حسناء تمام كمال
بنهاية يناير الماضي عقد مجلس النواب الليبي جلسة؛ من أجل سحب الثقة من الحكومة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة استنادًا إلى فشل إجراء أول انتخابات رئاسية في ظل حكومته، و التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر من العام الماضي، وبالفعل بدأ البرلمان في تلقي طلبات الترشح، وإجراء مداولات بشأن المرشحين؛ لقيادة الحكومة الانتقالية، وذلك بعد مشاورات مع المجلس الأعلى للدولة، في مقابل دعوة بعض السفراء، ومستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بعدم التدخل في الشؤون الليبية.
وفي 8 فبراير أقر مجلس النواب الليبي في جلسته خريطة طريقٍ للمرحلة المقبلة في البلاد، والتي نصت على إجراء انتخابات في مدة لا تتجاوز 14 شهرا كما أعلن رئيس المجلس عقيلة صالح أن المُرَّشحَيْن لمنصب رئيس الوزراء، فتحي باشاغا وخالد البيباص هما الوحيدان اللذان استوفيا شروط الترشح للمنصب، وفي 10 فبراير أعلن البرلمان الليبي اختيار وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بالإجماع رئيسا جديدا للوزراء، تمهيدًا لتشكيل حكومة مغايرة لحكومة عبد الحميد الدبيبة، لنكون أمام خارطة طريقة جديدة تنفذ بإعلان باشاغا رئيس للحكومة.
أولًا: ردود الأفعال تعيد تشكيل الصفوف
قرار البرلمان بخارطة الطريق الجديدة، والذي أتى بشكل سريع نسبيا أمر مفاجئ ، ترتب عليه حالة من ردود الأفعال السريعة من مختلف الأطراف، ويمكن أعتبره أنه تكريس لتغيرات جوهرية وكبيرة في شكل الداخل الليبي، و كما تعتبر القرار وردود الأفعال بمثابة إعادة تشكيل لمواقف الأطراف داخل ليبيا.
فمن ناحية الدبيبة أعلن عن تجاهله نتيجة التصويت في البرلمان لاختيار بديل له، وأنه لن يسمح بمراحل انتقالية جديدة، وأن حكومته مستمرة في عملها إلى حين التسليم لسلطة منتخبة، فيما يسانده في الرأي كلًا من الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص، والولايات المتحدة، ليخلق بذلك تيار جديد معترض على التغيرات الناتجة عن خارطة الطريق الجديدة التي أعلنها البرلمان.
أما التيار الثاني المؤيد للخارطة وما ينتج عنها، فمثل في البرلمان الليبي، والمجلس الأعلي للدولة، ورئيس الحكومة الجديدة والقوات المسلحة الليبية، التي أًصدرت بيانها رحبت فيه، بتكليف فتحي باشاغا برئاسة الحكومة المقبلة، ومؤكدة دعمها للحكومة الجديدة.
فيما يمكن القول أن هناك تيار ثالث هذا التيار يقف علي الحياد حتى الآن والمتمثل في الجامعة العربية، التي حذرت من أن تنتج حالة استقطاب جديدة، ودعت إلى أن يكون هناك توافق توافق ليبي على عملية سياسية شاملة تفضي إلى إجراء انتخابات وطنية، وهذا التيار تأثيره في المشهد يبقي قليل نسبيًا.
ثانيًا: هل تشكل الحكومة الجديدة لم شمل حقيقي”مواطن القوة والضعف”
يخلق المشهد حالة من إعادة حسابات موازين القوى بين الأطراف، وفي هذا الصدد نحاول استشراف أبرز مواطن القوة والضعف، والتي تحظى بها الحكومة الجديدة وحكومة الدبيبة، وأهم ما قد يظهر لدعم أو دحض لمواقف كلًا منهم
مواطن قوة الحكومة الجديدة: تظل الإِشكالية الحقيقة ومنبع القوة الحاكم للخارطة في مدى قانونيتها ودستورية إجراء البرلمان بتشكيل حكومة جديدة، وفي الحقيقة فإن مسودة الدستور الليبي التي وضعت عام 2017، أكدت أن النظام الليبي برلماني، ومن ثم فيحق للبرلمان تعيين الحكومة، وسحب الثقة منها.
من ناحية أخرى يبدو أن دعم القوات المسلحة قرار بتشكيل حكومة برئاسة باشاغا من جهة، وانضمام خالد المشري لدعم الحكومة، هو إعادة تشكيل الصفوف الداخلية في ليبيا، ليبقي الجانب الأكبر من الأطراف الفاعلين المحليين حول الحكومة وبالتالي فرضها على باقي الأطراف المحلية والخارجية، ومنها فمنطلق شرعية وتثبيت أركان الحكومة الجديدة أن هناك توافق من قبل المؤسسات السياسية الرئيسية الليبية ( البرلمان، القوات القوات المسلحة، المجلس الأعلى للدولة) عليها.
كيف يبرر الدبيبة رفضه لخارطة الطريق: بذريعة الدستور ذاته يرفض الدبيبة خارطة الطريق الجديدة المعلنة أم لا في الدستور مازال مسودة، وأرضية غير ممهدة، ويصف الدبيبة أن الخارطة الجديدة انقلابا على شرعية الحكومة، التي أتت خلفًا لحكومة السراج، المعترف بها أميمة.
وأن “خارطة الطريق” للتمديد لأنفسهم لسنوات، وحرمان الليبيين من اختيار سلطة سياسية جديدة، وبالرغم من أن الدبيبة يكاد يقف وحيدا في مواجهة الفاعلين المحليين إلا أنه مازال يحظي بدعم أممي، ودعم من الولايات المتحدة، ويعول علي كلاهما، في إمكانية الضغط للبقاء في منصبه، واستمرار التهديد باعتباره حكومة موازية.
ورغم أن الدبيبة يفتقر للدعم المحلي وأصبح موقفه الأضعف في قدرته على فرض سيطرته داخليا إلا أني يبقى الدبيبة الأكثر تأثيرا في اتجاه المشهد الليبي ناحية التعقد أو التهدئة، فقراره بالامثال والتوافق مع البرلمان يضمن الأولي، واتخاذ مسار التصعيد يوجه المشهد ناحية الثانية.
ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية
تقف ليبيا بين مفترق طرق أما ناحية التصعيد وأزمات جديدة وتحولات جديدة في المشهد، أو ناحية التهدئة لذا تبقى أمام عدد من السيناريوهات يرتبط كلًا منها بعدد من التغيرات.
تصعيد وانتاج حكومة موازية: ويتوقع هذه السيناريو أن يتعقد المشهد في ليبيا ويستدل على محاولة اغتيال الدبيبة، وتصريحات الدبيبة، باستمرار تمسكه بمنصبه ورفضت الاعتراف بقرار البرلمان، من ناحية أخري دعم الولايات المتحدة ومن الدعم الأممي له، وفي هذا الحال ستكون أمام حكومة موازية يستمر فيها الدبيبة، مع وجود الحكومة الجديدة المقرر تشكيلها، وهذا السيناريو المرجح وهو السيناريو الأٍسوا على الإطلاق، ويسفر عنه انصراف المجهودات من البحث عن حلول للأزمات الأساسية التي يواجهها الداخل الليبي كإخراج المرتزقة، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ناحية محاول الأطراف لإثبات شرعية الحكومتين.
امتثال الدبيبة لقرار البرلمان: وهذا السيناريو قائم علي أن الدبيبة، قد يمتثل لقرار البرلمان بتشكيل الحكومة الجديدة، وبالرغم من أن هذا السيناريو يضمن حالة من الاستقرار الكبير في المشهد إلا أنه لا توجد أي شواهد حالية تدعمه، لكن من المؤكد أن هذا السيناريو في الصالح الليبي ككل، ويضمن استمرار المستقبل السياسي للدبيبة بشكل خاص .
وقفة للتوافق: وهذا السيناريو يبني على إمكانية وجود تحرك سريع من الأمم المتحدة لمحاولة عقد لقاء والجمع بين الطرفين لمحاولة تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى صيغة توافقية ،بين الأطراف تجمع بين باشاغا والدبيبة في الحكومة المقبلة، على أن يكون هذا الاقتراح قبل انتهاء مهلة العشر أيام المعاطاة الباشاغا لتشكيل الحكومة، وهذا السيناريو على وجاهته، لكن مستبعد أن يوافق عليه البرلمان الليبي، الذي طلب من الأمم المتحدة عدم التدخل عند إعلانه خارطة الطريق، واعتبار التوافق المحلي كاف.
خاتمة : لاشك أن تغييرات في الحكومة لصالح تصحيح وضع ما، أمر قد يكون مطلوب، لكن ضروري أن تكون في ظل حالة من التوافق عليها، وأن تجري دون استبعاد لأيًا من الأطراف، وذلك للصالح العام أولًا وتجنب أن تكون تلك التغيرات بمثابة وأزمات جديدة، ولكي تأتي تلك التغيرات بالنتيجة المرجوة وأن تعمل في ظل بيئة ممهدة نسبيًا؛ لذلك فتخوفًا من حالة الاستقطاب يظل قائمًا، وتلك المعطيات لا تبشر بنتائج إيجابية، فتوافق كامل داخلي حول تغيرات بهذه الأهمية، يبقى أمر لا غنى عنه وأن أي تحركات مهما كانت قانونية إلا أنها تظل التوافق حولها هو الضامن لشرعيتها.