حسناء تمام كمال
في تطورٍ نوعي للمشهد العراقي، سقطت صواريخ بالستية، أُطلقت من خارج الحدود العراقية، نحو محيط أربيل، شمال العراق، والقنصلية الأمريكية فيها، مع إعلان الحرس الثوري تبينه للهجوم، مؤكدًا أن الاستهداف جرى لمركز إستراتيجي إسرائيلي، مع نفي كردستان وجود هذا المركز على أراضيها، ويُعدُّ الحدث تطورًا كبيرًا، سواء في أهدافه، أو دلالته، أو في مضمونة، ومُحمَّلًا باعتبارات إيرانية عدة، نحاول استقرائها.
أولًا: دلالات الهجوم
استهداف موقع إسرائيلي: في الأشهر الأخيرة، تصاعدت الهجمات الإسرائيلية في سوريا، بالتركيز على أهداف ومقرات إيرانية، وتعتبر إسرائيل الطرف صاحب الهجمات الأوسع في سوريا، وغالبيتها موجهه لإيران وعناصر حزب الله، غير أن تطورًا في هذه الهجمات جرى مؤخرًا؛ حيث قامت إسرائيل بشن ضربة جوية، أسفرت عن مقتل عدد 1 2 من عناصر الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي أدى إلى إعلان الحرس توعده لإسرائيل بأنها ستدفع ثمن هذه العملية، وهي رسالة من إيران بردود مماثلة على إسرائيل، حال استمرت في التصعيد ضد التواجد الإيراني، ولا شك أن الرد السريع الذي جاءت به إيران من خلال تلك العملية، يأتي في إطار سعيها لعدم تكرار مشهد اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني .
على أراضٍ عراقية: بالرغم من أن الهجمات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية أوسع في سوريا، وحادث استهداف عناصر الحرس الثوري جاء في دمشق بسوريا، فكان من المنطقي أن يكون الرد الإيراني في سوريا، لكن هناك دلالات لاختيار العراق للرد على هذا الهدف بها، أبرزها؛ التأكيد على استمرار نفوذها في العراق.
فهناك استياء إيراني كبير من نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، والتي أقصت الأحزاب الموالية لها، ولم يعُد لها حضورها المعهود، يزداد هذا الاستياء مع إصرار الأغلبية البرلمانية العراقية والتيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر، على أن تُشكَّل الحكومة على طريقة الأغلبية، وليست على طريقة الائتلاف، وتمسكه الشديد بذلك الأمر؛ ما يعني استبعاد الأحزاب الموالية لإيران من الحكومة المقبلة، ومن ثَمَّ، فتلك الضربة تعبير ضمني على امتداد يد إيران في العراق، واستعدادها لدعم الفصائل الموالية لها، حال عدم إدماجهم في الحكومة المُشكَّلة.
ثانيًا: دورها في معادلة التوازنات الإقليمية
ثقلها كفاعل في سوريا والعراق: في مطلع فبراير، جرت العديد من الضربات الخاطفة بين مختلف الأطراف الفاعلة في سوريا؛ للتحرك بدعوى حماية التهديدات التي يتعرضون إليها، فقد نفذت الولايات المتحدة مقتل زعيم تنظيم داعش، عبد الله قرداش، ومن جهة تركيا، قامت بتنفيذ ضربة جوية تجاه عدد من الأكراد؛ لكونهم مسؤولين عن شن الهجمات ضدها، حسب زعمها، حالة النشاط تلك من قِبَلِ أطراف الأزمة السورية، هي انعكاسٌ للتنافسات الإقليمية في دول الصراع؛ بهدف إعادة تأكيد حضورهم كفاعلين، بما يتفق مع تحقيق أهدافهم ومصالحهم.
الحضور الإيراني في منطقة الخليج: بعد الموافقة على المقترح الذي تقدمت به الإمارات لمجلس الأمن، بتصنيف الحوثي جماعة إرهابية، بالتوازي مع تنامي علاقاتها مع إسرائيل، التي تُعدُّ العدو الرئيسي لإيران في المنطقة، بما تعتبره إيران أمرًا يُقلِّصُ من نفوذها الإقليمي.
مناورة للولايات من جديد: وسط ردود فعل دولية وإقليمية، متباينة، أبرزها؛ إعلان الولايات المتحدة دعمها الكامل للعراق، ولا تريد إيران دورًا واسعًا للولايات المتحدة في العراق؛ لذا تواصل الولايات المتحدة القيام بدورٍ موازٍ؛ لإحباط المخططات الإيرانية، وعدم ترك فراغ تشغله إيران مستقبلًا.
يبدو أن الولايات المتحدة التقطت هذه الرسالة؛ لذا كان ردها سريعًا وحاسمًا، فأكد مستشار الأمن القومي رده على الهجوم، بالتالي: “سندعم حكومة العراق في محاسبة إيران، وسندعم شركاءنا في جميع أنحاء الشرق الأوسط في مواجهة تهديدات مماثلة من إيران”، من ناحية، كان من المقرر أن تُجرى المفاوضات النووية الرابعة، والتي جمدت آخر لحظة، فلا شك أن تواجدًا إقليميًّا أوسع للأطراف، يمنح كلاهما نقاط قوة في المفاوضات.
الأزمة الروسية الأوكرانية ليست بعيدة: في ظل انشغال الفاعلين الدوليين بالأزمة الروسية الأوكرانية، يرتبط توقيت شن تلك الهجمات بتصاعد حدة الأزمة الأوكرانية، التي دفعت المجتمع الدولي بأكمله إلى الانشغال بتداعياتها، على نحوٍ قد يُقلِّص تبعات أي إجراءات، قد تتخذها قوى دولية، وهو ما قد يؤثر على تواجدها في المنطقة.
الأمر الذي يطرح دورًا أقوى للفاعلين الإقليميين في بؤر الصراع، فتحاول القوى الإقليمية المعنية بالصراع، وعلى رأسها (إيران وتركيا وإسرائيل)، تأكيد دورهم الإقليمي، وترسيخ دور أكثر حضورًا وفاعلية، وبالشكل الذي يؤثر على خدمة تطلعاتها وأهدافها.
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة
استمرار التحركات الإقليمية: ويرجح هذا السيناريو أن تستمر تحركات القوى الإقليمية، على كافة الأصعدة، ومنها؛ استمرار هجمات نوعية تجاه بعض أهداف، وخصوصًا الجانبان (الإسرائيلي والإيراني)، وهذا هو السيناريو المرجح، في ظل ردود الفعل الدولية المتباينة على الواقعة، خصوصًا الولايات المتحدة، وهذا السيناريو يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في العراق.
احتواء الوضع داخليًّا: ويعول هذا السيناريو على الحكومة العراقية، في النجاح باحتواء الوضع داخليًّا، والتوفيق بين الأطراف التنافسية داخليًّا، والوصول إلى حالة توافقية بين كافة الأطراف في الداخل، وإرساء حالة من الاستقرار الداخلي، وإن كان مؤقتًا.
تواصل الضغط الإيراني: ويرجح هذا السيناريو استمرار الضغط الإيراني في العراق، سواء سياسيًّا أو أمنيًّا، بالشكل الذي يفرض وجودها بشكل مؤثر في العراق؛ ما يدفع بتنامي حالة الانقسام، ويكون ذريعةً لتدخل أفع نحو القبول بتشكيل حكومة الائتلافية، تضمن فيها تمثيل الأحزاب الموالية لإيران، وهذا السيناريو قد يؤدي إلى تصعيد التنافس الإقليمي بين الأطراف في العراق، بعد أن رجعت حدته، كما يبقى غير مأمون،من جهة أن تتوقف التدخلات الإيرانية بعدها.