رضوى رمضان الشريف
قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة الإمارات ظهر السبت الموافق 19 مارس، وتعد الزيارة الأولى التي يقوم يقوم بها إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، وسط حفاوة بالغة وترحيب من الشيخ محمد بن راشد.
وتأتي الزيارة في الوقت الذي يمضي فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحليف الرئيسي للأسد، قدما في حرب مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع على أوكرانيا. ويُجدر بالإشارة إلى أن سوريا صوتت ضد قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما امتنعت الإمارات عن التصويت ضد قرار الإدانة الذي قدمته الولايات المتحدة سابقا لمجلس الأمن.
استياء أمريكي
وفي رد فعل أولي على الزيارة، لم ترحّب الولايات المتحدة بهذه الخطوة، وأفادت وزارة الخارجية نصا بأنها “تشعر بخيبة أمل كبيرة وبقلق من المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على الرئيس السوري بشار الأسد”.
وحثّ المتحدث باسم خارجيتها، نيد برايس، في تصريحات صحفية أفاد فيها بأن “الدول التي تفكر في التواصل مع نظام الأسد على أن تدرس بعناية الفظائع المروعة التي ارتكبها ضد السوريين على مدى العقد الماضي، فضلاً عن محاولاته المستمرة لحرمان معظم البل من الحصول على المساعدات الإنسانية والأمن”.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، دعت لجنة التحقيق الأممية بشأن سوريا إلى “مراجعة تنفيذ وآثار العقوبات المفروضة حاليًا على سوريا” في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، مقابل إعلان دول (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة) عدم دعمها لجهود تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
دلالات هامة
تحمل الزيارة في طياتها دلالات هامة حيث:
دلالة التوقيت:
تأتي زيارة الأسد إلى الإمارات وسط علاقات خليجية مشحونة بشكل متزايد مع الولايات المتحدة، بعدما قامت الولايات المتحدة بالانسحاب العسكري والتخلي عن التزامها بأمن المنطقة، وفي المقابل قامت الإمارات والسعودية بمخاطبة إدارة بايدن في الأشهر الأخيرة للحصول على ضمانات أمنية – بما في ذلك المزيد من المساعدة في الدفاعات الجوية وتبادل المعلومات الاستخباراتية – لمواجهة الاحتمال الذي يلوح في الأفق برفع العقوبات عن إيران.
وتسارعت وتيرة الجهود التدريجية العربية لاستعادة العلاقات مع سوريا في وقت تعمل فيه إدارة بايدن مع القوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران – وهو اتفاق تعتبره دول الخليج العربية تهديدًا لأمنها. فضلا عن وجود بعض التكهنات بأن دول الخليج العربية تتواصل بشكل متزايد حول إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية بدلاً من التخلي عنها لمنافستها إيران.
كما تحمل الزيارة بعدا لافتا أيضا يتمثل في أنها تأتي بالتزامن مع ذكرى اندلاع الأزمة السورية منتصف مارس عام 2011، في رسالة ضمنية في هذا التوقيت بأن سوريا بدأ تتلمس الخطى لحلول لتلك الأزمة، وأن الأسد يدرك جيدا أن زيارة دولة الأمارات ستكون محطة فارقة على طريق حل تلك الأزمة.
دلالة المكان:
تكتسب هذه الزيارة الأولى من نوعها خلال العشرية الأخيرة من العلاقات السورية الإماراتية أهمية كبيرة، ويرتبط اختيار الرئيس السوري لأن تكون الإمارات تحديدا أول محطة عربية وخارجية له بعد موسكو مرتبطة بعدة مؤشرات أبرزها الآتي:
– نجاح الإمارات في أن يكون لها دور متوازن تجاه الأزمة السورية، حيث أثبتت على مدار عدة سنوات أن لديها مساحة واسعة من القرار المستقل الذي لا يتبع الضغوط الخارجية، فافتتحت الإمارات سفارتها في دمشق بالرغم من الضغوط الأمريكية لإدارة ترامب، مع استمرار التنسيق الاقتصادي والمعونات المقدمة من الإمارات إلى سوريا في ظل الحصار. فضلا عن زيارة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق في نوفمبر الماضي، في زيارة هي الأولى لمسؤول إماراتي بهذا المستوى منذ أكثر من 10 أعوام.
– ترأس الإمارات حاليا مجلس الأمن الدولي لشهر مارس، في المجتمعين الدولي والعربي، فضلا عن قيادتها دبلوماسية نشطة لتعزيز الأمن والسلام في العالم، ودور رائد في تعزيز التضامن العربي، فضلا على أن الإمارات اتخذت منهجا تصالحيا في سياستها الخارجية، خاصة بقيامها بالتطبيع مع إسرائيل من خلال توقيع اتفاقية أبراهام في سبتمبر 2020 مع تل أبيب، وفتحت قنوات تواصل مع إيران، ومن ثم انفتحت على سوريا علناً، واعتزامها في تحقيق توازن في مستوى علاقتها إقليميا ودوليا.
– التصريح الهام الذي أدلى به الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لدولة الإمارات في موسكو في نوفمبر الماضي والذي أكد فيه أن “التعاون الإقليمي ضروري لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها العربي”.
لكنه شدد في المقابل على أن هذا الأمر “لا بد منه، وهذا يتطلب جهدا أيضا من الجانب السوري كما يتطلب جهدا من الزملاء في الجامعة العربية”.
بشكل عام، تُشكل الزيارة خطوة هامة جدًا في سبيل المساعي لعودة سوريا لجامعة الدول العربية، وكذا عودة العلاقات العربية البينية إلى ما كانت عليه حتى لو بشكل نسبي، ولو في حدود المشتركات الأساسية والبناء على أرضية توافقية ما بين الدول العربية، وهذا الأمر من شأنه أن ينعكس على الكثير من الملفات التي تأزمت وتطورت في اتجاهات شديدة السلبية بسبب غياب العمل العربي المشترك وغياب التنسيق الإيجابي ما بين الدول العربية، لا سيما ملفات مثل اليمن العراق لبنان، وسد النهضة في مصر، وسائر الأزمات الأخرى التي أثر عليها غياب الموقف العربي المشترك، وأضعف موقف كل دولة منفردة.
وتواجد الحد الأدنى من التواصل والعمل العربي المشترك، يعني إيجاد مساحة من الحركة والمناورة لجميع الأطراف العربية، ومساحة من العمق الاستراتيجي لكل دولة عربية بتوافقها مع الدول الأخرى. وينظر مراقبون إلى زيارة الرئيس السوري إلى الإمارات وقبلها زيارات وفود عربية إلى دمشق بأنها قد “تكون بارقة أمل” في عودتها لأحضان جامعة الدول العربية.