إعداد : جميلة حسين محمد
أصدر البرلمان الأوروبى – الأسبوع الماضى- إعلانًا، مفاده، أن روسيا “دولة راعية للإرهاب، وتستخدم وسائل إرهابية”؛ جرَّاء هجماتها فى أواكرانيا، واستهدافها للبُنى التحتية والمنشآت الحيوية الأوكرانية، بشكلٍ يتنافى مع حقوق الإنسان، وينتهك القانون الدولى، واعتبار أعمال العنف التى تشنُّها ضد المدنيين لأغراض سياسية أعمالًا إرهابيةً، وتمَّت المصادقة عليه، بعد تأييد أغلبية أعضاء البرلمان بـ494 صوتًا، مقابل معارضة 58 صوتًا، وامتناع 44 عن التصويت، مع التأكيد على دعوة الاتحاد الأوروبى، بضرورة وضْع إطارٍ قانونىٍّ؛ لتصنيف الدول الراعية للإرهاب، وتقليل العلاقات مع تلك الدول.
جاء مُسمَّى الدول الراعية للإرهاب من جانب وزارة الخارجية الأمريكية، وهو مُسمَّى يتم إطلاقه على الدول التى تُقدِّم – بشكلٍ مستمرٍ- الدعم لأعمال الإرهاب الدولى، ويفرض عليها عقوبات أُحادية صارمة، وتضم – حتى الآن- 4 دول، هم “كوبا، وكوريا الشمالية، وإيران، وسوريا”، إلَّا أن الاتحاد الأوروبى يفتقد الإطار القانونى لتصنيف الدول الراعية للإرهاب؛ لذلك يتم التعامل مع قرارها، بأنه مجرد قرارٍ رمزىٍّ، نابعٍ من الاعتماد على عددٍ من الأحداث المشهودة فى الواقع الأوكرانى، وأعمال العنف والانتهاكات الجسيمة، التى تشنُّها موسكو ضد حقوق الإنسان؛ حيث لا يمكن إجبار أىِّ حكومة أوروبية، بالقيام بقطْع العلاقات الدبلوماسية، أو إحداث أىِّ قطيعةٍ أُخرى مع الجانب الروسى.
ومن ثمَّ فإن التطبيق الفعلى لهذا القرار، ودخوله حيِّز التنفيذ، يعتمد على الآلية المعتمدة من الاتحاد الأوروبى، التى تستند على الموازنة بين البرلمان الأوروبى، باعتباره هيئةً تشاوريةً، تُحفِّزُ الدول والمفوضية الأوروبية، التى تصرف تلك القرارات على الدول الأعضاء؛ للبت فيها، ويأتى هذا القرار ليُعبِّر عن محاولة بعض الدول الأوروبية؛ للتحرُّك أمام انتهاكات موسكو للمعايير الإنسانية والدولية، والدعوة لزيادة العُزْلة المفروضة على روسيا، وحثّ الأطراف الأوروبية، على عدم إقامة علاقات فردية مع روسيا، خاصةً مع حِزَم العقوبات الـ8، المفروضة مسبقًا عليها، من جانب المفوضية الأوروبية، والتقييد التى تدرسه مجموعة الـ7؛ لوضع حدٍّ أقصى لسعر النفط الروسى، المنقول بحرًا ؛ من أجل تقليل عائدات النفط الروسية، وضرب عوائد روسيا، بدون ارتفاع أسعار النفط عالميًّا.
وعلى الرغم من تحمُّس بعض الدول الأوروبية لهذا القرار، كـ”أوكرانيا، وبولندا، ولاتفيا، وليتوانيا، وإستونيا”، إلَّا أن هناك دولًا محايدةً، بل ورافضةً له، كفرنسا على سبيل المثال، التى طالما شدَّدت على إبقاء قنوات حوارٍ مع الجانب الروسى، وتصريح الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون”، بشأن عدم تصنيف روسيا دولةً راعيةً للإرهاب، وأن القرار للمحكمة الجنائية الدولية.
الموقف الأوكرانى
لقى القرار الصادر من البرلمان الأوروبى ترحيبًا واسعًا، من جانب الرئيس الأوكرانى “فولوديمير زيلينسكى”، الذى أكَّد على ضرورة عزْل روسيا على جميع المستويات، ومحاسبتها على انتهاكاتها وأعمالها الفوضوية فى الداخل الأوكرانى، وإنهاء سياسة الإرهاب التى تنتهجها فى الآونة الأخيرة فى أوكرانيا وبعض الدول، هذا فضلًا عن دعوته للولايات المتحدة الأمريكية ودول أُخرى، لإعلان روسيا دولةً راعيةً للإرهاب.
الموقف الأمريكى
أعلن الكونجرس الأمريكى من قبلُ دعوة مماثلة لتصنيف روسيا دولةً راعيةً للإرهاب، ولكنها قُوبِلَت بالرفض من جانب الإدارة الأمريكية، التى رأت بأن هذا القرار ليس الوسيلة المُثْلَى، والأكثر فاعلية فى التعاطى مع روسيا، إثر غزوها لأوكرانيا؛ حيث إن إدارج روسيا على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب غير مُجْدٍ فى الوضع الحالى، وله تداعيات، تتمثل فى فرْض قيودٍ ماليةٍ ودبلوماسيةٍ على روسيا، وحظْر الصادرات الدفاعية لها، وإلزام الشركات الأمريكية والشركات الدولية، التى ترتبط بها، بالامتناع عن أىِّ تعاملات تجارية معها، وعلى الرغم من أن واشنطن طرف فعَّال فى الحرب “الروسية – الأوكرانية”، إلَّا أن الإقدام على الخطوة السابقة، والامتثال لـ”الكونجرس، والبرلمان الأوروبى”، ودعوة كييف، له عواقب على المدى البعيد، ستضرُّ – حتمًا- بالعلاقات الثنائية، وهو ما لا يخدم مصالح “موسكو ، وواشنطن”.
تداعيات القرار على الأزمة “الروسية – الأوكرانية”
ردًّا على إعلان البرلمان الأوروبى لهذا القرار، جاء الردُّ الروسى مباشرةً، من خلال شنِّ هجومٍ سيبرانىٍّ متطورٍ على البرلمان، ووفق بعض الخبراء، فإن هذا الهجوم يعتبر الأكثر تعقيدًا، الذى واجه البرلمان حتى الآن، ويُسمَّى بـ”Attacks DDOS”، وقد أدَّى إلى شلِّ الموقع الإلكترونى للبرلمان، وتعطيل خدماته، وهذا الهجوم ليس الأول من جانب روسيا، التى اعتمدت فيه على هذا السلاح فى حربها مع أوكرانيا؛ حيث تعرَّضت بعض مواقعها الحكومية وشبكات الطاقة والبنية التحتية للطاقة، لهجماتٍ مشابهةٍ، بعد تكبُّدِها خسائر فى الحرب.
ولم تتخذ موسكو قرارت إدراجها ضمن الدول الراعية للإرهاب، وكذلك إدراج مجموعة “فاغنر” العسكرية، والقوات الموالية للزعيم الشيشاني “رمضان قديروف”، على قائمة العقوبات، التى تطال المنظمات الإرهابية على محمل الجدِّ؛ لتأكيدها على فقدانه الطابع القانونى، بل جاء ردُّ البعض باستنكار هذه الخطوة، كما صرَّحت المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، بأن البرلمان الأوروبى “راعٍ للحماقة”، وتم اتهامه بالكراهية والإرهاب الجامح تجاه روسيا.
وحقيقة الأمر، فإن هذا الإعلان، يعتبر غير متوازنٍ، ويميل إلى تصعيد الحرب “الروسية – الأواكرانية”، وليس التهدئة ومحاولة إيجاد حلٍّ سلمىٍّ، مع عدم إسهامه فى التوصُّل إلى أىِّ حلٍّ سياسىٍّ للأزمة، خاصةً مع استمرار العملية العسكرية فى أواكرانيا، بل ويساعد فى زيادة الفجوة بين “روسيا، وأوروبا”، خاصةً فى الوقت الذى يراهن فيه الكرملين، على وجود انقسامات فى الداخل الأوروبى، وتعرُّض المواطنين الأوربيين لبعض الأوضاع والأزمات الاقتصادية الصعبة؛ نتيجة تداعيات الصراع، وبالتالى، عزْل روسيا يمثل خسارةً للطرفيْن.
ختامًا
إن قرار البرلمان يُمثِّلُ مجرد ضغط معنوى على روسيا؛ كوْنه يقتصر على الطابع الرمزى فقط، كما أنه غير مُلْزمٍ للحكومات الأوروبية للعمل به، فليس من مصلحتها قطْع علاقاتها بشكلٍ كاملٍ مع روسيا، بل يجب العمل على اتخاذ قرارات، من شأنها، الوصول إلى تسويةٍ؛ لإنهاء الحرب نهايةً سياسيةً، وليس تصعيد التوتُّر، والإتيان بنتائج عكسية للوضع الأوكرانى، وكذلك واشنطن، التى تعتبر أكثر حذرًا فى فرْض عقوبات تصاعُدية على موسكو؛ لتجنُّب حدوث مجابهةٍ عالميةٍ وخيمة العواقب.