المقالات
القراءةُ التركيةُ للتصعيدِ الإيرانيِ الإسرائيليِ
- أبريل 22, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
إعداد: أحمد محمد فهمي
باحث متخصص في الشؤون التركية والإقليمية
تسببَ التصعيدُ المتبادلُ بينَ إيرانَ وكذلكَ إسرائيلَ، الذي بدأَ في الأولِ من أبريلَ بقصفٍ إسرائيليٍ على القنصليةِ الإيرانيةِ في طهرانَ، وردٍ إيرانيٍ في ١٣ أبريلَ الحاليِ بقصفِ الداخلِ الإسرائيليِ بعددٍ منَ الصواريخِ والطائراتِ المسيرةِ، وكذلكَ الردُ الإسرائيليُ في ١٦ أبريلَ بقصفِها لقاعدةٍ عسكريةٍ في مدينةِ أصفهانَ الإيرانيةَ، في بثِ القلقِ لدىَ العديدِ منَ الأطرافِ بشأنِ تحولِ هذا التصعيدِ إلى حربٍ إقليميةٍ واسعةِ النطاقِ.
أدتْ هذهِ الأحداثُ إلى تصاعدِ التوتراتِ في المنطقةِ، وخلقتْ مخاوفَ بشأنِ استمرارِ هذا الصراعِ وتفاقمهِ، وخرجتْ ردودُ الفعلِ الإقليميةِ والدوليةِ محـذرةً من تداعياتِ هذا التصعيدِ على الأمنِ والاستقرارِ الإقليميِ، مع التأكيدِ على ضرورةِ الحفاظِ على الهدوءِ وتجنبِ التصعيدِ العسكريِ.
وبرزتْ ردودُ الفعلِ التركيةِ من خلالِ اتصالاتِ وتحركاتِ وزيرِ الخارجيةِ “هاكان فيدان”، وأيضًا إصدارُ وزارةِ الخارجيةِ لعدةِ بياناتٍ متعلقةٍ بالأزمةِ ، حذرتْ من خلالهِا بالتصعيدِ الجاريِ وأن ذلكَ قد يزيدُ من تصاعدِ الصراعِ في المنطقةِ، ودعتْ جميعَ الأطرافِ إلى ضبطِ النفسِ والالتزامِ بالقوانينِ، وأكدتْ على استمرارهِا في جهودِها لمنعِ حدوثِ أيِّ أحداثٍ قد تؤديِ إلى زيادةِ الصراعاتِ وتقويضِ استقرارِ المنطقةِ وتأجيجِ التوتراتِ العالميةِ.
الدورُ التركيُ لإحتواءِ التصعيدِ
بالرغمِ منَ العلاقةِ المتوترةِ معَ إسرائيلَ، لعبتْ تركَيا دورًا بارزًا في إحتواءِ التصعيدِ بينَ الطرفينِ، منْ خلالِ نقلِ رسائلَ متبادلةٍ بينَ طهرانَ وواشنطنَ وتلِ أبيب، وأوضحتْ هذهِ الرسائلُ أن إيرانَ لا ترغبُ في الحربِ الشاملةِ، وأن هجومَها على الداخلِ الإسرائيليِ لن يتجاوزَ الردَ على ضربِ القنصليةِ.
وكانتْ لهذهِ الجهودُ الدبلوماسيةُ دورًا في طلبِ رئيسِ وكالةِ الاستخباراتِ المركزيةِ الأميركيةِ “CIA” ويليام بيرنز من نظيرهِ التركيِ إبراهيم كالن أن تكونَ تركيَا وسيطًا بينَ إيرانِ وإسرائيلَ. فعلى الرغمِ من محدوديةِ وحجمِ الردِ الإسرائيليِ الأخيرِ على أصفهانَ الإيرانيةَ، إلا أنَّ التصعيدَ بينَ الطرفينِ لا يزالُ قائمًا، خاصةً مع استمرارِ الحربِ الإسرائيليةِ على قطاعِ غزةَ، وجهودَ إسرائيلَ المستمرةَ في ملاحقةِ واغتيالِ قادةِ الحرسِ الثوريِ الإيرانيِ في دولِ “محورِ المقاومةِ”.
كمَا تسعى تركيَا جاهدةً لتحقيقِ التوازنِ في المنطقةِ والحفاظِ على استقرارهِا، حيثُ يمكنُ أن يؤديَ التصعيدُ الحاليُ إلى تفاقمِ الأوضاعِ وزيادةِ الصراعِ في المنطقةِ، ممَّا يزيدُ من التوتراتِ الإقليميةِ والدوليةِ، ويشكلُ تهديدًا للاستقرارِ الإقليميِ والأمنِ العالميِ.
مواقفُ داخليةٌ متباينةٌ
كانتْ ردودُ فعلِ الداخلِ التركيِ متباينةً إزاءَ التصعيدِ الإيرانيِ الإسرائيليِ. على المستوىَ الرسميِ، شككَ الرئيسُ أردوغان في الرواياتِ الإسرائيليةِ والإيرانيةِ لهجومِ أصفهانَ، مشيرًا إلى وجودِ تبايناتٍ حولَ التصريحاتِ الصادرةِ من الطرفينِ. لكنْ في المقابلِ، اتهمَ أردوغانُ الدولَ الغربيةَ بازدواجيةِ المعاييرِ، إذْ انتقدَ تصريحاتهِم التي أدانتْ طهرانَ بسببِ هجومِها على إسرائيلَ، بينمَا التزموا الصمتَ تجاه هجومِ إسرائيلَ على القنصليةِ الإيرانيةِ في دمشقَ. أيضًا، أعربَ زعيمُ حزبِ الحركةِ القوميةِ “دولت بهتشلي” الظهيرُ والحليفُ الأساسيُ للرئيسِ أردوغان – في خطابهِ الأسبوعيِ أمامَ كتلتهِ البرلمانيةِ – عنْ اعتقادهِ بأنَّ إيرانَ وإسرائيلَ عرضتا مسرحيةً “مفضوحةً” لا تنطليِ إلا على “المغفلينَ”.
في المقابلِ، لعبتْ بعضُ أحزابِ المعارضةِ “المحافظةِ” دورًا على وترِ هذا التصعيدِ، خاصةً معَ استمرارِ العُدوانِ الإسرائيليِ على قطاعِ غزةَ. فدعا حزبُ السعادةِ المعارضِ، الحكومةَ التركيةَ إلى الانضمامِ إلى تحالفٍ يضمُ كلًا منْ طهرانَ ودمشقَ وبغدادَ، معتبرًا هذا التحالفَ ليسَ مجردَ خَيارٍ وإنمٌَا أصبحَ ضرورةً، بعدَ أنْ أصبحتْ إيرانُ في حالةِ حربٍ معَ إسرائيلَ، وأنهُ من واجبِ جميعِ المسلمينَ أنْ يقفُوا إلى جانبِ إيرانَ في هذهِ الظروفِ.
تأثيراتٌ إيجابيةٌ محتملةٌ
ترىَ تركيَا أن الأزمةَ الحاليةَ قد تكونُ لهَا تأثيراتٌ إيجابيةٌ على المصالحِ التركيةِ في العديدِ من الملفاتِ. ومنْ بينِ هذهِ التأثيراتِ، فإنَ احتمالَ فرضِ الولاياتِ المتحدةِ عقوباتٍ جديدةٍ على إيرانَ، مع تقييدِها بشكلٍ أكبرَ، قدْ يؤثرُ على السياساتِ الإيرانيةِ في الملفاتِ الشائكةِ، التي تتداخلُ معَ المصالحِ التركيةِ، خاصةً في شمالِ سوريا على سبيلِ المثالِ. بالإضافةِ إلى ذلكَ، قد تضطرُ إيرانُ إلى القيامِ بتنازلاتٍ فيمَا يتعلقُ بفتحِ ممرِ “زانجيزور”، الذي يربطُ بينَ الأراضيِ الأذربيجانيةِ وجمهوريةِ “ناخيتشفان” الأذربيجانيةِ المتمتعةِ بالحكمِ الذاتيِ. ففَتحُ هذا الممرِ يعتبرُ مهمًا للاقتصادِ التركيِ، وسيكونُ أيضًا مفيدًا للاقتصادِ الإيرانيِ، نظرًا لأهميتهِ في تعزيزِ التجارةِ والتعاونِ بينَ الدولِ التركيةِ وإيرانَ.
وفيمَا يتعلقُ بإسرائيلَ، فإنَّ التطوراتِ الأخيرةَ وتأثيراتِها النفسيةَ على المجتمعِ الإسرائيليِ، جنباً إلى جنبٍ معَ زيادةِ الضغوطِ الداخليةِ والخارجيةِ على حكومةِ نتنياهو، قد ساهمتْ في تعقيدِ موقفِ الحكومةِ الإسرائيليةِ ووضعِها في مأزقٍ. هذا الموقفُ قد يعززُ مسارَ إقالةِ نتنياهو، وهو ما ينتظرُه أردوغانُ من أجلِ بحثِ إعادةِ العلاقاتِ التركيةِ الإسرائيليةِ معَ الحكومةِ الجديدةِ المتوقعةِ.
دورُ الحربِ في قطاعِ غزةَ
حسبَ الرؤيةِ التركيةِ التي أشارَ إليهَا وزيرُ الخارجيةِ هاكان فيدان خلالَ اتصالِه بنظيرهِ الأمريكيِ أنتوني بلينكن، تعتقدُ تركَيا أنَّ الصراعَ في قطاعِ غزةَ يكمنَ وراءَ الأزمةِ بينَ إيرانَ وإسرائيلَ، وتتوقعُ تصاعدَ الأوضاعِ إذا لم يتمْ الإعلانُ عن وقفٍ لإطلاقِ النارِ في القطاعِ.
وبالتاليِ، تسعى تركيا، منٍ خلالِ التعاونِ معَ الولاياتِ المتحدةِ والمجتمعِ الدوليِ، إلى زيادةِ الضغطِ على إسرائيلَ لوقفِ هجماتِها على قطاعِ غزةَ والتوصلِ إلى اتفاقِ هدنةٍ وتبادلٍ للأسرىَ معَ المقاومةِ الفلسطينيةِ، لتأثيراتِ ذلكَ على وقفِ التصعيدِ الإسرائيليِ الإيرانيِ. كمَا أنَّ استمرارَ الحربِ الإسرائيليةِ في قطاعِ غزةَ، أثرتْ على مستوىَ ردودِ الفعلِ منَ الأطرافِ الغاضبةِ، خاصةً معَ حالةِ الشحنِ الشعبيِ والإعلاميِ الإيرانيِ جراءَ المجازرِ التي تقومُ بها إسرائيلُ ضدَّ الشعبِ الفلسطينيِ، واغتيالاتٍ لقادةِ الحرسِ الثوريِ وكذلكَ لقادةِ المقاومةِ الفلسطينيةِ واللبنانيةِ، وكذلكَ تجاهَ الموقفِ الأمريكيِ تجاهَ تضامنِها معَ إسرائيلَ من جهةٍ، وتجاهَ قصفِها للفصائلِ المسلحةِ العراقيةِ من جهةٍ أخرىَ.
القلقُ من اندلاعِ صراعٍ إقليميٍ
ترىَ تركيا في هذا السيناريوُ مصدرًا لقلقٍ شديدٍ وتعارضُه بشدةٍ، إذْ قدْ يجلبُ معهُ توترًا عميقًا إلى دولِ المنطقةِ، وذلكَ خاصةً في ظلِّ الموقعِ الجيوسياسيِ الحساسِ لتركيَا والدورِ الاستراتيجيِ الهامِ الذي تلعبُه في المنطقةِ، معَ استمرارِ الحربِ الروسيةِ في أوكرانيَا، والتصعيدِ المحتملِ في عدةِ بؤرٍ نشطةٍ في المنطقةِ العربيةِ، والتوتراتِ الكامنةِ في منطقةِ غربِ البلقان، بالإضافةِ إلى التوتراتِ في جنوبِ القوقازِ. بالتالي، ونظرًا للخطرِ المتزايدِ من تفاقمِ الأوضاعِ، فإنَّ هذهِ التطوراتِ تثيرُ مخاوفَ تركيا منْ أنْ تكونَ عُرضةً لتداعياتٍ واسعةِ النطاقِ.
وبالإضافةِ إلى ذلكَ، يمكنُ أن يُعَد هذا السيناريو فرصةً لإعادةِ تنشيطِ الكياناتِ الكُرديةِ المسلحةِ المُناهضةِ لتركيَا، وعلى رأسِها حزبُ العمالِ الكردستانيِ (PKK). فقدْ استفادتْ تلكَ الكياناتُ سابقًا من الفوضىَ الناجمةِ عنْ الحربِ السوريةِ، بالإضافةِ إلى انهيارِ الأوضاعِ الأمنيةِ في العراقِ بعدَ ظهورِ تنظيمِ “داعشَ” في المنطقةِ. وهذا يُزيدُ من التحدياتِ التي قد تواجُهها تركيا على الصعيدينِ الأمنيِ والسياسيِ.
ومنَ الجوانبِ الأخرىَ، فإنَّ لهذا التصعيدِ تأثيراتٍ اقتصاديةً خطيرةً قد يؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على الاقتصادِ التركيِ، حيثُ قد تتسببُ المواجهاتُ المحتملةُ في خسائرَ كبيرةٍ وتعطيلٍ للنشاطِ التجاريِ والاقتصاديِ.
وختامًا
تجمعُ القراءةُ التركيةُ للتصعيدِ الإيرانيِ الإسرائيليِ بينَ القلقِ والتحذيرِ منْ تفاقمِ الصراعاتِ الإقليميةِ وتصاعدِ التوتراتِ الدوليةِ، إلى جانبِ الاستعدادِ للتدخلِ الدبلوماسيِ من أجلِ تهدئةِ الأوضاعِ في المنطقةِ. إذ أظهرَ الرئيسُ أردوغانُ في تصريحاتٍ متعددةٍ سابقةٍ استعدادَ بلادهِ للتحركِ في هذا الاتجاهِ، وهو ما ترغبُ بهِ أيضًا الولاياتُ المتحدةُ. كمَا أنَّ تركيَا تدركُ التحدياتِ الكبيرةَ التي تواجهُها في ظلِ هذا التصعيدِ، وتضعُ جهودًا لتفاديِ تأثيراتٍ سلبيةٍ محتملةٍ خاصةً على الاقتصادِ التركيِ وموقعِها الاستراتيجيِ. ومنْ هنَا، فهي تسعىَ جاهدةً للتأثيرِ على المساراتِ السياسيةِ والأمنيةِ في المنطقةِ، بهدفِ الحدِّ من التصعيدِ وتجنبِ المزيدِ من الصراعاتِ والتداعياتِ السلبيةِ على الأمنِ والاستقرارِ الإقليميِ.