إعداد : حسناء تمام
اختمت القمة الأمريكية الأفريقية أعمالها، بعد أن استمرت لمدة ثلاثة أيام، استضافت فيها 49 قائدًا أفريقيًّا، وذلك بإصدار بيانٍ، تعهدت فيه الولايات المتحدة، بتعزيز مجالات التعاون طويلة الأمد، وتوسيع شراكتها مع دول القارة الأفريقية، ودعمها سياسيًّا واقتصاديًّا.
كما أضْفَتْ الولايات المتحدة على القمة، العديد من الإجراءات التنظيمية، التي ساهمت في تعزيز التنسيق بين مسؤولي الولايات المتحدة والقادة الأفارقة، كترتيب لقاءاتٍ ثنائيةٍ، مع الرئيس الأمريكي، بالرغم من الإعلان المُسْبَق، عن عدم وجود نيةٍ لعقْد مثل هذه الاجتماعات؛ لاعتباراتٍ تنظيميةٍ، يبدو أن قرار اللقاءات الثنائية، أتت في اللحظات الأخيرة، بعد الانتقاد الواسع، الذي وُجِّه لغيابها.
وبحسب البيت الأبيض، فإن الرئيس الأمريكي، قام بعدة لقاءاتٍ ثنائيةٍ، بشكلٍ منفصلٍ، مع مجموعةٍ من 6 قادةٍ، ضمَّت المجموعة، الرئيس النيجيري، واللواء محمد بخاري، والرئيس فيليكس تشيسكيدي، من جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما شارك في الـ”غابون”، علي بونغو أونديمبا، الذي تولَّى الرئاسة، منذ عام 2009، بعد أن خلَّف والده الحاكم منذ فترة طويلة، وزعماء “ليبيريا، ومدغشقر، وسيراليون”، في حين رُتِّبت لقاءاتٌ مع كبار المسؤولين لمعظم قادة القارة، وفي هذا الصدد، نسلط الضوء على أبرز مُخرجات قمة «الولايات المتحدة – أفريقيا»، ودلالات هذه المُخرجات.
أولًا: اختيار المشروعات الاقتصادية طويلة الأمد
اختار الرئيس الأمريكي، العمل في مشروعات اقتصادية، طويلة الأمد، هذا الاختيار، أعطى للولايات المتحدة عنصر الاستقرار في العلاقات مع أفريقيا، واستدامته كذلك، بل غُلِّبَتْ المُخْرجات الاقتصادية على السياسية والأمنية، وأهم هذه المُخْرجات، مايلي:
منطقة التجارة الحرة القارية: وقّعت مذكرة تفاهم بين الإدارة الأمريكية وأمانة منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية؛ لتوسيع المشاركة؛ لتعزيز التجارة، وزيادة القدرة التنافسية، وجذْب الاستثمارات إلى القارة؛ تمهيدًا لتوقيع اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، كسوقٍ مشتركةٍ على مستوى القارة، يضم 1.3 مليار شخصٍ، وإجمالي إنتاج 3.4 تريليون دولارٍ؛ لتكون خامس أكبر اقتصاد في العالم، فبحسب الرئيس الأمريكي، أن الولايات المتحدة الأمريكية مهتمةٌ بخلْق التواصُل التجاري بين أفريقيا والشركات الأمريكية.
ومنطقة التجارة الحرة القارية، هي المرحلة الثالثة في مراحل تحقيق التكامل الأفريقي القارية، والتي تأتي بعد مرحلة تعزيز التجمعات الاقتصادية، وإنشاء آخر، والإلغاء التدريجي للحواجز الجمركية، وتوحيد التعريفة الجمركية، ومرحلة التجارة الحرة القارية، والتي تمَّ التصديق عليها، من قِبَلِ الدول في 2018، دخلت حيِّز النفاذ، عام 2021.
واختيار الولايات المتحدة لمنطقة التجارة القارية، اختيارٌ مُوفَّقٌ بالنسبة للولايات المتحدة، ويضمن تدخُّلًا فعَّالًا للولايات المتحدة، ويلمس احتياجًا أفريقيًّا مهمًا.
دعم الإقراض من خلال صندوق النقد: وشهدت القمة مجموعةً من المبادرات والاتفاقات، من بينها، تعهُّد “بايدن” بالعمل مع الكونجرس؛ لإقراض ما يصل إلى 21 مليار دولارٍ، من خلال صندوق النقد الدولي، للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فضلًا عن دعوة جميع الدائنين، إلى تخفيف عِبْء الديون بشكلٍ حقيقيٍّ؛ حتى تتمكن البلدان من استعادة عافيتها الاقتصادية، “بعد سنوات من الإجهاد الشديد”.
دعم ضم الاتحاد الأفريقي مجموعة العشرين : .أعلن الرئيس الأمريكي، ضم الولايات المتحدة الاتحاد الأفريقى، لمجموعة العشرين، رسميًّا؛ استجابةً لمطلب رئيس الاتحاد، ماكي سال، وهو المنتدى الذي يجمع الحكومات، ومُحافظي البنوك المركزية من 20 دولةً، والاتحاد الأوروبي، تأسست المُنظمة سنة 1999؛ بهدف مُناقشة السياسات، المُتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي الدولي، ومُعالجة القضايا التي تتجاوز مسؤوليات أيّ شخص، وهو بذلك يأخذ منحنى بعيدًا عن “روسيا، والصين” بذلك النحو
دعم مالي: بحسب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سويلفان، أن واشنطن ستلتزم بتقديم 55 مليار دولارٍ لأفريقيا، حتى عام 2025، في إطار إستراتيجيتها للدعم الاقتصادي والصحي والأمني بالقارة السمراء، بما يتماشى مع إستراتيجية الاتحاد الأفريقي 2063، يُوزَّع هذا المبلغ على قطاعات مختلفة، حدَّدتها الولايات المتحدة بمبالغ معينةٍ لكُلِّ قطاعٍ.
ثانيًا: تعزيز الدور الأفريقي في الأمم المتحدة مقابل ضبط السلوك التصويتي
أكَّد اختتام القمة «الأمريكية – الأفريقية»، دعمها للحصول على عضويةٍ دائمةٍ بمجلس الأمن الدولي ومجموعة العشرين، وتمثيلٍ أكبر للقارة، في مختلف المؤسسات الدولية، وأعلنت عن خطةٍ لإصلاح مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك، دعْم المقاعد الدائمة لـ”دول أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي”.
ويأتي هذا التطلُّع، كمحاولةٍ لضبْط السلوك التصويتي للدول الأفريقية في الأمم المتحدة، إذ كانت القارة الأفريقية، هي الوحيدة المنقسمة حيال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لإدانة روسيا، 2 مارس؛ بسبب تدخلُّها عسكريًّا ضد أوكرانيا، والذي وافقت عليه 28 دولةً أفريقيةً، وامتنعت عن التصويت 16 دولةً أفريقيةً، وصوَّت ضده من أفريقيا “إريتريا” فقط؛ ما يعكس حجم العلاقات العميقة، التي تمكَّنت روسيا من تطويرها مع دول القارة، عبر الأعوام الماضية، وهذا الموقف لم يكن وليد اللحظة، ولكنه يعود إلى سنواتٍ سابقةٍ، وتحديدًا منذ ضمِّ روسيا للقرم، فلم تساند حوالي 35 دولةً أفريقيةً، قرار عدم الاعتراف بالوضع المُستجد في شبه جزيرة القرم، بعد السيطرة عليها عام 2014، وامتنعت 27 دولةً عن التصويت، وتغيَّبت ثماني دول.
من ناحيةٍ أُخرى، أُعلن عن عددٍ من آليات تعزيز التواصل، وكشف مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سويلفان، أن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، سيعين الدبلوماسي، جوني كارسون، مبعوثًا أمريكيًّا خاصًّا للقارة السمراء؛ لتطبيق ما سيتم الاتفاق عليه خلال القمة، وأنه سيُحيي مساعي سلفه «أوباما»، التي تتمثل في إنشاء مجلسٍ استشاريٍّ للجالية الأفريقية بالولايات المتحدة، يُقدِّم المشورة للرئيس الأمريكي في عدة قضايا، متعلقة بمشاركة هذه الجالية، مختتمًا بأنه: «آن وقت تمثيل أفريقيا بمقاعد دائمة في المنظمات والمبادرات الدولية».
ثالثًا: مبادرة سياسية تجريبية واسعة الأُطر والأهداف
في إطار المُعلن من بياناتٍ وتصريحاتٍ حول أعمال القمة، نلاحظ عدم التطرُّق الواسع لمناقشة القضايا الأفريقية السياسية والأمنية المتأزِّمة، لكن في المقابل، أعلنت عن تبنِّيها مبادرةً سياسيةً جديرةً بالمراقبة، وتفسير أهدافها.
إذ أعلن الرئيس، جو بايدن، عن مبادرة “الشراكة الحادية والعشرون من أجل الأمن الأفريقي” الجديدة، التي ستحفظ وتُعزِّز الجهود الأفريقية؛ لتنفيذ واستدامة قدرات وإصلاحات قطاع الأمن، ومن خلال العمل مع الكونجرس، سيدعم هذا البرنامج التجريبي، الذي تبلغ تكلفته 100 مليون دولار، ومدته 3 سنوات، الشركاء الأميركيين والأفارقة؛ لتنسيق الحلول للتحديات الأمنية ومشاركتها ودعمها، كما سيستثمر ما لا يقل عن مليونيْ دولار؛ لتطوير مبادرةٍ جديدةٍ، تُسهِّل مشاركة المجتمع المدني في قطاع الأمن.
وهذه السعة في الأهداف، والأُطُر التي وُضعت للمبادرة، وخصوصًا ما تنصُّ عليه، من تنسيق الحلول للتحديات الأمنية ومشاركتها ودعمها؛ بقصد ضمان مساحةٍ واسعةٍ للولايات المتحدة؛ للتدخُّل حسبما تقتضيه حاجتها في مختلف الجوانب السياسية والأمنية، تحت مِظلَّة هذا الهدف الواسع، وفي الوقت نفسه، هي مبادرة تجريبية قصيرة المدة، فهي لمدة 3 سنوات فقط، وهذا على النحو الذي يضمن للولايات المتحدة، أن يكون تدخُّلها السياسي، إن لم يلبِّ أهدافها ويتوافق مع أولوياتها، محلَّ اختبار، فتوفر لنفسها مساحةً للتراجُع عنه، فهدف ومدة هذه المبادرة جرى صياغتهما بدقةٍ بالغةٍ.
رابعًا: إعلانٌ صريحٌ عن المخاوف الأمريكية
في اليوم الأول من أعمال القمة، حذَّر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، خلال اجتماعٍ في مُستهلِّ القمة «الأمريكية – الأفريقية»، من أن نفوذ “الصين، وروسيا”، يمكن أن يكون مُزعزِعًا للاستقرار، كما اعتقد أن الجمْع بين هذه الأنشطة من جانب هذيْن البلديْن، يستحق المراقبة، بجانب التأكيد على إستراتيجية “أفريقيا” الجديدة، التي أعلنت الصيف الماضي، عن إصلاحٍ شاملٍ للسياسة الأمريكية في دول أفريقيا جنوب الصحراء؛ لمواجهة الوجود “الصيني، والروسي” هناك.
خاتمة
بالأخير: على غير المتوقع، حاولت الولايات المتحدة، الخروج من القمة، بمبادرات ذات أثرٍ ملموسٍ، لكن معظم هذه المبادرة، هي مبادرات اقتصادية؛ إذ غلبت على الطابع السياسي والأمني؛ للتعاون مع القارة، ولعل هذا يرتبط بضرورة المواجهة للنفوذ «الصيني – الروسي» في أفريقيا، وهو نفوذٌ اقتصاديٌّ بالدرجة الأولى، وفي الوقت ذاته، فلا يمكن تجاهُل أن هذه المبادرات الاقتصادية، تُسخَّر بالأساس لخدمة الدور السياسي والأمني؛ إذ عبَّرت الولايات المتحدة صراحةً للقادة الأفارقة، بأنها ترى الدور «الصيني – الروسي» مُزعزِعًا للاستقرار في القارة الأفريقية، وهو طلبٌ صريحٌ للتعاون الأفريقي، في مواجهة هذه المجهودات، كما أن عرْضها لتعديلاتٍ في مجلس الأمن، هو محاولةٌ لتعديل السلوك التصويتيِّ للدول الأفريقية؛ لصالح الولايات المتحدة، كما وضعت دوْرها السياسي والأمني، في مبادرةٍ تجريبيةٍ قصيرة المدى، وهو ما يمكن فهمه، بأنه مشروطية سياسية؛ فالجانب الأكبر منها، يتمثل في تقديم الولايات المتحدة المساعدات الرسمية، مقابل ولاءٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ لها، في مواجهة القوى الدولية المتنافسة.