مخيم الهول السوري ومخاوف إعادة البعث الداعشي
إعداد : محمد فوزي
شهدت الأيام الماضية تصاعد التحذيرات من قبل العديد من الدوائر، من الخطورة التي يمثلها مخيم “الهول” السوري، خصوصاً على مستوى توظيف تنظيم داعش له في مساعيه لاستعادة نشاطه وتموضعه في الجغرافيا السورية، إلى الحد الذي جعل بعض الدوائر الغربية تصف المخيم بأنه “بؤرة جديدة للمتطرفين الإسلاميين”، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات التي تحاول الوقوف على أبعاد التهديد التي يمثلها هذا المخيم، والتحديات التي تعوق مواجهة هذه التهديدات.
مساعي داعشية لتوظيف المخيم
يقع مخيم الهول السوري على بعد 45 كيلو متراً شرقي مدينة الحسكة قرب الحدود العراقية، وتم بناءه في عام 1991 من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكان الهدف منه استقبال النازحين الفارين خلال حرب الخليج الأولى وتم إغلاقه بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب، وفي عام 2003 تم إعادة افتتاح المخيم هدف استقبال النازحين من الغزو الأمريكي للعراق، وتم إعادة إغلاقه مرة أخرى عام 2007، وفي عام 2012 ومع سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة في محافظة الحسكة السورية، حول التنظيم المخيم إلى مقر سكني لعائلات المقاتلين الأجانب، ويضم المخيم حالياً حوالي 60 ألف شخص، من بينهم 10 آلاف أجنبي، بحسب معطيات الأمم المتحدة، هم بغالبيتهم أقرباء لعناصر من تنظيم داعش ونازحون سوريون ولاجئون عراقيون.
وقد ارتبطت التخوفات من احتمالية توظيف تنظيم داعش للمخيم في إطار مساعيه لاستعادة نشاطه وفاعليته في سوريا، في ضوء الاعتبارات التالية:
- أعلنت قوات سوريا الديمقراطية في 25 أغسطس الماضي عن إطلاق عملية عسكرية جديدة بدعم من التحالف الدولي لتطهير المخيم من “العناصر الداعشية التي تحاول استغلاله”، وقد أسفرت العملية التي ستستمر لفترة مقبلة عن القبض على العديد من العناصر الداعشية التي وصفتهم قوات قسد بـ “العقول المدبرة لداعش”، فضلاً عن الكشف عن أكثر من 25 نفقاً كانت عناصر التنظيم تستخدمهم كممرات للوصول إلى المناطق المحيطة بالمخيم في منطقة الهول ومحافظة الحسكة، كذلك أسفرت العملية حتى الآن عن إزالة أكثر من 120 خيمة كانت تستخدمها الخلايا النائمة كمدارس شرعية، كما عثرت قوات “قسد” على أسلحة وصناديق من الذخيرة ومعدات إلكترونية، وهواتف نقالة وأجهزة كمبيوتر مطمورة تحت التراب.
- أشارت بعض التقارير إلى أن ما يزيد على 70% من سكان المخيم هم من فئات النساء والأطفال، الذي ينتمون إلى أسر داعشية، وهي فئات تشبعت على مدار السنوات الماضية بأفكار راديكالية ومتطرفة غرثها التنظيم لديهم، وبالتالي يسعى التنظيم إلى توظيف النساء في إطار المهام اللوجستية التي تُخدم على أنشطته، وكذلك يعول التنظيم على الأطفال الذين تسميهم بعض الدوائر بـ “جند الخلافة” كجيل جهادي جديد يمكن التعويل عليه على المدى المتوسط والبعيد في مساعي استعادة الحضور في سوريا.
- يطرح قرب المخيم من الحدود العراقية فرضية مفادها احتمالية توظيف التنظيم لهذا المخيم، من أجل التموضع في المناطق الحدودية والتنسيق مع الخلايا الداعشية في المناطق الحدودية وفي الجغرافيا العراقية، واستغلال حالة التأزم السياسي في البلدين.
- – أشارت بعض التقديرات إلى أن التنظيم يستهدف السيطرة على المخيم، لتوظيفه من أجل تحقيق هدف أكبر يتمثل في السيطرة على سجن الثانوية الصناعية بالحسكة، ما يزيد من المكاسب الجيوسياسية للتنظيم، ويمكنه من تحرير بعض العناصر الموجودة في السجن.
- ارتبطت التخوفات من خطورة المخيم، بالتقارير التي تتحدث عن ممارسة العناصر الداعشية داخله لضغوط عديدة وصلت إلى حد تعذيب بعض الأفراد، فضلاً عن تقديم إغراءات كبيرة، بهدف تجنيد عناصر جديدة من داخل المخيم، حتى أن العديد من الوفيات التي حدثت بداخل المخيم كانت نتاج لهذا التعذيب، وهو الأمر الذي جعل من الخيم “بؤرة استقطاب وتجنيد مهمة بالنسبة للتنظيم”.
تحديات تواجه التعامل مع خطر “الهول”
على الرغم من إقرار كافة الدوائر المعنية بالملف السوري والمنخرطة فيه بخطورة الأوضاع في مخيم الهول، وبسعي تنظيم داعش لاستغلاله، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه عمليات تطهير المخيم والتعامل مع هذه التهديدات، ومن أبرز هذه التهديدات:
- تواجه العمليات الأمنية التي تتم داخل المخيم من قبل قوات سوريا الديمقراطية، تحديات لوجستية ترتبط بضعف البنية الإنشائية للمخيم، الأمر الذي يعوق أي محاولات للسيطرة عليه، فضلاً عن أن هذه البنية تُستغل من قبل تنظيم داعش في تموضعه داخل المخيم أو استغلاله.
- تواجه مسألة المقاتلين الأجانب بشكل عام أزمات سياسية وقانونية عديدة، إذ ترفض معظم دول العالم استقبال العائدين من مناطق الصراعات سواءً كانوا مقاتلين سابقين أو أسرهم، وذلك في ضوء الخطر الذي يمثله هؤلاء على هذه الدول، فعلى سبيل المثال كانت العمليات التي تمت في العديد من البلدان الأوروبية في السنوات الأخيرة نتاج ترتيب وتنفيذ من قبل بعض العناصر التي عادت إلى هذه الدول من سوريا والعراق، الأمر الذي زاد من التخوفات الأوروبية بهذا الخصوص، خصوصاً مع عدم وجود أطر قانونية واضحة حاكمة للتعامل مع هذا الملف، لكن بعض الدول ومع ضغوط الرأي العام تلجأ إلى استعادة بعض هذه الأسر، وهو ما يتجسد في الحالة الألمانية، حيث استقبلت ألمانيا مؤخراً 10 نساء و27 طفلاً من الأسر الداعشية، وما يزيد من تعقيد الأزمة أن الدول الأوروبية ترفض مقترحات الإدارة الذاتية الكردية بمحاكمة هؤلاء على الأراضي السورية، على اعتبار أنهم يحملون جنسيات أوروبية، فتكتفي الإدارة الذاتية بمحاكمة من يحملون الجنسية السورية فقط.
- تُنذر كافة المؤشرات المتعلقة بالانخراط التركي في سوريا، إلى أن أنقرة مُقدمة على تنفيذ عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، بهدف إنشاء ما تسميه تركيا بـ “المنطقة الآمنة”، وهي العملية التي تستهدف بشكل رئيسي القضاء على القوات الكردية التي تنظر إليها تركية على أنها منظمات إرهابية، وبالتالي فإن التدخلات التركية في الشمال السوري سوف تمثل عاملاً محفزاً لحالة عدم استقرار أمني جديدة، الأمر الذي سيستغله تنظيم داعش في إطار مساعيه للسيطرة على المخيم ونزعه من سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، ومع غياب موقف دولي حازم من العملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري، تزيد احتمالية تفاقم الأوضاع في هذه المنطقة على كافة المستويات.
وفي الختام يمكن القول إن تنامي التهديدات المرتبطة بمخيم الهول، هو نتاج للعديد من الاعتبارات، التي يقع في القلب منها مساعي تنظيم داعش للسيطرة على المخيم وتوظيفه، وعدم وجود مقاربة دولية واضحة للتعامل مع الفئات الموجودة داخل المخيم خصوصاً الأجنبية، في ضوء نظر الدول الغربية لهذه العناصر على أنها تمثل تهديداً لأمنها القومي، ومع هذه الاعتبارات تتصاعد الحاجة إلى قرارات سريعة وحاسمة تُنظم عودة الأجانب الموجودين داخل المخيم لبلدانهم الأصلية، بإجراءات قانونية وسياسية محددة تضمن تحييد خطرهم، بما يُمهد في مراحل لاحقة لإغلاق المخيم أو تحجيم الأخطار التي قد تنبثق عنه.