رضوى رمضان الشريف
تستمر حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، برئاسة “عبد الحميد الدبيبة”، في الحصول على كافة الفرص المتاحة، سواء داخليًّا أو خارجيًّا؛ لعرقلة عمل الحكومة الجديدة، المكلفة من مجلس النواب، برئاسة “فتحي باشأغا”.
فعلَّق أعضاء الجيش الليبي في اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” عملهم، يوم السبت الماضي؛ احتجاجًا على الممارسات التي ارتكبتها الحكومة، منتهية الولاية؛ حيث تسببت في عرقلة عمل اللجنة، بما يهدد الأمن القومي لليبيا، محذرين من أن ما آلت إليه البلاد من انقسام سياسي، سيؤدي إلى انهيار (اقتصادي، واجتماعي، وأمني).
وذكروا في بيان لها، يوم السبت الماضي، بأنه يوجد جملة من التجاوزات، التي ارتكبتها حكومة الدبيبة، ومنها؛ النهب الممنهج وغير المسبوق لأموال الليبيين، واستباحته بشكل غير مسؤول، وعدم الانصياع لقرارات الشرعية، الصادرة من البرلمان الليبي، ورفض تسليم السلطة لحكومة الاستقرار الوطني، بقيادة فتحي باشأغا.
وفي موقفٍ استباقي آخر، مثيرٍ للجدل، صوَّتت ليبيا لصالح مشروع قرار الجمعية العامة، الخميس الماضي، ويقضي بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، التابع لها، وأيَّد القرار 93 دولةً، من بينها ليبيا، مقابل معارضة 24 عضوًا، وامتناع 58 عضوًا عن التصويت، وكان تمرير القرار يحتاج لموافقة ثلثي أعضاء الجمعية، وعددهم 193 دولةً، مع عدم الاعتداد بالممتنعين عن التصويت.
يُذكر بأن ليبيا هي الدولة العربية الوحيدة التي صوَّتت ضد روسيا، خلال تلك الجلسة، بينما امتنعت معظم الدول العربية الأخرى، عن التصويت بالموافقة أو الرفض، وانحازت الجزائر وسوريا للموقف الروسي.
فسَّر مراقبون تصويت ليبيا – ممثلة في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها- لصالح قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، بأنه ينسجم مع بحث حكومة الدبيبة، عن تأييد أمريكي وأوروبي في صراعها مع حكومة فتحي باشأغا، المكلفة من قِبَلِ مجلس النواب.
انتقادات لاذعة
أعرب ليبيون عن غضبهم من موقف الحكومة المنتهية ولايتها، التي اختارت التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالموافقة على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، بينما رأوا أنه زجّ بالبلاد في مواجهة بين الغرب وموسكو، “لا علاقة لها بها”.
ولم يكتفِ وكيل وزارة الخارجية الأسبق، حسن الصغير، بانتقاد القرار، بل تقدم ببلاغ للنائب العام، مؤكدًا فيه، أن مندوب ليبيا في الأمم المتحدة “الطاهر السُّني”، المُعين من قِبَلِ الحكومة المنتهية ولاياتها، مزدوج الجنسية، فهو يحمل الجنسية الأمريكية، وبالتالي، اعتبر “الصغير” بأن قرار المندوب الليبي جاء منفردًا، ومنحازًا لمصلحة دولته الثانية، “الولايات المتحدة”، ووصف تصويته باسم دولة ليبيا، التي يمثلها، بالمخالف للتشريعات النافذة لقرارٍ، من شأنه الإضرار بمصالحها وشعبها، وإقحام الدولة الليبية في صراع بين المعسكرين (الشرقي، والغربي).
أما عضو مجلس النواب “جاب الله الشيباني”، فاعتبر التصويت لصالح استبعاد روسيا “نكسة للدبلوماسية الليبية”، ورأى أن التصويت سيحول ليبيا إلى عملاء موالين لحلف الناتو، وكان من الحكمة، أن تلتزم ليبيا الحياد، وتمتنع عن التصويت، كأغلب الدول العربية، ووصف الموقف، بأنه “مخجل”، ويجب أن يُدان ويُستنكر على نطاقٍ واسعٍ.
إشادة غربية
وفي وسط ردودٍ فعلٍ غاضبةٍ داخل ليبيا، على تلك الخطوة، ثمَّنت عدة دول أوروبية تصويت ليبيا لصالح تعليق عضوية روسيا بمجلس حقوق الإنسان، ودافعت بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا، عن قرار تصويت ممثل حكومة الوحدة، في الأمم المتحدة، لصالح طرد روسيا من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بعد الهجمة الشرسة عليه، في الداخل الليبي، والتزام الحكومة الصمت، وعدم الرد على هذه الانتقادات.
كما دافع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “جوزيف بوريل”، عن الموقف الرسمي الليبي، بقوله: إن ليبيا اتخذت الموقف الصحيح، بانضمامها إلى الغالبية العظمى من البلدان، التي تدين غزو أوكرانيا.
وفي تأييد للضغط الأمريكي على صادرات النفط الروسية، حثَّ “الدبيبة” في وقت سابق، دول منظمة «أوبك»، على زيادة الإمدادات؛ للمساهمة في تغطية العجز الدولي الحاصل؛ لمواجهة أزمة الطاقة؛ جراء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
عودةٌ للاقتتال المُسلَّح؟
حوَّلت الأزمة الأوكرانية ليبيا إلى حديقة خلفية للصراع بين موسكو وواشنطن، خصوصًا في مجلس الأمن، بعد رفض مقترحٍ سابقٍ، في شهر مارس الماضي؛ لتعيين المستشارة الأممية الأمريكية، ستيفاني وليامز، مبعوثةً خاصةً إلى ليبيا، قبل نهاية أبريل.
تُفضل واشنطن تكليف الدبلوماسية الأمريكية، ستيفاني وليامز، بالمنصب؛ لسابق توليها رئاسة البعثة بالإنابة، كما أنها تعمل حاليًا، مستشارةً خاصةً، لـ(غوتيريش) في ليبيا، وهو الأمر الذي يَلْقَى معارضةً من روسيا.
بينما يدفع الاتحاد الإفريقي، نحو اختيار إفريقي لهذا المنصب، وهو الأمر الذي سعى إليه بالفعل، عقب استقالة المبعوث الأسبق، غسان سلامة، لكنه لم ينجح في ذلك وقتها؛ بسبب رفض واشنطن، واليوم تساند (موسكو، وبكين) المقترح بشدة.
والآن، تمثل محاولات الدبيبة المستميتة، بعدم تسليمه للسلطة للحكومة الجديدة، حافزًا يُعجل بعودة ليبيا إلى المربع الأول، والاقتتال المسلح، خاصةً أن خطوة تصويت ليبيا بالموافقة على قرار تعليق روسيا في مجلس حقوق الإنسان، سيكون لها عواقب وخيمة، وتداعيات سلبية على مستقبل الأزمة المحلية، التي تلعب فيها موسكو دورًا لا يخفى منذ سنوات، والأخطر في الأمر، بأن موسكو قد استبقت الجلسة، بتحذير الدول الأعضاء، من أن “الموافقة أو حتى الامتناع عن التصويت على قرار تعليق عضويتها في المجلس، سيُعَدُّ بادرةً غير ودية، لها عواقب على العلاقات الثنائية”.
إن موقف ليبيا المخالف للإجماع العربي، محاولة من الحكومة المنتهية ولايتها، برئاسة “عبد الحميد الدبيبة“؛ من أجل استجداء رضا الغرب، على أمل البقاء لأطول فترة ممكنة، حتى لو على حساب المصالح الوطنية، ولكن من المرجح، أن مناورة “الدبيبة” لن تفلح، وهدفه لن يتحقق بسهولة، خاصةً أن موسكو قد أكدت دعمها سابقًا للحكومة الليبية الجديدة، برئاسة “فتحي باشأغا”؛ لذا من المتوقع، بأن تنجر ليبيا إلى حرب داخلية، منقسمة إلى معسكرين: (معسكر موالٍ للشرق، متمثل في الحكومة الجديدة، برئاسة ” فتحي باشأغا”، ومعسكر موالٍ للغرب، متمثل في الحكومة المنتهية ولايتها، برئاسة ” عبد الحميد الدبيبة”).
كما يدفع التصادم الغربي الشرقي في ليبيا إلى خلْق حالةٍ من عدم الاستقرار، في إقليم شمال إفريقيا، خاصةً مصر، التي يرتبط أمنها القومي بمدى استقرار شقيقتها المجاورة لها.