؛ بسبب ما أحدثته من تعطيل، فضلًا عن المُعْطَيات السابقة، وهذا السيناريو هو الأكثر واقعية بالنسبة للوضع الراهن.
السيناريو الثاني: انتخاب رئيس مدعوم من «حزب الله»
وفي هذا الوضع، ستكون لبنان دولةً مُهمَّشةً دوليًّا؛ نظرًا لخلفية «حزب الله» التاريخية، خاصةً نشاطه الحالي، وسينتج عن ذلك، «زيادة الأزمة الاقتصادية، وحدوث صدمة في السياسة الخارجية اللبنانية مع كثير من الدول» فضلًا عن «زيادة العقوبات، ومنْع إمدادات صندوق النقد الدولي»، وهذا السيناريو محتملٌ
السيناريو الثالث: انتخاب رئيس يمكن التوافق حوله داخليًّا وخارجيًّا
وفي هذا الوضع، سيتم انتخاب رئيسٍ من الطائفة «المارونية المسيحية» في ضوْء الأشخاص الأبرز على الساحة السياسية، سواء «سمير جعجع»، رئيس «حزب القوات اللبنانية»، العدو اللدود لـ«التيار الوطني»، أو «سليمان فرنجيه» رئيس «حزب المردة»، أو «جبران باسيل»، رئيس «حزب التيار الوطني الحر»، صهْر «ميشيل عون»، وبالتالي، سينقلب التعامُل الدولي مع لبنان بشكلٍ إيجابيٍ، وتعتبر تلك المرحلة، نقطة انطلاق نحو مستقبلٍ أفضل، وهذا السيناريو غير محتمل.