رضوى رمضان الشريف
أثارت تصريحات إعلامية صدرت عن نائب رئيس الحكومة اللبنانية “سعادة الشامي” يعلن فيها عن إفلاس لبنان وكذلك مصرف الدولة، بلبلة واسعة بين اللبنانيين الذين دائما ما يعيشون في أزمات اقتصادية متلاحقة طيلة حياتهم. ولكن بعد ساعات، نفى رئيس الحكومة اللبنانية “نجيب ميقاتي” تلك التصريحات، موضحا بأن تلك التصريحات تم اجتزاؤها من حوار تلفزيوني سابق لنائب رئيس الحكومة “سعادة الشامي” والذي تناول سير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. بينما أكد حاكم مصرف لبنان “رياض سلامة” أن ما تم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي غير صحيح وغير رسمي.
رغم أن التصريح جاء بالتزامن مع مفاوضات جارية مع صندوق النقد الدولي، إلا أنه يشير صراحة على مدى تردي الوضع الحالي ويضع البلاد على موعد جديد مع أزمة داخلية، وبغض النظر عن نفي الحكومة والمصرف تلك التصريحات الغير رسمية، إلا أنها تحمل دلالات خطيرة، تشير إلى النفق المظلم الذي وصل له لبنان.
مفاوضات عقيمة
خاضت الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة ” حسّان دياب” مفاوضات مع الصندوق الدولي ولكنها توقفت بعدما اختلف المفاوضون اللبنانيون أنفسهم على تقدير حجم الخسائر.
واستأنفت الحكومة الحالية التي شكلها نجيب ميقاتي في سبتمبر الماضي التفاوض الذي لا يزال في الشق التقني وفي مرحلة تحديد الأرقام، فيما لم تضع الحكومة أي خطة للتفاوض عليه، وبالرغم من إفادة بعض المعلومات على وجود تقدم كبير حصل في المفاوضات الحالية بين صندوق النقد الدولي والوفد اللبناني، بأنه تم الاتفاق على الُأطر الأساسية لبرنامج الصندوق.
وفي المعلومات بأن الساعات المقبلة ستشهد المزيد من الاجتماعات ليتقرر في ضوئها إمكان توقيع اتفاق مبدئي قبل سفر وفد الصندوق إلى واشنطن نهاية الأسبوع، وبحسب تصريح رئيس الوفد اللبناني “سعادة الشامي” على أن موظفي الصندوق سيعرضون الملف على رؤسائهم لإعداد كل المؤشرات المتعلقة بالخطة، وبحلول مساء الخميس الموافق 7 إبريل، سيتم إعلان ما آلت إليه المفاوضات من اتفاق.
وفي حال فشل الوصول لاتفاق، قد يكون الحل الوحيد للخروج من الأزمة إقرار عدة قوانين مهمة، يأتي على رأسها قانون “الكابيتال كونترول”، وتعديل قانون السرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف.
عقبة في الطريق
لكي يصبح قانون “الكابيتال كونترول” نافذاً، يحتاج مشروع القانون إلى إقراره في البرلمان وهو أمر بحاجة إلى مفاوضات طويلة نتيجة اعتراض عدد من الكتل البرلمانية عليه، وفي حال لم يمر قانون “الكابيتال كونترول” في البرلمان، فسيشكل ذلك عقبة أمام المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
يحاول حزب الله المدعوم من إيران بشكل عام عرقلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ويراهن على تغيرات استراتيجية وإقليمية لتجاوز الأزمة، إلا أن وجوده كفاعل أساسي ومهيمن في المشهد السياسي يمثل عقبة كبيرة في مستوى تفاعل المجتمع الدولي مع الأزمة اللبنانية.
سيناريوهات الخروج
– السيناريو الأقرب: قد يكون الحل الأقرب حدوثه والذي سيأتي بعواقبه أيضا هو إعلان إفلاس الدولة بشكل رسمي، وتسليم زمام الأمور لصندوق النقد الدولي، فعندما تعلن الدولة إفلاسها بما يعني عدم قدرتها عن سداد ديون ودفع ثمن السلع المستوردة الدائنين، وهذا سيؤدي إلى الاتفاق مع الصندوق على جدولتها.
ولكن في الحالة اللبنانية، من المتوقع بأن تكون قرارات وشروط الصندوق متعسفة؛ حيث الولايات المتحدة التي لها تأثير كبير على قرارات الصندوق، لا يهمها في الوقت الحالي دعم الاقتصاد اللبناني، بل إضعاف نفوذ حزب الله، لذلك هناك شبه فيتو مفروض على الدولة اللبنانية لتلقي أي دعم من المؤسسة الدولية.
– السيناريو المستبعد: التوصل إلى حلول سريعة مع الدائنين، وقد يكون ذلك الحل هو الأصعب إن لم يكن مستحيلًا؛ فأي خطة لا تضع في حسبتها تعويض خسائر المودعين الذين اضطروا لسحب أموالهم وتكبدوا الخسائر ستكون بمثابة مضيعة للوقت وتضليلًا للرأي العام، فعلى الدولة نفسها تحميل تلك الخسائر، ولكن بالنظر إلى حالة البنوك اللبنانية المتردية ورجال الساسة الذين يتفادى البعض منهم تحمل المسؤولية، سنجد استحالة نجاح ذلك الحل.
إجمالاً، بالرغم من تصريح “سعادة الشامي” الشخصي الذي يقود المفاوضات مع صندوق النقد عن إفلاس الدولة يضع إصبعه على جرحٍ يعيش فيه اللبنانيون منذ سنوات عديدة، إلا إذا تم التدقيق فيما صرّح به، فهو يمهد الطريق نفسياً أمام اللبنانيين لكي يقبلوا بالثمن الصعب جدا الذي ينبغي أن يدفعوه، فالعيش في حالة انكار يحاول الجميع تفاديها وعدم الاعتراف بها أصبحت غير واقعية، وبالتالي هي رسالة لأصحاب الودائع في البنوك بأن الإفلاس أصبح واقعاً وقريباً ولا يمكنهم السحب من ودائعهم ولا بد من توزيع الخسائر على الجميع.
ولكي يخرج لبنان من هذا المأزق، فلابد من إصلاح جذري يتوافق مع شروط الصندوق الدولي حتى لو سيتحمل تكلفته الجميع.