إعداد : حسناء تمام كمال
يوم الجمعة الموافق 8 أكتوبر، استهدفت إسرائيل بطائرات حربية، مطار “التيفور” العسكري بريف حمص وَسْط سوريا، الذي تتواجد فيه مستودعات وقاعدة طائرات مسيرة لميليشيات تابعة لإيران؛ ما أسفر عن إصابة 6 جنود، وتتوالى الضربات الإسرائيلية على سوريا منذ يوليو الماضي، في تصعيد واضح للموقف الإسرائيلي والإيراني حول التواجد بسوريا، بالرغم من وجود لقاءات عدة بين روسيا وإسرائيل لتنسيق الموقف بروسيا.
آخر هذه اللقاءات زيارة أجراها لابيد في أوائل سبتمبر؛ إذ أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد زيارة لنظيره الروسي سيرغي لافروف، وأعلنت الخارجية الروسية في بيان أصدرته أن مستجدات الوضع بسوريا من المواضيع المحورية في المحادثات التي جرت بين لافروف ولابيد خلال زيارة الوزير الإسرائيلي إلى موسكو.
كما أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان محادثات مع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أدلى الأول بعدها بتصريح هام قائلًا: “اتفقت موسكو وطهران على تنظيم لقاء بين الرئيسين، الروسي والإيراني”.
ومن المقرر أخذ هذه اللقاءات إلى مستوى أعلى من المسؤولين، فبحسب الخارجية الروسية سيستقبل الرئيس الروسي في 22 أكتوبر الجاري رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت؛ ما يطرح التساؤلات عن استمرار التفاهمات وحوارات بين الجانب الروسي والإسرائيلي، خصوصًا في ظل الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، والتي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية.
قراءة أولية بمحددات التفاهمات وسماتها.
في ظل كل التفاعلات سابقة الذكر، نجد أننا أمام تفاهمات روسية إسرائيلية إيرانية حول الوضع بسوريا، وهو بمثابة تغيُّر في كثافة التفاعلات بين الأطراف الثلاثة مقابل باقي الأطراف الخارجية الفاعلة بالملف السوري، بعكس ما كان عليه المشهد؛ لذا نحاول فيما يلي استشراف سماتها ومحدداتها:
الحصان الروسي الأقوى بسباق التفاعلات: لم تستشعر روسيا الخطر الاسرائيلي على تواجدها في سوريا منذ تدخلها هناك، وكانت لا تحسب التدخلات الاسرائيلية تهديد مباشر لها، وقد تري في التدخلات الاسرائيلية في بعض الاحيان عامل مساعد للبقاء العسكري في سوريا. ويُعتبر الموقف الروسي، هو الأقوى بين الفرقاء الخارجيين بالداخل السوري، فمن ناحيةٍ تنسق روسيا مع إيران، وهي حليف للنظام السوري، ومن أُخرى تضمن أن إسرائيل ملتزمة بأمن وسلامة جنودها بسوريا؛ ما يخلق لها موقفًا تفاوضيًّا قويًّا، مقارنةً بإيران أو تركيا أو الولايات المتحدة؛ ما ينبئ عن دور روسي أقوى مقابل انكماش أمريكي بسوريا.
تقطيع أوصال إيران: تشهد الفترة الحالية محاولات إسرائيلية في تقطيع أوصال إيران بالمنطقة، وذلك من خلال ملاحقة مواقع إيران بسوريا، واستقطاب روسيا للتعاون العسكري والاستخباراتي مع إسرائيل بشأن الوضع بسوريا بصرف النظر عن ما إذا أسفر التقارب الروسي الإسرائيلي عن نتائج إيجابية بشأن الملاحقة الإسرائيلية للمواقع الإيرانية بسوريا أم لا.
إسرائيل والتعامل بحرية: تريد إسرائيل التعامل بحرية بعدد من الملفات التي تتورط فيها بالشرق الأوسط، دون قيود أو تفاهمات مفروضة عليها، بل والتعامل بشكل مباشر بتلك الملفات دون وساطة أو رعاية دولة كبرى حال نجاحها بالتحرر من رعاية الولايات المتحدة، لم تَمِل لوضع نفسها تحت أي رعاية أخرى.
غياب الدور الأمريكي : تنشغل إدارة بايدن بعدد من الملفات تتقاطع مع الوضع بسوريا، أولها الرغبة بأخذ خطوات متقدمة بملف الاتفاق الإيراني النووي والعودة لما قبل إدارة ترامب وتفعيل اتفاق عام 2015، لذا فإنها بصدد لقاءات مع إيران لتنسيق هذا الملف، من ناحيةٍ أُخرى توجه الولايات المتحدة الجزء الأكبر من طاقتها لإدارة ملفها الاقتصادي الداخلي خصوصًا في ظل العثرات التي تواجهها منذ جائح كورونا، يتزامن ذلك مع قناعتها بصعوبة إزالة نظام الأسد من على سُدَّة الحكم ؛ ما يحمل على أن تأخذ التفاهمات مسارها الطبيعي؛ أملًا بانتاج تهدئة تساعد الولايات المتحدة بأخذ خطوات إيجابية بالملف الإيراني النووي.
وفي الوقت نفسه، تستمر محاولة إسرائيل في تقوية موقفها التفاوضي والاستفادة من الدور الأمريكي على تراجعه، وهذا ما يمكن أن يفسر تصريحات صرح السفير الإسرائيلي لدى روسيا، ألكسندر بن تسفي، بأن تل أبيب اتفقت مع روسيا والولايات المتحدة على عقد لقاء على مستوى رؤساء مجالس الأمن لمناقشة الوضع في سوريا وإيران.
التحرك بدافع المصلحة: المحرك الرئيسي والسِّمة الرئيسية الحاكمة للعلاقات الروسية الإسرائيلي، هو البحث عن تعزيز كل طرف لمصالحة أكثر من البحث عن فضِّ الاشتباكات والتوتر الإيراني الإسرائيلي.
لدى روسيا تطلعات اقتصادية، تؤمل أن تحظى بها من إسرائيل حال توسطها بينها وبين إيران، فيما تريد إسرائيل.
الرهان على موارد الطاقة: تطبيق التفاهمات الروسية الإسرائيلية القائمة على المصالح مرتبطة إلى حد كبير ملفات الطاقة فروسيا تتطلع للسيطرة على أكبر قدر من موارد الطاقة بسوريا من ناحية، ومن ناحيةٍ أُخرى تأمل بالحصول على مزايا وتسهيلات وتعاون يتعلق بحقل غاز لوثيان أكبر حقل بمنطقة شرق المتوسط والذي تسيطر عليه إسرائيل، وهو في حد ذاته يضفي تعقيدًا وبطئًا بمسار التفاهمات.
سيناريوهات التفاهمات الروسية الإسرائيلية
لكن واقعيًّا نحن ما زلنا أمام تكرار غارات الاستهداف الإسرائيلي مؤخرًا، وأصبحت تشمل أهدافًا أُخرى عسكرية، وذات صلة بمناطق سيطرة إيران ومواقع انتشار جنودها، وفي ظل استمرار هذه الغارات، يبدو أن هناك غموضًا حول مصير التفاهمات الروسية الإسرائيلي، هل فشلت أم نجحت؟ و هل مستمرةٌ بالتنسيق؟
وبشكل عام يمكن القول: إن الملف السوري يقف بمفترق طرق، إما أن يكون باتجاه التهدئة بين الفاعلين الخارجيين فيه؛ بسبب بعض التغيرات بالتحالفات وميزان القوى بالمنطقة، والذي يطرأ عليه هذه التغيرات بسبب قضايا 3 رئيسية، (التفاهمات الإيرانية مع الولايات المتحدة، التفاهمات الإيرانية السعودية، قوة الدور الروسي بسوريا).
أو قد يكون بصدد خلافات جديدة بين الفاعلين الخارجيين، وبين الحلفاء (الروسي، والإيراني، والإسرائيلي)، وذلك إذا تغيرت توجهات الطرف الروسي بإدارة الملف، وتغيرت ولاءاته على حساب إيران أو إسرائيل، كما يُعوَّل على الطرف الروسي بشكل كبير بتحديد مسار المرحلة القادمة.
فشل بالتنسيقات: ويتبنى الخيار الأول الذي يقوم على فرضية فشل التفاهمات؛ استنادًا لاستمرار الغارات وتصاعدها تجاه الطرف الإيراني، بالرغم من بدء اللقاءات بين وزيري خارجية الطرفين إلا أن ذلك لم يحُد من الغارات الإسرائيلية؛ ما يعني عدم مسؤولية إسرائيل أمام روسيا، ومنها الاستمرار باتجاه التصعيد، وهذا الخيار مستبعد.
نجاح بشكل مبدئي: وهذا السيناريو مبني على فرضية أن الزيارة التي أُجريت في سبتمبر ، والزيارة القادمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي تنبئ عن اتفاق مبدئي نتج عنه استمرار التعاون بين الطرفين لكن بطور التنسيق بين الطرفين، وهذا السيناريو مرجح بقوة في ظل التغيرات القائمة، ومنها تراجُع دور الولايات المتحدة بأفغانستان، وانسحابها من المنطقة، إضافةً لبدء التفاهمات الأمريكية الإيرانية بشأن الملف النووي؛ لذا فإن حكومة نفتالي لا تثق بإدارة بايدن؛ ما يجعلها تبحث عن حلول جديدة لردع الخطر الإيراني، ولكون هذا الشريك هو روسيا، ذات التطلعات الاقتصادية الواسعة فلن تُنهي إسرائيل النقاش حول الأوضاع سريعًا بل ستأخذ وقتًا و مشاورات مُطوَّلة تخرج من خلالها بأفضل صيغة ممكنة وهذا سيناريو مرجح، بل ومن المرجح أيضًا أن الهجمات تكون وسيلة إسرائيل للضغط بالتصعيد؛ لتعزيز موقفها التفاوضي والتفاعل مع متطلباتها، أي أنها تحاول تشكيل موقف ضاغط على روسيا وإيران وهذا موقف يتناسب مع بدء مرحلة التفاهمات.