مصطفي أحمد مقلد
مقدمة:
على خلفية السياسة والمخاوف من الحرب، تجري لبنان وإسرائيل مفاوضات فنية غير مباشرة برعاية أمريكية لترسيم الحدود البحرية وحل الخلاف القانوني حول ممارسة الحقوق الإقتصادية في المياه المتاخمة لشرق المتوسط، وقد توسع هذا الخلاف من كونه متعلقًا بالسيادة، إلى الاستفادة من الاحتياطيات الهائلة من الغاز والنفط الكامنة في قاع البحر.
كانت هذه الموارد دافعًا لإعادة تشكيل العلاقات في شرق المتوسط، وأعادت تعريف المنطقة في الحسابات الجيوسياسية، ولم يبتعد لبنان وإسرائيل عن المنافسة على إحتلال موقع سيادى في الخريطة الدولية لإنتاج الغاز ونقله، حيث تشترك البلدان في المياه المتنازع عليها بانتظار الحل.
لم يبدأ لبنان رسمياً متابعة ملف ترسيم حدوده البحرية إلا في عام “2002”، حين كلفت الحكومة اللبنانية آنذاك مركز “ساوثمسون” لعلوم المحيطات بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافى البريطانى، بإعداد دراسة لترسيم حدود مياهه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة.
وأدى غياب الخرائط البحرية الواضحة لمنطقة جنوب لبنان وشمال إسرائيل إلى ترسيم غير دقيق، وفي عملية تحديث للدراسة الأولى عمل المكتب البريطانى نفسه عام 2006 بطلب من الحكومة اللبنانية على دراسة جديدة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وتمكن لبنان على أثرها من توقيع اتفاقية مع قبرص عام 2007 حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بهدف التعاون في إستثمار الثروات النفطية.
وبحسب موقع الجيش اللبنانى، فإن تلك الاتفاقية مع قبرص استندت إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وحددت المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط، إلا أن لبنان لم يُبرم الاتفاقية مع قبرص، لكن قامت قبرص بتوقيع إتفاقية مع إسرائيل عام 2011 حددت بموجبها المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، من دون الأخذ بما إتفق عليه مع لبنان، وهو ما تسبب بخسارة لبنان مساحة مائية تزيد على 860كلم2 من المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية التى تحتوى كميات كبيرة من النفط والغاز.
أسباب الخلاف:
يكمن جوهر الخلاف اللبنانى الإسرائيلى في “الدرجة التي يميل بها خط الأساس”، والذي منه تنطلق الخطوط العمودية باتجاه البحر، فوفقًا لمقال تحليلى نشره معهد واشنطن في مايو 2021، “يمكن أن تؤدي التفسيرات المختلفة لهذا الخط النظرى إلى اتجاهات مختلفة”، وما يعقد الحسابات، هو أن لبنان جادل أحيانًا بأن الحدود البحرية يجب أن تكون امتدادًا للحدود البرية (المتنازع عليها).
وعليه ، فإن الخلاف في تحديد الخطوط بين لبنان وإسرائيل “فنياً” ليس على “بُعد” بل على “زاوية الميل”. يقع مسار النزاع بشكل أساسى في المنطقة الواقعة بين الخطين 23 و 29، حيث يعتبر لبنان أن لديه مياه اقتصادية تصل إلى الخط 29، بينما ترفض إسرائيل ذلك، وتسعى إلى الاحتفاظ بما تعتبره نصيبها من المياه المتنازع عليها.
ولتعزيز موقفها التفاوضي، صدر قرار عن الحكومة اللبنانية المؤقتة – أحادي الجانب – بتعديل الحدود البحرية ، في أبريل2021، لجعل المنطقة المتنازع عليها حوالى 2280 كيلومتر مربع، وليس 850 كيلومترًا مربعًا، وتتحرك من الخط 23 إلى الجنوب باتجاه الخط 29.
وبما أن المرسوم لم يتم المصادقة عليه رئاسيًا بعد، فلم يرفع إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، ما يعنى أن المرسوم اللبنانى غير نافذ قانونيًا، وهذا مجرد ورقة مساومة في مفاوضات الحدود، وقد تعمق هذا الجدل حول الخطوط مع الإعلان عن الاكتشافات الضخمة في حقل كاريش الذي تبلغ مساحته 150 كيلومترًا مربعًا، والذي يحتوى على احتياطيات تتراوح بين 42-56 مليار متر مكعب من الغاز، ويقع حقل كاريش جنوب بلوك 8 و9 وعلى بعد عدة كيلومترات من المياه التي يعتبرها لبنان حقاً اقتصادياً بحتاً (خط 23).
ولوحظ أن مذكرة التفاهم الثلاثية لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي عبر مصر، الموقعة في يونيو 2022 ، تضع حقل كاريش كواحد من ثلاثة حقول محتملة لتصدير إسرائيل بكميات متفق عليها، وتعتمد دول الاتحاد الأوروبى جزئيًا على مثل هذه المصادر لتخفيف اعتمادها على الغاز الروسى،وقد تزامن وصول السفينة اليونانية للتنقيب في حقل كاريش وتوقيع مذكرة التفاهم.
الوساطة الأمريكية:
وخلال 10سنوات من التفاوض “المتقطع” لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل انطلقت بوساطة أميركية عام 2012، كان أول اقتراح لحل النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، النص على تقاسم المنطقة المتنازع عليها، برسم خط عُرف في حينه بخط “هوف”، يعطي لبنان نحو 500 كيلومتر مربع، وإسرائيل نحو 360 كيلومتراً مربعاً من أصل كامل مساحة الـ860 كيلومتراً مربعاً، لكن رفض لبنان اقتراح “هوف” الوسيط الأمريكي على اعتبار أن المساحة الكاملة هي من حقه، فحاول الموفد الأميركي إقناع لبنان باعتماد خط “هوف” كخط مؤقت وليس نهائياً، إلا أن لبنان رفض الاقتراح خشية تحول المؤقت إلى دائم.
وبعد توقيع لبنان عقداً في العام نفسه مع ائتلاف شركات دولية هي “توتال” و”إيني” و”نوفاتيك” للتنقيب عن النفط والغاز، اعتبرت تل أبيب ذلك “استفزازاً”، وعندها دخلت أميركا بالوساطة مجدداً بين البلدين في عام 2018، التي قدمت نفس الاقتراحات لرسم الحدود البحرية بين الطرفين، غير أن لبنان رفض المقترح، من خلال إصراره على ترسيم الحدود عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة من تفاهم أبريل 1996 التي تضم لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة.
ومع إزدياد اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بنفط الشرق الأوسط وغازه، بهدف الاستغناء عن الغاز الروسى، ركزت على ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وأعلن رئيس مجلس النواب “نبيه برى” في أكتوبر 2020 التوصل إلى “اتفاق إطار” لإطلاق المفاوضات مع إسرائيل لترسيم الحدود براً وبحراً.
مع إصرار الرئيس اللبنانى على سحب ملف التفاوض من “بري” وتكليف قيادة الجيش بتشكيل وفد عسكري تقني للتفاوض، وبعد أن أعادت قيادة الجيش دراسة الخرائط وناقضت اتفاق الإطار الذي وضعه برى مع الأميركيين، معتمدة الخط 29 بدلاً من الخط 23، تراجعت الوساطة الأميركية إلى أن قام الرئيس جو بايدن في أكتوبر 2021 بتعيين وسيطاً جديداً لملف ترسيم الحدود هو “آموس هوكشتين” الخبير في مجال الطاقة الذي قدم اقتراحاً جديداً اعتمد على خط متعرج يمنح حقل “كاريش” بالكامل لإسرائيل وحقل “قانا” بالكامل للبنان.
كان رد لبنان ضبابي عبر الإعلان عن التمسك بالعودة إلى اتفاق الإطار الذي لا يحدد أي خطوط أو مناطق متنازع عليها، بل ينطلق من قانون البحار والمواثيق الدولية، وقرر الرؤساء دعوة الولايات المتحدة الأميركية إلى الاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية، ووقفت الوساطة الأميركية عند هذه النقطة حتى دخلت “الباخرة اليونانية” إلى حقل كاريش وأعلن عن بدء استخراجها للغاز لصالح إسرائيل، ما دفع بالرؤساء الثلاثة إلى الاستنجاد مجدداً بالوسيط الأميركي ودعوته إلى زيارة لبنان لاستئناف المفاوضات، وكان من المفترض أن تقتصر المحادثات لدى انطلاقها على مساحة بحرية تقدر بنحو 860 كيلومتراً مربعاً تعرف حدودها بالخط 23، بناءً على خريطة أرسلها لبنان عام 2011 إلى الأمم المتحدة، لكن لبنان اعتبر لاحقاً أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة، وطالب بالبحث في مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية تشمل أجزاء من حقل “كاريش” وتعرف بالخط 29. حاول هوكشتاين أن يبين أن الخلاف المركزي هو ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي أن الحل يبدأ بتنازل إسرائيل عن “خط هوف”، مقابل أن يتخلى لبنان عن خط 29.
تجديد الرواية اللبنانية:
في لقاء بعبدا (حيث القصر الجمهورى) استمع هوكستين إلى شرح من رئيس الجمهورية تضمن “موقف لبنان الموحد” الذى أسقط الخط (29) بما يمنح إسرائيل كامل “حقل كاريش”، في مقابل التفاوض على أساس الخط (23) الذي يمنح لبنان كامل “حقل قانا”.
كما أن رئيس الجمهورية طالب بحق لبنان الكامل في حقل قانا، باعتبار اعتماد الخط (23) لكن معدلاً، على أن يُرسم بشكل مستقيم لا متعرجاً كما كان اقترح “هوكستين”، والتعديل المقترح من الجانب اللبنانى يسمح للبنان باستعادة جزء من قانا الموجود في المنطقة المتنازع عليها، أي ضمن الخط (29)، ويُستكمل بعدها الخط بشكل مستقيم وفق الخط (23)، وأصر رئيس الجمهورية على عدم مشاركة لبنان مع أي طرف آخر بملكية حقل قانا، ووضع البلوكات الموجودة شمال الخط (23) بتصرف لبنان وحده وألا يكون لإسرائيل أي حصة في هذه البلوكات.
كما قدم الرئيس اللبناني”عون” للوسيط الأميركي خريطة تحدد المنطقة التي يطالب بها لبنان وفق الخط (23)، وطالب الجانب اللبناني الوسيط الأميركي بإلزام إسرائيل تجميد أي نشاط استثماري أو استكشافي في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان إلى حين إبرام الاتفاق النهائي على الترسيم، مع دعوته أيضاً إلى الدفع باتجاه العودة سريعاً للمفاوضات غير المباشرة لتحقيق هذا الهدف.
وبالفعل أوقفت الباخرة اليونانية عملها بطلب من الوسيط الأميركي إلى حين إنهاء مهمته، وهو أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن الباخرة بعيدة من المنطقة المتنازع عليها بحوالى الميلين ونصف الميل، ولا نية لدى إسرائيل بإدخال الباخرة إلى المنطقة المتنازع عليها بانتظار نتائج المفاوضات.
وبعد جهود ومفاوضات من جانب الاطراف الثلاثة، للتوصل إلى اتفاق بشأن الحدود المائية المختلف عليها، تشكلت قناعة بأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود وزادت احتمالات التصعيد العسكري بين إسرائيل ولبنان، ما استدعى اتخاذ قرارات بتكثيف الاستعدادات العسكرية من جانب إسرائيل لاحتمال مواجهات منذ اللحظة التي يبدأ فيها ضخ الغاز من حقل “كاريش” وفق الاتفاق الموقع مع الشركة المشرفة على ذلك مع نهاية شهر سبتمبر 2022.
كان مسؤولون إسرائيليون كبار التقوا مرات عدة مع المبعوث الأميركي في محاولة للتوصل إلى تفاهمات أو اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وتحديداً مناقشة التعامل مع حقل كاريش، لكن ومن دون رد رسمي إسرائيلي حول المطلب اللبناني لم توافق تل أبيب على المقترح الذي يقضي بالتنازل عن “كاريش” مقابل حقل “قانا”.
وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن الاقتراح الأفضل لحل الإشكالية هو التفاهم حول تقاسم كميات الغاز في مناطق مشتركة بين البلدين، غير أن تل أبيب لن تقبل بالتنازل عن حقل “قانا” وفق الاقتراح الذي نقله هوكشتاين من لبنان.
دخول “حزب الله” علي خط الأزمة:
وأمام التهديدات المستمرة من طرف الأمين العام لـ”حزب الله اللبناني” حسن نصرالله بعدم السماح لإسرائيل باستخدام الغاز من المناطق الواقعة تحت السيادة اللبنانية، يقصد حقل “كاريش”، واستمرار إطلاق طائرات مسيرة من النوعية المتطورة التي تحمل متفجرات باتجاه آبار الغاز، ارتفع القلق الإسرائيلي من احتمال عرقلة أعمال التنقيب عن الغاز إلى أعلى درجاته.
وفي سياق أخر فإن الترسيم مرتبط أيضاً بإمكان إنقاذ المفاوضات بين الولايات المتحدة وبين إيران على الاتفاق النووي. ومع أن “حزب الله” يبرر تهديداته لإسرائيل بالمماطلة من جانبها ومن جانب الولايات المتحدة في التسليم بحق لبنان البحري، فإن قراءة هذه السياقات تشير إلى أن رفع الحزب منسوب تهديداته ليس منفصلاً عن التشدد الإيراني في بعض الميادين الإقليمية ومنها لبنان واليمن إزاء رفض إدارة بايدن مطالبة بأن يشمل الاتفاق على النووي رفع العقوبات عن “الحرس الثوري” الإيرانى، الذي رفضه الرئيس الأميركى الحالى نظراً إلى الحملة في الكونغرس المعترضة على تقديمه مزيداً من التنازلات لإيران.
وفي اعتقاد المتخوفين من أن تبادر تل أبيب إلى عمل عسكري، أن استمرار “حزب الله” بالتهديد بمنع إسرائيل من استخراج الغاز الذي يسعى الغرب إلى أن يكون بديلاً عن الغاز الروسى، هو ذريعة تتخطى الخلاف بين لبنان وإسرائيل، وأن الأمر متعلق بالمواجهة الأميركية- الإيرانية بفعل انسداد أفق التفاوض على الاتفاق النووى ورفع العقوبات الأميركية عن طهران وعن “الحرس الثوري”. بل إن أصحاب هذه المخاوف يلفتون إلى أن “طهران باتت جزءاً من حلف مع موسكو قد يلجأ إلى محاربة أميركا وحلفائها في أي مكان قد تسنح ظروف المواجهة فيه، لا سيما في ظل حرب الطاقة المستعرة على الصعيد العالمى”.
ويميل أصحاب القراءة المعاكسة للمشهد إلى حصر الحرب الكلامية بأبعادها اللبنانية -الإسرائيلية، وبالبعد اللبنانى الداخلى، من دون أن يعني ذلك تجاهل الأبعاد الإقليمية، فتهديداته لها علاقة بالضغوط الأميركية المتواصلة ضده، وبتنامي الحملة عليه التي تفعل فعلها في أوساط الجمهور اللبناني العريض والتي تحمله مسؤولية ما آلت إليه الأزمة الاقتصادية المالية المعيشية الخانقة.
وحسب بعض خصومه، فإنه أراد بتهديداته أن يصرف الأنظار عن تلك الحملة ضده مع بداية أفول عهد حليفه الرئيس “ميشال عون” والتهيؤ لانتخاب رئيس جديد. فالغضب من عدم قدرة المنظومة الحاكمة، وهو أساسى فيها، على إيجاد حلول للتدهور المأساوى للأوضاع الحياتية، أخذ يزداد في صفوف الشعب الذي صار يتجرأ على انتقاده بسبب الحالة البائسة جراء عدم تأمين مقومات الحياة الأساسية.
وفي سياق موازِ، يمكن القول أن هناك عدد قليل من السياسيين اللبنانيين الذين لم يصنفوا كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله التهديدى لإسرائيل بفتح مواجهة عسكرية معها، على أنه يأتى في سياق الصراع الإيرانى – الأميركى، بل ذهبوا أبعد من ذلك، فقالوا إن تصعيد نصر الله تجاه إسرائيل بذريعة انتزاع حقوق لبنان في استخراج النفط والغاز، في خطابه، 13 يوليو، أقحم لبنان في تعقيدات الاصطفاف الدولى العميق بين روسيا ودول الغرب بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقد كان هدف بوتين من قمة طهران هو معالجة الخلافات بين موسكو وطهران من جهة وتركيا من جهة ثانية، وذلك بغية إبلاغ إدارة بايدن بأن له حضوراً شرق أوسطياً مقابلاً للتحالف الذي يسعى إلى نسجه في المنطقة في سياق تعزيز موقعه بالصراع الدولى على أوكرانيا بالتالي على جزء من أوروبا. وتصعيد “حزب الله” بحجة حقوق لبنان النفطية والغازية في البحر ليس بعيداً من هذه الرسالة، كونه أكثر الأدوات قوة وأمانة لإيران التي تحتاج إلى الانحياز لموسكو في التموضع الدولى خصوصاً مع استمرار الضغوط الأميركية عليها.
ويؤكد مصدر دبلوماسى أوروبى لـ”اندبندنت عربية” أن ملف الترسيم لم يعد بين لبنان وإسرائيل، بل صار جزءاً من المواجهة الأميركية العربية الإسرائيلية من جهة، والإيرانية الروسية من جهة أخرى.
وأوضح المصدر أنه بعد أن انتقل “نصر الله” من موقع وراء الدولة إلى المقرر عنها، وبعد تعثر الاتفاق النووى مع إيران، واستمرار تمددها في المنطقة، وعلى حدود إسرائيل من خلال حزب الله ومسيراته، فإن تل أبيب باتت بحاجة إلى اتفاق أمني مع لبنان، لكن تبين أن الدولة اللبنانية عاجزة عن القيام به بعد عدم قدرتها على التحكم بقرار مسيرات الحزب.
وكشف عن أن هناك إصراراً دولياً على إنهاء هذا الملف من خلال المؤسسات الرسمية والوساطات الدبلوماسية، وقد تم التعامل مع كلام “نصر الله” الأخير على أنه رسالة إيرانية وليست لبنانية تذكر بوجود إيران على حدود إسرائيل، كما هدف “نصر الله” إلى تطمين بيئته وحلفائه، وأشار إلى أن فرنسا تواصلت مع “حزب الله” ونقلت له رسالة بأهمية المحافظة على الاستقرار وعدم العبث بالوضع الأمنى على الحدود.
وفور اندلاع المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحركة “الجهاد” في غزة، قفز إلى الصدارة فى بيروت السؤال عما إذا كان لبنان سيتأثر بالتطورات العسكرية المفاجئة في المناطق الفلسطينية، إذ إنها لم تقتصر على غزة لأنها بدأت بالضفة الغربية حين اعتقل الجيش الإسرائيلى القيادى في “الجهاد” بسام السعدى، ليل الأول من أغسطس، ثم أعلن رئيس الوزراء “يائير لابيد” بدء عملية عسكرية، فى الخامس من أغسطس، تحت عنوان “الفجر الصادق” أدت إلى اغتيال المسؤول عن القطاع الشمالي في الحركة “تيسير الجعبري” وقياديين آخرين فيها.
المخاوف اللبنانية ترجع بالأساس إلى وقوع احتكاك عسكرى بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” اللبناني على خلفية تهديدات الأخير بوقف نشاطات استخراج الغاز من قبل إسرائيل من حقل “كاريش”، ما لم يتم إنجاز اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بينها ولبنان قبل سبتمبر المقبل، وكانت شركة “إنرجين باور” اليونانية التي استقدمت السفينة المتخصصة في استخراج الغاز من “كاريش” لصالح إسرائيل نفت لقناة “إل بي سي” اللبنانية أن يكون هناك أي تأجيل في استخراج الغاز.
وزاد من المخاوف اللبنانية أن الاجتماعات التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية المصغرة في الثالث من أغسطس لدرس الاقتراح اللبناني الذي نقله إلى قادتها الوسيط الأميركي آموس هوكستين بعد لقائه “ميشال عون” و”نبيه بري” و”نجيب ميقاتي”، لم تنتهِ إلى إعلان قرار حاسم بل أعقبته تسريبات إسرائيلية متناقضة.
ويأتى ذلك في وقت ترى إسرائيل أنها إذا سمحت للبنان بتطوير حقل قانا بمفرده، فسيكون ذلك استسلاماً للموقف اللبناني مع عواقب جغرافية استراتيجية واقتصادية هائلة لتل أبيب، وسيكون سابقة تؤثر في المفاوضات التي أجرتها مع قبرص في شأن حقل الغاز العابر للحدود، وحول حقول الغاز الإضافية التي سيتم اكتشافها في المستقبل.
من المتوقع أن يحجم المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون عن تقديم أي تنازلات للبنان قبل الانتخابات المبكرة التي تقرر إجراؤها في خلال نوفمبر المقبل، ورغم ما يتردد في الإعلام عن فكرة عدم تأجيل استخراج الغاز من حقل “كاريش”، إلا أن الفكرة تظل محل نظر من الحكومة الإسرائيلية لتفادي التصعيد العسكري مع لبنان.
وعلى ذلك، فإن استطلاع المعطيات حول وجهة الأحداث توحى باستبعاد ربط لبنان بموجة التصعيد الأخيرة في غزة، فالمواجهة كانت محدودة كما أن الإدارة الأميركية تضغط لمنع نشوب حرب في الشرق الأوسط في ظل استمرار المفاوضات على النووى الإيرانى وتركيز جهودها على مواجهة تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
بناءًا علي ما تقدم، فمن الواضح أنه لا يوجد خاسر إلا إذا أراد أحد الطرفين تعظيم مكاسبه على حساب حقوق الطرف الآخر، ولن يربح أحد مكاسب استراتيجية تتجاوز البعد المادى، ما لم يتم الاتفاق على صيغة لتقاسم الثروة في شرق المتوسط على أساس احترام سيادة الدول، وعندئذ يمكن أن يكون الحديث عن “السلام الاقتصادي” واقعيًا ومنطقيًا.
كما علي النخبة اللبنانية أن تعى أنه لا يمكن لأى دولة أن تتصدى لتهديد خارجي دون وجود تناغم بين القوي السياسية المحلية. وبعيدًا عن الاستقطاب بين الأطراف ينبغى أن يكون ترسيم الحدود البحرية للبنان عاملاً موحّدًا في الجهود المبذولة لتعزيز الموقف التفاوضى للبنان، حتى لا تضيع فرصة خروج لبنان من مأزقه الاقتصادى.
المصادر
1)Where would the Lebanese-Israeli Maritime Conflict Lead to?.. https://2u.pw/jP1re
2)هل تنقذ أميركا التخبط اللبناني في الترسيم البحري مع إسرائيل؟ https://2u.pw/BY6lE
3)لبنان يتنازل عن الخط 29 لقاء حقل قانا وينتظر رد إسرائيل.. https://2u.pw/vYs7n
4)مفاوضات الغاز هل تنذر بتصعيد بين إسرائيل ولبنان؟ https://2u.pw/GIUPD
5)أغسطس الخطير على لبنان في الترسيم البحري وانتخابات الرئاسة.. https://2u.pw/vfwBK
6)هل يخرق “حزب الله” الخطوط الحمر أم يستعجل الاتفاق بين بيروت وتل أبيب؟.. https://2u.pw/0dcen
7)هل يضع الصراع الإيراني – الأميركي لبنان على شفير الحرب؟.. https://2u.pw/Duh0B
8)أين يقف ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل؟.. https://2u.pw/wTOvk
9) تبديد مخاوف امتداد التصعيد من غزة إلى لبنان.. https://2u.pw/OwFYd