المقالات
مستقبل العلاقات الإفريقية الإسرائيلية بعد الحرب على غزة
- نوفمبر 14, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: دينا لملوم
باحثة متخصصة فى الشؤون الإفريقية
لقد أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى إعادة رسم مستقبل العلاقات بينها وبين بعض الدول الإفريقية التى تربطها علاقات أشبه بالمتجذرة، وبالنظر للطبيعة الاستعمارية التى عانت منها الشعوب الإفريقية، نجد أن ثمة بعض التوجهات الرافضة لملحمة غزة التى أسفر عنها أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، وقد ظهرت بعض موجات الغضب الرافضة لمثل هذه الانتهاكات فى القارة السمراء حتى قامت تشاد وجنوب إفريقيا باستدعاء دبلوماسيها من تل أبيب؛ للتشاور حول هذه القضية، وما آلت إليه من خسائر، وتتمتع إسرائيل بعلاقات وصلت إلى حد التطبيع مع بعض الدول فى إفريقيا، كما أنها تتوغل داخل القارة؛ لتحقيق العديد من المصالح والأهداف، وخلق أرضية خصبة تمكنها من ذلك، إضافة إلى تطويق النفوذ العربى فى المنطقة، وترسيخ موطئ قدم لها.
تسلسل تاريخى:
ترجع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول الإفريقية إلى منتصف خمسينيات القرن المنصرم، حيث سعت إلى البحث عن الشرعية الدولية فى الأوساط المختلفة، فبعد الدعم الغربى لها، لما يكن السبيل لتحقيق هذه الغاية سوى التوجه نحو القارة السمراء؛ رغبةً فى الحصول على دعم وتأييد واسعين، حتى تم تأسيس علاقات دبلوماسية مع غانا عام 1956، ولحق بركابها معظم دول جنوب الصحراء، وبحلول السبعينيات كانت تل أبيب قد رسخت قدميها فى 33 دولة إفريقية وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة معها، إلا أن هذا الزخم العلاقاتى قد تراجع فى أعقاب 1967، ووصل الأمر إلى القطيعة شبه الكاملة عام 1973، ولكن فى وقتنا الحالى ثمة اختراق جيوستراتيجى واسع المدى لإسرائيل داخل معظم الأراضى الإفريقية؛ انطلاقاً من محددات التعطش الاقتصادى والفنى التى يعانى منها هذه الدول، فوجد الكيان الإسرائيلى الأرض الخصبة التى تؤهل له تحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، وذلك عبر استخدام إمكاناته المادية والبشرية لتقديم المساعدة والدعم اللازمين للدول الإفريقية.
محددات الدور الإسرائيلى فى إفريقيا:
الصراع العربى الإسرائيلى:
لقد شكل الصراع العربى الإسرائيلى دافعًا لزيادة توغل إسرائيل داخل القارة الإفريقية؛ مستغلةً فى ذلك حالة الوهن التى تعترى بعض دول القارة، وذلك فى ظل حالة التنافس الدولى لا سيما العربى والإسرائيلى، وسعى الأخيرة إلى استقطاب هذه الدول، وقد شهدت العلاقات بين إفريقيا والكيان تطورًا ملحوظًا بعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وبعد سيل المقاطعة الذى انهال على تل أبيب قبيل وبعد حرب 1973، قام الكيان بتحركات واسعة؛ لمحاولة كسب هذه الدول بكافة السبل الممكنة، حيث تقديم الدعم الاقتصادى والمالى، والدفع بالعديد من الخدمات التقنية فى قطاعات الزراعة والصناعة؛ لكى تتمكن من الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات الإفريقية البالغة نحو 30% لصالحها فى الهيئات الدولية، خاصة الأمم المتحدة، حتى تمكن من استمالة هذه الدول، ففى عام 1999، أصبح لإسرائيل علاقات دبلوماسية مع 42 دولة، وازداد هذا العدد إلى 45 عام 2005، حتى ارتفع من 44 دولة إلى 48 بعد التطبيع مع غينيا عام 2016، وتشاد عام 2019، إضافة إلى المغرب والسودان.
الأهمية الجيوستراتيجية لإفريقيا:
تشكل إفريقيا أهمية إستراتيجية لإسرائيل، سواء من حيث موقعها الجغرافى، أو قربها من الدول العربية التى تناصبها العداء، وما لذلك من تأثيرات هامة على صعيد الصراع العربى الإسرائيلى، وتعد منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقى وحوض النيل كمواقع فى غاية الأهمية؛ بسبب تواجد العديد من القوى الكبرى ومدى ارتباطه بالأمن القومى العربى والمصرى، وانعكاس ذلك على منظومة الأمن الإسرائيلى؛ وبالنظر إلى عملية التقارب الجغرافى بين القرن الإفريقى والبحر الأحمر وقناة السويس وخليج العقبة من ناحية، ومنطقة الخليج العربى من ناحية أخرى، فإن فهذه الممرات المائية تؤثر بشكل كبير فى مصالح الدول الكبرى؛ لذا فقد سعت إسرائيل إلى التوغل فى هذه المناطق، وتأسيس منصة قوية تمكنها من لعب أدوار محورية فى هذا العمق الاستراتيجى، وبالتالى بناء فناء خلفى لها يمكنها من تشتيت جهود جيرانها باتجاه إفريقيا بعيدًا عن الأراضى الإسرائيلية.
مكافحة الإرهاب:
فى إطار الجهود الدولية التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، قدمت إسرائيل نفسها كدولة تعمل على مطاردة رؤوس الجماعات الإرهابية والمتطرفة فى إفريقيا، واستطاعت أن تسوّق لذلك دوليًا وإفريقيًا، ودعمت هذه المساعى عبر تقديم المساعدات الاستخباراتية والاستشارات؛ لمساندة بعض الحكومات الإفريقية لمجابهة الإرهاب.
الجاليات اليهودية فى إفريقيا:
تتواجد على الأراضى الإفريقية العديد من الجاليات اليهودية التى تتفاوت فى أحجامها وقوة تأثيرها، فتشمل شمال إفريقيا جماعات من يهود السفارديم الذين جاءوا من إسبانيا والبرتغال خلال القرنين الـ15 والـ16، إضافة إلى جماعات من اليهود الأشكناز التى قدُمت إلى إفريقيا من شمال أوروبا وشرقها خلال القرنين الـ19 والـ20، ويعتبر يهود الفلاشا فى إثيوبيا من أفقر الجاليات اليهودية فى القارة، فى المقابل تعد الجالية اليهودية فى جنوب إفريقيا من أغنى الجاليات فى العالم، وعليه فإن هذا الترابط الديموغرافى بين إسرائيل والقارة، يمكّن صناع القرار الإسرائيليين من توغلهم بقوة فى إفريقيا؛ لتحقيق أهدافهم المرجوة، وتضلع اليهود فى هذه المنطقة بدورهم فى خدمة إسرائيل وتسهيل مهامها فى هذه القارة المترامية الأطراف.
الدخول على خط بعض النزاعات الإفريقية:
تحاول إسرائيل لعب دور المنقذ والراغب فى إحلال السلام فى الدول الإفريقية التى أنهكتها ظروف وويلات الحروب، فتدخل على خط النزاعات عبر وساطات مختلفة، وهو ما ظهر فى التوسط فى الصدام الأخير الذى وقع بين البرهان وحميدتى، حيث دعا وزير الخارجية الإسرائيلى، كلًا من قائد الجيش السودانى، وقائد قوات الدعم السريع لاجتماع مشترك فى تل أبيب؛ لمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وذلك بالتنسيق مع الرئيس بايدن والإمارات، وعليه نجد أن إسرائيل أرادت أن تظهر بدور المدافع عن الأمن والسلم فى المنطقة، وهذا ربما يكون وراءه دسائس كامنة فى تحريك نيران هذه الحرب مثلما يفعل الغرب فى أى صراع، فالمتعارف عليه أن أى دخيل على دولة ينهكها النزاع وديمومة الحروب التى استنزفت مقدراتها يكون أهدافه المستترة إضعاف قوى البلد المستنزف وتفكيكه؛ حتى يسهل السيطرة عليه واختراقه أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وبملاحظة الجانب الإسرائيلى، نجد أنه يمرر السلاح والمعلومات الاستخباراتية فى أوقات الحروب، أما أوقات السلم، فيغرق القارة بالمشاريع والاستثمارات، مع الاستحواذ على نصيبه من الكعكة الصفراء “اليورانيوم” الذى تمتلكه إفريقيا.
أهمية إفريقيا بالنسبة لإسرائيل:
تشكل إفريقيا أهمية بالغة لدى إسرائيل، حيث تسعى إلى بلورة حزمة من الأهداف والمصالح المختلفة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية، عبر اندماجها فى القارة وإقامة علاقات مع عدة دول إفريقية، ويمكن إجمال هذه الأهداف فيما يلى:
أهداف سياسية:
تتمثل المصالح السياسية التى تتطلع إليها إسرائيل عبر التدخل فى إفريقيا فى تكوين جبهة تأيدية إفريقية تدعمها فى المحافل الدولية؛ لشرعنة سلوكها وتصرفاتها، وبخاصة فى ملف القضية الفلسطينية المشتعل فى الوقت الحالى، وبالنظر إلى حجم الكتلة التصويتية الإفريقية فى الأمم المتحدة، ثمة مساعى إسرائيلية لتوسيع دائرة نفوذها فى القارة السمراء، وقد حققت تل أبيب نجاحات كبيرة فى هذا الصدد، بالرغم من بعض الإخفاقات والتى زادت بعد الحرب التى شنتها على قطاع الغزة، وإثارة الغضب العام لدى العديد من الشعوب الإفريقية.
أهداف اقتصادية:
تتمتع إفريقيا بحصيلة هائلة من الثروات الطبيعية؛ وهو ما جعلها مطمعًا لعدة قوى خارجية، مثل إسرائيل التى رغبت فى الاستحواذ على هذه الثروات، إضافة إلى غزو الأسواق الإفريقية، التى تعد بمثابة سوق استهلاكى لا يُستهان به، وإغراقها بالاستثمارات والمنتجات الإسرائيلية؛ وذلك لكى تتمكن من تطويق الاقتصاد العربى فى القارة، هذا بالإضافة إلى خدمة أهدافها الاقتصادية والسياسية فى إفريقيا.
أهداف أمنية:
تتطلع إسرائيل إلى حصار الأمن القومى العربى عبر السيطرة على عمقه الإفريقى، حيث تعد إفريقيا بمثابة الجدار الحديدى للأمن القومى الإسرائيلى، علاوة على ذلك، تحاول بسط نفوذها على موارد المياه، لا سيما نهر النيل، وهنا يتضح ملامح الضغط من قبل هذا الكيان على مصر والدخول على خط الأزمة العالقة بين القاهرة وأديس أبابا فيما يتعلق بملف سد النهضة، كما أن صناع القرار الإسرائيليين أدركوا مدى أهمية إثيوبيا التى تتمتع بمزايا سياسية وأمنية وعسكرية وخلافه، وهو ما يجعلها مفتاح التغلغل نحو إفريقيا، ولا تزال جهود تل أبيب مستمرة باحثة عن تعميق سبل التعاون الاستخباراتى بين الدول الإفريقية بشكل موسع يمكنها من الاطلاع على خبايا هذه القارة، بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
أسباب رفض بعض الدول الإفريقية للممارسات الإسرائيلية فى غزة:
على الرغم من النجاح النسبى الذى حققته تل أبيب فى تطوير علاقاتها الدبلوماسية مع العديد من الدول الإفريقية، وتمددها بشكل كبير، إلا أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، تمخض عنها استنكار واسع من قبل أجزاء متفرقة من القارة الإفريقية؛ لتعيد إلى الأذهان مشهد الماضى الاستعمارى، والتدخلات الخارجية فى القارة، وفى هذا الصدد يمكن بلورة أبرز العوامل التى أججت من مشاعر الرفض العام لممارسات إسرائيل من قبل بعض الدول الإفريقية:
أولًا – الخلفية الاستعمارية:
مازالت الشعوب الإفريقية تستشعر الماضى الاستعمارى الأليم، وتعانى تبعات احتلال أراضيهم من قبل القوى الغربية، التى لا تزال تربطها علاقات تبعية اقتصادية لهذه القوى بشكل كبير، ويرتبط الوجدان الإفريقى بفلسطين، انطلاقًا من فرضية التقسيم التى اتبعها المحتل الغربى فى إفريقيا، فمثلما تم تقسيم الأراضى الإفريقية فى مؤتمر برلين 1884-1885؛ متجاهلين فى ذلك حقوق البشر الذين يقطنون هذه الأراضى، ودون مراعاة التكوينات الإثنية لهذه المناطق، أيضًا تم تقسيم فلسطين التى وصفها الإسرائيليون على أنها أراض لا يسكنها أحد، وقاموا باحتلالها عام 1948، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فقد تجاوزت العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول الإفريقية إلى حد كبير هذه الاعتبارات، وبدأ الاتجاه نحو تعزيز المصالح الاقتصادية والأمنية بين الطرفين، ولكن سرعان ما حطت الحرب على غزة أوزارها؛ لتعيد للأفارقة ذكريات الماضى، وتحيى من جديد الانطباعات السياسية الإفريقية تجاه تل أبيب، لا سيما على المستوى الشعبى.
ثانيًا – الرفض الإفريقى للتواجد الغربى فى القارة:
لقد تزامنت الأحداث فى غزة مع موجات الرفض الشعبى للتواجد العسكرى الأجنبى على الأراضى الإفريقية، وبصفة خاصة الفرنسى؛ وهو ما دفع فرنسا إلى سحب قواتها من العديد من دول الساحل الإفريقى، وتأججت مشاعر العداء لها من قبل الأفارقة بعدما أظهرت باريس تأييدها للموقف الإسرائيلى، وربما كانت الزيارة التى قام بها المستشار الألمانى شولتس إلى غانا ونيجيريا، سبقها زيارة الرئيس شتاينماير إلى تتزانيا واعتذاره عن الانتهاكات التى ارتكبتها دولته أثناء استعمارها للبلاد، كنوع من الوعى وإدراك مدى التهديد الذى شكلته حرب غزة على المصالح الغربية فى إفريقيا، ويقظة الرأى العام الإفريقى ضد محاولات التوغل الغربى فى القارة.
موقف الدول الإفريقية من الحرب على غزة:
بعد سلسلة الاعتداءات التى شنتها إسرائيل على غزة، تباينت مواقف الدول الإفريقية حيال هذه العمليات، فمنها من أدان حماس وقدم دعمًا غير مشروط إلى إسرائيل، ومنها من دعا إلى وقف التصعيد والتنديد بالعنف الذى وجه إلى المدنيين بصرف النظر عن مرتكبيه، أما الموقف الأخير فتمثل فى رفض إدانة حماس بشكل رسمى، وهو ما اتضح فى موقف الاتحاد الإفريقى، الذى أكد ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات، وإعمال مبدأ حل الدولتين، ويمكن استعراض بعض المواقف الإفريقية إزاء العدوان الإسرائيلى على غزة فى التالى:
الدول الداعمة لغزة “استخدام سلاح الدبلوماسية الخشنة”:
- جنوب إفريقيا: أعربت بريتوريا عن استيائها جراء العدوان الإسرائيلى على غزة، حيث أصدرت وزارة الخارجية فى البلاد بيانًا يقضى بوقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأكدت على استعدادها للعب دور الوسيط بين الجانبين، كما دعت وزيرة الخارجية إلى مقاطعة المنتجات التابعة للكيان، واستنكر الرئيس الجنوب الإفريقى دعوات الجيش الإسرائيلى لترحيل الفلسطينيين من الجزء الشمالى، معربًا عن تضامنه مع الشعب الفلسطينى، واستكمالًا لمسلسل الفظائع المرتكبة فى حق المدنيين الفلسطينيين العزل وعمليات الإبادة الجماعية، قررت جنوب إفريقيا سحب كافة دبلوماسيها من تل أبيب، فى ظل الرفض القاطع للانتهاكات الجسيمة التى تحدث أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولى دون اتخاذ خطوات عادلة ومنصفة ملموسة تعمل على وقف حالة الاقتتال التى تحصد أرواح الشعوب الفلسطينية، هذا وقد قامت بريتوريا باستدعاء السفير الإسرائيلى فى البلاد؛ لمناقشة سلوكه الذى وصفته بأنه مؤسف فيما يخص الحرب على غزة، وتؤكد الحكومة الجنوب إفريقية على استعدادها الكامل للعب دور نحو استعادة الأمن والاستقرار واستئناف المفاوضات نحو سلام عادل ودائم للفلسطينيين.
تجدر الإشارة إلى أن برلمان جنوب إفريقيا كان قد صوت على مشروع قرار لخفض مستوى التمثيل الدبلوماسى للبلاد فى إسرائيل، فبراير الماضى، وذلك فى ضوء الانتهاكات المتكررة ضد الفلسطينيين، وسبقها دعوة الحزب الحاكم فى بريتوريا ديسمبر 2017؛ لخفض مكانة سفارة جنوب إفريقيا فى إسرائيل.
- تشاد: تعد انجامينا أول دول إفريقية تقوم باستدعاء القائم بالأعمال فى إسرائيل 4 نوفمبر؛ وذلك احتجاجًا على عمليات القتل المروع إزاء المدنيين العزل، حيث إنها طالبت بوقف إطلاق النار بالشكل الذى يقضى بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وتأتى هذه الخطوة بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وتشاد عام 2019، والتى ظلت فى قطيعة لمدة 46 عامًا، وفى هذا الصدد فقد سعت الدولتان لمد جسور التعاون بينهما، وتبادل الزيارات المختلفة، حيث استقبال نتنياهو على الأراضى التشادية عام 2019، كأول زيارة له منذ انقطاع العلاقات بين البلدين عام 1972، وقد سبق ذلك قيام الرئيس التشادى إدريس ديبى بزيارة إسرائيل عام 2018، كما أن انجامينا وتل أبيب يرتبطان باتفاقيات تطبيع، إذن فهناك نوع من الدفء فى مستوى العلاقات بينهما، فلماذا اتخذت تشاد هذا المسار الحاد؟ والذى قد يدفع إلى توتر العلاقات بين البلدين، وهنا يكمن السؤال، ماذا تراهن انجامينا من وراء هذا التحرك، هل ستتخذ منحى روسيا، خاصة فى ظل انشغال الولايات المتحدة فى الأحداث الجارية فى غزة، وانتهاز موسكو ذلك كفرصة للتوغل بقوة فى إفريقيا؟ ويدعم هذا الاتجاه، أن روسيا هى الدولة المتأهبة للعب دور فى المنطقة بشكل أكثر توسعًا، بجانب دورها عبر قنوات فاجنر، ووجود حالة من الخلاف الفرنسى التشادى المكتوم حول كيفية إدارة الدولة وعلاقة الأخيرة بدول الجوار، لا سيما بعدما أثبتت السياسة الفرنسية مدى فشلها فى العديد من دول الصراع الإفريقية؛ لذا يبقى الحديث عن إحتمالية حدوث تقارب تشادى روسى عوضًا عن أمريكا، خاصة إذا ساءت العلاقات بينها وبين إسرائيل.
- موريتانيا: لقد انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا وإسرائيل منذ 2009، وواصلت الأحزاب والحكومة الموريتانية دعم الحقوق الفلسطينية، وعقب الاعتداءات الأخيرة على غزة قامت هذه الأحزاب بدعم سكان القطاع عبر تقديم التبرعات وخلافه، ودعت النقابات العمالية فى البلاد إلى الوقف الفورى لـ”العدوان الإسرائيلى” على غزة وفتح المعابر بشكل دائم لإدخال كافة الاحتياجات البشرية، كما أجرى القيادى بحركة حماس سامى أبو زهرى لقاءات مع قادة أحزاب سياسية موريتانية من المعارضة والموالاة فى الأول من نوفمبر الحالى.
- السنغال: طالبت الحملة السنغالية للدفاع عن القدس وفلسطين، المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق فى جرائم الحرب التى يرتكبها الاحتلال فى قطاع غزة، ودعت تنزانيا إلى وقف أعمال الاقتتال من الطرفين والدعوة إلى السلام.
من هذا المنطلق نجد أن هذه الدول الإفريقية قد كشرت عن أنيابها وعملت على استخدام ذراع الدبلوماسية الخشنة، عبر إدانة الأفعال الإسرائيلية بحق الشعوب الفلسطينية، وهو ما اتضح فى إقدام جنوب إفريقيا وتشاد على خطوة استدعاء دبلوماسيها من تل أبيب، وهو ما قد يعقبه توتر فى العلاقات بين هاتين الدولتين وإسرائيل فى المستقبل.
الدول الداعمة لإسرائيل:
ثمة العديد من الدول الإفريقية التى أعربت صراحة عن موقفها الداعم للكيان الإسرائيلى، مثل كينيا التى أدان رئيسها هجمات حماس على إسرائيل، وطالب المجتمع الدولى باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ما وصفه بالأعمال الإرهابية، وتبنت غانا موقفًا مشابهًا، حيث امتنعت عن التصويت فى مجلس الأمن فيما يتعلق بقرارات وقف إطلاق النار على غزة، أيضًا من بين الدول الإفريقية الأخرى التى دعمت إسرائيل، رواندا والكاميرون والكونغو الديمقراطية.
الموقف المغربى من الحرب على غزة:
يجمع المغرب وإسرائيل رصيد علاقاتى متميز حتى وصوله إلى مستوى التطبيع بين البلدين، إلا أن ذلك لم يمنع الرباط من التنديد بما يحدث فى غزة، وتعبيرها عن استيائها من مواصلة الأعمال العسكرية المتصاعدة وتفاقم الوضع الإنسانى فى القطاع، ومن ثم اتساع رقعة العنف الذى يهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها، ومنذ بداية التصعيد خرجت المظاهرات الشعبية الداعمة للفلسطينيين، كما قامت الرباط بإرسال طائرتين عسكريتين محملتين بالمساعدات الإنسانية إلى مطار العريش؛ دعمًا للشعب الفلسطينى الأعزل.
رد الفعل الشعبى:
يترسخ فى أذهان الشعوب الإفريقية ماضى الاستعمار القديم الذى عاشوا فيه لسنوات طويلة، فظهر الدعم الشعبى للفلسطينيين؛ إيمانًا بأن قضيتهم جزء لا يتجزأ من القيم الجماعية الإفريقية الرافضة لاحتلال واستغلال مقدرات الشعوب، وقد اتضحت ملامح هذا الغضب والرفض العارم للاعتداءات المتواصلة على غزة فى إطلاق المظاهرات والاحتجاجات فى الأقاليم الإفريقية المختلفة.
ختامًا:
وأخيرًا لقد أدت الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة إلى زيادة حدة الغضب العام من قبل العديد من الشعوب حول العالم ليس على الصعيد الإفريقى فحسب؛ مما أسفر عن قيام بعض الدول سواء فى أمريكا اللاتينية أو فى إفريقيا باستدعاء سفرائها فى تل أبيب، وهو ما يؤشر بمدى التراجع فى استخدام إسرائيل لأدوات سياستها الخارجية؛ ارتباطًا بتركيز الجهود على حشد تأييد الدول الغربية بشكل خاص والمجتمع الدولى بشكل عام؛ لتبرير عملياتها العسكرية على غزة، كونها تأتى فى إطار رد الفعل والحق فى الدفاع عن النفس، ويحتمل أن تقوم بعض الدول خلال الفترة القادمة باتباع نفس المسار الذى اتخذته تشاد وجنوب إفريقيا، وهو ما قد يدفع إلى تعكير صفو العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول الإفريقية، وربما تهديد نفوذ ومصالح الكيان الإسرائيلى فى المنطقة، وبالتالى فقدان الكيان بعض الزخم الذى حظى به خلال الحقب الماضية، ولكن ربما بالشكل الذى قد لا يؤثر بشكل قوى على تسلسل مسار العلاقات المتشعبة التى تربطه ببعض الدول الإفريقية؛ نظرًا للعلاقات التاريخية المتجذرة بينهما، ولكن ربما تنتفض الشعوب الإفريقية يومًا ما؛ تحررًا من ذكريات الاستعمار القديم، والذى بات يجسده الاعتداء الإسرائيلى المتكرر على فلسطين.