رابعة نور الدين وزير
بعد أن كانت وسائل الإعلام تعج بأخبار حول الوضع في لبنان والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام، تحول في هذه الأيام تركيزها على خبر هام يتعلق بإنهاء كلًا من حركة أمل وحزب الله اللبناني مقاطعتهم لاجتماعات رئاسة مجلس الوزراء بعد انقطاع دام لأكثر من ثلاثة أشهر على أثر محاولتهم للضغط على الحكومة لتغيير قاضي التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت “طارق البيطار”، ولكن مع تدهور الوضع في الداخل اللبناني اضطرت الحركتين مؤخرًا إلى الرجوع خطوة إلى الخلف وإعادة المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء، ولعل ذلك يعوده إلى عدة عوامل على المستويين الداخلي والخارجي، دفعتهم لإعادة ترتيب الحسابات مرة أخرى.
وعليه فسنحاول خلال هذه الرؤية تناول الدوافع التي أدت إلى تراجع “حزب الله” و “حركة أمل” عن مقاطعتهم لاجتماعات رئاسة مجلس الوزراء، وأهم ردود الفعل حول هذه الخطوة، وكيف ستساهم في حلحلة الوضع في الداخل اللبناني.
المشهد السياسي اللبناني هل يشهد بوادر انفراجه
أعلن كلًا من “حزب الله” و “حركة” امل الحليفين السياسيين في بيان مشترك في يناير الجاري 2022، عودتهما لحضور اجتماعات الحكومة بعد انقطاع دام لثلاثة أشهر، حيث أعلنا مشاركتهما في اجتماعات مجلس الوزراء المتعلقة بــ إقرار الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى مناقشة خطة التعافي الاقتصادي، ومناقشة الموضوعات التي تخص المواطن اللبناني، وقد رحب رئيس الحكومة بهذه الخطوة، الذي أعلن بدوره عزمه البدء في إجراءات تشكيل الحكومة فور اعتماد مشروع الموازنة العامة للدولة.
ومن المعروف أن مقاطعة “حزب الله” و “حركة أمل” لاجتماعات الحكومة كان للضغط على الحكومة لتغيير القاضي العدلي “طارق البيطار” المسؤول عن سير التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت، ولعل هذا الإعلان يأتي في ضوء عدة عوامل على المستويين الداخلي والخارجي يمكن ذكرهما خلال السطور التالية.
دوافع تراجع “حزب الله” و “حركة أمل” عن المقاطعة هل من تسويات متوقعة؟
من المؤكد أن هناك عدة عوامل على المستويين الداخلي والخارجي أدت إلى تحفيز كلًا من “حزب الله” و “حركة أمل”، للتراجع عن مقاطعتهم لجلسات الحكومة خلال الثلاثة أشهر الماضي، وأهمها:
تردى الوضع على المستوى الداخلي، يمثل انسحاب الثنائي الشيعي من حضور اجتماعات الحكومة أحد الأسباب الأساسي التي أثرت على سير المباحثات مع صندوق النقد الدولي وتأخر تنفيذ برنامج الدعم الدولي للبنان وهو ما أدى إلى تفاقم حجم الازمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ عام 2019، بالإضافة إلى أن فترة انقطاع اجتماعات الحكومة أدت إلى ارتفاع نسبة التضخم بشكل كبير ما أدى إلى وضع نحو 80% من اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقًا لبيان صادر عن الأمم المتحدة 2021، كما فقدت العملة الرسمية للبلاد “الليرة” أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، كل هذه الأزمات المستشرية في البلاد جعلت الحليفين في مأزق كبير أمام الشعب اللبناني الذي اعتبرهم المسؤول الرئيسي عن هذه الأزمة.
عدم جدوى المقاطعة، لعل عودهم جاءت لإدراكهما أن الشعب اللبناني والحكومة غير مستفيدين على الاطلاق من انقطاع اجتماعات مجلس الوزراء، كما أن استمرار انقطاع الجلسات قد يؤدي إلى قلب الحياة السياسية في لبنان وإثارة الشارع اللبناني، ولعل ذلك يتضح جليًا من اقتصار حضورهم على الجلسات المتعلقة بمناقشة خطة التعافي الاقتصادي، ومناقشة مشروع الموازنة العامة للدول، وغيرها من القضايا التي تخص الشعب، دون تبديل موقفهما حيال تغيير قاضي تحقيقات “مرفأ بيروت”، بل تم التأكيد على تثبيت موقفهما حيال قضية التحقيقات، ما يبرهن على أن عودتهم جاءت من إدراكهم أن استمرار شل الحياة السياسية سيكون له عواقب كبيرة على مستوى الشارع اللبناني.
قرب الانتخابات النيابية، لعل أحد الدوافع التي عززت من العودة إلى جلسات رئاسة الوزراء هو قرب الانتخابات النيابية اللبنانية، وفي هذا السياق ينبغي ألا نغفل عن الضغوط التي مارسها الرئيس اللبناني “ميشيل عون” على الثنائي بغية عدم اثارة الشعب وقوى المعارضة ضدهم، لأن استمرار وقف الجلسات وتجميدها لحين اجراء الانتخابات النيابية في يونيو المقبل من شأنه أن يعزز من دور وحضور قوى المعارضة مقابل دور “حزب الله” و “حركة أمل”، بالإضافة إلى إحراج “حزب الله” مع رئيس الجمهورية اللبناني حليفه الاستراتيجي، وهو ما يعني فرص أقل في الانتخابات البرلمانية القادمة.
الضغوط الدولية، لعل الضغوط الدولية والتحركات الخارجية كان لها دورًا كبيرًا في تراجع “حزب الله” و “حركة أمل” عن المقاطعة حيث أعلنت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وصندوق النقد الدلي والبنك الدولي عزمهم على عدم تقديم أي مساعدات مالية للبنان قبل اجراء انتخابات برلمانية واستقرار المشهد السياسي داخليًا.
تراجع الدور الإيراني في بعض الملفات، لا يمكن فصل إيران عن التطورات الإقليمية المرتبطة بالوضع في إيران، وعليه فيمكننا القول بان إيران وجدت نفسها تكاد تقترب من وضع نقاط أولية في اتفاق “جنيف”، في هذه الحالة تلجأ إيران إلى تقديم تنازلات معينة، في ذات الوقت فإن اليمن تتلقى ضربات بعد دخول العمالقة واستعادة منطقة “شبوة” بالإضافة إلى تعثر الوضع في العراق بعد اجراء الانتخابات، وبالتالي فهي غير قادرة على تقديم تنازل، ومن هنا وجدت ان الساحة اللبنانية هي الأكثر ملائمة لتقديم تنازلات، لإبداء حسن النية على أعتبا الوصول إلى اتفاق إطاري “جنيف”، وقد سبق وان استخدمت ايران هذا التكتيك مرتين في لبنان.
مفاوضات فيينا وتراجع الدور الإيراني في المنطقة العربية، يعتبر تراجع المفاوضات الإيرانية من أبرز العوامل التي لا يمكن غض الطرف عنها خاصة فيما يتعلق الامر بحزب الله اللبناني حيث أن استمرار تعثر المفاوضات من شأنه أن يدفعها للبحث عن دور جديد للحصول على امتيازات في هذا الملف والضغط على الولايات المتحدة، ولعل ذلك يظهر جليًا في محاولة إيران إعادة الدفء مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، ودعوتهما إلى حوار مفتوح.
ما مصير الملف الذي أعاق جلسات الحكومة وهل يؤثر على استمرار حزب الله وحركة امل في حضور الجلسات؟
من المتوقع أن يكون التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت خلال الفترة المقبلة مجمدًا لعدة أسباب أهمها؛ تقاعد “طارق البيطار” المحقق العادلي في انفجار بيروت، بالإضافة إلى غض الطرف عن القرار الظني الذي كان من المزمع إصداره من القاضي العادلي تم سحبه على أثر رفض حزب الله له خوفًا من أن يكون الحزب هو المتهم الأول في هذه القضية، بالإضافة إلى أن لجنة الاتهام التابعة أصبحت غير مكتملة النصاب ولن يتم تعيين قاضي للتحقيق في الوقت الحالي، بالإضافة إلى قر موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في مايو المقبل وبالتالي فإن الفترة من بداية الدعوة إلى عقد جلسة حتى الاستعداد للانتخابات فترة قصيرة جدًا، فضلًا عن استمرار مباحثات بعثة صندوق النقد الدولي بخصوص تنفيذ برنامج الدعم للبنان وهو ما لم توافق عليه حزب الله ومن الصعب السير في اجراءاته دونهم، وبالتالي فمن الممكن ألا يكون هناك عائق أمام الحركتين من حضور الجلسات الوزارية حتى ذلك التاريخ.
ما الذي يمكن انتظاره من الحكومة اللبنانية الآن؟
هناك جمله من الترتيبات التي لها أولوية وتحتاج إلى إجراءات حاسمة في الوقت الحالي على المستوى الاقتصادي والأمني يجب أن تعمل الحكومة على إنجازها في الوقت الحالي وهي كما يلي:
- على الحكومة الانتهاء من وضع ومناقشة وإقرار خطة التعافي الاقتصادي، بالإضافة إلى استمرار المباحثات مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامج الدعم، حيث أن الوضع وإن بدا عصيًا على التنفيذ قبل اجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة إلا أنه يظل ملفًا في غاية الأهمية ولعل الخطوات التي تتخذ الآن توفر الكثير مستقبلًا وتعجل من تنفيذ البرنامج لشدة الاحتياج، ولا شك أن اللجان الوزارية قد قطعت شوطًا كبيرًا في سبيل استمرار التباحث، وستبدأ الاجتماعات الفعلية فور توحيد رؤية اقتصادية وستبدأ الاجتماعات الفعلية في 15 يناير، وبعدها من المقرر حضور أعضاء بعثة صندوق النقد الدولي لإنهاء ما تبقى من إجراءات.
- في إطار استمرار الاحتجاجات في شوارع العاصمة بيروت وعدة مناطق أخرى، وبالإضافة إلى انتشار السلاح المتفلت في صفوف المدنيين، يحتاج الوضع إلى إجراءات متسارعة لاحتوائه من خلال حملات أمنية وغيرها من الترتيبات التي تستهدف ضمان الأمن والاستقرار.
- يعتبر إعادة ترتيب المشهد السياسي وإعادة لبنان لمحيطها السياسي من أهم الخطوات التي يتوجب على الحكومة في الوقت الحالي اتخاذها، حيث أن مثل هذه الخطوة من الممكن ان تساهم في تحسين الوضع على الوضع الاقتصادي والتجاري، بالإضافة إلى أن حضورها على المستوى الخارجي وتهدئة الوضع الداخلي من شأنه أن يدفع بها من قبل جيرانها إلى الأمام، على سبيل المثال تفعيل دور “صندوق دعم لبنان” الذي أنشئ بدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، بناءً على مبادرة من الرئيس الفرنسي خلال جولته لمنطقة الخليج العربي.
هل يخرج لبنان من مأزقه؟ ………سيناريوهات
يفرض الوضع الحالي في لبنان مجموعة من السيناريوهات يمكن وضعها في ثلاثة مسارات كما يلي: –
السيناريو الأول… الاتجاه لمزيد من التعقيد وتراجع إمكانية إجراء انتخابات برلمانية
يذهب هذا الاتجاه إلى استمرار التعقيد في الوضع داخل لبنان ولعل الوضع الاقتصادي والأمني المتردي يعززان من هذا الاتجاه، بالإضافة إلى قصر المدة بداية من عقد أولى جلسات مجلس الوزراء للخروج بترتيبات وإجراءات لحل الوضع وقرب الانتخابات البرلمانية، بالإضافة إلى إمكانية امتناع “حزب الله” و “حركة أمل” عن حضور مجمل الجلسات ما يتسبب في تجميد الأوضاع خاصة وأن حضورهم اقتصر على ملفات بعينها، فضلًا عن رفضهم لشروط صندوق النقد الدولي ما يعني أن المباحثات ستستمر فترة لحين توحيد الرؤية الاقتصادية، وهو ما يترتب عليه استمرار حالة الغضب في الشارع اللبناني، وبالتالي تراجع إمكانية إجراء انتخابات برلمانية، وهذا السيناريو على الرغم من تشاؤميته إلا أنه يظل مطروح.
السيناريو الثاني….. تجميد المشهد السياسي
في هذا السيناريو يتوقع أن يستمر الوضع السياسي في لبنان في حالة التجميد جراء تردي الأوضاع الاقتصادية، وقصر الفترة الموضوعة للحل –قرب الانتخابات البرلمانية-، بالإضافة إلى عدم اتفاق الفرقاء في مجلس الوزراء والأحزاب وهو ما يعني إمكانية تحول طاولة الحوار بمجلس الوزراء إلى ساحة تصارع بينهم، وبالتالي تأخر الحل، وهذا السيناريو متوقع بنسبة ما لقرب الانتخابات البرلمانية ورغبة “حزب الله” في حيازة تأييد الشعب اللبناني من خلال رفض تطبيق اشتراطات صندوق النقد الدولي من رفع الدعم على بعض السلع وغيرها من الإجراءات التي يرفضها المواطنون.
السيناريو الثالث……المضي قدمًا
يذهب هذا السيناريو إلى إمكانية المضي قدمًا نحو الحل وإن كان في بعض الملفات مثل ملف الدعم الاقتصادي واعتماد الموازنة العامة للدولة إلا أن ذلك يمثل تقدمًا كبيرًا للوضع في لبنان، ومن شأنه أن يساهم بصورة كبيرة في تهدئة الشارع اللبناني، ويزيد من احتمالية إجراء الانتخابات في موعدها مايو المقبل، وبالتالي فإن هه الإجراءات تجعل الوضع قابل للمضي قدمًا نحو الاستقرار.