إعداد : مصطفي أحمد مقلد
الطموح اليابانى فى إفريقيا
مقدمة:
بحلول عام 1989 أصبحت اليابان، التى كانت آنذاك فى ذروة ازدهارها الاقتصادى تبحث عن طرق جديدة لزيادة مساهمتها فى الشؤون العالمية، وأصبحت من أكبر المساهمين فى المساعدات الإنمائية الرسمية على الصعيد العالمي. وفى هذا السياق، ظهرت فكرة مؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية الأفريقية (تيكاد)، والذى يطمح إلى تعزيز حوار السياسات رفيع المستوى بين القادة الأفارقة وشركاء التنمية، بجانب حشد الدعم لمبادرات أفريقيا للتنمية المعتمدة على الذات.
وعقد “تيكاد” لأول مرة فى عام 1993، ويتم تنظيمه بالاشتراك بين اليابان ومفوضية الاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى والبنك الدولى. ويصادف المؤتمر، فى نسخته الثامنة التى عقدت فى تونس فى27 و28 أغسطس المنقضى، الذكرى التاسعة والعشرين لـ”تيكاد”، ويمثل الملتقى فرصة لعرض عشرات المشاريع الاستثمارية على المؤسسات الاقتصادية المشاركة، ويلاحظ المتابع لتاريخ هذه القمم كيف تطورت فلسفة وتوجهات “تيكاد” عبر السنين.
أعلنت اليابان عن تخصيص 30 مليار دولار لمشاريع تنموية فى القارة الإفريقية خلال السنوات الثلاث المقبلة، إضافة إلى تقديم 130 مليون دولار لمشاريع الأمن الغذائى ومساعدات غذائية قدرها 300 مليون دولار بالتعاون مع البنك الإفريقى للتنمية، بالإضافة لذلك تنوى اليابان تقديم قروض بقيمة خمسة مليارات دولار بالشراكة مع البنك الأفريقى للتنمية لتمويل التنمية المستدامة والإصلاح المالى فى القارة، بينما تخصص أربعة مليارات دولار لمشاريع النمو والاقتصاد الأخضر والقضاء على التلوث الكربونى وتحقيق الاكتفاء الذاتى الغذائى والزراعة للتغلب على اضطرابات إمدادات الغذاء التى مست القارة بسبب الحرب الأوكرانية.
يأمل المسؤولون اليابانيون أن يسهم مؤتمر “التيكاد”، فى تعزيز وتعميق العلاقات بين الدول الإفريقية وطوكيو، حيث تخلفت اليابان عن القوى الكبرى فى الإستثمار والإهتمام بإفريقيا، حيث بلغ الاستثمار المباشر لليابان فى إفريقيا 5.7 مليار دولار في عام 2021، أى أقل من نصف رقم الذروة فى عام 2013، فى المقابل، تعمل الصين والولايات المتحدة وأوروبا على تعزيز مكانتها فى إفريقيا حيث تربطها علاقات اقتصادية مع الدول الإفريقية.
محاور القمة:
تناولت القمة حث جميع الدائنين الرئيسين بمن فى ذلك المقرضون من القطاع الخاص على اعتماد ممارسات الإقراض العادلة والمفتوحة، ودعت دائنى مجموعة العشرين ونادى باريس إلى تكثيف جهودهم لتنفيذ الإطار المشترك لمعالجة الديون فى ما بعد مبادرة تعليق خدمة الديون فى الوقت المناسب وبطريقة منظمة ومنسقة، والانتهاء فى الوقت المناسب من معالجة الديون لتلك البلدان التى طلبت ذلك.
كذلك تشجيع الجهود المبذولة لتهيئة بيئة فى إفريقيا لا تضطر فيها البلدان التى تحتاج إلى موارد مالية إلى الاعتماد على آليات تمويل غير عادلة، وبالتعهدات البالغة 73 مليار دولار من خلال التحويل الطوعى لحقوق السحب الخاصة أو مساهمات مماثلة، ودعت إلى مزيد من التعهدات من جميع البلدان الراغبة والقادرة لتلبية الطموح العالمى الإجمالي المتمثل فى مساهمة طوعية بقيمة 100 مليار دولار للبلدان الأكثر حاجة.
والبدء بالمرحلة الخامسة من المساعدة المعززة للقطاع الخاص لإفريقيا، وهى مبادرة مشتركة لتعبئة الموارد بين البنك الإفريقى للتنمية واليابان، تصل إلى خمسة مليارات دولارمع الإلتزام والتأهب للأوبئة فى المستقبل، واعتبرت القمة أن الاستثمار فى البنية التحتية الجيدة ومشاريع الممرات التى تقودها إفريقيا فى إطار برنامج تطوير البنية التحتية فى إفريقيا ومبادرات تيسير التجارة أمور أساسية لتعزيز الإتصال عبر الحدود.
وشددت القمة على الوفاء بالالتزامات المالية بموجب عملية اتفاق الأمم المتحدة الإطارية فى شأن تغير المناخ لدعم إجراءات التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره فى البلدان الإفريقية، وتعزيز مبادرة النمو الأخضر اليابانية مع إفريقيا التى تهدف إلى تحقيق تغيير هيكلي نحو انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى والنمو الأخضر، من خلال عمليات الائتمان المشتركة والتعاون مع بنوك التنمية متعددة الأطراف وصناديق المناخ متعددة الأطراف مثل البنك الأفريقي للتنمية وصندوق المناخ الأخضر.
أهداف اليابان من دعم التنمية الإفريقية:
يمكن القول أن اليابان تسعى للحصول على حصة فى السوق الإفريقية، واليابان محقة فى رفع طموحاتها فى إفريقيا، فهى قوة عالمية ويمكنها استعادة نفوذها من خلال الإستفادة من نقاط قوتها الهائلة فى إفريقيا، حيث أدركت اليابان أنها تفتقد إلى المحرك الذى يعيدها مرة أخرى إلى مقدمة السباق الإفريقى عندما بدأت البلدان الإفريقية تشهد نمواً قوياً فى أواخر العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، مدفوعاً بالإستثمارات الصينية والغربية، ومنذ ذلك الوقت تحاول اليابان أن تلقي بظلالها على الصين تحديداً فى إفريقيا.
سعت طوكيو فى ظل حكومة “شينزو آبي” إلى الانتقال من سياسة تركز على المساعدة الإنمائية الرسمية، التي تتقلص ميزانيتها باستمرار، إلى نهج قائم على دعم الاستثمار الخاص، لذلك كانت تعبئة مجتمع الأعمال اليابانى عاملاً أساسياً لتوسيع الوجود الاقتصادى اليابانى فى هذا السوق الواعد، وتسعى الحكومة الحالية بقيادة “كيشيدا” للتأكيد على هذا المسار، وكذلك للاستمرار فى تأمين موارد الطاقة والموارد المعدنية الإستراتيجية.
منافع متبادلة:
تعكس نتائج مؤتمر تيكاد 8 فى تونس الهدف الواضح لليابان المتمثل فى تمييز نفسها عن الصين، حيث تركز اليابان على مواضيع تتراوح بين إزالة الغابات والتحول الرقمى والزراعة والبنية التحتية والقروض الميسرة والتنمية البشرية، وركزت الاجتماعات الوزارية واجتماعات القمة على الدول الرئيسية فى غرب وشرق إفريقيا ومنطقة الساحل.
من الوضوح بمكان أن مستويات الإستثمار فى اليابان أقل بكثير من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية للبنية التحتية، لكن اليابان تريد وضع نفسها كشريك رئيسى بالتركيز على موضوعات أشمل للتعاون، حيث فى الخطاب الختامى فى “TICAD8″، دعا كيشيدا “رئيس الوزراء اليابانى” إلى الحصول على مقعد أفريقى دائم فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأعلن أن بلاده ستدفع فى هذا الإتجاه عندما تصبح عضوًا غير دائم فى 2023-2024.
ترحب إفريقيا بالإستفادة من نقل التكنولوجيا حيث تحتل اليابان المرتبة الثالثة فى العالم فى تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بحصة سوقية تبلغ 6.4 فى المائة، وتضع رهانات كبيرة على شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية والكمية والحوسبة المتطورة، بجانب ما سبق فإن اليابان تهتم بتعظيم دعم إفريقيا لها فى المحافل الدولية التى تمتلك كتلة تصويتية مهمة فى المؤسسات الدولية.
على الرغم من أن 10٪ فقط من ميزانية المساعدة الإنمائية الرسمية لليابان تذهب إلى إفريقيا، إلا أن اليابان استمرت فى تقديم التمويل بشروط ميسرة، لا سيما من خلال بنوك التنمية الإقليمية ومتعددة الأطراف، وتتمتع اليابان ببعض الثقل فى هذه المجالس، ويمكنها أن تدافع عن درجة معينة من الإصلاح الهيكلى فى البنوك الذى قد يكون مفيدًا للبلدان الإفريقية كإصلاح أطر استدامة الديون، أو إصلاح شامل حول كيفية تقييم البنوك لأشكال مختلفة من الضمانات مثل مدفوعات الموارد الطبيعية، أو كيفية تقييم البنوك لمشاريع البنية التحتية الإقليمية مثل تلك الموجودة فى إطار برنامج الاتحاد الإفريقى لتطوير البنية التحتية لإفريقيا.
يبدو أن استراتيجية اليابان بشأن إفريقيا أكثر شمولية من استراتيجية الصين حيث تظهر المساعدات الإنمائية الرسمية اليابانية والمشاريع التي تستهدف بناء المهارات وتحسين الصحة والتعليم فى إفريقيا التزامًا طويل الأمد تجاه القارة، وتتفهم اليابان موقفها الهش من حيث الموارد الطبيعية ومعدل المواليد المنخفض المستمر فى اليابان الذى يتعارض مع ازدهار عدد الشباب الأفارقة، ومن الممكن أن ترى اليابان إفريقيا كشريك لا ينتج المواد الخام فحسب، بل إنه سيطور أيضًا قطاع الصناعة الأساسى فى المستقبل القريب ويصبح شريكًا لبيع المنتجات شبه المصنعة لليابان.
لذا أكد “كيشيدا” رئيس الوزراء اليابانى على مساعدة اليابان لدعم الشركات الناشئة التي أنشأها الشباب، بالإضافة إلى توفير التدريب لـ 300 ألف إفريقى على مدى ثلاث سنوات فى مجالات الأعمال والرعاية الصحية والطب والتعليم والزراعة.
تنافس صينى يابانى غير مباشر:
التوسع الاقتصادى للصين فى إفريقيا يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لليابان، ويمكن وصف التنافس بين اليابان والصين فى إفريقيا بأنه “غير متكافئ”، لأن طوكيو لا تمتلك نفس قدرات الصين فى إفريقيا من حيث حجم المساعدات والاستثمار والتجارة، أو حتى من حيث عدد المغتربين حيث يعيش 8 آلاف يابانى فى إفريقيا مقابل نحو مليونى صينى، لذلك لا توجد منافسة اقتصادية مباشرة فى إفريقيا بين الطرفين، ويبدو أن التعاون مع الشركات الصينية سيكون أكثر فائدة بالنسبة لليابانيين.
مع ذلك تعتمد طوكيو على سمعتها الدولية من خلال إبراز جودة بنيتها التحتية والمشاريع التي تقدمها، وليس الاعتماد على الكم والعدد مثل الصين، ومن المرجح أن يسمح هذا التمايز لليابان بإبطاء تقدم الصينيين الذين يُنظر إليهم على أنهم منافسون استراتيجيون فى القارة، ويمكن لليابان أن تتفوق أيضاً على منافسيها فى أفريقيا من خلال الحفاظ على علاقة جيدة مع الدول الأفريقية.
يأتى تعهد رئيس الوزراء اليابانى “كيشيدا” أثناء قمة “تيكاد” فى تونس، بأن بلاده ستستثمر 30 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات فى إفريقيا، وهو رقم ليس ببعيد عن ال40 مليار دولار من القروض التي وعدت بها الصين، المنافس الإقليمى الكبير لليابان فى إفريقيا، لكن واقعياً يبدو أن هناك فجوة بين الوعود اليابانية والواقع، وعليه فإن منافسة اليابان للصين فى إفريقيا تبدو غير ذات مصداقية، فهناك 796 شركة يابانية موجودة فى إفريقيا و70 بالمائة من الاستثمارات تتركز فى جنوب إفريقيا، ولعل ذلك الرقم يجعلها بعيدة عن نحو 2500 شركة صينية تم إنشاؤها فى جميع أنحاء القارة الإفريقية.
كما أنه لا يوجد لدى اليابان تقريبًا أى اتفاقيات متعلقة بالتجارة مع البلدان الإفريقية، بخلاف الخطط المعيارية للإعفاء من الرسوم الجمركية لأقل البلدان نمواً، والتى غالبًا ما تكون غير مستغلة بسبب الحواجز غير الجمركية، كما أنها ليس لديها اتفاقية التجارة التفضيلية مع أي دولة أفريقية.
لكن فى مايو 2017، أعلنت اليابان والهند عن خطة ممر النمو بين آسيا وأفريقيا، وتقترح تطوير ممرات بحرية تربط موانئ شرق إفريقيا بالهند واليابان، وإنشاء البنية التحتية الصناعية والنقل فى آسيا وإفريقيا، بهدف زيادة التكامل بين أفريقيا وآسيا، وتعتزم تلك المبادرة خلق ظروف مثالية لإزدهار القطاع الخاص فى الدول المشاركة، وكذلك التركيز على بناء القدرات وتوسيع قاعدة التصنيع والتجارة بين إفريقيا وآسيا لتحويل المنطقة إلى ممر نمو من شأنه أن يدمج عمليات التنمية وسلاسل التوريد فى إفريقيا وآسيا.
تشكل كل من مبادرتى “الحزام والطريق الصينية” والمبادرة “اليابانية الهندية” جبهات مهمة للإستثمار فى القارة الإفريقية ولا تستبعد إحداهما الأخرى، ومن مصلحة كل من اليابان والصين أن تكونا قادرتين على الوصول إلى الأسواق الأفريقية بسهولة أكبر، وستكون أعمال البنية التحتية وبناء القدرات والسياسات التجارية المحسنة التي يساعد كل برنامج فى وضعها موضع التنفيذ مفيدة للهدف المشترك المتمثل في تعزيز الروابط الاقتصادية بين إفريقيا وآسيا.
وعلى ذلك يعتقد “جوناثان بيركشاير ميلر” الباحث فى “المعهد الياباني للشؤون الدولية” فى طوكيو، أن عدم تنافس اليابان بشكل مباشر مع نقاط قوة الصين فى إفريقيا، خاصة حجم التجارة والاستثمار، يحمل فى طياته “ميزة نسبية لليابان” والتى تكمن فى توفير بنية تحتية عالية الجودة، بما يتماشى مع أولويات مجموعة العشرين، وكذلك تمكين الشركات الإفريقية الصغيرة والمتوسطة من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، مما يمنح طوكيو سمعة جيدة فى إفريقيا.
فى ذات السياق، يرى محللون أن اليابان ليس بمقدورها منافسة الصين في إفريقيا على المدى القصير، لكنها قد تبرز كمنافس قوى لبكين وغيرها من القوى الأخرى على المدى الأبعد، ومن أجل ذلك قررت اليابان القفز للأمام بخطوة كبيرة، معلنة تقديم 30 مليار دولار على مدى ثلاثة أعوام للقارة الإفريقية، وهو رقم غير مسبوق بالنسبة للشراكة اليابانية الإفريقية.
ومع تزايد المخاوف بشأن تبعات الإقراض الصينى، الذي بات يدفع البلدان الإفريقية إلى الغرق فى مزيد من الديون الصينية وشروطها القاسية، شددت اليابان على الاستدامة المالية وشراكات القطاع الخاص التى لا تزيد الإقتراض الحكومى بالإضافة إلى عدم وضعها شروط تمويل قاسية كتلك التي تتهم بكين بها ، بذلك حاولت اليابان زيادة حضورها فى القارة وتمييز نفسها عن الصين.
ومن جهة ثانية، فإن الصين تجلب عمالها لبناء البنية التحتية فى إفريقيا، فيما تقول اليابان أنها توظف السكان المحليين وتنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى إفريقيا، كما فعلت فى أنحاء آسيا على مدار عقود.
وبحسب واشنطن بوست، تهدف اليابان من خلال توسيع نفوذها فى إفريقيا، إلى التأكيد على ضرورة أن تظل منطقة المحيطين الهندي والهادئ منفتحة وحرة، وأن تتحد مع إفريقيا وراء مبادئ التجارة الحرة وحرية الملاحة واقتصاد السوق، وذلك بهدف غير معلن، هو مواجهة مبادرة الحزام والطريق.
اليابان كرأس حربة لمجموعة السبع لمواجهة الصين:
مجموعة السبع هى كتلة غير رسمية من الديمقراطيات الصناعية تضم الولايات المتحدة وكندا بالإضافة إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة بجانب اليابان، وتجتمع سنويًا لمناقشة قضايا مثل الحوكمة الاقتصادية العالمية والأمن الدولى وسياسة الطاقة، وقد واجه مستقبل مجموعة السبع تحديات بسبب التوترات المستمرة مع روسيا، وبشكل متزايد مع الصين، فضلاً عن الخلافات الداخلية حول سياسات التجارة والمناخ. وفى علامة على تعاون متجدد، توصلت مجموعة السبع إلى اتفاق تاريخي قبل قمتها 2021 لإصلاح القواعد العالمية لضرائب الشركات، وفى الآونة الأخيرة، فرضت مجموعة السبع عقوبات منسقة على روسيا ردًا على حربها في أوكرانيا، وأطلقت المجموعة أيضًا برنامج بنية تحتية عالمى لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وإلى جانب التحدى الروسى، فإن هناك إحساس متزايد بأن الصين تشكل “تهديدًا ثلاثي الأبعاد” لدول مجموعة السبع “اقتصاديًا، وأيديولوجيًا، وجيوسياسيًا” من خلال مبادرة الحزام والطريق الضخمة التى أثارت مخاوف بشأن تأثير “بكين” على البلدان النامية، حيث تشاركت بروكسل وطوكيو وواشنطن القلق بشأن النموذج الاقتصادى الذى تقوده بكين والممارسات التجارية غير العادلة المزعومة، كما تسببت العلاقات التجارية والدفاعية المتنامية بين الصين وروسيا فى مخاوف أخرى.
ولكن يظهر بوضوح وجود انقسامات داخل المجموعة حول كيفية الرد على الصين، حيث إن بعض الدول الأوروبية واليابان تخشى تعريض العلاقات التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم للخطر.
فى قمة 2022، أصلح القادة المجتمعون مبادرة Build Back Better World ، وسعوا لخلق شراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار كبديل لمبادرة الحزام والطريق في الصين. وتعهدت مجموعة الدول الصناعية السبع تقديم 600 مليار دولار لتمويل الاستراتيجية الجديدة، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت المجموعة ستكون قادرة على مطابقة الموارد التي خصصتها الصين لمشروعها.
ختاما، تظل المساعى اليابانية لتعزيز نفوذها فى إفريقيا مستمرة باستمرار المخاوف من تصاعد النفوذ الصينى، ويعززها حرص طوكيو على حماية وتعظيم مصالحها الاستراتيجية فى القارة، إلا أن تلك المساعى تواجه عدد من التحديات مثل مخاوف بعض الشركات اليابانية من المخاطر التي تواجه بيئة الأعمال فى القارة نتيجة عدم الاستقرار الأمني الناجم عن استمرار الصراعات والنزاعات، فضلًا عن صعوبة المنافسة مع بعض القوى الاقتصادية الكبرى في أفريقيا مثل الصين بسبب الفجوة الكبيرة بين حجم التبادل التجاري والاستثمارات بين الطرفين.
ومع أن طوكيو تجد فى نيودلهي حليفاً قوياً يمكنهما من موازنة النفوذ الصينى فى إفريقيا، فإن تعزيز تحالفهما وتحركاتهما على الأرض مرهون بتوافر الدعم المالى الذى قد يشكل تحدياً فى المستقبل فى ظل صعوبة مجاراة النفوذ الاقتصادى الصينى المتنامى فى إفريقيا.