حسناء تمام كمال
تتعايش الفرص والأزمات ، ففي العديد من الأزمات التاريخية استفادت البلدان من الأزمات البيئية الإقليمية التي واجهتها أو كانت موجودة. ولتعزيز دورها وصعودها ، تتعامل بعض الدول مع الأزمات على أنها مصانع للثروة ، خاصة إذا كانت لديها الموارد التي تمكنها من التعامل مع الأزمة ، وفهم سياق الأزمة بشكل كامل ، والتدخل بشكل مناسب لاحتوائها. تاريخ الأزمات أحد الدروس المتكررة.
وفي هذا الصدد ، وبالنظر إلى أرشيف الأزمات في القرن الأفريقي ، ومن خلال ملاحظة الأدوار المختلفة التي تقوم بها الأطراف الفاعلة في النزاعات والأزمات الجارية في أفريقيا ،
على مر القرون ، لاحظنا صعود إريتريا التدريجي بخطوات واسعة وفي اتجاهات مختلفة في بعض الأزمات في القرن الإفريقي ، ونحاول في هذه الورقة تتبع هذا الدور وإظهار خصائصه ومحددات نشأته ودوافعه وخصائصه. مستقبل.
أولًا: طبيعة الدور الإريتري في القرن الأفريقي
بالنظر إلى العلاقات البينية بين دول القرن الأفريقي نجد أن هناك توتر عميق في عدد من الملفات المشتركة بين أعضائه، منها ملف سد النهضة بين اثيوبيا والسودان، وحالة الحرب بين إرتريا وأثيوبيا، والتوترات الحدودية بين الجارات الاربع ( الصومال- السودان- أثيوبيا- اريتريا) ناهيك عن حالة التوتر التي تطغى على الأوضاع الداخلية في بلدان القرن، منها حالة الصراع في أثيوبيا، وحالة عدم الاستقرار السياسي في كلا من السودان، والصومال.
حالة التقارب والسعي إلى التفاهم بين هذه الدول حديثة نسبية برزت في عام 2018، حين أقام رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، سلاماً مع نظيره الإريتري أسياس أفورقي. ونال رئيس وزراء إثيوبيا الجديد على أثر ذلك جائزة نوبل للسلام. كما في يوليو 2018 أعلن الصومال وأثيوبيا إقامة علاقات دبلوماسية،[1] في أحدث مؤشر إلى تحسن العلاقات في أرجاء منطقة القرن الأفريقي بعد التقارب بين إريتريا وإثيوبيا كان أهم ملامح هذه الفترة توقيع الاتفاق الثلاثي بين فرماجو وآبي أحمد وأفورقي، يقضي بتقليل دعم الحركات الجهادية في الصومال، وفي المقابل نشر ضباط استخبارات إريتريين في الصومال وإثيوبيا، ما منح الرئيس إسياس أفورقي، موطئ قدم مهم في البلدين.
كما أرسل الرئيس الصومالي السابق 5 آلاف جندي صومالي إلى إريتريا للتدريب في أسمرة، لتلقي التدريبات العسكرية في إريتريا، كان هذا الاتفاق المحرك الأول لعلاقات وانشئ بناء عليه شكل التعاون بين الأطراف الثلاثة منذ 2018.ومنذ ذلك الفترة نرى أن أريتريا حاولت التدخل في أكثر من اتجاههم دول الحوار . تصاعد هذا الإنخراط مؤخرًا ليشمل تحركات أوسع نشير إلي أبرزها فيما يلي:
في الصومال: بعد أن انتخب رئيس الصومال الجديد حسن شيخ محمود كانت اريتريا اول دول الجوار التي زارها في زيارة استمرت أربعة أيام، أسفرت وقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ونظيره الإريتري أسياس أفورقي، اتفاقية شاملة للتعاون، وذلك عقب مباحثات ثنائية بين الزعيمين تناولا العلاقات الثنائية وأهمية السلام والتنمية في الصومال لتحقيق التكامل في منطقة القرن الإفريقي، والتي شملت تعزيز العلاقات الأخوية بين شعبي إريتريا والصومال بما في ذلك الجاليات المقيمة بالبلدين، وتعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي. وضمت أيضاً توسيع التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين، مع التركيز بشكل خاص على مجالات التجارة والاستثمار والأمن المائي والزراعة والثروة السمكية والصحة والتعليم.وتضمنت الاتفاقية تعزيز التعاون الدفاعي والأمني للحفاظ على السلام والاستقرار، والعمل معاً لتحسين العلاقات والتعاون والانفتاح الاقتصادي في القرن الإفريقي.
من جهة أخرى هناك مساعي لتنسيق عودة الجنود الصوماليون من اريتريا بعد أن الأمر تصاعد بعد احتجاج أهالي الجنود في مقديشو ومطالبتهم بالكشف عن مصير أبنائهم الذين تغيبوا فترة كبيرة عن البلاد.
في أثيوبيا: تعد محطة عملية السلام الموقعة في 2018 محدد رئيس في الطابع الحديث للعلاقة بين الطرفين . وفي أواخر 2020، بعد أن أرسل آبي قوات إلى إقليم تيجراي للإطاحة الحزب الحاكم للإقليم الواقع في شمال البلاد، عبرت القوات الإريترية الحدود لدعم الجيش الإثيوبي. وما زال الجنود الإريتريون في إثيوبيا، بينما يثير بقائهم في تيغراي تنديداً دولياً، وقد قارب النزاع المسلح ضد جبهة تحرير التيجراي من عامين، تداخل تصاعد خلالهما التنسيق الإريتري الأثيوبي
في السودان : تحاول اريتريا أن تلعب دور الوسيط في السودان فسبق أن طرحت أسمرة، خلال استقبال الخرطوم في أبريل الماضي من خلال وفداً إريترياً ضم وزير الخارجية عثمان صالح ومستشار الرئيس الإريتري، مبادرة لمعالجة الأزمة وتقريب وجهات النظر بين جميع أطراف الصراع، كما سلم السفير الإريتري في الخرطوم عيسى أحمد عيسى، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان رسالة خطية من الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي تؤكد اهتمام الأخير البالغ بتطورات الأوضاع في السودان، وضرورة توحيد الجهود والعمل الجاد للوصول إلى رؤية موحدة تضمن الخروج الآمن من الأزمة. غير أن هذه الرسالة لم تسفر عن تنسيق بين الطرفين.
وفي تحرك أخر متصل بالسياق ذاته قدم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لأطراف وجهات من الإدارة الأهلية في شرق السودان دعوة إلى جانب شخصيات سياسية من الشرق، لزيارة العاصمة الإريترية أسمرة بهدف عقد مؤتمر لحل مشكلة شرق السودان، وهذه الدعوة بدت غريبة لأنها واجهت في البداية فقط للقبائل، وهو ما أدى إلى استياء أعضاء المجلس السيادي العسكري، وتداولت معلومات بمنع عبور الوفد إلى إريتريا ؛ ربما لعدم وجود تنسيق بين السلطات في ولاية كسلا والسلطات المركزية في الخرطوم.
وعلى الحدود الشرقية توجد عدة قبائل منها (الهدندوة – البني عامر – الحباب – الرشايدة)، فإن التدخل الجيوسياسي في هذه الحالة قد تجعله دولة إريتريا ذريعة من أجل تبرير اهتمامها في شأن الأوضاع الأمنية في شرق السودان، احترازاً من التأثير في داخل حدودها. لكن، بما أن شرق السودان منطقة جيوسياسية وتتداخل فيه الحدود الدولية للسودان مع 4 دول هي (إثيوبيا – إريتريا – مصر – السعودية عبر البحر) فإن التدخل في شرق السودان يجعل له عده أبعاد أكثر من كونها وساطة للتسوية.
تحركات للجمع بين الأطراف الأفريقية: جرى اجتماع أجهزة استخبارات دول القرن الأفريقي، الذي عقد في ١٧ و١٨ أبريل الماضي، بأديس أبابا، وبحث عدد من الملفات الأمنية للمنطقة التي تشهد حالة من عدم الاستقرار، وجاء بحضور جيبوتي، جنوب السودان، الصومال، السودان، تنزانيا، أوغندا، وإثيوبيا، بينما امتنعت كينيا عن المشاركة في الاجتماع رغم زيارة رئيس أركان الجيش الإثيوبي لنيروبي قبل أيام قليلة من قمة المخابرات.
وفي هذا الصدد نلاحظ أن تدخلات الجانب الاريتري تزايدت مؤخرًا محاولة الانخراط في كافة الأزمات في منطقة القرن ، بل وتتهيأ لان يكون هذا التدخل مستدام ،من خلال ربطه بملفات طويلة الأمد. لكن من جهة أخرى ،يرى أن خطوات التدخل تلك يبدو أنها غير محسوبة ، وغير منسقة، وهو ما جعل استقبال هذه المحاولات يكون بشكل يصبغ عليه الارتياب كما في الحالة السودانية.
ثانيًا: مقومات الصاعد الإريتري وتطلعاته
وهنا يمكن النظر إلى المميزات التي قد تمكن اريتريا من لعب دور فاعل ونشير إلى عدد من المميزات منها مايلي:
تحقيق معدلات نمو متسارعة: وفقا ل بنك التنمية الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي لقد تصاعد اقتصاد اريتريا مؤخرا فبحسب البنك الدولي أن اقتصاد إريتريا تعافي من صدمات متعددة لا سيما غزوات الجراد الصحراوي وCOVID-19، لينمو بنسبة 2.9٪ في عام 2021، وكان النمو بقيادة الصناعة والخدمات على جانب العرض والاستهلاك الخاص والاستهلاك الخاص[2]
كما حدث استقرار سلاسل التوريد والقيمة العالمية إلى تخفيف التضخم إلى 4.5٪ في عام 2021 من 4.8٪ في عام 2020. أما القطاع المالي فالبرغم من أنه صغير وقائم علي البنوك فيقدم مجموعة محدودة من الخدمات المالية. تقلص عجز المالية العامة إلى 4.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 من 4.4٪ في عام 2020، مما يعكس ضبط أوضاع المالية العامة والانتعاش التدريجي في الإيرادات العامة مع الانتعاش الاقتصادي.
كما انخفضت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في إريتريا بمقدار 9.1 نقطة مئوية إلى 175.6٪ في عام 2021 مقارنة بعام 2020 ؛ لا يزال البلد في ضائقة ديون. اتسع فائض الحساب الجاري إلى 13.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 من 11.4٪ في عام2020 .
مقومات إريتريا العسكرية: مؤشر قياس القوة العسكرية، بالنظر إلى مؤشر قياس القوة العسكرية تعطينا مؤشر لقياس القوة العسكرية GFP والذي يقيس القوة العسكرية ل 142 دولة لعام 2022 صنف أهم دول القرن الأفريقي كالآتي : تم تصنيف إثيوبيا في المرتبة 65 من 142 من الدول التي تم النظر فيها في مراجعة السنوية. تم تصنيف إريتريا في المرتبة 124 من 142 من الدول التي تم النظر فيها في مراجعة GFP السنوية. احتلت الصومال المرتبة 139 من 142 من الدول التي تم النظر فيها في مراجعة GFP السنوية، وات السودان فيالمرتبة 72.[3]
وبالرغم من أن عدد السكان القليل نسبيًّا في إريتريا -حوالي 6 ملايين شخص- إلا أنها تملك جيشًا ضخمًا يزيد عن 200 ألف جندي والتوسُّع في إلحاق المواطنين بالخدمات الإلزامية. وبالتالي فهي قوة عسكرية بمقومات متوسطة مقارنة بجارتها في القرن الأفريقي، لكن حالة الاستقرار الأمنى وإحكام السيطرة الداخلية أعطى لها مساحة لعرض المساعدة العسكرية سواء في أُثيوبيا ، أو بتدريب القوات الصومالية.
إصرار أفورقي وحكمه الطويل: في عام 1991 ، كان أفورقي أول رئيس لحكومة مؤقتة مكلفة بالتحضير للانتخابات الوطنية ، لكنه استولى على السلطة وتمكن من إعلان التثبيت الرسمي للعرش بإعلانه رئيسًا. وهذا يعني أنه حكم إريتريا لمدة ثلاثة عقود ، من عام 1993 حتى الوقت الحاضر. خلال هذا الوقت ، واجه تحديات متعددة ، بما في ذلك حركات الكفاح المسلح ، والمعارضة السياسية ، والتحديات الدولية ، وعزز في نهاية المطاف سيطرته السياسية على إريتريا دون خصوم. وقد منحه هذا الحزم الثقة في قدرته السياسية على الصمود ، ويمكن أن يكون وسيلة لنقل تجربته إلى البلدان المجاورة التي تمر بأزمة.
بوابة جديدة للتعاون الدولي: زارت الصين مؤخرًا أسمرة ، وهي المحطة الأولى لزيارة دبلوماسيين صينيين لثلاث دول أفريقية هي إريتريا وكينيا وجزر القمر.
أما بالنسبة لروسيا ، فقد عارضت إريتريا مشروع قرار يطالب روسيا بوقف الحرب فوراً في أوكرانيا وسحب قواتها في اجتماع طارئ بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويبدو أن الولايات المتحدة تتفهم هذا الدور ، لذا فهي لا تستبعد صحة الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام بأن وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية مولي في أبلغ الخرطوم برفضه عندما زار الخرطوم في يونيو الماضي. تعمل إريتريا بشكل مستقل على حل الأزمة بين الأطراف في السودان. ولا تؤيد أي مؤتمر منفصل مستقبلي يمكن عقده في أسمرة لحل الأزمة السودانية.
الاستفادة من منظور أفريقي لحل المشاكل الأفريقية: لقد شهد العقد الماضي انحسار دور القوى الدولية ، ورفع الأفارقة أنفسهم أصواتهم لحل المشاكل الأفريقية. ربما هذا ما تريد إريتريا استغلاله لتقوية نفوذها.
قوة وسطى صاعدة: هذه القوة الوسطى هي دولة. ورغم أنها ليست دولة كبيرة ، إلا أنها تتمتع بنفوذ كبير أو كبير. بالإضافة إلى ذلك ، فإن الموقع الجغرافي لهذه الدول يمنحها قرنًا من الأزمة ومساحة أكبر لها للعب دور كبير. وظيفة.
ثالثًا: اتجاهات وسيناريوهات محتملة
في هذا الاتجاه ، من المتوقع أن يتضمن السلوك الصاعد لإريتريا عدة سمات مستمرة في حركتها ، خاصة على المدى القصير ، والتي قد تكون موازية ، بحسب ما تم ذكره سابقًا.
التخلص من القوة الأفريقية الفعالة التي ليست جزءًا من القرن الأفريقي: في تدخلاتها من جانب إريتريا ، حاولت أن تتصرف بمزيد من الحرية بغض النظر عن الجهات الفاعلة الأخرى المؤثرة في المنطقة بطريقة تمكنها من الاستمرار في عملها. السياسة الليبرالية.
تقديم نفسها كحلقة وصل للقرن الأفريقي: ما تحاول إريتريا تقديمه هو صلة بين تقديم نفسها كدور في القرن الأفريقي من ناحية ودور مقبول من ناحية أخرى ، ولكن بالنظر إلى تنوع وتنوع الصداقة ، يبدو أن تأكيد الرغبة الأخيرة لا يزال قيد الاختبار.
تعزيز العلاقات مع القوى الدولية: من المتوقع أن تواصل إريتريا تعزيز العلاقات مع الجهات الفاعلة الدولية ذات المصالح في المنطقة ، وعلى رأسها روسيا والصين ، مقابل العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة.
بالأخير يمكن القول إن إريتريا أصبحت تلعب دورًا ملحوظًا في أزمات القرن الأفريقي، وتحوأكسب سياق العلاقات بين دول القرن الأفريقي الذي انفتح منذ عام 2018، وكذلك مقوماتها الاقتصادية المتصاعدة، وانفتاحها على التعاون العسكري والأمني.
لكن الدور الذي تتطلع إليه يلقي توافقًا بين كافة القوى الإقليمية، وأحيانًا يشتبك مع الفاعلين في هذه الصراعات كما حدث في السودان، ومن المرجح أن يلقي هذا الدور تعارضًا مع أدوار أخرى.
المصادر
1 -اتفاق بين أثيوبيا وارتريا والصومال ، موقع رويترز ، نشر في يوليو 2018 تم الإطلاع بتاريخ 20 أغسطس 2022 https://is.gd/7Sdnaa
2- Eritrea Economic Outlook, African Development Bank, , available onhttps://is.gd/xYetVT
3- Military Strength Ranking, GLOBAL FIREPOWER 2022, available on https://is.gd/dcagK3