إعداد: منة صلاح
عقد الاجتماع الأول للآلية الوزارية لدول جوار السودان في العاصمة التشادية إنجامينا، يوم الأحد الموافق 6 أغسطس 2023م، وذلك بعد 3 أسابيع من عقد القمة الأولي لدول جوار السودان في القاهرة؛ لبحث مختلف جوانب الأزمة السودانية بكل أبعادها، سواء السياسية أو الأمنية أو الإنسانية، وتداعياتها الإقليمية والدولية، ووضع مقترحات عملية لإيقاف الحرب، واستئناف عملية السلام، وحثّ المجتمع الدولي لتقديم استجابات؛ لمواجهة الأزمة الإنسانية جرَّاء الحرب؛ بهدف الحفاظ على وحدة السودان وسلامته الإقليمية، لكن يواجه الاجتماع تحديات كبرى قد تشكل عائقًا أمام التوصُّل للتسوية.
الاجتماع الوزاري الأول المنبثق عن قمة دول جوار السودان
استضافت القاهرة قمة دول جوار السودان، في 13 يوليو الماضي، وشارك فيها رؤساء 6 دول هي “تشاد، وإريتريا، وإثيوبيا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وليبيا”، وبحضور أمين عام جامعة الدول العربية ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي؛ لبحث تداعيات أزمة السودان، وفي البيان الختامي لهذه القمة، أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنه تم الاتفاق على آلية وزارية، وتعقد أول اجتماع لها في تشاد؛ بهدف وضع خطة تنفيذية لحل الأزمة السودانية.
واستقبلت العاصمة التشادية إنجامينا، الاجتماع الأول للآلية الوزارية، المنبثق عن قمة دول جوار السودان، في 6 أغسطس 2023م؛ لوضع مقترحات تمكن رؤساء الدول المجاورة للسودان من التحرك بشكل فعَّال؛ لوضع حلول تساهم في إنهاء النزاع المسلح المستمر، منذ أبريل الماضي؛ إذ يخوض الجيش والدعم السريع اشتباكات، خلَّفت أكثر من 3 آلاف قتيل ونحو 3 ملايين لاجئ داخل وخارج البلاد، ويتبادل الطرفان اتهامات بالمسؤولية عن بدْء القتال وارتكاب الانتهاكات أثناء الهدنات المتعاقبة.
أهداف اجتماع وزراء الخارجية في تشاد
يهدف هذا الاجتماع إلى اقتراح سُبُل حل الأزمة السودانية، طبقًا للتكليف الصادر من قمة رؤساء وحكومات دول جوار السودان، التي عُقدت بالقاهرة، في 13 يوليو الماضي، ومواجهة تداعيات الأزمة السودانية على أمن واستقرار السودان ووحدته وسلامته الإقليمية، بالإضافة إلى الحفاظ على المؤسسات الوطنية السودانية من الانهيار.
كما يهدف إلى وضع خطة عمل تنفيذية، تشمل حلولًا عملية وقابلة للتنفيذ، ووقف الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وذلك من خلال التواصل مع مختلف الأطراف السودانية بشكل مباشر، فضلًا عن إيضاح رغبة الدول المشاركة في مسار القمة بإنشاء آليات تنفيذية فعَّالة؛ للمساهمة في حل الأزمة السودانية سلميًّا.
ويعكس هذا الاجتماع مدى حرص هذه الدول على تسريع وضع رؤى ومقترحات لحل الأزمة السودانية؛ نظرًا لأن إطالة أَمَدِ الأزمة سوف يكون له انعكاسات وتداعيات ليس على السودان فقط، بل على دول الجوار أيضًا، والتأكيد على أن قمة دول جوار السودان لم تكن مجرد قمة شكلية تقتصر على توقيت انعقاد القمة.
متابعة الخارجية المصرية للملف السوداني
أعربت وزارة الخارجية المصرية عن متابعتها المستمرة للملف السوداني، بالإضافة إلى مساهمتها في وضع حلول تسعى للحفاظ على وحدة وسلامة الدولة، من خلال إجراء عدد من الاجتماعات بشكل دوري؛ لمواكبة كافة تطورات الأزمة، وفي إطار الاجتماع الأول لوزراء خارجية دول جوار السودان في تشاد، توجه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، للعاصمة التشادية إنجامينا، ويأتي ذلك في سياق ترجمة مقررات قمة القاهرة، كرؤية تنفيذية تساهم في حل مسببات الأزمة الراهنة، والحد من تداعياتها على دول الجوار.
وهناك تأكيدات من قِبَلِ وزير الخارجية المصري، أن مبادرة دول جوار السودان بمثابة دليل هام على وحدة الهدف والإرادة السياسية لمساعدة السودان، ووضع حد لتلك الحرب، ودعا طرفيْ النزاع لوقف إطلاق النار وحثّ كل الأطراف لتحمُّل المسؤولية، وإيجاد حلول لإنهاء جذور الأزمة، واستعادة الأمن والاستقرار في السودان، ودعا أيضًا لتعزيز قدرة مجتمعات النازحين في الدول المجاورة على الصمود، وتقديم الاستجابة الفورية للسودانيين.
وقد أوضح أيضًا مدى حرص الدولة المصرية على التنسيق بين منظمات الأمم المتحدة ومؤسسات الإغاثة الدولية؛ لتسهيل وصول المساعدات للشعب السوداني؛ نظرًا لأن معاناته تزداد وسط ضبابية الأوضاع، وعدم وجود ملامح لعملية سياسية تنهي القتال، فضلًا عن استمرارية الجهود المصرية في تقديم مساعدات الإغاثة الإنسانية وكل أشكال الدعم للسودان؛ فالدولة المصرية لديها حرص شديد على تيسير التواصل بين السودانيين؛ لتمكينهم من الوصول إلى أرضية مشتركة وبلورة رؤية وطنية؛ لمعالجة جذور الأزمة، والتمهيد لبدء عملية سياسية شاملة.
ويدل حرص مصر على توجيه كافة أشكال الدعم للشعب السوداني؛ لتخفيف حدة المعاناة الإنسانية، وتعزيز قدرة الدول المجاورة؛ للمساهمة في إنهاء الحرب، وحثّ الأطراف في السودان لوقف إطلاق النار، والتوصُّل لرؤية سياسية شاملة ومُرضية للجميع، على إدراكها لخطورة التداعيات الإقليمية والدولية لهذه الحرب إذا استمرت أكثر من ذلك، وخاصة على دول الجوار؛ إذ ستؤثر على ملف سد النهضة وعلى حصص مصر والسودان، بالإضافة إلى إمكانية تصاعد الأنشطة الإرهابية على الحدود.
نتائج الاجتماع الوزراي في تشاد
ترقبت الأطراف الإقليمية والدولية من هذا الاجتماع نتائج ومقترحات إيجابية، لا سيما في ظل هذا التوقيت الذي تزداد فيه جهود وقف إطلاق النار، ونظرًا لحجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني، وبالفعل، تمَّ التوصل خلال هذا الاجتماع إلى آلية تنفيذية لمتابعة الأزمة مع كل الأطراف الفاعلة، وأيضًا متابعة أوضاع اللاجئين السودانيين في تلك البلاد.
وفي إطار أهمية نتائج الاجتماع الوزاري في تشاد، جاءت خطة عمل من ثلاثة بنود لحل الأزمة، وتمثلت في (وقف إطلاق النار بشكل نهائي، وتنظيم حوار شامل بين الشعب السوداني، وإدارة القضايا الإنسانية بشكل فعَّال)، وبشأن الأوضاع الراهنة في السودان وتداعياتها على دول الجوار، توصَّلَ وزراء الخارجية إلى ما يلي:
- التأكيد على أهمية الاتصالات المباشرة مع الأطراف المتحاربة؛ بهدف وضع حدٍّ لتدمير البُني التحتية وتشغيل الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى تحديد محددات وقف إطلاق النار.
- ضرورة عدم غلق الممرات الإنسانية، وذلك وفقًا للمبدأ العالمي لمساعدة الأفراد المعرضة للخطر، وفي هذا السياق، تم دعوة طرفيْ النزاع السوداني إلى تيسير تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوداني.
- التأكيد على مدى أهمية تشييد مستودعات إنسانية في الدول المجاورة؛ لنقل الرعاية الطبية للضحايا.
- تنفيذ الخطة التي جاءت بها الأمم المتحدة، الخاصة بالاستجابة الإنسانية، ودعوة كل الدول والمنظمات لتسريع تنفيذها.
- الإشارة إلى أهمية التنسيق بين دول جوار السودان والمنظمة الأفريقية (إيجاد) ومبادرات الاتحاد الأفريقي.
ويمكن ضمان تنفيذ نتائج هذا الاجتماع إذا تم التنسيق مع مفاوضات جدة والمبادرة الأفريقية لحل الأزمة، إذا كان هناك مباحثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة بوساطة سعودية؛ لإنهاء الأزمة، ولكن فشلت محاولات التوصُّل لأي اتفاق بينهما، كما كان هناك مبادرة من قِبَلِ منظمة الإيجاد الأفريقية؛ لإنهاء الأزمة، لكن أيضًا لم يتم الاتفاق حولها من قِبَلِ طرفيْ الصراع، واتفق كافة الوزراء على الاجتماع في نيويورك في سياق الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك في سبتمبر 2023م.
تحديات تنفيذ مخرجات الاجتماع الوزاري
هناك الكثير من التحديات التي تعيق تنفيذ نتائج الاجتماع الوزاري في تشاد، تتمثل أُولى هذه التحديات في صعوبة إقناع الأطراف بوقف إطلاق النار والوصول إلى هدنة شاملة؛ إذ إن هناك محاولات لمراقبة وقف إطلاق النار وترصد الأقمار الصناعية المخالفات، لكن لا تُوجد آلية لردع أو محاسبة الأطراف المتحاربة؛ ما يشير إلى غياب الإرادة السياسية لتلك الأطراف لوقف القتال، بالإضافة إلى ضبابية الأوضاع في السودان، وعدم وجود ملامح لعملية سياسية تساهم في وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع، وتتمثل التحديات أيضًا في التباين والتجاذب بين المسارات المطروحة من قِبَلِ الاتحاد الأفريقي أو الإيجاد أو مسار جدة.
السيناريوهات المحتملة للأزمة السودانية بعد الاجتماع في تشاد
سيناريو تشاؤمي:
قد لا يتم تنفيذ مخرجات الاجتماع الوزاري؛ نظرًا لعدم رغبة الأطراف الفاعلة في التهدئة أو التفاوض؛ ما يعني استمرار تأزُّم الحرب، كما قد يعني تدخل المجتمع الدولي لممارسة أدوات ضغط، سواء دبلوماسية أو اقتصادية؛ ما قد يقود إلى أعمال عسكرية في السودان لإنهاء النزاع، كما حدث في العديد من دول المنطقة، ومن المرجح أيضًا عقْد اجتماعات أخرى؛ لبحث المستجدات في الأزمة السودانية وتداعياتها وسُبُل التصدي لها، وهو الأقرب.
سيناريو تفاؤلي:
قد يتم تنفيذ مخرجات الاجتماع التي اتفق عليها كافة الوزراء، ويتم وقف إطلاق النار بين طرفيْ الصراع، ومن ثم الشروع في مفاوضات التسوية، والتي قد تقود إلى بلورة عملية سياسية شاملة، تساهم في إيقاف النزاع، ولكن من غير المرجح حدوث هذا السيناريو؛ نظرًا لعدم رغبة الأطراف الفاعلة في التسوية سلميًّا.
ختامًا:
يمكن القول: إن الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السودانية ما زالت مستمرة؛ لذا جاءت أول اجتماعات وزراء خارجية دول جوار السودان في العاصمة التشادية، وتمت مناقشة الأوضاع في السودان ومدى تأثيرها على المنطقة المحيطة، وتم التوصل إلى خطة عمل لإنهاء الصراع، وتشمل وقف إطلاق النار وتنظيم حوار شامل بين السودانيين وإدارة القضايا الإنسانية، كما تم الاتفاق بين الوزراء على بنود تساهم في الحد من المعاناة الإنسانية التي يواجهها الشعب السواني، والتنسيق بين كافة الجهات الفعَّالة في الأزمة، مثل منظمة إيجاد الأفريقية ومبادرات الاتحاد الأفريقي وكذلك دول الجوار، ولكن هناك تحديات تعيق تنفيذ مقترحات الاجتماع، مثل صعوبة التسوية بين الدعم السريع والجيش السوداني، ومن المرجح عقْد اجتماعات أخرى في الفترة المقبلة.