رضوى رمضان الشريف
إن اقتراف القوات الإسرائيلية العديد من الانتهاكات ضد المصلين والمرابطين داخل المسجد الأقصى، بجانب سماحها للمستوطنين المتطرفين، باقتحام حرمه الشريف، في شهر رمضان، يُعدان استفزازًا متعمدًا، واعتداءً على حق الفلسطينيين، في ممارسة شعائرهم الدينية، وتستفز مئات الملايين من المسلمين، الذين يتطلعون إليه، باعتباره (أُولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين)، كما أنه تحدٍ سافر للمجتمع الدولي وللإرادات العربية والدولية، الداعية إلى إحلال السلام في المنطقة.
وأسفرت المواجهات والأعمال العدائية التي قامت بها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، عن إصابة أكثر من 150 شخصًا، طبقًا للهلال الأحمر الفلسطيني، فضلًا عن اعتقالات واسعة عديدة، شهدتها باحة الأقصى والمناطق المجاورة له، خلال الأيام الماضية.
يُذكر بأن أحداث المسجد الأقصى المدانة، سبقها تصعيد إسرائيلي كبير في (نابلس، والخليل، وجنين، ورام الله) بالضفة الغربية، أسفر عن عددٍ من الضحايا الفلسطينيين، وبررت القوات الإسرائيلية عملياتها تلك، بأنها ردٌّ على عملياتٍ، نفذَّها فلسطينيون في (تل أبيب، وبئر السبع، والخضيرة)، ويبدو واضحًا، أن هذه الدوامة من العنف لن تتوقف عند هذا الحد، وما يجري في القدس من أكبر عوامل التصعيد في هذه المرحلة.
غضبٌ وتنديدٌ
توالت ردود الفعل الإقليمية المنددة باقتحام القوات الإسرائيلية، لساحات المسجد الأقصى، منذ فجر الجمعة، محملة إسرائيل مسؤولية تداعيات الانتهاكات على الاستقرار في الأراضي الفلسطينية، فيما دعا آخرون إلى احترام الوضع الراهن للأماكن المقدسة في القدس.
في وسط غضبٍ فلسطيني كبير أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان لها، اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على المصلين بالمسجد الأقصى، مؤكدةً أن حملة الأكاذيب التي تطلقها قادة الاحتلال الإسرائيلي، بشأن حرصها على الوضع القائم بالمسجد الأقصى، محاولة مفضوحة؛ لتضليل المجتمع الدولي والرأي العام، وللتغطية على انتهاكاتهم وجرائمهم ضد القدس ومقدساتها.
وأضافت الخارجية الفلسطينية، أن ممارسات الاحتلال محاولة مكشوفة؛ لامتصاص الغضب؛ جراء العدوان والحرب الإسرائيلية المفتوحة على شعبنا، كان آخر هذه الأكاذيب، ما أدلى به وزير الخارجية الإسرائيلي (لابيد) متبجحًا، بأن: “إسرائيل ملتزمة بحرية العبادة، لجميع الناس، في القدس، من جميع الأديان”، حسبما أفادت به وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”
أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة واستنكار المملكة العربية السعودية؛ لإقدام القوات الإسرائيلية على اقتحام المسجد الأقصى، وإغلاق بواباته، والاعتداء على المصلين العُزّل داخل المسجد، وفي ساحاته الخارجية، معتبرةً هذا التصعيد الممنهج اعتداءً صارخًا على حرمة المسجد الأقصى ومكانته في وجدان الأمة الإسلامية، وانتهاكًا للقرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة.
وأدانت الإمارات بشدة ما تفعله القوات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، ودعت إلى ضرورة ضبط النفس، وتوفير الحماية للمصلين، وفي ذلك تعبير عن موقف الإمارات الرسمي والشعبي، الرافض للعنف بكل أشكاله، وتأكيد لحرصها على نجاح الجهود الصادقة؛ لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق «حل الدولتين» الذي تدعمه الأمم المتحدة والقوى الدولية، ويبدو الحل الأمثل؛ لإنهاء هذا الصراع المرير.
ومن جانبها أدانت الخارجية المصرية اقتحام القوات الاسرائيلية المسجد الأقصى، وما تبع هذا الاقتحام من أعمال عنف، تعرض لها الفلسطينيون في باحات المسجد الأقصى؛ ما أسفر عن إصابة واعتقال العشرات من المُصلين، وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، السفير أحمد حافظ، على ضرورة ضبط النفس، وتوفير الحماية الكاملة للمصلين المسلمين، والسماح لهم بأداء الشعائر الإسلامية في المسجد الأقصى، الذي يُعدُّ وقفًا إسلاميًّا خالصًا للمسلمين.
كما أعلن الأردن استدعاء السفير الإسرائيلي؛ لإبلاغه إدانة بلاده للتصرفات الإسرائيلية في منطقة الحرم الشريف بمدينة القدس.
وندَّد المغرب “بشدة” اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، واعتبره عملًا استفزازيًّا “ممنهجًا”، من شأنه، أن يغذي مشاعر (الحقد، والكراهية، والتطرف).
وفي جلسة طارئةٍ، عُقدت في مجلس الأمن، حول تلك التوترات الأخيرة في القدس، دعت (إيرلندا، وفرنسا، وإستونيا، والنرويج، وألبانيا) في بيان مشترك، أصدرته في ختام الجلسة، إلى إنهاء التوتر والمواجهات؛ تجنبًا لوقوع المزيد من الضحايا.
تبعات التصعيد
إن قيام إسرائيل واستمرارها باستفزاز المسلمين والشعوب العربية، وعدم أخذها في الحسبان، الأبعاد الحاسمة للصراع، يقلِّل من فرص السلام، ويرتد بنتيجة عكسية، بتدمير البيئة التي تحاول الأطراف الإقليمية والدولية بناءها؛ من أجل إنهاء النزاع، والسماح للفلسطينيين باستعادة بعضٍ من حقوقهم المسلوبة، منذ 74 عامًا، ولكن استمرارهم بتصعيد الأوضاع في القدس، وانتهاك حرمة الأقصى، تجعل من غير الممكن، تحقيق تلك الأهداف، وأن المسار الحالي، ربما ينحرف إلى اتجاه آخر، وتكون عواقبه وخيمة.
واحتمالات دخول المقاومة في قطاع غزة على خط المواجهة، باتت مرتفعة، لا سيما بعد بيانات الفصائل الفلسطينية الأخيرة، التي صدرت عقب اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى؛ حيث قالت (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين): “إنّ الشعب الفلسطيني بقواه السياسية والمجتمعية حسم خياراته، وأن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة، وأن العدوان ومشاريع الاحتلال والاستيطان لا يمكن وقفهما، أو التصدي لهما، إلا بالمقاومة”.
من جهتها، اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي، أن تجدد الاقتحامات والاعتداءات على المسجد الأقصى يكشف النوايا الحقيقية للاحتلال، الذي يمارس التضليل والخداع؛ لتمرير مخططات “الإرهاب اليهودي”.
وأضافت الحركة في بيانٍ، أنّ الانتهاكات والاعتداءات الخطيرة تدفع نحو المواجهة الشاملة، الأمر الذي يُلمح باحتمالات، باتت واردة بدخول المقاومة في غزة خط المواجهة؛ نظرًا لاستمرار السلطات الإسرائيلية بهذه الانتهاكات.
وكانت حركة حماس قد ذكرت في بيانٍ لها، بأنّ استمرار الاعتداء على المعتكفين، وعلى قدسية الزمان والمكان، سيرتدّ على الاحتلال ومستوطنيه.
ختامًا: إن الوضع في الأراضي الفلسطينية مُهَيَّأٌ لتصعيدٍ واسع النطاق، مصحوب بعواقب وخيمة، وغير متوقعة، وقد يكون هذه المرة مختلفًا، بالنظر إلى المتغيرات الكثيرة، ولتجنب الأسوأ، على الجميع ضبْط النفس، وعلى إسرائيل تحمل مسؤولية الحفاظ على عدم التصعيد، عن طريق السيطرة على مستوطنيها المتطرفين، وكف أيديهم عن تدنيس وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية، واحترام حق الفلسطينيين في العيْش بسلام، في أحياء القدس القديمة.
كما يستلزم على إسرائيل، الاستجابة للدعوات العربية والدولية، الداعية إلى وقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية؛ من أجل خلْق أرضية سياسية، تسمح ببناء الثقة، والبحث في أُسُس التعايش المشترك، وفق ما تسمح به التفاهمات، وتقره الشرعية الدولية.