إعداد : رابعة نورالدين وزير
مقدمة
على خلفية ما شهدته لبنان خلال الأيام الماضية، خاصةً مدينة “طيونة” من تبادلٍ لإطلاق النار من أنصار مجموعة أمل وحزب الله؛ تعبيرًا عن غضبهم تجاه الإبقاء على (طارق بيطار) قائد التحقيق بقضية “مرفأ بيروت”؛ ما أدى لانزلاق الوضع بلبنان بين مؤيد ومعارض، حتى وصل لتبادل إطلاق النار بالعاصمة بيروت؛ ما أعاد البلاد لذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، في ظل الأوضاع المتردية التي يعاني منها لبنان بشكل عام وعلى كل المستويات.
وتعتبر حركتا “حزب الله” و “حركة أمل” هما الحركتان المسؤولتان عن تنظيم هذه الاحتجاجات اعتراضًا على مسار التحقيقات بقضية “مرفأ بيروت”، وقد راح ضحية هذا الاحتجاج العشرات من المدنيين جراء عمليات القنص والقتل التي انتشرت بهذه الأثناء، ولكن سرعان ما اتجه الوضع للتهدئة، وأعلنت “حزب الله” وحركة أمل – في بيان مشترك – التهدئة وعدم الانجراف خلف أي محاولة لتصعيد الوضع، وحث الجيش اللبناني على التحرك السريع لاحتواء الوضع ومنع تفاقمه، وعليه بدأت الأجهزة الأمنية والعسكرية في لبنان الشروع بالتحقيق حول هذا الحادث.
ولذا سنستعرض بهذه الورقة آخر التطورات فيما يتعلق بمسار التحقيقات حول قضية “مرفأ بيروت”، وهل يقود التحقيق لبنان لحرب أهلية بين الأحزاب والحركات الرئيسية؟
خلفية الأحداث
شهدت لبنان يوم الخميس الماضي الموافق 15 أكتوبر تظاهرات بمدينة “طيونة” بلبنان احتجاجًا على إبقاء “طارق بيطار” محققًا رئيسيًّا بقضية انفجار “مرفأ بيروت”، وأصبح الشارع اللبناني بحالة تعبئة منذ أكثر من أسبوع استعدادًا لهذه التظاهرات، على خلفية رغبة “حزب الله” و “حركة أمل” تعطيل تحقيقات “مرفأ بيروت” رفضًا لتحركات لجنة التحقيقات؛ حيث تم توجيه الأسئلة فقط لرئيس الحكومة اللبناني السابق “حسان دياب” بالرغم من أنه منذ 4 أغسطس 2020 -تاريخ انفجار المرفأ – تعاقب على رئاسة الحكومة اللبنانية عددٌ من الرؤساء، ولذا فإن توجيه سؤال لرئيس حكومة دون غيره من شأنه جعل التحقيقات منحازة ومسيسة وغير عادلة، وبما أنها تمس مصلحة لبنان وأدت لأضرار نفسية وسياسية ثم اقتصادية كبيرة؛ لذا يجب إتمام التحقيق بشفافية وموضوعية، وبناءً على ما سبق لم تحرز التحقيقات بالقضية أي تقدم حتى وقتنا الحالي، ولعل حملة التشويه التي شنت ضد “طارق بيطار” أحد أهم هذه الأسباب.
على الجانب الآخر فقد رد (بيطار) بأنه قدم العديد من طلبات الاستجواب لعدد من المسؤولين حول قضية “مرفأ بيروت” بشأن علم هؤلاء المسؤولين بأن المرفأ كان به مواد كيميائية ولكنهم لم يتخذوا الإجراءات اللازمة للوقاية من الانفجار، ولكن جميعها قُوبل بالرفض، حتى وصل الأمر بقيام بعض المسؤولين تقديم شكاوى ضده وصلت لثلاث شكاوى من ثلاثة وزراء سابقين، عندما وجه لهم اتهامًا بالإهمال، ويعتبر “طارق بيطار” هو المحقق الثاني الذي يتم رفض أسلوبه بالتحقيق، فقد سبق وتم عزل “فادي صوان” المحقق السابق له على أثر نفس الشكاوى الناتجة عن اتهامه لمسؤولين بالإهمال.
وقد سبق هذه التحركات اجتماع الحكومة اللبنانية في 13 أكتوبر 2021، عندما أعلنت الحركتان إضافةً لتيار المردة المتحالف معهما وطالبوا بإقالة “البيطار”؛ لذا أرجأت الحكومة النظر بملف “مرفأ بيروت”؛ لإعطاء القوى السياسية فرصة للتشاور حول ما يمكن فعله بشأن مقترح وزراء الحركات المذكورة، وفي 12 أكتوبر صدر بيان عن “البيطار” يعلق فيه التحقيق بملف المرفأ، نتيجة تبليغه بدعوى الرد الجديدة التي قدمت ضده من هولاء النواب (على حسن خليل- غازي زعيتر)، وهذه المرة الثالثة التي تقف فيها التحقيقات، ولكن رفضت محكمة استئناف بيروت قرار وقف التحقيقات؛ لذا بدأت التحقيقات مع النواب انتهازًا لعدم تمتعهم بالحصانة لحين عقد الدورة التالية من 19 أكتوبر 2021.
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية ردًّا على الاحتجاجات الأخيرة
أعلنت الحكومة اللبنانية يوم الجمعة الموافق 15 أكتوبر يوم إغلاق عام؛ حدادًا على ضحايا الاحتجاجات الأخيرة، كما قامت قوات الجيش اللبناني بمداهمة العديد من الأماكن لمحاسبة من قاموا بإطلاق النار على المحتجين، وبالفعل تم توقيف 9 أشخاص ممن قاموا بإطلاق النار -السلاح المتفلت سبب رئيسي للرعب بنفوس المواطنين وسقوط الضحايا بالاحتجاجات الأخيرة- وما زالت العمليات مستمرة من الجيش اللبناني لمنع تجدد أي اشتباكات مسلحة مرةً أُخرى.
كما قام الرئيس اللبناني “ميشيل عون” بإصدار تعليماته لوزير الداخلية وبعض المسؤولين للتشديد على أهمية وقف أعمال العنف ومحاسبة المسؤولين لمنع جرِّ البلاد للهاوية.
وفيما يتعلق بالمسؤول عن إطلاق النار- بالرغم من تأكيد المتظاهرين على سلمية التحركات- بهذا الصدد نجد فقط تبادلًا للاتهامات بين كلٍّ من (حزب الله وحركة أمل والقوى المتحالفة معهم، وبين حزب القوات اللبنانية).
فنجد أن (حزب الله وحركة أمل) يوجهون الاتهامات لمسلحين تابعين لـ(حزب القوات اللبنانية) قاموا بإطلاق النار على المتظاهرين من أسطح المباني في بيروت، وأكدوا أن هذا الهجوم يجر البلاد للفتنة، فيما رد “سمير جعجع” رئيس حزب القوات اللبنانية “أن السبب الرئيسي لإطلاق النار هو السلاح المتفلت الذي يمتلكه مدنيون ويؤدي لإثارة الرعب والفزع”.
لماذا يصر حزب الله على عزل البيطار؟
لعل أحد أهم الأسباب التي دفعت حزب الله للمطالبة بعزل “البيطار” من تحقيقات مرفأ بيروت هو أن “البيطار” يحيي في أذهان أنصار الحزب تجربة التحقيقات الدولية بمقتل “رفيق الحريري” 2005، والتي طالت الاتهامات بهذه الأثناء الحزب، وبالتالي فقد يفسر غضبهم رغبتهم بألا يكونوا طرفًا بالقضية، ولعل الاتهامات وحملات الوشاية بـ”البيطار” من قِبَل الحزب يدعم هذا المسار، إضافةً للتهديدات المباشرة وغير المباشرة من شخصيات بالحزب لـلبيطار.
جدير بالذكر أن “البيطار” اتهم حزب الله بالتورط بـ”مرفأ بيروت”؛ لذا هددوا بسحب الثقة من حكومة ميقاتي إن لم تعزل محقق المرفأ.
المواقف الدولية من اندلاع أحداث العنف بلبنان
أصدر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية العديد من البيانات حول تأزُّم الوضع بلبنان، وقد أكد أن الحكومة الأمريكية تضم صوتها للحكومة اللبنانية بضرورة احتواء الوضع وتسويته لمنع انتشار العنف، أما الحكومة الفرنسية فقد عبرت عن قلقها تجاه تصاعد أحداث العنف بلبنان مع تأكيدها ضرورة إتاحة الفرصة للقضاء اللبناني لإقامة تحقيق عادل فيما يخص “مرفأ بيروت”، كذلك الحال بالنسبة للحكومة التركية التي دعت لضرورة تهدئة الأوضاع وضبط النفس وتهيئة الجو العام لإقامة تحقيقات عادلة فيما يخص قضية “مرفأ بيروت”.
ودعت أيضًا منظمة الأمم المتحدة لضرورة وقف أحداث العنف لتمكين القضاء اللبناني من إجراء التحقيقات اللازمة، وأوصت بعض الدول رعاياها بمغادرة البلاد أو توخي الحذر والحيطة بهذه الأثناء على رأسهم (الكويت وقطر).
مواقف دولية من الوقف المتكرر للتحقيقات
دعت العديد من الدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة شفافية وموضوعية التحقيقات، وإقامة العدالة لما حدث بـ”مرفأ بيروت”، وعلى أثر تحركات حزب الله الأخيرة فقد اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية حزب الله –الذي صنفته جماعة إرهابية- بترهيب القضاء اللبناني، ودعت للهدوء وخفض التصعيد فيما يتعلق بأحداث منطقة “طيونة”.
كما دعا الاتحاد الأوروبي لسرعة استكمال التحقيقات بمصداقية وشفافية، لمحاسبة المسؤولين عن الخسائر التي يعاني منها الكثيرون.
الوضع في بيروت إلى أين؟
لا شك أن الانزلاق المفاجئ للأوضاع بلبنان قد يكون بدايةً لتعارض وجهات النظر وساحةً لاقتتال العديد من الأطراف التي قد تضع لبنان على شفا أزمة سياسية تعادل حربًا أهلية بعد سنوات من الاحتقان بين القوى السياسية المختلفة بالبلاد، خاصةً أن الخلاف يخص كل الفئات؛ لذا فالخلاف قد يكون موسعًا وعلى مستويات متعددة، خصوصًا بظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي يمر بها لبنان خلال الفترة الحالية، وبالتالي فإن قدرته على كبح جماح هذه القوى واحتوائها سيكون صعبًا للغاية.
تمثل التحركات الأخيرة بلبنان نموذجًا للعب على الطائفية لتعبئة الرأي العام تجاه قضية معينة، وهو ما نجده بوضوح بالهتافات التي نادى بها المتظاهرون، والمتمثلة بـ”فداك يا حسين” وغيرها، كما أن التحركات اقتصرت على طائفة بعينها “الشيعية”، في حين أن “السنة والموارنة” لم يكن لهم نفس التواجد بالتحركات الأخيرة، وبالتالي فالمسألة حراك سياسي بتوظيف طائفي؛ لذا ستغلق الحكومة اللبنانية ملف التحقيقات للحفاظ على استقرارها الداخلي، ومنع تفاقُم أحداث العنف بين مؤيدي البيطار ومعارضيه.
إن التحركات الحالية تؤكد أن نتائج التحقيقات إن تمَّت لن تمر بسلام، بل قد تؤدي لتحركات أُخرى على نطاق أوسع تتسع فيه أعمال العنف بين (مؤيدي حزب الله، وحركة أمل، ومؤيدي الأحزاب السنية، والموارنة، وحزب القوات اللبناني)، ولعل الوضع بلبنان ينذر بذلك في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وهروب رؤوس الأموال والاستثمارات، والسلاح المتفلت بيد المدنيين؛ ما قد يساهم بتأجيج الوضع ونقل العنف لمستوى الحرب أهلية بين الطوائف المختلفة بلبنان.
فالحرب الأهلية متوقع حدوثها بلبنان حال تقاعُس الحكومة في حلِّ ملف “مرفأ بيروت” سواءً بإرجاء التحقيق لحين استقرار الأوضاع بالبلاد أو ضمان تحقيقات عادلة؛ لأن استمرار الوضع كما هو عليه من رفض المسؤولين الخضوع للاستجوابات اللازمة، أو انتشار المظاهرات التي تعيق مسار التحقيقات وتعطل المضي فيها؛ حيث قد تستمر الأوضاع في الشد والجذب بين مؤيدي “البيطار” ومعارضيه، وفي حال تفاقم أحداث العنف قد يكون لحزب الله الغلبة بهذه الأحداث؛ لتمتعه بدعم إيران بوصول الأسلحة والغاز، وغيرهم، ولكن فيما يتعلق بأطراف دولية أُخرى فنجد أن الولايات المتحدة تحاول الانسحاب من أحداث الشرق الأوسط؛ تمهيدًا لدور أكبر في آسيا لمواجهة الصين، كما أن فرنسا وغيرها لن تُهدر المزيد من الأموال والمعدات العسكرية والجنود لدرء خطر لن يطالهم بشيء ولن يؤثر عليهم كثيرًا ولن ينالوا بالتدخل سوى خسارة اقتصادية وعسكرية وبشرية.
وعليه فأي تحركات بالمستقبل سيساهم باشتداد الأزمة بلبنان بشكل غير مسبوق؛ ما يؤدي لتفاقم العنف بالبلاد، ثم يتحول الوضع لحرب أهلية على المدى البعيد، والتي قد يطُول أمدها على غرار حرب 1975 التي استمرت معها معاناة الشعب اللبناني لسنوات.
أهم التوصيات
لقد ثبت بالدليل القاطع إن أي دوله فيها سلاح خارج سلطة الدولة المركزية معرضه للانزلاق الي مرحلة الفوضى التي قد تصل بها المرحلةو الدولة الهشة، كذلك وقوع اي دوله تحت سيطرة دوله اقليمية اخري يجعلها رهينه، لذا نخاول ان نقدم لصانع القرار بعض التوصيات لاحتواء الوضع ومنع تصاعده بما يحقق الأمن والاستقرار للبنان، ويفسح المجال لعمل الإصلاحات اللازمة.
- لابد وأن تقوم الجهات الأمنية والعسكرية في لبنان بإقامة تحقيق موسع حول الاحتجاجات الأخيرة ومحاسبة المسؤولين عنها، حتى لا يتفاقم الوضع مستقبلًا بظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان.
- تعبتر الأحداث الأخيرة امتحانًا صعبًا للحكومة اللبنانية، لكن يجب التمسك بمسار العدالة ومراعاة التحقيقات العادلة والموضوعية لقضية “مرفأ بيروت” وإقامة نظام لمحاسبة المسؤولين، وتمثل هذه الخطوات دعمًا لموقفها وتثبيتًا لأركانها.