المقالات
أردوغان في العراق .. أجنداتٌ ثقيلةٌ وملفاتٌ شائكةٌ
- أبريل 24, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
إعداد: إسراء عادل
في الوقتِ الذي يشهدُ فيه الشرقُ الأوسطُ توتراتٍ متصاعدةً على خلفيةِ الحربِ المحتدمةِ في قطاعِ غزةَ إلى جانبِ المواجهاتِ الإيرانيةِ الإسرائيليةِ، جاءتْ زيارةُ الرئيسِ التركيِ رجب أردوغان إلى العراقِ بعدَ سنواتٍ من الخلافاتِ الدبلوماسيةِ، حيثُ توجهتْ المساعي نحوَ فتحِ صفحةٍ جديدةٍ منَ التقاربِ بينَ العراقِ وتركيَا، والمضيِ قدماً نحوَ تحسينِ العلاقاتِ وتقويتِها وبحثِ سُبلِ تعزيزِ التعاونِ الثنائيِ بينَ البلدينِ في مختلفِ المجالاتِ، والتوصلِ إلى تفاهماتٍ وحلولٍ مشتركةٍ للقضايَا العالقةِ مثلَ قضيةِ المياهِ والطاقةِ وحزبِ العمالِ الكردستانيِ ومشروعِ طريقِ التنميةِ.
زيارةُ الرئيسِ التركيِ رجب أردوغان إلى العراقِ:
توجهَ الرئيسُ التركيُ رجب طيب أردوغان إلى العاصمةِ العراقيةِ بغدادَ، الإثنين 22 أبريلَ الجاريِ، في أولِ زيارةٍ لهُ منذُ أكثرَ من عقدٍ، والتي تُعد بمثابةِ نقلةٍ نوعيةٍ في إعادةِ تشكيلِ العلاقاتِ بينَ البلدينِ، حيثُ شهدتْ العلاقاتُ العراقيةُ التركيةُ خلالَ العقدِ الماضيِ توتراتٍ متزايدةً بشأنِ عددٍ منَ القضايَا الخلافيةِ، وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ هذهِ الزيارةَ كانتْ مقررةً بالفعلِ العامَ الماضي، لكنهَا تأجلتْ بسببِ التوتراتِ الأمنيةِ على الحدودِ بينَ البلدينِ، بالإضافةِ إلى قرارِ المحكمةِ الفرنسيةِ في مارسَ 2023 بفرضِ غرامةٍ قدرُها 1.4 مليارَ دولارٍ على أنقرةَ لصالحِ العراقِ لمخالفتِها بنودَ اتفاقيةِ تصديرِ النفطِ عبرَ الأراضيِ التركيةِ الموقعةِ بينَ البلدينِ عامَ 1973. ورافقَ أردوغانُ في زيارتهِ إلى بغدادَ وزراءَ الخارجيةِ هاكان فيدان، والدفاعِ يشار غولر، والداخليةِ علي يرلي قايا، والتجارةِ عمر بولاط، والنقلِ والبنيةِ التحتيةِ عبد القادر أورال أوغلو، والزراعةِ والغاباتِ إبراهيم يوماقلي، والطاقةِ والمواردِ الطبيعيةِ ألب أرسلان بيرقدار، والصناعةِ والتكنولوجيا محمد فاتح قاجر.
وبعدَ الانتهاءِ من لقاءاتهِ في بغدادَ توجهَ الرئيسُ أردوغان برفقةِ وفدهِ إلى مدينةِ أربيل عاصمةِ إقليم كردستان العراق، وتُعدُ هذه الزيارةُ هي الأولى لرئيسٍ تركيٍ يزورُ إقليمَ كردستانَ، وسبقَ لـ أردوغان أن زارَ أربيلَ قبلَ 13 عاماً عندمَا كانَ رئيساً لوزراءِ تركَيا، وحينَها شاركَ مع الرئيسِ بارزاني بافتتاحِ مطارِ أربيل الدوليِ، وخلالَ اللقاءِ أكدَ بارزاني رئيسُ حكومةِ الاقليمِ، على استعدادِ حكومةِ الإقليمِ لتطويرِ العلاقاتِ والتعاونِ المشتركِ الاقتصاديِ والتجاريِ معَ تركَيا، كمَا تحدثَ عن فرصِ العملِ والاستثمارِ المتاحةِ للشركاتِ التركيةِ في جميعِ المجالاتِ، وأشادَ بمواصلةِ هذهِ الشركاتِ أعمالهَا وتنفيذِ مشاريعِها حتّى في ظلِّ الأوضاعِ الاقتصاديةِ الصعبةِ، وشددَ على أن إقليمَ كردستانَ سيظلُ عاملَ أمانٍ واستقرارٍ في المنطقةِ، ومن جانبهِ أكدَ الرئيسُ أردوغان على مواصلةِ بلادهِ دعمَها للعراقِ وإقليمِ كردستانَ، وعلى استعدادِها للتعاونِ المشتركِ والمزيدِ من التطويرِ للعلاقاتِ مع العراقِ وإقليمِ كردستانَ في كلِ المجالاتِ، وشددَ على ضرورةِ وأهميةِ حفظِ الأمنِ والاستقرارِ في المنطقةِ وحسمِ المشاكلِ وضمانِ حقوقِ المكوناتِ.
دلالاتُ وأبعادُ الزيارةِ:
جاءتْ زيارةُ الرئيسِ أردوغان إلى العراقِ في توقيتٍ مهمٍ وبعدَ جفاءٍ دبلوماسيٍ دامَ لسنواتٍ، حيثُ تكتسبُ الزيارةُ أهميةً كبيرةً في ظلِّ الحاجةِ لبحثِ العديدِ منَ الملفاتِ المشتركةِ التي تتطلبُ إيجادَ حلولٍ وخصوصاً ملفاتِ تقاسمِ المياهِ وتصديرِِ النفطِ من إقليمِ كردستانَ وطريقِ التنمية والتعاون الاقتصادي والمصرفي وملف الأمنِ المشتركِ، ويمكنُ الإشارةُ إلى أن الزيارةَ جاءت أيضاً في توقيتٍ حساسٍ تشهدُ فيه المنطقةُ تطورات مشتعلة على خلفيةِ المواجهةِ الإيرانيةِ الإسرائيليةِ والصراعِ الفلسطينيِ الإسرائيليِ في قطاعِ غزةَ، وبالتاليِ يبدو أن الرئيسَ أردوغان يسعى إلى إبعادِ تركَيا عنْ تلكَ التوتراتِ المتصاعدةِ في المنطقةِ، فضلاً عن جديةِ الجانبِ التركيِ في حلِ القضايَا العالقةِ بينَ بغدادَ وأنقرةَ، والمضيِ قدماً نحوَ تعزيزِ العلاقاتِ الثنائيةِ وتنميتِها في المجالاتِ ذاتِ الاهتمامِ المشتركِ بما يضمنُ تحقيقَ الاستقرارِ الإقليميِ والازدهارِ والتنميةِ.
ملفاتُ وقضايا شائكةْ على جدولِ الأعمالِ
بحثَ الرئيسانِ العراقيُ عبدُ اللطيف جمال رشيد، والتركيُ رجب أردوغان العديدَ منَ الملفاتِ المشتركةِ وفي مقدمتِها الملفُ الأمنيُ والاقتصاديُ بالإضافةِ إلى مباحثاتٍ ثنائيةٍ تناولتْ تعزيزَ العلاقاتِ بينَ البلدينِ وآلياتِ تطويرِ التعاونِ في شتّى المجالاتِ، كمَا جرىَ التأكيدُ على ضرورةِ التنسيقِ والعملِ المشتركِ من أجلِ التوصلِ إلى حلولٍ مرضيةٍ للقضايَا المتعلقةِ بتقاسمِ المياهِ ومشروعِ طريقِ التنميةِ وملفِ الطاقةِ بما يخدمُ تطلعاتِ الشعبينِ العراقيِ والتركيِ، إلى جانبِ مناقشةِ تطوراتِ الأوضاعِ في غزةَ والتوتراتِ المتصاعدةِ في المنطقةِ، وذلكَ على النحوِ التاليِ:
أولًا: الملفُ الأمنيُ
يُعدُ حزبُ العمالِ الكردستانيِ منْ أهمٌِ القضايَا الأمنيةِ العالقةِ بينَ البلدينِ، فوجودُ الحزبِ الكردستانيِ المناهضِ لتركيَا في الأراضيِ العراقيةِ يقابلهُ تواجدٌ عسكريٌ تركيٌ داخلَ العراقِ، إذ يتواجدُ هناكَ 40 قاعدةً عسكريةً داخلَ العراقِ، فضلاً عنْ تنفيذِ تركيا العديدَ منَ الهجماتِ الصاروخيةِ داخلَ الأراضيِ العراقيةِ على مدارِ السنواتِ الماضيةِ لاستهدافِ مقاتليِ الحزبِ ، الأمرُ الذي تسببَ في حدوثِ أزمةٍ بينَ بغدادَ وأنقرةَ، ومنْ هنَا سعىَ أردوغانُ في زيارتهِ إلى إبرامِ اتفاقٍ أمنيٍ معَ السلطاتِ العراقيةِ لمحاربةِ حزبِ العمالِ الكردستانيِ هناكَ، وخلالَ المباحثاتِ الثنائيةِ بينَ الرئيسينِ رحبتْ تركيا بقرارِ مجلسِ الأمنِ القوميِ العراقيِ بشأنِ تصنيفِ حزبِ العمالِ الكردستانيِ تنظيماً محظوراً في العراقِ، كمَا تسعَى تركيا أيضاً لإطلاقِ عملياتٍ عسكريةٍ جديدةٍ ضدَّ الحزبِ داخلَ الأراضيِ العراقيةِ، بهدفِ توسيعِ المناطقِ الآمنةِ، فضلاً عن إنشاءِ منطقةِ سيطرةٍ بعمقِ 30 إلى 40 كيلومتراً على طولِ الحدودِ بحلولِ الصيفِ القادمِ، إلى جانبِ تأمينِ الخطِ الفاصلِ بينَ العراقِ وسوريا لمنعِ تنقلِ مقاتليِ حزبِ العمالِ الكردستانِي بينَ البلدينِ معَ إمكانيةِ اتخاذِ إجراءاتٍ جديدةٍ تجاهَ مناطقَ مخمورِ وأسوس وغارا وقنديلِ. ومنْ جانبهِ، أكدَّ الرئيسُ العراقيُ على أهميةِ العملِ والتنسيقِ المشتركِ لمكافحةِ الإرهابِ، كمَا أشارَ إلى أنَّ العراقَ يرفضُ أنْ تكونَ الأراضيِ العراقيةُ منطلقاً للاعتداءِ أو لتهديدِ دولِ الجوارِ، كمَا رفضَ أيَ اعتداءٍ أو انتهاكٍ تتعرضُ لهُ المدنُ العراقية.ُ[1]
ثانيًا: الملفُ الاقتصاديُ
على الجانبِ الاقتصاديِ نجدُ أنَّ المباحثاتِ قدْ تركزتْ على توطيدِ العلاقاتِ الثنائيةِ بينَ البلدينِ، وسبلِ تعزيزِ التجارةِ البينيةِ، وتشجيعِ فرصِ الاستثمارِ، حيثُ أكدَّ الرئيسُ العراقيُ على رغبةِ بغدادَ في بناءِ علاقاتٍ متميزةٍ معَ تركيَا على مختلفِ الاصعدةِ، إلى جانبِ حرصهِ على إقامةِ علاقاتٍ متوازنةٍ معَ الدولِ الشقيقةِ التي تخدمُ المصالحَ المتبادلةَ في المجالاتِ التاريخيةِ والاقتصاديةِ والتجاريةِ والثقافيةِ، مشدداً على أهميةِ اعتمادِ الحوارِ لحسمِ المسائلِ والقضايَا العالقةِ بينَ البلدينِ اللذينِ يتمتعانِ بمواردَ طبيعيةٍ وبشريةٍ كبيرةٍ ينبغِي استثمارُها منْ أجلِ تحقيقِ التنميةِ الشاملةِ والازدهارِ، وفي السياقِ ذاتهِ اتفقَ رئيسُ الوزراءِ العراقيِ والرئيسُ التركيُ خلال! المباحثاتِ على السعيِ لتفعيلِ مجلسِ الأعمالِ العراقيِ التركيِ، وجعلهِ منصةً يتبادلُ الطرفانِ منْ خلالهِا خبراتهِما العمليةَ، والمشاركةَ في تعزيزِ التعاونِ وتنميةِ المشاريعِ في البلدينِ، كمَا تمَّ التأكيدُ على ضرورةِ إقامةِ مؤسساتٍ صناعيةٍ عراقيةٍ – تركيةٍ مشتركةٍ داخلَ العراقِ، برأسِ مالٍ مشتركٍ، والعملَ على تسهيلِ إجراءاتِ منحِ سماتِ الدخولِ للمواطنينَ العراقيينَ لغرضِ السياحةِ والتجارةِ والاستثمارِ والعلاجِ والدراسةِ، وشملتْ المباحثاتُ أيضاً اتفاقَ الإطارِ الاستراتيجيِ الذي سيمثلُ خارطةَ طريقٍ لبناءِ تعاونٍ استراتيجيٍ مستدامٍ، والتأكيدَ على أهميةِ طريقِ التنميةِ في الجانبِ الاقتصاديِ وتعزيزَ التكاملِ الاقتصاديِ والتباحثِ في تطويرِ العلاقاتِ التجاريةِ والاقتصاديةِ وزيادةِ التجارةِ وتشجيعِ الاستثمارِ، على المستوىَ الرسميِ عبرَ اللجنةِ الاقتصاديةِ المشتركةِ بينَ البلدينِ.[2]
ثالثًا: ملفُ المياهِ وجفافِ العراقِ
تُعدُ أزمةُ المياهِ منْ أهمِّ القضايَا الخلافيةِ بينَ العراقِ وتركيَا، فخلالَ السنواتِ الماضيةِ، كانَ هناكَ نقصٌ غيرُ مسبوقٍ في مياهِ نهريِ دجلةَ والفراتِ، وكانَ العراقُ على وجهِ التحديدِ الأكثرَ تضرراً منْ نقصِ المياهِ، إذ واجهَ في سنواتٍ متتاليةٍ أزماتٍ حادةً في أجزاءٍ مختلفةٍ منَ البلادِ، نظراً لقيامِ تركَيا بإنشاءِ عددٍ منَ المشاريعِ المائيةِ، أبرزُها مشروعُ جنوبِ شرقيِ الأناضول الكبير (GAP) والذي يشملُ بناءَ 22 سداً أهمُها سدُ أتاتورك على نهرِ الفراتِ، وسدُّ إيليسو على نهرِ دجلةَ، وذلكَ لتأمينِ المياهِ للزراعةِ والطاقةِ الكهرومائيةِ، وخلالَ المباحثاتِ أعربَ الرئيسُ التركيُ عنْ تفهمِ بلادهِ لاحتياجاتِ العراقِ منَ المياهِ، وحرصِها على التعاونِ في هذا المجالِ ومنْ خلالِ اللجانِ المشتركةِ بينَ البلدينِ، وأكدَ الرئيسُ التركيُ خلالَ المؤتمرِ الصحفيِ المشتركِ معَ رئيسِ الوزراءُ العراقيِ أن بغدادَ وأنقرةَ اتفقتَا على تشكيلِ لجنةٍ تركيةٍ عراقيةٍ لحلِ مشكلةِ المياهِ على أساسٍ علميٍ وعقلانيٍ، تسهمُ في تعزيزِ التعاونِ بماَ يراعيِ المصالحَ المشتركةَ للبلدينِ، كمَا تمَّ الاتفاقُ على التعاونِ في مشاريعِ البنىَ التحتيةِ للريِ وإدارةِ المياهِ، فضلاً عنْ عرضِ ملفاتِ التنسيقِ المشتركِ، التي تخصُ الزراعةَ والكهرباءَ والجوانبَ الصحيةَ والرياضيةَ والشبابيةَ، وتمَّ التوقيعُ أيضاً على اتفاقٍ بشأنِ المياهِ يستمرُ لمدةِ 10 سنواتٍ، بحيثُ يتضمنُ الاتفاقُ “تطويرَ سبلِ التفاهمِ والتعاونِ في قطاعِ المياهِ على مبدأِ المساواةِ والنوايا الحسنةِ وحسنِ الجوارِ، ووضعِ رؤيةٍ جديدةٍ لتنفيذِ مشاريعِ البنىَ التحتيةِ والاستثماريةِ للمواردِ المائيةِ في العراقِ، واعتمادِ رؤيةٍ تهدفُ إلى تخصيصٍ عادلٍ ومنصفٍ للمياهِ العابرةِ للحدودِ، إلي جانبِ التعاونِ عبرَ مشاريعَ مشتركةٍ لتحسينِ إدارةِ المياهِ في حوضيِ دجلةَ والفراتِ، ودعوةِ شركاتٍ تركيةٍ للتعاونِ في البِنىَ التحتيةِ لمشاريعِ الريِ، وتنفيذِ مشاريعَ تبادلِ الخبراتِ واستخدامِ أنظمةِ وتقنياتِ الرّيِ الحديثةِ والمغلفةِ”.[3]
رابعًا: ملفُ الطاقةِ
منْ بينِ أهمِّ القضايا الشائكةِ التي تعكرُ صفوَ العلاقاتِ بينَ بغدادَ وأنقرةَ، ملفُ صادراتِ النفطِ منْ إقليمِ كردستانَ، والتي كانتْ تمرُ عبرَ تركيَا من دونِ موافقةِ الحكومةِ المركزيةِ في بغدادَ، وقد توقفتْ هذهِ الصادراتُ منذَ أكثرَ من عامٍ بسببِ خلافاتٍ قضائيةٍ، الأمرُ الذي انعكسَ سلبياً على العراقِ، حيثُ تُكبدُ تلكَ التوقفاتُ العراقَ إيراداتٌ منْ مواردهِ النفطيةِ تتخطَى 14 مليارَ دولارٍ، وفقاً لرابطةِ شركاتِ النفطِ الدوليةِ العاملةِ في إقليمِ كردستانَ (أبيكور)، وبالتاليِ فإنَّ العراقَ يسعىَ حالياً لإعادةِ تشغيلِ خطِ أنابيبِ كركوك-جيهان التركيِ، الذيِ توقفَ عن العملِ منذُ استيلاءِ تنظيمِ “الدولةِ الإسلاميةِ” على أجزاءٍ واسعةٍ منَ العراقِ في عامِ 2014، والذي من شأنهِ أنْ يتيحَ ضخَ 350 ألفَ برميلٍ يومياً منَ النفطِ إلى تركَيا بحلولِ نهايةِ أبريلَ الجاريِ، ومنْ هنَا يبدو أنَّ تركيَا تريدُ دعمَ بغدادَ في إعادةِ تشغيلِ خطِ أنابيبِ كركوك – جيهان وذلكَ لمَا سيشكلهُ ذلكَ منَ استفادةٍ للبلدينِ، إذا اتفقتْ كلٌّ منَ الحكومةِ العراقيةِ والتركيةِ على مجموعةٍ منَ التفاهماتِ الأساسيةِ منْ ضمنِها ملفُ تصديرِ النفطِ الخامِ بمعزلٍ عن الجانبِ الكرديِ، وإيجادِ صيغٍ مشتركةٍ لاستئنافِ تصديرِ النفطِ العراقيِ بمَا يحققُ مصلحةَ البلدينِ، وظهرَ ذلكَ جلياً خلالَ المباحثاتِ بينَ الرئيسِ التركيِ ورئيسِ الورزاءِ العراقيِ، فقدْ تمَّ التوقيعُ على اتفاقِ إطارٍ استراتيجيٍ يشرفُ على التعاونِ في مجالاتٍ متعددةٍ من بينِها مجالُ الطاقةِ.[4]
خامسًا: مشروعُ طريقِ التنميةِ
يُعد مشروعُ طريقِ التنميةِ من أهمِّ الملفاتِ الاستراتيجيةِ التي تصدرتْ جدولَ المباحثاتِ، حيثُ يهدفُ هذا المشروعُ الذي أعلنتْ عنهُ الحكومةُ العراقيةُ في مايو 2023 إلى ربطِ ميناءِ الفاو الكبيرِ بتركيَا وصولاً إلى أوروبَا، ويكونُ بتكلفةِ 17 مليارَ دولارٍ، وقد يساهمُ هذا المشروعُ في تطويرِ الواقعِ الاقتصاديِ للعراقِ ويعززُ من تعاونِ البلدِ معَ محيطِه الإقليميِ ويساهمُ بربطِ الشرقِ معَ الغربِ وإيجادِ طرقٍ بديلةٍ تنافسيةٍ لتحقيقِ نموٍ اقتصاديٍ يعمُ المنطقةَ بالكاملِ، وخلالَ المباحثاتِ شددَ الرئيسُ التركيُ رجب أردوغان على أهميةِ مشروعِ طريقِ التنميةِ لدولِ المنطقةِ، وللبلدينِ على وجهِ التحديدِ، مؤكداً على مواصلةِ تركَيا دعمهَا للعراقِ منْ أجلِ استكمالِ المشروعِ بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ وتحقيقِ أهدافهِ الاقتصاديةِ والتنمويةِ لشعوبِ المنطقةِ، ومنْ جانبهِ أكدَ رئيسُ الوزراءِ العراقيِ على أنَّ طريقَ التنميةِ ليسَ لاختصارِ المسافاتِ فقط، بلْ سيتحولُ إلى جسرٍ رابطٍ بينَ شعوبِ المنطقةِ وثقافاتِها، مؤكداً على أنَّ المشروعَ سيعززُ منَ الأمنِ والاستقرارِ في المنطقةِ.[5]
سادسًا: الصراعُ الإسرائيليُ الفلسطينيُ
وفيمَا يخصُ الحربَ الإسرائيليةَ في غزةَ فقدْ شددَا الجانبانِ على وجوبِ وقفِ العدوانِ على غزةَ، ودعمِ الشعبِ الفلسطينيِ الشقيقِ في نَيلِ كاملِ حقوقِه المشروعةِ التي ضمنتَها الشرعيةُ الدوليةُ، إلى جانبِ حثِ المجتمعِ الدوليِ لتكثيفِ جهودهِ لزيادِةِ المساعداتِ الإنسانيةِ للفلسطينيينَ في غزةَ، والعملِ على إيجادِ حلٍ نهائيٍ للقضيةِ الفلسطينيةِ لإرساءِ الأمنِ والاستقرارِ والسلامِ على الصعيدينِ الإقليميِ والدوليِ، كمَا تناولَ اللقاءُ أيضاً بحثَ المستجداتِ الأخيرةِ في المنطقةِ، وأهميةَ تخفيفِ حدةِ التوتراتِ ووقفِ التصعيدِ المستمرِ، واعتمادِ التفاهماتِ والحوارِ البنّاءِ في معالجةِ القضايَا العالقةِ بينَ دولِ المنطقةِ.
مُخرجاتُ زيارةِ أردوغانَ إلى العراقِ:
أثارتْ زيارةُ الرئيسِ التركيِ رجب أردوغان اهتماماً كبيراً منْ قبلِ الدولةِ العراقيةِ والدولِ الخليجيةِ، وقفاً لمَا تمحورتْ حولهُ من ملفاتٍ وقضايا مشتركةٍ، وفيمَا يليِ أبرزُ مخرجاتِ تلكَ الزيارةِ:
- توقيعُ 26 اتفاقيةً ومذكرةَ تفاهمٍ بينَ العراقِ وتركيَا في إطارِ زيارةِ أردوغانَ إلى بغدادَ، ومنَها اتفاقُ الإطارِ الاستراتيجيِ بينَ البلدينِ ومذكرةَ اتفاقٍ إطاريٍ للتعاونِ في مجالِ المياهِ ومذكرةَ تفاهمِ مشروعِ طريقِ التنميةِ، واتفاقيةِ تشجيعِ وحمايةِ وتبادلِ الاستثماراتِ ومذكرةَ تفاهمٍ في مجالِ التدريبِ العسكريِ بينَ وزارتيِ الدفاعِ العراقيةِ والتركيةِ، ومذكرةَ تفاهمٍ للتعاونِ الأمنيِ بينَ وزارتيِ الداخليةِ العراقيةِ والتركيةِ، ومذكراتِ تفاهمٍ أخرىَ في مجالاتِ الكهرباءِ، والتعاونِ السياحيِ، والمجالِ التربويِ والبحثِ العلميِ، والعلومِ الصحيةِ والطبيةِ، وأمنِ المنتجاتِ والحواجزِ الفنيةِ أمامَ التجارةِ، والإعلامِ والاتصالاتِ، والتدريبِ القضائيِ، والشؤونِ الدينيةِ، والتشغيلِ والضمانِ الاجتماعيِ، والشأنِ الاجتماعيِ والأسرةِ.
- توقيعُ اتفاقٍ رباعيٍ “عراقيٍ – تركيٍ – قطريٍ – إماراتيٍ” لوضعِ أسسِ التعاونِ المشتركِ بشأنِ مشروعِ طريقِ التنميةِ الاستراتيجيِ.
- التوافقُ على تنفيذِ مشاريعَ مشتركةٍ في مجالِ التعليمِ العاليِ وإنشاءِ المدارسِ وتطويرِ التعاونِ الثقافيِ والاجتماعيِ بينَ البلدينِ.
- التأكيدُ على تعزيزِ الأمنِ المشتركِ بينَ البلدينِ، وعدمِ السماحِ بأن تكونَ أراضيِ البلدينِ منطلقاً للاعتداءِ بينهمَا، ووجودِ حاجةٍ حقيقيةٍ لتأسيسِ مؤسساتٍ صناعيةٍ عراقيةٍ – تركيةٍ مشتركةٍ داخلَ العراقِ، برأسِ مالٍ مشتركٍ.
- وفي الجانبِ الثقافيِ اتفقَ الجانبانِ على اتخاذِ خطواتٍ لتنفيذِ مشاريعَ مشتركةٍ تهدفُ إلى تعزيزِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ والإنسانيةِ وتطويرِ تعاونٍ شاملٍ في مجالِ التعليمِ العاليِ وتبادلِ الدوراتِ والاعترافِ المتبادلِ بالجامعاتِ، وإنشاءِ المدارسِ، والتبادلِ الثقافيِ في جميعِ المجالاتِ.
ختامًا:
يمكنُ القولُ أن العلاقاتِ التركيةَ – العراقيةَ تشهدُ تحسناً ملحوظاً، خاصةً معَ تزايدِ التفاعلِ والتعاونِ بينَ البلدينِ لمعالجةِ القضايَا العالقةِ وبناءِ جسورِ الثقةِ، فلم تكنْ تلكَ العلاقاتُ على وتيرةٍ واحدةٍ في السنواتِ الأخيرةِ بلْ تخللتهَا مراحلُ صعودٍ وهبوطٍ، نظراً لوجودِ مجموعةٍ من التحدياتِ المتعلقةِ بالحدودِ والمياهِ وحزبِ العمالِ الكردستانيِ المعارضِ للنظامِ التركيِ، ولكنْ منَ المتوقعِ أن تأتيَ تلكَ الزيارةُ بثمارِها الإيجابيةِ على مستقبلِ العلاقاتِ بينَ بغدادَ وأنقرةَ خاصةًً في إطارِ توقيعِ العديدِ من الاتفاقياتِ الاستراتيجيةِ ومذكراتِ التفاهمِ في مختلف المجالات والتي تسهم في تحقيقِ تقدمٍ ملموسٍ في العلاقاتِ الثنائيةِ بينَ البلدينِ الجارينِ، وبالتاليِ يبدو أنَّ زيارةَ أردوغانَ إلى العراقِ تحملُ في طياتِها آمالاً بتعزيزِ التعاونِ وحلِّ القضايَا الخلافيةِ، كمَا تعدُ بمثابةِ فرصةٍ مهمةٍ لتعزيزِ الدبلوماسيةِ والحوارِ بينَ البلدينِ، ولكنْ من المرجحِ أن تواجهَ أيضاً تحدياتٍ أمنيةً وسياسيةً تتطلبُ وجودَ حوارٍ بناءٍ وحلولاً مستدامةً تضمنُ المصالحَ المشتركةَ لكلاَ البلدينِ وتحققُ الأمنَ والاستقرارَ في المنطقةِ.
المصادر:
[1] محمود البتاكوشى، حزب العمال الكردستاني في خطر.. دلالات زيارة الرئيس التركي للعراق، البوابة نيوز، 22 أبريل 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/xJLp7tZZ
[2] مركز الإتحاد للأخبار، العراق وتركيا يوقّعان اتفاق إطار استراتيجي للتعاون، 22 أبريل 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/R0Rn0LLu
[3] الحرة، حصص “عادلة”.. ماذا يتضمن اتفاق الـ10 سنوات للمياه بين العراق وتركيا؟، 22 أبريل 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/sj83oGYd
[4] علاء جمعة، زيارة أردوغان إلى العراق: فرصة لتجاوز خلافات الماضي؟، منصة DW، 22 أبريل 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/VKOkgbw9
[5] د: حيدر نعمة بخيت، طريق التنمية العراقي فرص تنموية واعدة وتحديات كبيرة، كلية الإدارة والاقتصاد-جامعة الكوفة، مركز البيان للدراسات والتخطيط، مايو 2023، متاح على الرابط: https://2u.pw/qP0nyQFv