إعداد: عنان عبدالناصر
باحثة متخصصة في الشأن الأفريقي
أثارت مجموعة من التساؤلات والانتفاضات المختلفة حول القرارات الأخيرة التي اتخذها «البرهان»؛ جرَّاء قيامه بإصدار مرسومٍ دستوريٍّ، بإعفاء عددٍ من الأشخاص من عضوية المجلس السيادي الانتقالي، فضلًا عن قيامه بتوجيه القرار للأمانة العامة للمجلس السيادي والجهات المعنية داخل الدولة لوضْع ذلك المرسوم موضع التنفيذ، وقد أثارت تلك الإجراءات تساؤلات عديدة، ولاقت الكثير من ردود الفعل حولها، ولعلنا نتتبع هنا أهم الأسباب الكامنة خلف قيام «البرهان» بتلك الإجراءات، فضلًا عن رصْد طبيعة ردود الفعل حولها.
الأسباب الكامنة خلف قرارات «البرهان» الأخيرة
ذكر مجلس السيادة السوداني في بيانٍ صادرٍ له، أن رئيس المجلس، عبدالفتاح البرهان، اتخذ مجموعة من القرارات الخاصة بإقالة عددٍ من أعضاء المجلس، وقد أعلن مجلس السيادة السوداني، إقالة ما يقرب من 5 وزراء، بمن فيهم وزير الطاقة والنفط محمد عبدالله محمود، ووزيرة التجارة والتموين آمال صالح سعد، ووزير النقل هشام أحمد علي أبو زيد، ووزير العمل والإصلاح الإداري سعاد الطيب حسن، وإقالة وزير الثروة الحيوانية والسمكية حافظ إبراهيم عبد النبي.
واستكمالًا لهذه القرارات التي اتخذها «البرهان»، قرَّر «البرهان» تعيين 4 وزراء جُدُد داخل الحكومة السودانية، وقد تضمَّن القرار تكليف محيي الدين نعيم محمد سعيد، بمهام وزارة الطاقة والتعدين، وتكليف الفاتح عبدالله يوسف، بمهام وزارة التجارة والتموين، وقد كلَّف المهندس أبو بكر القاسم عبدالله، بمهام وزارة النقل، بالإضافة إلى تكليف أحمد علي عبد الرحمن، بمهام وزراة العمل والإصلاح الإداري، وقد أتت هذه القرارات في أعقاب زيارة «البرهان» المفاجئة إلى قاعدة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان، وقد أكَّد في خطابٍ له أمام الضباط والجنود بالقاعدة العسكرية، استمرار القوات المسلحة في معركتها التي تخوضها ضد قوات الدعم السريع، والتي أطلق عليها معركة الكرامة.
وعند الحديث عن الدوافع الكامنة خلف قرارات «البرهان»، فقد سادت مجموعة من الآراء التي تشير إلى أن أسباب هذا القرار تعود في جوهرها إلى تصنيفات إثنية ذات طابع عنصري، تعود إلى اشتعال الحرب منذ أبريل الماضي، بالإضافة إلى وجود بعض الآراء التي تشير إلى أن هناك بعض الشخصيات التي قد تمَّ تعيينها في وقتٍ سابقٍ، وهي لا تُخفي انحيازها أو تعاطفها مع قوات الدعم السريع، فضلًا عن دعمها للميليشيات المسلحة، وقد أكَّد «البرهان» على أن هذه الخطوة كانت في إطار الاستجابة لمجموعةٍ من المطالب الشعبية؛ لاعتبارها عدوًا للشعب وللقوات المسلحة، واعتبر «البرهان» أن أيَّ شخصيةٍ لا تعلن موقفها المحدد من الجيش، يتم تصنيفها على أنها بمثابة عدوٍ للشعب ولقواته المسلحة.
وأوضح «البرهان»، أن هذه القرارات سيكون لها تأثيرات على بعض المجالات التنفيذية المكلفة؛ حيث إن هناك بعض الشخصيات التي تمَّ تعينهم يُبدون تعاطفهم الشديد مع قوات الدعم السريع، على الجانب الآخر، فإن الإعفاءات الأخيرة سيكون لها دوْرٌ فعَّال في إحداث دفعة قوية للقوات المسلحة؛ نظرًا لأن المواقف الرمادية لن يتمَّ قبولها، وأن هناك ضرورة لهزيمة التمرُّد والقضاء عليه بشكلٍ نهائيٍّ.
مواقف معارضة حول قرارات «البرهان» الأخيرة
لكي تستعرض بعض ردود الفعل تجاه القرارات، نجد أن هناك بعض الخبراء السياسيين الذين أدانوا بشدة هذه القرارات، وأبدوا اعتراضهم الشديد على هذه المراسيم غير الدستورية الفاقدة للشرعية، والتي أنهكت اتفاق جوبا للسلام؛ لذلك كان هناك تأكيدات على السعي الدائم لوقف الحرب، واستعادة التحوُّل الديمقراطى في مساره السليم، على أن يتم مواجهة كافَّة القرارات التي تحُول دون استقرار السلام داخل السودان.
وبعد أن أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، مرسومًا دستوريًّا، بإعفاء عددٍ من أعضاء المجلس، وعلى رأسهم الهادي إدريس يحيى، الذي يرأس فصيل الجبهة الثورية، وهي إحدى الحركات الدارفورية المسلحة التي وقَّعت على اتفاقية جوبا للسلام مع الحكومة الانتقالية، التي تمَّ إقالتها في عالبرهاتام 2020م، وبموجب ذلك الاتفاق، تم تعيينه عضوًا في مجلس السيادة الانتقالي، وعند اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، أعلن أيضًا انحيازه لتيار القوى السياسية التي ترفض مبدأ الحرب.
وقد تعرَّض عضو المجلس السيادة المُقَال لغارةٍ شديدةٍ على منزله؛ جرَّاء قصْفٍ جويٍّ من طائرة تتبع الجيش السوداني، تمكَّنت من تدمير أجزاء واسعة من المنزل، وقد تزامن ذلك مع قرار «البرهان» في أكتوبر الماضي، حول إصدار قرارٍ بتكليف أعضاء المجلس من العسكريين، بالإشراف على الوزارات الحكومية، وقد استثنى القرار عضويْ المجلس «الهادي إدريس، والطاهر حجر»، من أيِّ مهام إشرافية؛ لذلك كان هناك توقُّعات، لأن تكون هذه الخطوة بمثابة مقدمة لإعفائهما، وقد أبدى «إدريس» اعتراضه الشديد على تلك القرارات، وكرَّر اتهاماته لعناصر النظام المعزول، بالوقوف خلف اشتعال الصراع؛ لقطع الطريق أمام تمرير الاتفاق الإطاري المُوقَّع بين «العسكريين، والمدنيين».
عدم اعتراف بقرارات «البرهان»
وقد أعرب عضو مجلس السيادة الانتقالي، رئيس حركة تحرير السودان، الهادي إدريس، بأنه غير معنيٍّ بالقرار الصادر من رئيس المجلس وقائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، بإقالته من منصبه، مشيرًا إلى أن هذه القرارات قد صدرت ممن لا يملك الحقَّ الدستوري في إصدارها، وقد أصدر «إدريس» بيانًا يرد فيه على قرار إقالته، وهاجم فيه «البرهان»، وسرد خلاله كافَّة الحيثيات القانونية والسياسية، التي دفعته لرفض ذلك القرار، وقد تمثَّل نص ذلك البيان فيما يلي:
إن ما تمَّ نشره من مرسوم، بتاريخ ٣ نوفمبر، الصادر عن رئيس مجلس السيادة، والذي يقضي بإعفائه من عضوية مجلس السيادة الانتقالي، يُعدُّ بمثابة مرسومٍ صادرٍ ممن لا يملك مشروعيةً لإصداره؛ إذ تنُصُّ المادة ١١ في البند الثاني من الوثيقة الدستورية، على أن تشكيل مجلس السيادة يتكون من ١٤ عضوًا، منهم خمسة أعضاء مدنيين، تختارهم قوى الحرية والتغيير، وخمسه أعضاء يختارهم المُكوِّن العسكري، بجانب عضو مدني تختاره بالتوافق بين المُكوِّن العسكري وقوى الحرية والتغيير، بجانب ثلاثة أعضاء تختارهم أطراف العملية السلمية، التي وقَّعت على اتفاق جوبا لسلام السودان، وإن مثل هذا النص الدستوري حدَّد بوضوح الجهات التي تملك الحق الحصري في استبدال ممثليها، وليس لرئيس المجلس أيّ سلطة لإصدار مرسومٍ بالإقالة.
تنُصُّ لائحة تنظيم أعمال مجلس السيادة، على أن النِّصَاب القانوني لاجتماعات المجلس، يضم ثلثيْ أعضاء المجلس الحضور؛ أيْ ٩ أعضاء على الأقل من عضوية المجلس، التي تتكون من ١٤ عضوًا، وفيما يخُصُّ اتخاذ القرارات داخل المجلس، فهي تنُصُّ على أن قرارات المجلس تصدر بالتوافق أو بأغلبية ثلثيْ أعضائه في حالة عدم التوافق، ومن هذا المنطلق، فإن اجتماع ثلاثة من العسكريين من أطراف السلام في بورتسودان، لا يُعتبر اجتماعًا قانونيًّا لمجلس السيادة، وليس له الحق في إصدار قرارات باسم المجلس.
إنه طبقًا لأحكام الوثيقة الدستورية، فإن كل أعضاء المجلس السيادي يُمثِّلُون رأس الدولة، وأن رئيس المجلس تنحصر مهامه في إدارة الاجتماعات، وفقًا لأحكام اللائحة الداخلية التي تُنظِّمُ أعمال المجلس.
أوضح الدكتور الهادي إدريس أيضًا، أنه بالرغم من التداعيات الخطيرة للانقلاب، كان هناك محاولات متعددة للتواصل مع المُكوِّن العسكري؛ من أجل إصلاح ما أفسده الانقلاب، واستعادة المسار الديمقراطى، ولكن كان هناك محاولات تحُول دون استقرار البلاد وتحقيق التحوُّل الديمقراطي، والتي كان آخرها؛ الانقلاب الأخير في 15 أبريل 2023.
اتِّساقًا مع المواقف السابقة، التي ترفض بشدة التماهي مع دعاة الحرب، بجانب العمل مع قوى الثورة والتغيير لوقف الحرب؛ لاستعادة التحوُّل الديمقراطي، بجانب مشاركة الجبهة الثورية بفعالية في الاجتماع التحضيري، الذي انعقد في أديس بابا، فمثل هذه المواقف هي التي دفعت القائد العام للجيش، ودفع زعيم الانقلاب باتخاذ قرارٍ الإقالة.
وقد أصدر وزير الثروة الحيوانية حافظ إبراهيم عبد النبي أيضًا بيانًا، يُعبِّر عن مدى رفضه واستيائه لذلك القرار، مشيرًا إلى أن «البرهان» لا يملك الحق في إصدار قرار إعفائه من منصبه؛ حيث إنه لا يملك أيَّ صلاحية دستورية لإصدار قرار إعفاء عضوٍ بمجلس الوزراء، وقد أوضح أيضًا أنه تمَّ تكليفه بذلك المنصب، بقرار رقم (64) لعام 2016، والذي صدر عن رئيس الوزراء الشرعي عبدالله حمدوك؛ إعمالًا بأحكام المادة رقم 15 في الفقرة الأولى من الوثيقة الدستورية، وأشار إلى أن مثل هذه القرارات تُعرِّض اتفاق جوبا الذي تمَّت رعايته بواسطة دولة جنوب السودان إلى خطرٍ كاملٍ.
إجمالًا:
إن القرارات التي اتخذها «البرهان» مؤخرًا، أسهمت في مزيدٍ من التعقيد للمشهد السياسي الداخلي في السودان، وتمَّت مقابلتها بكثيرٍ من أوجه الرفض، فضلًا عن وصفها بعدم شرعيتها، وعدم امتلاك «البرهان» الحق في إصدار مثل هذه المراسيم؛ ما ساهم في توجيه اتهامات متعددة لـ«البرهان»، حول انشغاله بمعارك صغيرة، والإنصات إلى دعاة الحرب، فلا تزال هناك فرصة ضئيلة للتخلُّص من تلك الأزمة ووقف الحرب، والاتجاه نحو بناء سلامٍ عادلٍ وشاملٍ؛ من أجل السودان وشعبه، فهناك ثقة على أن السودان سوف تخرج من تلك الأزمة قوية وموحدة، وأن تكون هذه الحرب بمثابة آخر الحروب ليسود الاستقرار والسلام داخل أراضي السودان.