حسين المبيض
تداولت عناوين الأخبار مؤخرًا، قرار دمْج حركة تحرير «أزواد» المسلحة في «الجيش، والشرطة»، ويأتي القرار عقب اجتماعٍ، عُقِد طوال الأسبوع الماضي، بين الحكومة الانتقالية في «باماكو» وبين الحركة، وتم الوصول إلى اتفاقٍ من خلال وساطة جزائرية، في إطار إعادة تنشيط اتفاقية السلام، والمصالحة المعروفة بـ«اتفاق الجزائر»، بعد مرور قرابة سبع سنوات، منذ تعطيل العمل به، وسط انغماس الدولة في المعضلات «السياسية، والأمنية، والاقتصادية».
تجْدُر الإشارة، بأن غالبية سكان شمال مالي، تتكون من الطوارق، وهم رعاةٌ رُحَّل، تجوَّلوا تقليديًّا عبْر الصحراء في غرب أفريقيا، ويقْطُنُون في مساحاتٍ واسعةٍ من الصحراء الأفريقية، والتي يطلق عليها اسم «أزواد»، تمتد من موريتانيا غربًا إلى تشاد شرقًا، وفي يناير 2012، استغلَّت جماعات الطوارق الفوضى السياسية في مالي، وبدأت بالتمرُّد والتنديد بالانفصال، مجتمعين تحت راية الحركة الوطنية لتحرير «أزواد» (MNLA)؛ لذا سنحاول خلال السطور التالية، استبيان معطيات وأهداف الاتفاقية الأخيرة بين الطرفيْن، مع إلقاء الضوْء على المصالح المشتركة، وعراقيل اتفاقية السلام، والتي يمكن من خلالها، فهْم أهمية ذلك التحرُّك الأخير، وصولًا إلى السيناريوهات المحتملة.
تفعيلٌ متأخرٌ لاتفاقية السلام
صدر بيانٌ عن الحكومة الانتقالية، في 5 أغسطس الجاري، يفيد بتوصُّلها إلى تفاهُمٍ مع جماعات الـ«أزواد»، الموقِّعة على اتفاقية السلام؛ لدمْج 26 ألف من المقاتلين في جيشٍ وطني، وتتم عملية الدمْج خلال دفعتيْن، الأولى: تتضمن دمْج 13000 مقاتل، يتم توزيعهم وفقًا للحصة التي يوافق عليها الطرفان، والتي لم يُحدَّد موعدٌ لبدْئِها بَعْدُ، أما الدفعة الثانية: فسيتم توزيعها على مدار سنتيْن، بحسب قول البيان نفسه، كما تم الاتفاق على إنشاء وتفعيل لجنة «خاصة»، مُكلَّفة بالنظر في أوضاع الكوادر «المدنية، والعسكرية»، في الجماعات الموقِّعة على الاتفاق، من خلال دراسة كل حالةٍ على حِدَة؛ بهدف دمْجهم في الوظائف العامة، بما في ذلك، صفوف «الجيش، والشرطة»، ودراسة ما يتعلق بالتسلسُل القيادي، ونزْع السلاح وتسريحهم؛ لإعادة انخراطهم في الحياة المدنية.
وفي منظور العمل باتفاقيه السلام، تأتي تلك الاتفاقيات الضرورية متأخرة، في حين كان من المفترض، عقْد ذلك الاجتماع، في شهر مارس الماضي، وعلى الرغم من إيجابيات تلك الخطوات، فهي مؤشرٌ على بُطْء تنفيذ اتفاقيه السلام، لا سيما بعد تعطيلٍ دام سنوات في حالة من «اللاحرب، واللاسلم»، مشيرةً لوجود مسافةٍ كبيرةٍ بين «الاتفاق، والتنفيذ».
مظاهر خلاف وفُرُص توافق
سبق أن خاضت الحركة في إقليم «أزواد» بشمال مالي، صراعًا مُسلَّحًا ضد الحكومة لعدة سنوات؛ حيث كانت تطالب بصلاحيات، تقربها من الاستقلال بحكم الإقليم الشمالي، في حين تصر الحكومة على وحدة أراضي البلاد، وانتهى الصراع المُسلَّح بتوقيع اتفاق السلام والمصالحة، بوساطة جزائرية، عام 2015؛ لتحُدَّ من أخطار الدولة في مالي، وتعمل على توحيد الصفوف ضد الجماعات الإرهابية، المنتشرة في مالي، فعلى مدار السنوات الماضية، استهدفت تلك الجماعات الجانبيْن في شمال وشرق مالي، مستهدفةً المدنيين والقوات المسلحة بدون تفرقة، فوفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، المنشورة في 24 من مارس الماضي، قُتِل ما يقْرُب من 600 مدني في مالي، العام الماضي، وفي الآونة الأخيرة، تم استهداف مقاتلي حركة تحرير «أزواد»، في سلسلةٍ من الهجمات، راح ضحيتها نحو 250 من الطوارق، في ضواحي «ميناكا»، بين التاسع والحادي عاشر من مارس، من العام الجاري، حسب مصادر صحيفة «النبأ».
ولذلك، فإن تعاون الحكومة المؤقتة، وحركة تحرير «أزواد» ضروري في المرحلة الراهنة، والعمل الجِدِّي باتفاقية السلام، ولا سيما بنود دمْج المسلحين السابقين، واستعادة سلطة الدولة، تُعدُّ من الشروط الأساسية؛ لإخراج البلاد من الأزمة الأمنية، وبأن يحُدَّ من توغُّل الجماعات الإرهابية، التي تبحث عن العودة إلى شمال البلاد.
عراقيل اتفاقية السلام
يرى المراقبون، أن العلاقات بين طرفيْ اتفاقية السلام، بدأت تأخذ منحنىً تصاعديًّا، خلال الجزء الثاني من الفترة الانتقالية، و بالأخص عقب انقلاب مايو 2021، وتعيين «شوجويل مايغا» رئيسًا للوزراء، والذي له مواقف عِدَّة، تُوحِي بتطلُّعِه لإعادة بنود الاتفاق، بأنها «تضع أُسس تقسيم مالي»؛ ما نَتَجَ عنه زَخَمٌ في المطالبة بمراجعة اتفاقية السلام، في الآونة الأخيرة، وإثارة التوتُّرات بين طرفيْ الأزمة، حول مستقبل الاتفاقية.
وهو الأمر الذي نَشَبَ عنه خلافات بين الطرفيْن؛ حيث اتهمت حركات الـ«أزواد» التوجُّه الإعلامي للسلطات بـ«العدائي، والتشهيري»، ولطالما كانت الحركات الموقِّعة، واضحة على مبادئ الاتفاق، وأنه الشيء الوحيد الذي يربطها بالحكومة في «باماكو».
عندما يتعلق الأمر بتنفيذ اتفاقية السلام، فإن الجوانب «السياسية، والمؤسسية»، متوقفة حتى الآن، بما في ذلك تنفيذ برنامج «نزْع السلاح، والتسريح»، ولذلك فإن الاجتماع الأخير، هو خطوةٌ في الاتجاه الصحيح، ودليل على حرص الطرفيْن بالتمسك بالاتفاق، وعلى الرغم من ذلك، تباينت التصريحات الصادرة عن قيادة حركة تحرير «أزواد»، فعلى حدِّ قول أحد القادة: إن الحركة قد «قَبِلَتْ عرْض الحكومة»؛ لتشكيل هذه اللجنة، و«التحدُّث عن مشكلة التسلسُل القيادي»، في مستقبل الجيش الوطني، المُعَاد تشكيله، مضيفًا، أنه في حال لم يتم حلّ هذه المشكلة، لن يكون هناك تقدُّمٌ كبيرٌ في اتفاقية السلام.
كما أفادت تصريحاتٌ أُخرى، بحسب موقع «سكاي نيوز الإخباري»، بمطالبة الحكومة في الحصول على حصة في المناصب القيادية بـ«الجيش، والشرطة، والأمن الرئاسي»، وغيرها من المراكز الحسَّاسة في الدولة، وأنه في حال لم تُنفِّذْ «باماكو» هذه المطالب، ستطرق الحركة في إقليم شمال البلاد؛ لإعلان دولة «أزواد» مستقلة.
وفي حال أن ذلك التصريح قد يعكس الرأي العام بين سكان الشمال، فهو بمثابة إنذار شديد الحدة للحكومة الانتقالية في مالي، يضعها في موقفٍ حرِجٍ، يتوجب عليها معالجته بتوازنٍ كبيرٍ، كما أن الأمر يرجع لمدى استعداد الدولة في تقديم التنازلات، المرتبطة بتقاسُم السلطة، أو المخاطرة بتنفير الإقليم الشمالي، وهو جُزْءٌ كبيرٌ من البلاد، على الاستعداد للانفصال، ولعل من مخاوف الحكومة الانتقالية، أن يؤدي دخول الـ«أزواد» في الساحة «الأمنية، والسياسية» إلى انقلابٍ سياسيٍ، يدعم أغلبية الـ«أزواد» في المزيد من المناصب القيادية.
فضلًا عن مواجهة الحكومة الانتقالية أيضًا وضعًا اقتصاديًّا شديد الصعوبة؛ ناجِمٌ جُزْئيًّا عن العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس»، بالرغم من الانفراجة الأخيرة في ذلك الملف، ورفع العقوبات، فإن الاقتصاد لم يتعافَ بَعْدُ، فضلًا عن التأثُّر بتدهور الأوضاع في المنطقة؛ نتيجة تداعيات «جائحة كورونا، والأزمة الأوكرانية».
خلاصة القول: تكْمُن أهمية الاجتماع الأخير، في كونه الخطوة الأولى، الأكثر جِدِّية منذ زمنٍ طويلٍ، في تحقيق أهداف «أمنية، وسياسية» ضرورية في مالي، فعلى الصعيد الأمني: يعمل قرار دمْج المتمردين السابقين في الجيش المالي على إعادة بناء خلْق جيشٍ وطنيٍ مُوحَّد، يعكس تمثيلًا أكبر للفئات السكانية في الشمال، خصوصًا في مجابهة الإرهاب المتصاعد في مالي، والتي باتت أكثر جُرْأةً في استهداف المدنيين والقوات المسلحة الوطنية، على حدٍّ سواء، ومن ثمَّ اقترابُها من العاصمة «باماكو»، فإن الحكومة الانتقالية في حاجةٍ شديدةٍ إلى حلفاء عسكريين، بعد انسحابها من اتفاقيات الدفاع ومكافحة الإرهاب مع فرنسا في العمليتيْن «برخان، وتاكوبا»، ومع دول الساحل (G5)، بالإضافة إلى تعليق مهام بعثة الأمم المتحدة في مالي بشكلٍ مؤقتٍ، منذ الشهر الماضي، أما في البُعْد السياسي: فإن فرصة مالي الوحيدة للعودة إلى الاستقرار السياسي، هي من خلال الاستمرار في عملية المصالحة الوطنية، والعمل بمبادئ اتفاقية السلام، في إعادة دمْج سكان الشمال، وتوحيد الصفوف، وهو الأمر الذي من شأنِهِ، القضاء على إمكانية انفصال الإقليم الشمالي، في ظلِّ تردِّي الوضْع الأمني المستمر.
السيناريوهات
سيناريو تشاؤمي: استمرار حالة الجمود، والمماطلة في تنفيذ اتفاقية السلام من جانب الحكومة الانتقالية؛ ما يلوح باحتمالية التصعيد العسكري، فلا تملك حركة تحرير «أزواد» المسلحة، السيطرة الكاملة على عناصرها، ومن ناحيةٍ أُخرى، لا تمتلك السلطات في مالي، القدرة المطلقة في السيطرة على عناصرها المسلحة، ولذلك في هذا السياق، تبقى فرضية نُشُوب خلافٍ مُسلَّحٍ «مباشر، أو غير مباشر» بين الطرفيْن، يؤدي إلى اشتباكاتٍ على نطاقٍ أوسع، تعيدهم إلى مربع «الصفر».
سيناريو تفاؤلي: يستمر الطرفان في المُضيِّ قُدُمًا بجِدِّية في تنفيذ مبادئ اتفاقية السلام، بدْءًا بدمْج مقاتِلِي «أزواد» في جيشٍ وطنيٍ مُوحَّد، يتصدى لخطر الإرهاب، بالإضافة إلى التوسُّع في مبادئ الاتفاق، وتفعيل المصالحة الوطنية؛ لتكون فرصة مالي في العودة إلى الاستقرار السياسي.