إعداد: جميلة حسين
بالرغم من تحول المجلس الانتقالى الجنوبى نحو مكافحة الإرهاب فى اليمن عبر محاولات استئصال جذور تنظيم القاعدة فرع الجزيرة العربية المرتكز فى الجنوب اليمنى حيث محافظات أبين وشبوة وحضرموت ومأرب، وذلك عبر عملية “سهام الشرق” التى انطلقت منذ عام واستبدلت الشهر الماضى بعملية “سيوف حوس” وشاركت فيها القوات الجنوبية المكونة من (قوات الحزام الأمني/ و الأمن العام/ وقوات محور أبين) إلا أن تلك القوات لم تستطيع دحر عمليات تنظيم القاعدة، نظراً لتركيبة وطريقة عمل تنظيم القاعدة البالغ عدده 4000 مقاتل وفقاً لأحدث التقارير التى صدرت فى شهر يونيو الماضى، حيث شهد التنظيم تحول استراتيجيى نحو التركيز على تكثيف العمليات ضد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والمصالح الغربية متماشيا مع توجهات سيف العدل زعيم التنظيم المركزى، فضلاً عن تمكن الفرع المحلى للتنظيم من تطوير بعض القدرات اللوجيستية فى المشهد العملياتى على الرغم من الأزمات الداخلية التى يشهدها التنظيم.
دلالات التهديد
عودة إصدار “صدى الملاحم”:
تمكن التنظيم من إعادة نشر الإصدار الدعائى المعروف ب “صدى الملاحم” فى عدده السابع عشر بعد توقفه لمدة 12 عاماً، وقد تضمن هذا الإصدار مقالاً افتتاحياً لأمير القاعدة في اليمن المدعو (خالد باطرفي) يتحدث عن عودة إصدار المجلة كونها ستكون وفقاً لوصفه “الناطقة باسم المجاهدين”، فضلاً عن اعتراف التنظيم باعتقال القاضي الشرعي للتنظيم المعروف ب “أبو بشر” من جانب القوات الحكومية فى مدينة مأرب، وفى جزء أخر من الاصدار تم الإشارة إلى حادثة استهداف قائد قوات الحزام الأمنى القائد (عبداللطيف السيد) الذى تم اغتياله من قبل التنظيم الشهر المنصرم فى محافظة أبين مع عدد من مرافقيه، كما أبرز التنظيم صور العمليات التى نفذها التنظيم مؤخراً فى محافظتى أبين وشبوة واستهدفت القوات الجنوبية المشاركة فى مكافحة التنظيم.
تهديد الدول الأوروبية:
وجه التنظيم عدة تهدديات لفرنسا والسويد واحتمالات استهداف مصالحهم وسفاراتهم بهجمات دموية، وجاء تفسير ذلك فى إطار معاداة تلك الدول للإسلام فضلاً عن الحادثة الأخيرة للسويد المتعلقة بحرق نسخ من القرأن الكريم حيث أكد التنظيم على أن السويد تتصدر الحرب ضد الإسلام لتتخذ مسار فرنسا والدنمارك وعدد من الدول الأوروبية الأخرى، وأكد التنظيم تهديداته عبر نشرة أصدرها منتصف هذا الشهر مشيرا إلى ” إنهم لن يفهموا إلا حينما يسمعون أنباء مثل: السفارة السويدية سحقت بسبب تفجير عنيف أو هجوم مسلح ضد مبنى وزارة في العاصمة الفرنسية باريس”.
تحركات مكثفة فى الجنوب:
اتجه التنظيم إلى تغيير نهجه العملياتى فى مناطق تواجده فى الجنوب بعد إعلان زعيم التنظيم عن سياسته العسكرية القائمة على مبدأ “الاتجاه جنوباً” للدخول فى مواجهات مع قوات مجلس الانتقالى وقوات التحالف العربى. حيث شهد هذا الشهر تحركات عسكرية مكثفة لعناصر تنظيم القاعدة فى مناطق متفرقة من مديرية المحفد شرق محافظة أبين. كما شهدت محافظة شبوة عدة هجمات متتالية فى الفترة الأخيرة أبرزها قيام التنظيم بشن هجوم استهدف قوات دفاع شبوة في منطقة المصينعة بإطلاق قذائف الهاون، وكذلك انفجار عبوة ناسفة زرعتها عناصر تنظيم القاعدة لحظة مرور مركبة عسكرية في مديرية الصعيد جنوب محافظة شبوة، ويأتى تفسير تلك التحركات فى ضوء تعزيز التنظيم لنفوذه وسط اشتداد الحرب عليه فى الجنوب فضلاً عن تحول تركيز التنظيم نحو الجنوب بدعم خارجى من أجل تحقيق أجندات تحمل فى طياتها اخطار جسيمة.
دخول المسيرات فى المشهد العملياتى :
يأتى تنوع هجمات التنظيم فى الأشهر الماضية ضد القوات الجنوبية فى إطار قيام التنظيم باستخدام الطائرات المسيرة التى تحمل عبوات ناسفة الأمر الذى يشكل تهديد للمرافق السياسية والعسكرية المحلية فى الجنوب كذلك تهديد الملاحة فى البحر الأحمر والمياه الإقليمية، وقد ظهر هذا التهديد أثناء قيام تنظيم القاعدة بشن هجومًا مضادًا ضد قوات الحكومية والموالية لها في جنوب اليمن عندما أعلن التنظيم فى بيان له شهر مايو المنصرم عن قصف بطائرة مسيرة محشوة بعدد من القذائف موقعا لقوات دفاع شبوة في بلدة “المصينعة” في محافظة شبوة شرقي اليمن، مستعرضًا القدرات الجديدة بأنظمة الطائرات، ويعتبر أول اعتراف للقاعدة باستخدام الطائرات بدون طيار. وظهر هذا الأمر عقب تقارير تحدثت عن تسليم مليشيات الحوثي طائرات مسيرة لتنظيم القاعدة الإرهابي.
دعم الجماعات المسلحة والأطراف الخارجية:
يشير تحركات التنظيم إلى تلقى دعم خارجى من جانب عدد من الشركاء الفاعلين من الدول ومن دون الدول، يأتى أبرزهم ميليشيات الحوثى التى تقدم دعم لتنظيم القاعدة بعد اتباع الأخير طرق مختلفة للتعامل مع الحوثيين والتوقف عن مواجهتهم، والإعلان عن تبادل أسرى مع الحوثيين، فى حين قامت الميليشيا بتوفير الطائرات المسيرة للقاعدة لتقويض الأمن والاستقرار في المحافظات الجنوبية بعد تفاوض تم عن طريق الزعيم الإرهابى (أبو أسامة الديانى) المقرب من قائد التنظيم فى اليمن وينظر إلى هذا التقارب فى ضوء عدد من المصالح المشتركة بين الطرفين وإثبات نية الحوثيين الحقيقة التي تؤكد بعدم رغبتهم في عملية السلام فى اليمن. على صعيد أخر بدأت أطراف أخرى فى المنطقة تقدم دعم باطنى للتنظيم فى ضوء التزويد بالأسلحة والتمويل لتحقيق عدد من الماصلح السياسية والاستراتيجية من ناحية وتوسيع نفوذ التنظيم الذى يخوض حرب ضد سلام المنطقة فى مناحية أخرى.
ظاهرة استهدف الموظفيين الأممين:
اتجه تنظيم القاعدة نحو تبنى سياسة هجومية ضد الموظفيين الأممين العاملين في اليمن شملت الاختطاف وتنفيذ عمليات اغتيال ففى الشهر الماضى تعرض موظفان اجنبيان يتبعان منظمة أطباء بلا حدود الى الاختطاف شرقي البلاد ويأتى تفسير تلك الظاهرة فى ضوء تعرض التنظيم إلى أزمة مالية جعلته ينتهج هذا السلوك من أجل منح التنظيم موردا ماليا جديدا، كما تؤدى تلك السياسة إلى خلق زخما إعلاميا للتنظيم، فضلا عن أن هذه العمليات تمثل ضربة لخصوم التنظيم في اليمن أبرزهم الشرعية اليمنية ودول التحالف العربي.
تحدى الأزمات داخلية
يواجه تنظيم القاعدة المركزى عدد من الأزمات الداخلية منذ تولى (سيف العدل) قيادة التنظيم بعد مقتل (أيمن الظواهرى) تتمثل فى الصعود الكبير لتنظيمات أخرى وعلى رأسها تنظيم “داعش” الأزمات المالية التى يعانى منها التنظيم وتؤثر على حالة تأزم وضعه وقوته التى كان عليها فى السنين الأخيرة، الأمر الذى يؤثر على الفرع المحلى فى شبه الجزيرة العربية خاصة مع تعرض قواعدهم لعدة هزائم من جانب القوات الجنوبية، فقد أسفرت العمليات العسكرية المعروفة ب”سهام الشرق” إلى سقوط معسكر “وادي عومران” المعروف بـ”تورا بورا” اليمن ومعسكر “وادي السري” ومعسكري “عكد” و”سلي” ومعسكرات “موجان” و”الخيالة” وذلك فى محافظة أبين، أما عن العمليات العسكرية الأخيرة المعروفة ب “سيوف حوس” إلى فقدان التنظيم السيطرة على معسكر الحجلة الاستراتيجى، والسيطرة على جبال وادي جنن أحد معاقل تنظيم القاعدة الإرهابي. وتمكن قوات الحزام الامني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من دحر عناصر القاعدة في عدد من محافظات الجنوب خاصة في أبين بجانب الضربات الأمريكية التى خسر فيها التنظيم عدد من القيادات الهامة كان آخرهم المسؤول الشرعي القيادي (حميد التميمي).
وعلى الرغم من ذلك حاول الفرع المحلى للتنظيم إعادة بناء الهياكل التنظيمية لرفع كفاءته من خلال استقطاب عناصر جديدة واختيار قيادات مستجدة وتوسيع عملياته، والاستفادة من الوضع الداخلى الهش والظروف المحفزة لتصاعد نشاطته فى اليمن والتى تنوعت بين الدوافع السياسية المرتبطة بأزمة الشرعية اليمنية وحالة الفوضى الناتجة عن الصراع مع ميليشيات الحوثى، والدوافع الاقتصادية التى تمثلت فى انخفاض المستوى المعيشى والتهميش الاقتصادى الأمر الذى ساعد على ادخال مكونات جديدة للتنظيم. فقد تمكن التنظيم من إطلاق 5 عمليات هذا الشهر أسفرت عن وقوع 12 قتيل وإصابة 26 شخص وقع أغلبهم فى منطقة وادى عومران فى محافظة أبين.
مما سبق؛ مع قيام القوات الجنوبية بتنشيط العملية العسكرية ضد مكونات التنظيم القاعدى وقدرتهم على تحقيق بعض الانتصارات إلا أنه لم يستطع القضاء عليه وشل قدراته نظراً لارتباط الأمر بعدد من التحديات يبرز أهمها فى محاولات التنظيم لإعادة ترتيب صفوفه وبدء مرحلة جديدة ترتكز على استهداف المكونات العسكرية بالجنوب اليمنى بالاعتماد على عدد من القدرات المتطورة وبعث التهديد من خلال الخطاب الدعائى بجانب استغلال الأزمة اليمنية بكافة أبعادها، ذلك بالإضافة لانتشار أنباء عن استحداث تلقيها للدعم من أطراف خارجية.