رضوى رمضان الشريف
تشهد العلاقات الخليجية الصينية تطورًا كبيرًا وملحوظًا في الفترة الأخيرة، وهذا ما أكدته زيارة وزراء خارجية لعدة دول خليجية إلى بكين، وهي (السعودية والكويت وعمان والبحرين) في بداية عام 2022، ويأتي ذلك التطور لاسيما بعد الانسحاب الأمريكي المتعثر من أفغانستان، في نهاية شهر أغسطس الماضي، وتغير اتجاهات سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس الأمريكي جو بايدن في المنطقة، ومراجعة لصفقات السلاح المبرمة في عهد إدارة ترامب مع عدد من الدول الخليجية.
بدأت العلاقات الخليجية الصينية منذ ما يقرب خمسين عامًا، تدرجت فيه الدول الخليجية بالدخول في علاقات دبلوماسية مع الصين، عبر مراحل مختلفة، لكن ما يميز العلاقات الخليجية الصينية في الفترة الراهنة، بعدها العسكري، الذي بدأ يأخذ حيِّزًا من العلاقات الثنائية، بعد ضعْف التواجد الأمريكي في المنطقة الخليجية. وتستغل الصين فتور وضعف سياسة الإدارة الأمريكية في المنطقة، وتحاول خلْق فجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج، ففي منتصف شهر يناير الماضي، تصدرت العلاقات بين الصين والشرق الأوسط عناوين الصحف، عندما سافر وزراء خارجية 4 دول خليجية لمقاطعة “وشى” الصينية في زيارات رسمية، وفي حين أن الاجتماعات لم تسفر بالإعلان عن أي مبادرات جديدة، إلا أنها عزَّزت أن بكين يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها لاعب سياسي ودبلوماسي مهم في المنطقة.
وأصدر وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” بيانًا مصممًا للقادة والجمهور في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد الاجتماعات، يروج للصين كقوة عظمى ذات نهج تجاه المنطقة يختلف اختلافًا جذريًّا عن نهج الولايات المتحدة، وبحسب “وانغ”، فإن الشرق الأوسط يعاني من الاضطرابات والصراعات القائمة منذ فترة طويلة؛ بسبب التدخلات الأجنبية.
والنظرية الميكافيلية المعروفة “الغاية تبرر الوسيلة” أصبحت الأساس لدول الخليج، فالغاية هي (الحفاظ على الأمن القومي وتعزيز المصالح) والوسيلة هي “الانفتاح وبناء علاقات متعددة”، إلا أنه يوجد بعض الشكوك حول مدى ارتياح دول الخليج؛ لتعزيز علاقاتها مع الصين؛ نظرًا لعلاقتها وقربها مع النظام الإيراني.
ومن ثمَّ تركز الدراسة على عدة محاور أساسية؛ لفهم الإطار الجديد التي أصبحت تنتهجه دول الخليج في صياغة سياستها الخارجية؛ من أجل الحفاظ على مصالحها وأمنها القومي، بدون الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة، وذلك عن طريق انفتاحها الدبلوماسي؛ لبناء علاقات متعددة، حتى لو كان مع أقوى منافسين للولايات المتحدة.
أولًا: مستقبل الحضور الأمريكي في منطقة الخليج
قبل التطرق إلى إطار العلاقات الخليجية الصينية، يجب إلقاء الضوء أولًا عن السبب المحفز لذلك، وهو مستقبل الحضور الأمريكي في منطقة الخليج.
ظلت الولايات المتحدة لسنوات عديدة الشريك الإستراتيجي الأهم على الإطلاق- وإن لم يكن الوحيد- للدول الخليجية، فكانت الولايات المتحدة هي الفاعل الأساسي والمسؤول عن ضمانات الحماية للدول الخليجية على مدى عقود طويلة منذ حرب الخليج الثانية، وهكذا ظل تبادل المصالح بين دول الخليج والولايات المتحدة متوافقًا طوال الفترة الماضية، ولاسيما فيما يتعلق بالاستقرار في دول الخليج، وحركة النفط للولايات المتحدة، والانتشار العسكري الأمريكي في منطقة الخليج؛ لمواجهة التهديدات المشتركة.
إلا أن السياسة الجديدة التي تتبعها إدارة بايدن الحالية بالتصدي للنفوذ الصيني في الشرق، والاتجاه نحو الشرق لحماية المصالح الأمريكية هناك، أضعف تواجدها في منطقة الشرق الأوسط عمومًا والخليجية بشكل خاص، وإن كان هذا التواجد قد قلَّ تدريجيًّا منذ إدارة أوباما، ولكن قرار واشنطن في التخلي عن المنطقة تمامًا بشكل غير مدروس وعشوائي، قد ينعكس على تطور التواجد الصيني في منطقة الخليج، ولكن مع تصاعد التحركات العسكرية في المنطقة، يتوقع أن ضعف التواجد الأمريكي فيها، مسألة نسبية لن تطول، وهو ما قد يجعل المنطقة ساحةً لصراع النفوذ بين القوتين العالميتين.
ثانيًا: الصين من التحوُّط الإستراتيجي إلى المنافسة المعلنة
لطالما انتقد القادة الصينيون نهج الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنهم كانوا مترددين في تحدي الهيمنة الأمريكية علانيةً؛ كانت مصالحهم الإقليمية راضية إلى حد كبير، في ظل الوضع الراهن بقيادة الولايات المتحدة، فلم يشاركوا بنشاط مع الولايات المتحدة لدعم أهداف السياسة الأمريكية، مثل حرب 2003 في العراق، لكنهم لم يضغطوا عليها أيضًا بالانسحاب.
بدلاً من ذلك، تبنت بكين نهجًا إستراتيجيًّا للتحوط، والذي تخبرنا به نظرية العلاقات الدولية، أنه خيار للدول التي ترغب في مواصلة جني الفوائد من نظام إقليمي يناسب طموحاتها، وتركز إستراتيجية التحوط، على تعميق المشاركة مع مختلف البلدان في المنطقة، وعدم إبعاد أحد، وعدم استعداء أقوى دولة، وعادة ما يبدأ بعلاقات اقتصادية أقوى، ويبني نحو علاقات سياسية أعمق، ويعزز ببطء النفوذ والسلطة في المنطقة، وهذا وصف مناسب للصين في الخليج، على مدى العشرين عامًا الماضية.
ولكن تشير الأحداث الأخيرة إلى أن القادة في بكين لم يعودوا راضين عن منطق التحوط الإستراتيجي، ويتبعون نهجًا أكثر قوةً تجاه تعميق علاقتها مع دول الخليج.
ففي نوفمبر 2021، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن الصين كانت تبني منشأة عسكرية في الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن الحكومة الإماراتية ذكرت أن هذا كان وصفًا خاطئًا للمشروع، وقال المستشار الرئاسي، أنور قرقاش: “وجهة نظر الإمارات هي أن هذه المنشآت المعينة، لا يمكن بأي حال من الأحوال تفسيرها على أنها منشآت عسكرية”.
مهما كانت طبيعة المشروع، فقد أطلق بوضوح إنذارات التحذير في واشنطن، وجاء في وقت كانت فيه الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة تبحران في صفقة معقدة بالفعل لطائرة F-35 – أُلغيت منذ ذلك الحين من قِبَلِ الإماراتيين، في ديسمبر 2021؛ ما يدل على كيفية العلاقات الصينية الإماراتية كانت مصدرًا متزايدًا للخلاف بين (واشنطن وأبوظبي).
كان من الممكن، أن تتجنب بكين ذلك في الماضي؛ لأن العلاقات المستقرة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي كانت جيدة للأعمال، أما الآن يبدو أن الصين مستعدة لاستغلال نقاط الضغط هذه؛ من أجل تمييز نفسها عن الولايات المتحدة، وخلْق احتكاك بين واشنطن وشركائها الإقليميين.
ومثال آخر جاء من تقرير CNN الصادر في ديسمبر 2021، والذي كشف أن بكين تساعد المملكة العربية السعودية في تطوير نظام صاروخ باليستي محلي، فتتطلع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى بناء قدراتهما في هذا القطاع، الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات؛ لخلْق فرص عمل، وتقليل اعتمادهما على واردات الأسلحة الأجنبية كأجزاء رئيسية من برامج التنويع الاقتصادي في رؤية 2030.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تتعاون فيها الصين مع المملكة في مجال الصواريخ الباليستية؛ حيث كان بيع Dong-Feng في الثمانينيات حافزًا في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كما أنها ليست المرة الأولى التي يعمل فيها الاثنان معًا على الإنتاج المحلي للأسلحة، ففي عام 2017، كان هناك مشروع مشترك بين شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا؛ لبناء مصنع في المملكة؛ لتجميع وخدمة الطائرات بدون طيار الصينية من طراز Ch-4.
إلا أنه في الوقت نفسه، من المحتمل ألا يكون الدعم الصيني لبرنامج الصواريخ الباليستية المحلي للمملكة العربية السعودية – بينما تركز الولايات المتحدة على المفاوضات النووية في فيينا؛ لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 – موضع ترحيب في واشنطن.
ثالثًا: العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين: استفادة متبادلة
الرؤية الخليجية نحو تنويع العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، وعدم الاعتماد على علاقتها مع الولايات المتحدة فقط، قد يخلق فرصة لتطور العلاقات الخليجية الصينية مستقبلًا؛ حيث يوجد استفادة متبادلة بين الطرفين كالآتي:
- النفط الخليجي
ونظرًا لطموحات الصين الاقتصادية الضخمة حول العالم، تحتاج الصين إلى الاستفادة من النفط الخليجي، وبالتالي، لا خلاف على الأهمية الخليجية للصين، سواء من حيث موقعها على خط مبادرة (الحزام والطريق) إلى الأسواق العالمية، أو من حيث مخازنها النفطية؛ فتقديم الصين للخليج مصالح نوعية تتعلق بالتكنولوجيا العسكرية، قد يعد عنصرًا مشجعًا لتطور العلاقات الخليجية الصينية.
كما يثير الوضع في كازاخستان مخاوف بشأن مستقبل شحنات النفط والغاز إلى الصين؛ لهذا تسعى الصين إلى إيجاد حلول بديلة له في حال حدوث ذلك السيناريو، وذلك بالتقارب مع دول الخليج.
- مبادرة (الحزام والطريق) وتأثيرها في الخليج
في محاولة لتطوير علاقاتها مع دول الخليج مؤخرًا، سعت بكين إلى تنمية التعاون الاقتصادي في ظل مبادرة (الحزام والطريق)، التي أطلقتها عام 2013؛ حيث من المتوقع أن تضخ الأموال الصينية في المنطقة الخليجية، بما يتراوح بين 1.2-1.3 تريليون دولار، والتي تسعى من خلالها الصين إلى توسيع تجارتها العالمية، ومن خلفه نفوذها السياسي على حساب الولايات المتحدة، وذلك من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ، عبر دول عديدة في قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا).
وتعد دول الخليج محورًا مهمًا لنجاح مبادرة (الحزام والطريق)، كونها على مسار هذه المبادرة؛ حيث إن موانئ الخليج ستكون محطات رئيسية للسفن التجارية الصينية المتجهة إلى مختلف دول العالم، وهذا ما جعل الصين تجري عددًا من اتفاقيات الاستثمار مع سلطنة عمان؛ لإنشاء مدينة صناعية بكلفة 10 مليار دولار؛ للدعم اللوجيستي لمبادرة (الحزام والطريق).
الكويت، والتي تعد أولى الدول الخليجية الموقعة على مذكرة تفاهم للتعاون مع الصين في مبادرة (الحزام والطريق)، أعلنت من جهتها إحياء تجارة الترانزيت على موانئها لتجارة السفن الصينية؛ رغبةً في إحياء دورها التجاري والاقتصادي في المنطقة، وهو ما تبعه توقيع الكويت مع الصين عددًا من الاتفاقيات؛ لبناء 7 مدن لوجستية ضخمة.
كذلك، تشكل مبادرة (الحزام والطريق) لدول الخليج بمثابة فرصة سانحة للاستثمار الاقتصادي، وهو ما سيكون له أثر في إثراء التنمية الاقتصادية الخليجية، لاسيما في مجال الطاقة المتجددة والبُنى التحتية والاستثمار الداخلي.
- التبادل التجاري
وعلى مستوى التبادل التجاري، ووفقًا للبنك الدولي، بلغت التجارة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة 20.6 مليار دولار في عام 200، بينما بعد عشرين عامًا في عام 2020، تضاءل مستوى التجارة، ووصلت إلى 20.1 مليار دولار، وعلى النقيض من ذلك، نمت التجارة بين الصين والمملكة العربية السعودية من 3.1 مليار دولار في عام 2000 إلى 67.1 مليار دولار في عام 2020.
ويصبح التناقض أكثر وضوحًا في ضوْء التفاوت بين الواردات والصادرات الأمريكية والصينية والسعودية؛ حيث ارتفعت الصادرات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية من 6.2 مليار دولار في عام 2000 إلى 11.1 مليار دولار في عام 2020، بينما انخفضت وارداتها من 14.4 مليار دولار في عام 2000 إلى 9 مليارات دولار في عام 2020.
بينما ارتفعت صادرات الصين إلى المملكة العربية السعودية ووارداتها من أقل من 2 مليار دولار في عام 2000 إلى 28 مليار دولار صادرات و39 مليار دولار واردات في 2020.
إذن يمكن القول: إن الصين استغلت هذه التطورات لزيادة قوتها وتشجيع دول الخليج على الإقبال عليها، فبما أن الولايات المتحدة قلَّلت من الوجود والاستثمار في الشرق الأوسط، فإن دول المنطقة تعلم أنها بحاجة إلى شريك اقتصادي قوي، مثل الصين.
رابعًا: أبعاد التقارب الخليجي الصيني
اتجاه الصين نحو الخليج حمل ملفين رئيسيين، هما إيجاد منافذ لاقتصادها العالمي، وتوفير مصادر الطاقة، وذلك في مقابل تمكين دول الخليج من التكنولوجيا والبدائل العسكرية الصينية.
لا يمكن نكران أن هذا الاتجاه له انعكاساته الثنائية الإيجابية على الطرفين، ولكنه ربما يحمل انعكاسات سلبية على دول الخليج، كتعرضها ـ مثلًا ـ لضغوطات أمريكية على المكتسبات الأمنية التي توفرها واشنطن لدول الخليج.
ومن أبرز الأبعاد التي من الممكن أن تنتج عن تطور العلاقات الخليجية الصينية كالآتي:
- أولًا: تطور العلاقات الخليجية الصينية قد يدفع دولًا إقليمية أخرى؛ للتفاعل إيجابًا مع الدبلوماسية الصينية؛ وذلك نظرًا لثقل دور دول الخليج في المنطقة، وبالتالي، قد تتمكن الصين من زيادة نفوذها السياسي في المنطقة العربية.
- ثانيًا: زيادة التواجد الصيني في الملاحة البحرية الدولية القريبة من المياه الخليجية؛ يهدف لحماية سفنها التجارية من القرصنة والتوترات الإقليمية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الملاحة الدولية هناك؛ نظرًا لاشتداد التنافس الدولي على تلك المنطقة.
- ثالثًا: زيادة اعتماد دول الإقليم على الصين قد يضعف الحريات، لا سيما أن الصين كقوة كبرى تباشر علاقتها الرسمية بعيدًا عن توجيه خطاب لشعوب الدول، أو حتى التضامن معهم، فضلًا عن ممارستها للأنشطة القمعية على أراضيها بحق مسلمي الإيجور في إقليم “تشينج يانج” منذ عدة سنوات.
- رابعًا: تطور النفوذ الصيني على المستوى العالمي، عبر الدول التي تقع على (خط مبادرة الحزام والحرير)، بحيث تكون دول الخليج حلقة اتصال بين الصين ودول قارة أوروبا وأفريقيا؛ نظرًا لموقعها الإستراتيجي الرابط بين القارات الثلاث، فالطموحات التجارية العالمية للصين وزيادة حاجتها للنفط، قد يزيد من إنعاش السوق النفطي الخليجي، ومن بعده السوق العالمي، على الرغم من الاتجاه العالمي للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
الخاتمة
تسعى الصين في محاولة إنشاء واستغلال الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا يتفق مع السلوك الصيني في مناطق أخرى، مثل آسيا وأوروبا، فتعتبر بكين شبكة التحالف العالمية لواشنطن بمثابة تهديد؛ لذلك سيكون من المنطقي أن تحاول الصين تعطيل هذه الشبكات، حيثما كان ذلك ممكنًا.
لكن في منطقة الخليج، يعد هذا مؤشرًا مقلقًا على مدى سوء تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث تتوافق المصالح الإقليمية الأساسية لكلتا القوتين إلى حد كبير: (إنهما تريدان حرية الملاحة المستمرة، ووضعًا إقليميًّا راسخًا مستقرًا، وأن تستمر طاقة الخليج في التدفق إلى الأسواق العالمية).
إجمالًا، أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج الآ،ن محكومة بالشكوك المتبادلة حول النوايا والالتزامات والمساومات المستمرة حول ما يمكن أن يقدمه كل منهما للآخر، والخيارات البديلة، وأوراق المساومة الخاصة بهما، ولا شك أن وجود الصين في المعادلة يوسع مساحة دول الخليج للمناورة في علاقاتها مع واشنطن، ويضعها في موقف تفاوضي أقوى.
ومع ذلك، فإن هذا الموقف لا يأتي بدون تكلفة؛ حيث إن دول الخليج لديها أيضًا شكوكها فيما يتعلق بعلاقة الصين الإستراتيجية الوثيقة مع إيران؛ ففي مارس 2021، وقَّعت إيران والصين اتفاقية تعاون إستراتيجي لمدة 25 عامًا (يطلق عليها اسم الشراكة الإستراتيجية الشاملة)، والتي بموجبها ستستثمر بكين 400 مليار دولار في إيران في عدد من القطاعات مع التركيز على الطاقة والبُنى التحتية، ولكن اقتراب بكين من طهران قد يشعر دول الخليج بعدم الارتياح في التسليم بشكل كامل للصين.
الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط معقدة بالفعل، ومن المرجح أن يزيد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ومن المرجح أن تتم مراقبة علاقة دول مجلس التعاون الخليجي والصين عن كثب، ليس فقط من قِبَلِ الولايات المتحدة، ولكن أيضًا دول مثل إيران التي لديها علاقات قوية مع الصين، ولها لاعبون مهمون في الشرق الأوسط.
ولكن إذا تمكنت واشنطن وبكين من إعادة علاقتهما الثنائية إلى المسار الصحيح – وهو طلب كبير بالنظر إلى المناخات السياسية في كلا البلدين – فقد تكون منطقة الخليج؛ حيث يؤدي هذا التقارب في المصالح إلى تنسيق السياسات لحل العديد من القضايا الملحة التي تؤثر على أحداث أبعد من ذلك بكثير، أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن خطر المنافسة بين القوى العظمى يمكن أن يزيد من زعزعة استقرار النظام الإقليمي المهتز.