رضوى رمضان الشريف
لم تكن العلاقة بين دولتي الإمارات العربية المتحدة والسودان، وليدة الحاضر، بل بدأت منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي هيَّأ بيئةً صالحةً لنمو هذه العلاقة وتطورها، من خلال تطوير العمل المشترك بين البلدين، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية، والسبل الكفيلة بتطوير هذا التعاون لآفاق أوسع وأرحب.
بدأت مسيرة الخير والعطاء لدولة الإمارات، التي أسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في السودان، والتي كان من ثمارها مشروع إنشاء شارع “هيا بورتسودان” بطول 600 كيلومتر، الذي يعتبر من أهم المشاريع التنموية؛ لأنه يربط ميناء السودان الرئيسي بوسط البلاد إلى جانب المشاريع الأخرى، التي ساهمت في دعم التنمية والاستقرار.
إذن فالعلاقات المتنامية والمتطورة تستند على جذور تاريخية، أسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويواصل تنميتها وتطويرها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد (أبوظبي)، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات.
وتكاد لا تمر مناسبة أو موقف دون أن يؤكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على دعم بلاده المتواصل لاستقرار السودان.
دعمٌ تجلَّى على أكثر من صعيد، وفي أكثر من محطة إنسانية وسياسية وتنموية واقتصادية، وقُوبِل بامتنان وتقدير من السودان حكومةً وشعبًا.
فلا ينسى السودانيون مبادرة الإمارات مع السعودية؛ لدعم بلادهم في مستهل الفترة الانتقالية، عقب عزل الرئيس السابق، عمر البشير، بتقديم حزمة مشتركة من المساعدات، يصل إجمالي مبالغها إلى ثلاثة مليارات دولار أمريكي، كما لا تنسى الخرطوم لـ(أبوظبي) رعاية اتفاق سلام تاريخي، وقَّعته الحكومة السودانية مع حركات الكفاح المسلح، في 3 أكتوبر 2020، أنهى سنوات من الاقتتال في البلاد، فضلًا عن الوساطة الإمارتية التي وافق عليها السودان، في فبراير 2021؛ لحل التوتر فيما يتعلق بالنزاع الحدودي مع إثيوبيا وقضية سد النهضة.
مكانة خاصة
للسودان في قلوب قيادة دولة الإمارات وشعبها، مكانة خاصة، فالعلاقات بين البلدين أخوية متينة، وتتسم دائمًا بالتعاون والتواصل والتكافل والتعاضُد، في ظل حرص كبير من القيادة الإماراتية على رعايتها وتنميتها إلى أفضل المستويات، التي تنعكس خيرًا وسعادة على الشعبين.
كان السودان من أوائل الدول التي أعلنت اعترافها بدولة الإمارات، وذلك إبَّان استقلالها من بريطانيا عام 1971، حينها كان شكل الاستقلال من الإنجليز يأخذ شكلًا كونفيدراليًّا، وبهذا الاتحاد وقتها، اعترف السودان بها إيمانًا منه أن هذه الوحدة قد تكون نواة لوحدة أكبر في المستقبل؛ وهي الوحدة العربية التي كان يؤمن بها الرئيس السوداني، جعفر النميري.
تبلورت العلاقات بين الإمارات والسودان منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتطورت ووصلت العلاقة بين البلدين إلى مرحلة جديدة، هي الاستثمار، إذ تأسست أول شركة عام 1975، حملت اسم “شركة الإمارات والسودان للاستثمار”، ولها عدة مشروعات، وكانت الشركة الأم لعدة شركات، خرجت منها (شركة الإمارات والبحر الأحمر للاستثمار).
لعبت الإمارات دورًا بارزًا في مسيرة التنمية في السودان، من خلال الاستثمارات والمشروعات الكبيرة التي تبنَّتها، وهناك شواهد كثيرة على هذا الدعم، أولها الطريق القومي الذي يربط الخرطوم بميناء بورتسودان الرئيسي على البحر الأحمر، الذي كان للإمارات دور رئيسي في إنجازه؛ ليحدث نقلة تنموية مهمة، تمثَّلت في ربط العاصمة بعدد من مناطق الإنتاج من ناحية، وكذلك جميع أنحاء البلاد بميناء التصدير من ناحية ثانية، يضاف إليه الكثير من المشاريع الحيوية والضرورية.
يمكن القول: إن العلاقة بين البلديْن مميزة؛ فالمتابع لتاريخ البلديْن خلال العهود السابقة، لا يجد أي توتر يذكر بين السودان والإمارات، إلا توتر محدود في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، عندما تحالف نظام البشير مع إيران، ورفض تحرير الكويت من الغزو العراقي.
وعن العلاقات بين الدولتين، قال سفير الإمارات العربية المتحدة بالخرطوم، حمد محمد الجنيبي، في تصريح سابق لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية: إن جمهورية السودان من أوائل الدول التي أقامت معها (أبوظبي) علاقات دبلوماسية، وكان ذلك في ديسمبر 1971، وقام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بزيارته الرسمية الأولى للسودان في 29 فبراير 1972، بعد حوالي شهرين ونصف من قيام الاتحاد الإماراتي؛ حيث زار فيها كافة ولايات السودان، واستقبل استقبالات رسمية وشعبية حاشدة.
كما كان الرئيس، جعفر النميري، أول رئيس دولة يزور الإمارات في 23 أبريل 1972، مشيرًا إلى أن زيارات المسؤولين المتبادلة والمتصلة، جاءت تعبيرًا عن طموحات الارتقاء لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين.
دعم اقتصادي
وعلى الصعيد الاقتصادي بين البلدين، فإن العلاقات “السودانية ـــ الإماراتية” دائمًا ما كانت مميزة وأزلية منذ حقب طويلة، ولعبت الإمارات دورًا مقدرًا في مشروعات التنمية في السودان، من خلال الاستثمارات والمشروعات الكبيرة التي تبنتها.
وتعتبر دولة الإمارات شريكًا أصيلًا في كل المشاريع الكبيرة في السودان، وحرصت على تطوير وزيادة حجم التبادل التجاري معه، من خلال تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية، والتعاون المشترك ما بين رجال الأعمال من البلدين، والشركات والمؤسسات الدولية فيما بينها.
في ٢٥ يونيو 2020، أعلنت الإمارات خلال مشاركتها في أعمال “مؤتمر شركاء السودان” تقديم 50 مليون دولار؛ لدعم مبادرات النمو الاقتصادي في السودان بالتعاون مع البنك الدولي؛ لضمان خلْق الوظائف وتشجيع الاستثمارات النوعية، والتي تساهم في تعزيز سبل العيش، والدفع بعجلة التنمية الاقتصادية في السودان.
نتيجةً للعلاقات المتميزة التي تربط بين البلدين، وصل حجم الاستثمارات والتمويلات التنموية الإجمالية التي قدمتها الإمارات للسودان لأكثر من 28 مليار درهم، فيما تعمل 17 شركة إماراتية بقطاعات اقتصادية متنوعة في السودان، يعتبر صندوق (أبوظبي) للتنمية من أبرز المؤسسات الإماراتية الداعمة لمسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان، من خلال تمويل مشاريع تنموية في قطاعات متنوعة واستثمارات وودائع بقيمة إجمالية وصلت إلى نحو 7.3 مليارات درهم؛ حيث يحتل السودان صدارة الدول المستفيدة من تمويلات الصندوق؛ الهادفة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وفي مارس 2018، دعمت الإمارات احتياطيات العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي، بإيداع نحو 5 مليارات درهم إماراتي، و250 مليون دولار أخرى في أبريل 2021؛ بهدف دعم السياسة المالية للبنك وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي في السودان.
وقدمت الإمارات والسعودية حزمة مساعدات مشتركة للسودان في أبريل 2019، يصل إجمالي مبالغها 3 مليارات دولار، منها 500 مليون دولار كوديعة في البنك المركزي السوداني؛ لتقوية مركزه المالي، إلى جانب 540 ألف طن من القمح؛ لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية للشعب السوداني، لثلاثة أشهر، كمرحلة أولى؛ حيث تم توريد الدفعتيْن الأولى والثانية، وشملت 140 ألف طن من القمح.
وإلى جانب نشاط صندوق (أبوظبي) للتنمية في السودان، وضمن التعاون الثنائي بين الإمارات والسودان في مجال الطاقة، تقوم شركة بترول (أبوظبي الوطنية)، “أدنوك” منذ عام 2017، بتزويد الجانب السوداني بكميات من وقود الديزل؛ لتلبية احتياجات السوق المحلي من الوقود، وبما يدعم مختلف المجالات والقطاعات، بما فيها قطاع النقل والصناعة، والعديد من القطاعات الأخرى، وتقدر قيمة كمية الديزل بنحو 3.2 مليار درهم.
مكافحة كورونا
وعلى الجانب الإنساني، لم تتوقف الإمارات للحظة واحدة عن تقديم الدعم للسودان، لا سيما خلال جائحة كورونا التي اجتاحت العالم؛ إذ قدمت العديد من الدعم في المجال الطبي؛ لمساعدة الأشقاء في السودان على مواجهة تداعيات انتشار الفيروس.
وتعد السودان من أوائل الدول التي تلقت المساعدات التي أرسلتها دولة الإمارات في إطار جهودها لمكافحة فيروس “كوفيد-19″؛ حيث قامت بإرسال أول شحنة مساعدات طبية في شهر أبريل 2020، واستمر تتابع إرسال الشحنات الطبية إلى أن بلغت في مجملها 100 طن.
كما أنشأت الإمارات مستشفى (محمد بن زايد) الميداني في دارفور، الذي يحتوي على 208 أَسِرَّةٍ؛ لعلاج المصابين بـ”كوفيد-19” في السودان، ويحتوي على جميع المعدات الطبية والأدوية.
زيارات ومباحثات متبادلة
لا يقتصر العلاقات بين البلدين على الدعم والاستثمار، بل يوجد زيارات ومباحثات متبادلة بين البلدين، وتتميز بالدفء، وكان من أحدثها زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، للإمارات في شهر مايو 2021، وهي الثالثة له بعد عزل البشير، بعد زيارتين أجراهما في مايو وأكتوبر 2019، إضافةً إلى سلسلة من المباحثات الهاتفية.
وفي 29 يناير 2021، بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال اتصال هاتفي، مع البرهان العلاقات الأخوية بين البلديْن وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، إضافةً إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
وفي 7 ديسمبر 2020، عقدت أعمال الدورة الأولى للجنة المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات ووزارة الخارجية في السودان، وذلك عن بعد، عبر تقنية الاتصال المرئي،
وتم خلال المشاورات استعراض تجربة البلديْن في مكافحة “كوفيد-19″، وجهود دولة الإمارات الإنسانية في هذا الصدد، ومساعداتها للدول المتضررة، وأهمية التضامن والتعاون الدولي في الحد من آثار الجائحة.
كما أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية السودان شراكةً إستراتيجيةً في التحديث الحكومي في شهر أغسطس 2021، ضمن الجهود المشتركة بين البلديْن؛ لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات والمعارف في مختلف المجالات؛ ما يعود بالخير على البلديْن وشعبيْهما الشقيقيْن.
في مجمل القول: ترتبط دولة الإمارات والسودان بعلاقات إستراتيجية تاريخية، قائمة على التعاون والتنسيق المشترك والشراكات الاقتصادية والتنموية، التي ساهمت في تحقيق التقدم والازدهار والأمن في السودان، وذلك من منطلق حرص الإمارات على تحقيق الاستقرار والسلام في السودان، وضرورة الحفاظ على قيم التسامح والتعايش والسِّلْم في المنطقة.
وأوْلت الإمارات اهتمامًا خاصًّا بالسودان منذ زمن بعيد، خاصةً في الظروف الصعبة التي مرَّ بها خلال السنوات الماضية، وتعمل على أكثر من مستوى، على توحيد الجهود الرامية إلى مساعدة السودان ودعمه بشتى الطرق؛ لتجاوز التحديات التي تواجهه وتحقيق الأمن والاستقرار لشعبه؛ إيمانًا منها بوحدة ومصير العالم العربي المشترك.