حسناء تمام كمال
من تأجيل طال عامًا ونصف العام؛ لبدء إجراء الانتخابات البرلمانية، إلى فشل الالتزام بالمدد المحددة؛ لإتمام الانتخابات، مازالت الانتخابات البرلمانية في الصومال تواجه تعثرات كبيرة، وبحلول 25 فبراير الجاري، يكون قد انتهى الموعد الأخير، الذي أنتجه المؤتمر التشاوري الوطني بالصومال؛ للانتهاء من الانتخابات البرلمانية، ورغم ذلك، تؤكد المعطيات الانتخابية وجود تحدٍ كبير، في الانتهاء من العملية الانتخابية في هذا التوقيت، بالالتزام بالموعد المشار إليه، وفي هذا الصدد، نسلط الضوْء على ما توصلت إليه الانتخابات البرلمانية في الصومال، والمستقبل الذي ينتظرها.
أولًا: المؤتمر الوطني التشاوري “كان على وشك تصحيح المسار “
في يناير الماضي، انعقد المؤتمر التشاوري حول انتخابات الصومال بين رئيس الوزراء ورؤساء الولايات، والذي قاده رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، بالتشاور مع جميع أصحاب المصلحة، مثل اتحاد المرشحين وممثلين عن المجتمع الدولي، وحضور رؤساء الولايات الإقليمية؛ للمناقشة في استكمال وتسريع خطوات العملية الانتخابية في البلاد.
نجح المؤتمر في التوصل إلى اتفاق؛ لإجراء انتخابات في البلاد، ونص الاتفاق على استكمال الانتخابات التشريعية في البلاد خلال 40 يومًا، بدءًا من 15 يناير الماضي، وسط مخاوف من عوائق وتحديات أمنية وسياسية واقتصادية، قد تتسبب في فشل الاتفاق، وإنهاء الفراغ الدستوري، والانتهاء من انتخابات مجلس النواب في غضون 40 يومًا، تنتهي يوم 25 فبراير.
وكانت هذا المؤتمر فرصةً حقيقيةً؛ لتدارك الأوضاع وتصحيح المسار، فالوقوف في منتصف الطريق لتجميع وجهات النظر المضادة، والـتأكيد على وحدة الهدف، وخلق أرضية مشتركة للعمل الجماعي، يخلق حالةً من الالتفاف الداخلي، ويزيد فرص بلوغ هدف إتمام الانتخابات، وبالفعل، خرج المؤتمر بحالة من التوافق بين الأطراف المختلفة، وعلى رأسها الرئيس الصومالي، ورئيس الوزراء.
من ناحية أخرى، كان المؤتمر نموذجًا جديدًا، قدمته الصومال للتعامل مع مشكلات الانتخابات في فترة التحول الديمقراطي، وكان حريصًا على أن يكون هناك توافق يخرج به لاستكمال الانتخابات، إلا أن مخرجات المؤتمر اعتراها بعض العوار.
تمثل هذا العوار في المخرج الرئيسي للمؤتمر، والذي نص على أن تجري الانتخابات في أربعين يومًا، تنتهي يوم 25 فبراير، بالرغم من أنه تم انتخاب 100 نائب وحسب –آن عقد المؤتمر- ليطالب المؤتمر بانتخاب 175 عضوًا في مدة أربعين يومًا، وهذا غير واقعي، فانتخاب 100 نائب استغرق ما يزيد عن 3 أشهر؛ نتيجةً للظروف الأمنية المحيطة بالانتخابات، وتعدد الطعون على النتائج وإعادة الفرز، والكثير من الإجراءات اللازمة؛ لإتمام العملية، والتي استغرقت وقتًا.
لذا كان من الأجدر – بدلًا من أن يخرج المؤتمر بتوافق ينتهي إلى موعد مدفوع بحماس غير واقعي- أن يتم الأخذ في الاعتبار تلك الظروف الأمنية والسياسية والإجرائية المحيطة، وتؤخذ ظروف الانتخابات كدالة تحديد مدى زمني أطول؛ للانتهاء من الانتخابات.
فحلول 25 فبراير، دون إتمام العملية الانتخابية، والاضطرار إلى تمديد جديد، أو خارطة أخرى بمخرجات جديدة، قد يكون هناك تحدٍ في قبول كلٍّ منهما، والتصديق في جدواه، وهو بشكل أو بآخر مُعوِّقٌ للعملية الانتخابية.
ثانيًا: بدء تنفيذ العقوبات الأمريكية
منذ انتهاء ولاية (فرماجو) في فبراير 2021، ومحاولة (فرماجو) استصدار قرار من مجلس النواب بالتمديد له، كان التلويح بالعقوبات الأمريكية واحدًا من أهم المحركات في المشهد الصومالي، فبعد التلويح بتلك العقوبات، تراجع (فرماجو) عن قرار التمديد في ولايته، ومنذ ذلك الحين، تضغط الولايات المتحدة بفرض العقوبات.
يبدو أن الولايات المتحدة تتوقع أيضًا قبوله الموعد المحدد لإتمام عملية الانتخابات دون الانتهاء منها؛ لذا بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ بعضٍ من العقوبات الملوح بها مجددًا، ففي 10 فبراير، وبعد مرور نصف المدة المحددة، تحركت الولايات المتحدة ضد مسؤولين محليين، ترى أنهم يشكلون تهديدًا للديمقراطية، وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن: إن الولايات المتحدة قيدت إصدار التأشيرات للمسؤولين الصوماليين الحاليين والسابقين، والأفراد المتهمين بتقويض العملية الديمقراطية في الصومال.
ليس ذلك وحسب، فقد انضم النقد الدولي للولايات المتحدة في التلويح بعقوبات؛ إذ حذَّر صندوق النقد الدولي الصومال من أن برنامجًا مهمًا يدعمه لتمويل رواتب العسكريين والخدمات الأساسية قد ينتهي في مايو، في حالة حدوث أي عطل جديد في مسار الانتخابات، وأكدت كبيرة ممثلي الصندوق ورئيسة بعثته إلى الصومال، لورا غارا ميلو، أن البرنامج سينتهي تلقائيًّا في حالة عدم تشكيل حكومة جديدة للانتهاء من عملية مراجعة له بحلول 17 مايو.
وبهذا الشكل، تكون العقوبات بدأت في الدخول في طوْرها الفعلي على الصومال، وبدأت بشكل محدود نسبيًّا، وهو ما يضع النظام الصومالي في حالة ضغط فعلي؛ لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.
ثالثًا: فرص إتمام الانتخابات “أبرز السيناريوهات المحتملة”
حتى يوم 21 فبراير، كان عدد المنتخبين في البرلمان الصومالي 130 نائبًا من أصل 275 نائبًا، أي تبقَّى ما يزيد عن نصف الأعضاء غير منتخبين، يتطلب أن يتم انتخابهم في غضون أربعة أيام، وهو أمر شبه مستحيل؛ ما يجعل الالتزام بالمدة المحددة أمرًا صعبًا، هذا يجعلنا أمام سيناريوهين:
السيناريو الأول فشل الانتخابات: ويقوم هذا السيناريو على أن عدم الالتزام بالموعد الانتخابي المقرر، سيؤدي إلى تجدد التنافسات بين روبلي فرماجو من ناحية، إضافةً إلى تصاعد ضربات حركة (الشباب المجاهدون)، كل ذلك سيتفاعل معًا؛ ليؤدي إلى تغيير المياه الجارية في المشهد السياسي، ويتحول مجددًا ناحية الصراعات على السلطة، والانجرار مجددًا إلى مربع الصراعات الداخلية، كل ذلك مصحوبًا بانسحاب دولي من الاهتمام بالداخل الصومال.
وهذا السيناريو، بالرغم من أنه تشاؤمي، إلا أنه يصعب استبعاده، خصوًصا في ظل ابتعاد الواقع الانتخابي في الصومال عن المأمول، وتصاعد تهديدات حركة الشباب، التي كانت سببًا في عدم تقدم العملية الانتخابية بعد المؤتمر التشاوري.
السيناريو الثاني وقفة مجددة للتمديد: ويرجو هذا السيناريو، أن يكون هناك عودة مجددًا، سواء في إطار المؤتمر التشاوري، تسفر عن تمديد في المدي الزمني الخاص بالانتخابات، أو تحرك جماعي خارج سياق المؤتمر، يؤدي مجددًا لتجديد الانتخابات، وذلك باعتبار أن هناك إصرارًا من قِبَلِ رئيس الوزراء (روبلي) على إتمام الانتخابات، بالإضافة إلى بدْء تنفيذ العقوبات الأمريكية على الصومال، وبالتالي، فهذا يضع المسؤولين الصوماليين، وعلى رأسهم (فرماجو) تحت ضغط حقيقي، سيسعون لتفاديه بإتمام الانتخابات بأي شكل، حتى وإن كانت على حساب شفافية وقبول نتائجها.
وسيناريو إعطاء فرصة زمنية؛ لإجراء الانتخابات مجددًا، هو سيناريو مرجح بقوة، فلا يبقى أمام المساهمين في المؤتمر، وفي ظل الضغط الواقع، سوى التعهد بإتمام الانتخابات في أقرب وقت، لكن يبقى التنبؤ بأبعد من ذلك، بالتوقيت أو الآلية بلا وضوح للملامح، ومرهون إلى حد كبير بما سيتم الاتفاق عليه إلى ما بعد 25 فبراير.
وهذا السيناريو قد يخرج عنه طريقان محتملان، الأول: أن يتم التمديد بفترة زمنية قصيرة، قد تكون بضع أسابيع أو تزيد قليلًا عن شهر، وذلك على غرار التمديد الأخير، وهذا السيناريو قد ينتج عنه النتيجة ذاتها، وهو عدم الانتهاء من الانتخابات، وقد يكون مصاحبًا بردود فعل سلبية، وإحباط من إجراء الانتخابات، والطريق الآخر، أن يتم التمديد لعدة أِشهر، وذلك على غرار ما جرى في ليبيا، التي تمتلك تجربة مشابهة مع موعد إجراء الانتخابات، وانتهى بإعطاء مساحة 6 أشهر، الإجراء بعد مهملتين قصيرتين استُنْفِذتا دون إجراء الانتخابات.
بالأخير، وبالرغم من أن الوضع في الصومال قد يدعو إلى الإحباط، ويثير التخوفات؛ بسبب حجم العثرات الكبيرة، والعراقيل التي تحيط بالانتخابات لا يمكن إنكارها ولا إخفاؤها، وقد تعرض الصومال للانزلاق إلى الهاوية مجددًا، في ظل هذه الظروف، لكن يبقى أمن الصومال مؤثرًا بشكل إقليمي على أمن جيرانها من دول القرن الأفريقي، والذي قد يخشون انتقال عدوى الصراع أو تبعاتها من الصومال لدول مجاورة، في ظل حالة التداخل العرْقي، والتشابه في الظروف السياسية والأمنية.
كما يبقى ذا تأثير عالمي في موقع الصومال الحيوي، وموقعها من الممر الملاحي العالمي، يفرض على أصحاب المصلحة الحفاظ على أمن هذا الممر؛ ما يجعل هذه الأهمية منعكسة في تعاون وضغوط على الجانب الصومالي؛ بهدف الدفع نحو إجراء الانتخابات، مهما طال المدى الزمني الذي تستغرقه.