إعداد: رضوى رمضان عبد الفتاح شريف
تحرير : حسناء تمام كمال
مقدمة
تواجه إثيوبيا حالةً حرجةً من التخبُّط في إدارة و صنع القرار منذ تولي أبي أحمد السلطة، وخصوصا بعد وجود حالة من الصراع الداخلي بين الحكومة الفيدرالية واقليم التجيراي، وصل هذا الصراع لمستويات مرتفعة من العنف، حاول عدد من الوسطاء التدخل لاحتوائه لكن لم تتوج مساعيهم بالنجاح.
وفي تطور لمساعي احتواء الصراع والضغط نخو فضه، اعلن الرئيس الأمريكي (جو بايدن) توقيعه على أمر تنفيذي في 17 سبتمبر الماضي؛ لمعقابة المنخرطين من الحكومة الإثيوبية بإطالة أمد الصراع بإقليم تيجراي.
يعود فرض العقوبات من قبل الدول والمنظمات الدولية لعام 1914 كأداة لمنع الصراعات، لكن لم تكن نتائجه فعالة دوما، وآلت في بعض الأحيان لنتائج عكسية، اذ تحتاج لأن تُطبق بشكل حذر، بوضع عدة اعتبارات في تطبيقها من أهمها معرفة جذور وأسباب الصراع الدائر، ومدي قدرة تلك العقوبات على الضغط بتقليل استخدام الِعنف، والتفاعل الداخلي معها.
” إجماع دولي علي عدم مشروعية ممارسات الحكومة الإثيوبية”
بالنظر للأوضاع الحالية بإثيوبيا، خاصةً في إقليم تيجراي، مازال الصراع فيه محتدمًا بين القوات الاتحادية والقوات المتحالفة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي منذ نوفمبر الماضي، ولكن بعد ثمانية أشهر من القتال، استعادت قوات تيجراي العاصمة الإقليمية (ميكيلي)، وانسحبت القوات الحكومية في 28 يونيو 2021، وتحركت قوات “التيجراي” إلى منطقتي عفار وأمهرة المجاورتين؛ ما أدى لنزوح واسع النطاق، وتصاعدت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن الحكومية ضد أتباع تيجراي.
أدانت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة انتهاكات السلطات الإثيوبية بحق المواطنين، كما أكدت تقارير أممية قيام السلطات الإثيوبية بالاعتقالات التعسفية منذ أواخر يونيو 2021، وارتكابها لـ(الاختفاء القسري الجماعي والاستعباد والتشويه الجنسي) وأشكال أُخرى من التعذيب، مستخدمين الإهانات العرقية والتهديدات بالقتل ضد مواطني تيجراي، وقد طالبت المنظمة السلطات الإثيوبية إطلاق سراح المحتجزين دون أدلة موثَّقة، وإنهاء جميع أشكال التمييز، وأغلقت العديد من الأنشطة التجارية التي يمتلكها أفراد من تيجراي بمنطقة (بولي)، ونفَّذت حملات التفتيش دون إذن قضائي.
أكدت التقارير الأُممية مشاركة القوات الحكومية الإريترية بجانب بعض الميليشيات من تيجراي بارتكابها لعمليات القتل والاغتصاب وانتهاكات جسيمة أخرى ضد اللاجئين الإريتريين، إذ استولت القوات الإريترية المتحاربة على مخيمي (هيتساتس وشيميلبا) للاجئيْن يؤويان آلاف اللاجئين الإريتريين، واستهدفت القوات الإريترية أهالي “تيجراي” الذين يعيشون في المجتمعات المحيطة بالمخيمات.
العقوبات الأمريكية على إثيوبيا
تفاعلت السياسة الخارجية الأمريكية مع الوضع بإثيوبيا في مواطن مختلفة بداية من سحب المساعداتعن إثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة بنحو 130 مليون دولار، كما تفاعلت بتصريحات شجب وإدانة للسياسية الإثيوبية مع مواطني إقليم تيجراي، وطالبتها بالتوقف عن هذه الممارسات، ولوَّحت بفرض عقوبات، واعتبرت إثيوبيا أن هذا النهج تدخلٌ بشأنها الداخلي، وقد وصلت الولايات المتحدة إلى فرض فعلي للعقوبات.
نظام العقوبات الجديد أحدثُ مثال على موقف إدارة (بادين) الأكثر صرامةً من خلفه (ترامب) ضد إثيوبيا بشأن سلسلة الانتهاكات الإنسانية التي تفاقمت تباعًا للحرب بشمال تيجراي.
مع تزايد المحنة الإنسانية بإثيوبيا، وقّع الرئيس الأمريكي (جو بايدن) يوم 17 سبتمبر على أمر تنفيذي لإنشاء نظام عقوبات جديد استجابةً للأزمة بشمال إثيوبيا، ويُخوِّل نظام العقوبات الجديد للولايات المتحدة استهداف أيّ طرف مسؤول أو متواطئ بالإجراءات أو السياسات التي تطيل أمد الصراع بشمال إثيوبيا، ومن انتهكوا حقوق الإنسان، أو عرقلوا وصول المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار، والعقوبات لا تستهدف شعب إثيوبيا أو إريتريا، فالاستثناءات واضحة للسماح بمواصلة التنمية الجارية والبرامج الإنسانية؛ فالولايات المتحدة المانح الأكبر للمساعدات الإنسانية للمتضررين من الأزمة.
يأتي ذلك القرار للأطراف المتحاربة لوقف إطلاق النار؛ حيث فشلت حكومة إثيوبيا وحكومة إريتريا وحكومة إقليم أمهرة وجبهة تحرير شعب تيجراي بوقف القتال واختيار النَّهج الدبلوماسي المطلوب لحل الأزمة المستمرة، وبدلاً من ذلك، تصاعد العنف وانتشر، واستمرت انتهاكات حقوق الإنسان وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
أدرجت الولايات المتحدة – بالتنسيق مع شركائها – رئيس أركان قوات الدفاع الإريترية الجنرال (فيليبوس ولديوهانيس) بموجب سلطة عقوبات (ماجنيتسكي) العالمية فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الدفاع الإريترية بإثيوبيا، وفي مايو الماضي، تم فرض سياسة تقييد إصدار تأشيرات للأفراد المسؤولين أو المتواطئين في تقويض حل الأزمة بتيجراي، لكن يأتي الأمر التنفيذي الجديد بشكل أكثر صرامةً، عند عدم وقف إطلاق النار، أو تعزيز وصول المساعدات الإنسانية.
سياسة فرض العقوبات خطوة إيجابية لحل الصراع؟
يمكن للقوى الخارجية استخدام العقوبات الاقتصادية لمنع الصراعات الداخلية ووضع حدٍّ لها بالضغط على الحكومات لتبنِّي إصلاحات من شأنها إخماد التمردات الوشيكة، وقد تشمل تنفيذ تغييرات ديمقراطية، ومنح الحكم الذاتي للأقليات القومية أو تقاسُم السلطة معها، أو إصلاح الأراضي، أو إعادة توزيع الثروة، أو الامتناع عن نشر دعاية الكراهية.
فقد مثلت العقوبات بالضغط على جنوب إفريقيا لإنهاء الفصل العنصري جهدًا ناجحًا لمنع الصراع، بجانب العقوبات التي هدَّدت بها الولايات المتحدة في أبريل من هذا العام على الصومال بعد تمديد فرماجو فترته الرئاسية لمدة عامين وقد آتت ثمارها، عندما تراجع (فرماجو) عن قراره، ويجري الاتفاق علي موعد للانتخابات الصومالية، والهدف من استخدام العقوبات الأمريكية وقف الصراع بين الحكومة الفيدرالية وإقليم تيجراي، وتهدف سلسلة العقوبات التي تضعها الولايات المتحدة على إثيوبيا ورقة ضغط على الحكومة لوقف أعمالها العدائية بالإقليم.
وتتنوع أشكال العقوبات الأمريكية، يأتي الضغط بالتهديد كمقدمة لإزالة إثيوبيا من قائمة الدول المؤهلة للوصول إلى السوق الأمريكية بدون رسوم جمركية بموجب قانون النمو والفرص الأفريقي (Agoa). وبموجب قانون النمو والفرص الأفريقي، فإن قضية انتهاكات حقوق والأزمة الإنسانية في شمال إثيوبيا بإقليم تيجراي، يمكن أن تؤثر على أهلية إثيوبيا المستقبلية لقانون (Agoa).
استخدمت إثيوبيا (Agoa)، التي تمنح معظم الدول الأفريقية وصولًا معفيًّا من الرسوم الجمركية إلى بعض المنتجات في السوق الأمريكية، كمحفز لاستراتيجيتها التصنيعية، وصدرت ما قيمته 245 مليون دولار من البضائع إلى الولايات المتحدة العام الماضي، أي أكثر من 40 % من إجمالي صادراتها هناك، وفي أواخر شهر أغسطس الماضي، عقدت الممثلة التجارية الأمريكية (كاثرين تاي) اجتماعًا افتراضيًّا مع (مامو ميهريتو)، المستشار التجاري والاقتصادي لـ(أبي أحمد) ، أثارت خلاله “الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًّا وسط الصراع المستمر والأزمة الإنسانية، وأكد مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة بأن عدم التعامل مع الوضع الحالي بشكل سلمي قد يؤثر على أهلية إثيوبيا للانضمام إلى (Agoa).
إزالة إثيوبيا من (Agoa) من شأنه أن يضر بالاستراتيجية الصناعية لإثيوبيا، لا سيما بالمنسوجات والسلع الجلدية، فضلًا عن احتمال إلحاق الضرر ببعض العلامات التجارية الغربية التي تعد مصدر الإنتاج بإثيوبيا؛ لذا قد تساعد العقوبات على قبول جهود التفاوض التي يقودها الاتحاد الأفريقي وتهدئة الأوضاع بشمال البلاد.
من ناحية أخرى، قد تأتي قيود على التأشيرات الإثيوبية إلى الولايات المتحدة، بل قد يوضع قطاع السفر والتنقل والسياحة تحت تهديد، كما تمثل نقطة تحوُّل محتملة بالعلاقات الأمريكية الإثيوبية، مع احتمالية وضع عدد من المسؤولين بإثيوبيا على قائمة الممنوعين من الدخول.
من ناحية ثالثة، سيكون على رأس العقوبات وقْف تمويل المساعدة الأمنية الأمريكية لإثيوبيا واستهداف برامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالبلاد.
لا شك أن هناك عددًا من الأشخاص والمسؤولين الإريتيريين والإثيوبيين كذلك ستطالهم العقوبات بشكل مباشر ، ستأتي تلك العقوبات بالتدريج بدءًا من الأقل، وصولًا إلى الأعلى.
الرد الإثيوبي
جاء الرد الإثيوبي على الأمر التنفيذي بفرض العقوبات متحفظًا، حيث وجّه (أبي أحمد) رسالةً مفتوحةً إلى (جو بايدن)، واصفًا بأن الولايات المتحدة الأمريكية صديق قديم وحليف استراتيجي وشريك في الأمن، وواصل في رسالته بأن السياسة الأخيرة للولايات المتحدة ضد إثيوبيا لا تأتي فقط كمفاجأة للبلد، ولكن من الواضح أنها تتجاوز المخاوف الإنسانية، وشدَّد على أن إثيوبيا لن ترضخ للعقوبات المفروضة عليها بشأن أزمة تيجراي، زاعمًا أن بلاده تخوض “حربًا ضد الإرهاب” كالتي تخوضها الولايات المتحدة.
لكن في الوقت نفسه لم تتخذ إثيوبيا إجراءً يوضح نيَّتها للتراجع عن تلك السياسيات، فطردت الحكومة سبعة مسؤولين كبار في الأمم المتحدة بنهاية سبتمبر الماضي، وذلك بعد يومين من إعلان مسؤول بارز بالمنظمة الدولية أنه قد يعاني مئات الآلاف من المجاعة بإقليم تيجراي بشمال البلاد، فضلًا عن إعلانها غلق سفارتها بمصر بحجة الأزمة الاقتصادية بإثيوبيا، طبقًا لتصريح السفير الإثيوبي بمصر (ماركوس تكلي)، ولكن تحمل تلك الأفعال إشارات خفية لعنادٍ إثيوبيٍّ واضح لكل الطرق الدبلوماسية والتفاوضية سواءً فيما يخص ملف الصراع بشمال إثيوبيا، أو ملف سد النهضة، وكذلك طريقة تعاملها مع العقوبات الدولية، أو محاولات التدخل السياسي لتحجيم الخسائر.
معارضة صينية.. تنفيذ العقوبات انتهاك لسيادة إثيوبيا
العقوبات أُحادية الجانب انتهاك للقاعدة الأساسية لعدم التدخل في العلاقات الدولية، لا يقتصر الأمر على مبدأ عدم التدخل المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ولكن حكمت محكمة العدل الدولية أيضًا بأنها “جزء لا يتجزأ من القانون الدولي العرفي”؛ حيث قد تهدف العقوبات الأُحادية إلى وصْم الدول الأخرى بذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان في محاولة للتحريض على الثورات وتغيير النظام، وبالتالي انتهاك صارخ للمعايير الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، وفي الاتجاه الآخر، قد تستغل بعض الدول ذلك، وتحاول نزع المشروعية عن العقوبات التي تفرض عليها للحد من فعاليتها.
وعلى النحو السابق فسَّرت الصين موقفها من العقوبات الأمريكية؛ إذ أبدت الصين معارضتها على القرار التنفيذي لفرض العقوبات؛ حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية (تشاو ليجيان) في تصريح له بأن “الصين تعارض نظام العقوبات الأمريكي الجديد على إثيوبيا”، وأضاف (تشاو) أن “الضغط المتهور من خلال العقوبات أو التهديد بفرض عقوبات” يرقى إلى مستوى “التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأُخرى”، وخلُص إلى أن حل النزاع يجب أن يترك لـ “الأطراف المعنية بإثيوبيا”.
دائمًا ما تعارض الصين في كل مرة تسعى الدول الأجنبية إلى التدخل في دول أخرى حتى في الاستجابة للأزمات الإنسانية الشديدة كما حدث مؤخرًا في ميانمار، وتسترشد الصين بعقيدتها المعروفة في (عدم التدخل)، ولكن الأهم من ذلك أنها تريد القضاء على أي سابقة قد تبرر هذا النوع من التدخل ضد الصين نفسه، ولأن الصين لها مصالح وعلاقات اقتصادية قوية مع عدة دول أفريقية، خاصةً نفوذها القوي بالقرن الأفريقي، تعد الصين مقرضًا ومستثمرًا رئيسيًّا بإثيوبيا.
إن المبدأ الرئيسي لمعارضة الصين يكمن وراء استياء الصين من العمل الأمريكي أُحادي الجانب سواءً بالعراق أو أفغانستان أو من خلال العقوبات الاقتصادية المختلفة التي فرضها الرئيس السابق (دونالد ترامب)، بدلًا من ذلك، تفضِّل (بكين) نقل النزاعات إلى المنتديات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي؛ حيث يمكنها ممارسة المزيد من النفوذ والنتائج التي غالبًا ما تكون أقل حسمًا.
ومن ناحية أخرى، تدرك الصين أن العقوبات الاقتصادية ستكون على رأس ما تفرضه الولايات المتحدة، وهو ما لا ترحب به لكونه ماسًّا بدرجة أو بأُخرى بالمصالح الاقتصادية الصينية بإثيوبيا.
مدى نجاعة خيار العقوبات في التوصل لتسوية.
كما ذكرنا آنفًا أن العقوبات الأمريكية نجحت في الصومال بتحديد موعد للانتخابات دون تمديد عامين للرئيس الصومالي، إضافةً للعقوبات المفروضة على إيران، فقد ساهمت بالوصول إلى طاولة المفاوضات وإبرام الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، لكنها لم تنجح كليًا فلم تمنعها من تخفيض مستوى التزاماتها بالاتفاق، بدايةً من منتصف عام 2019 وحتى الآن، فلوَّحت برفع مستوى تخصيب اليورانيوم ليصل إلى 90% في 15 يوليو 2021، كما أنها تعمَّدت تصعيد شخصيات تتعرض لعقوبات أمريكية وأوروبية لتولي مناصب رئيسية بالنظام، على غرار الرئيس الجديد (إبراهيم رئيسي) الذي أدَّى اليمين الدستورية في 5 أغسطس 2021.
وفشلت العقوبات بقضايا وأزمان أُخرى، فالعقوبات المفروضة على روسيا لم تنجح في إجبارها على الانسحاب من أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ولم تُجبر العقوبات – التي وقعتها واشنطن على تركيا عقب الغزو التركي لقبرص في السبعينيات – القوات التركية على الانسحاب، وقد تنجح العقوبات بتحقيق تأثيرها الاقتصادي، دون أن تنجح في تغيير السلوك المستهدف وهو تهدئة أطراف الصراع.
وبقراءة المشهد الإثيوبي، فإن الولايات المتحدة قد تفرض العقوبات، ولكن قد يكون هناك عدة تحديات وفرص أمام نجاحها.
.
و يتطلب الاستخدام الناجح للعقوبات لمنع الصراع بشمال إثيوبيا معلومات استخباراتية جيدة وفهمًا جيدًا لجذور الصراع الداخلي ؛ لتجنب أخطاء مكلفة؛ لذا فإن احتمالات استخدام العقوبات لمنع الحرب الداخلية بإثيوبيا مختلط، ولا تكمن الصعوبة الأكبر باستخدام العقوبات لمنع الصراع الأهلي بشمال إثيوبيا في قوة الأداة، بل في حكمة استخدامه وتطبيقه.
سيناريوهات مستقبلية
تبقى العقوبات الأمريكية أمامها فرصة كبيرة لاحتواء الوضع، تأتي هذه الفرص من نجاعة خيار العقوبات في الدول الأفريقية، ونجاحها في تصحيح المسار السياسي هذا من جانب، واتخاذ إثيوبيا الولايات المتحدة حليفًا من الجانب الآخر، خصوصًا منذ تولِّي أبي أحمد وعقد اتفاق السلام مع إريتريا، واعتمادها عليها اقتصاديًّا وأمنيًّا بشكل كبير، اما التحديات فتكمن في رسائل أبي أحمد بموقف حكومته من عقوبات الولايات المتحدة، والتعنُّت الشديد وتبنيِّ السياسة الأُحادية بمواقف عدة، منها أزمة سد النهضة، وموقفه من إقليم تيجراي، ومن تواجد القوات الإريترية بإثيوبيا، إضافةً لطرد المسؤولين الأُمميين.
السيناريو الأول: فشل العقوبات الأمريكية، ويستند إلى تصريحات أبي أحمد من الموقف الأمريكي، وطرد المبعوثين الأمميين، وكذلك تغير السياسة الأمريكية تجاه القرن الأفريقي في ظل ولاية (جون بايدن)، ويتوقع هذا السيناريو تحوُّل العلاقة بين الولايات المتحدة وإثيوبيا من الصداقة والتعاون إلى العداء، وهو غير مستبعد.
في حالة فرض العقوبات، قد تزيد قوة التحالف الصيني الإثيوبي بشكل كبير، خاصةً لما تملكه الصين من قوة وتأثير اقتصادي كبير بمنطقة القرن الأفريقي، وبالرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية بأن سياسة العقوبات الجديدة تستثني المساعدات الإنسانية للشعب الإثيوبي، إلا أنه قد يؤدي إلى عناد الجانب الإثيوبي أكثر بشكل يستهدف عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية؛ ما يزيد الأزمة الإنسانية، خاصةً في ظل وباء كورونا وارتفاع مستوى المجاعة.
السيناريو الثاني: يرجح الاستجابة الإثيوبية، ويستند على نجاح التجارب الأمريكية بدول الجوار الأفريقي، وعدم قدرة الوضع الإثيوبي، خصوصًا الاقتصادي على الصمود أمام أي عقوبات أو سحب مساعدات الولايات المتحدة، خصوصًا أن خطط أبي أحمد الإصلاحية تأثرت بعد سحب الولايات المتحدة 30 مليار؛ بسبب قرار الملء الأُحادي، وهذا السيناريو مستبعد كليًّا؛ بسبب تخوُّف أبي أحمد من جعل العقوبات بداية النهاية لوجوده بالحكم.
السيناريو الثالث: بقاء الوضع كما هو عليه ويتوقع استمرار الوضع، وعدم التصعيد في تنفيذ مزيد من العقوبات؛ لإعطاء أبي أحمد فرصة للتفكير مليًّا بالامتثال لقرارات الولايات المتحدة، وهو سيناريو مرجح أيضًا؛ نظرًا لتخوُّفات إثيوبيا من محاصرة المعارضة لسياستها إقليميًّا، والتفهم الأمريكي لحساسية فرض العقوبات وإمكانية مساهمتها في تفاقم الوضع.