المقالات
ماهي دلالاتُ القمةِ الجزائريةِ التونسيةِ الليبيةِ؟
- أبريل 24, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: ريهام محمد
أثارُ إعلانِ الدولِ المغاربيةِ تونسَ والجزائرِ وليبيا عن عقدِ قمةٍ دوريةٍ كلَّ ثلاثةِ أشهرٍ تكهناتٌ بشأنِ الهدفِ من تنظيِمها، في وقتٍ تعيشُ العلاقاتُ بينَ الجزائرِ والمغربِ حالةً من القطيعةِ، منذُ إعلانِ الجزائرِ قطعَ العلاقاتِ الدبلوماسيةِ في أغسطسَ 2021 معَ المغربِ، بينما تمرُ العلاقاتُ بين الرباطِ وتونسَ بحالةٍ منَ الجمودِ، في الوقتِ الذي تعيشُ ليبيا أزمةَ انقسامٍ منذُ سنواتٍ طويلةٍ، وتباينَ الآراءِ بينَ منْ يعتبرُ أنهُ سيكونُ نواةً لتحالفٍ ثلاثيٍ بينَ هذهِ الدولِ لا سيٌَما في ظلِّ التحدياتِ الإقليميةِ والخلافاتِ المغربيةِ – الجزائريةِ، أو محاولةً لإنهاءِ الاتحادِ المغاربيِ بإقصاءِ المغربِ منهَا، ومنْ يرىَ أنَّ أهدافَها اقتصاديةً لا غيرَ، من هُنا يبرزُ السؤالُ البحثيُ حولَ ما اذا كانتْ القمةُ الثلاثيةُ تمثلُ محاولةً لقبرِ “اتحادِ المغربِ العربيِ” أم هوَ بحثٌ عنٍ قطبٍ مغاربيٍ يزيُد منَ التكتلِ داخلَ منطقةٍ بلغَ فيها التنافسُ السياسيُ والاستراتيجيُ مستوياتٍ متفاقمةً؟
قمةٌ ثلاثيةٌ تجمعُ رؤساءَ دولِ تونسَ وليبَيا والجزائرِ:
احتضنتْ تونسُ يومَ الاثنينِ ٢٢ أبريلَ الجاريِ قمةً ثلاثيةً مغاربيةً، بالعاصمةِ، بحضورٌ كلٍ من الرئيسِ الجزائريِ عبدالمجيد تبون، ورئيسِ المجلسِ الرئاسيِ الليبيِ محمد يونس المنفي، وفقَ بيانٍ من الرئاسةِ التونسيةِ يومَ السبت ٢٠ أبريلَ الجاريِ أعلنَ خلالَهُ عنْ لقاءِ رؤساءِ البلدانِ الشقيقةِ الثلاثِ بدعوةٍ منَ الرئيسِ قيس سعيد، للمشاركةِ في الاجتماعِ التشاوريِ بينهُم، وخلالَ اللقاءِ بحثَ الرؤساءُ الثلاثُ الأوضاعَ السائدةَ في المنطقةِ المغاربيةِ، والاتفاقَ على ضرورةِ تكثيفِ الجهودِ وتوحيدِها لمواجهةِ التحدياتِ الاقتصاديةِ والأمنيةِ بمَا يعودُ على شعوبِ البلدانِ الثلاثةِ بالإيجابِ، وبذلكَ لم يتمْ توجيهُ الدعوةِ إلى المملكةِ المغربيةِ ولا إلى موريتانيا لهذاَ الاجتماعِ الذي يحضرُ لتشكيلِ هيئةٍ على المستوىَ المغاربيِ، وجديرٌ بالذكرِ أنْ سبقَ وكشفتْ الرئاسةُ الجزائريةُ بعدَ ساعاتٍ منَ اختتامِ اللقاءِ الأولِ بينَ الرؤساءِ الثلاثةِ على هامشِ منتدى البلدانِ المصدرةِ للغازِ بالجزائرِ في مارسَ الماضي، عن اتفاقِ الرئيسينِ الجزائريِ عبدالمجيدِ تبون والتونسيِ قيسِ سعيد ورئيسِ المجلسِ الرئاسيِ الليبيِ محمد المنفى، على تنظيمِ قمةٍ ثلاثيةٍ مغاربيةٍ دوريةٍ كلَ 3 أشهرٍ لتنسيقِ أُطرِ الشراكةِ والتعاونِ على أنْ يكونَ اللقاءُ الأولُ في تونسَ.[1]
وجاءتْ القمةُ في خضمِّ توتراتٍ إقليميةٍ بينَ دولِ الساحلِ الإفريقيِ، منها القطيعةُ الدبلوماسيةُ بين الجزائر والمغرب منذُ أغسطس 202١، بينمَا تمرُ العلاقاتُ بينَ الرباطِ وتونسَ بحالةٍ من الجمودِ، بالتوازيِ معَ الأزمةِ الليبيةِ القائمة منذُ سنوات طويلة، وذلكَ في خضمِّ التهديداتِ الأمنيةِ لدولِ الشمالِ التي يتدفقُ عليهَا آلافُ من المهاجرينَ غيرِ الشرعيينَ للعبورِ نحوَ الضفةِ الأخرىَ منَ البحرِ المتوسطِ، تزامنًا أيضًا معَ إطلاقِ المغربِ مبادرتِها الجديدةِ التي تضمٌُ كلاً من ماليِ والنيجرِ وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا، وتُعرفُ ب “مبادرةِ الأطلسيِ” الهادفةِ نحوَ ولوجِ دولِ الساحلِ الإفريقيِ إلى المحيطِ الأطلسيِ في إعلانٍ لافتٍ في توقيتهِ ودلالتهِ، خاصةً أنَّ الدولَ سالفةَ الذكرِ لا تمتلكُ منافذَ بحريةً، هذا وتأتيِ القمةُ مباشرةً بعدَ زيارةِ “ميلوني” رئيسةِ الوزراءِ الإيطاليةِ لتونسَ في يوم ١٧ أبريلَ الجاري، والتي تمحورتْ حولَ مكافحةِ الهجرةِ غيرِ النظاميةِ، ودعوةِ ميلوني نحوَ مقاربةٍ جديدةٍ في إفريقِيا تشملُ ملفَ الهجرةِ، وهو لقاءٌ تمَّ خلالَهُ توقيعُ عدةِ اتفاقياتٍ. [2]
وأخيرًا، تزامنَ الإعلانُ أيضاً مع ما تمر به العلاقات الجزائرية مع جارتها مالي من توتراتٍ مما جعل الكثير يرون أن الإعلان عن التحالف الثلاثي إنما جاءَ ردًا على المبادرةِ المغربيةِ.
أزمةُ العلاقاتِ المغربيةِ الجزائريةِ:
تشهدُ العلاقاتُ الجزائريةِ المغربيةِ توتراً منذُ عقودٍ، بسببِ قضيةِ الصحراءِ الغربيةِ على وجهِ الخصوصِ التي تمثلُ نقطةَ الخلافِ الأزليِ بين الدولتينِ، حيثُ يدورُ النزاعُ منذُ عقودٍ بينَ المغربِ وجبهةِ بوليساريو المدعومةِ منَ الجزائرِ حولَ هذا الإقليمِ التي تعتبرُها الأممُ المتحدةُ منَ الأقاليمِ غيرِ المتمتعةِ بالحكمِ الذاتيِ، وتدعمُ الجزائرُ جبهةَ البوليساريو التي تسعىَ لاستقلالِ الصحراءِ الغربيةِ، في المقابلِ يراها المغربُ جزءاً منْ أراضيهِ، كمَا أنَّ الحدودَ بينَ الجارتينِ مغلقةٌ منذُ عامِ ١٩٩٤، إلا أنّ حدةَ الخلافاتِ بينَ الجارينِ تزايدتْ خلالَ السنواتِ القليلةِ الماضيةِ، قبلَ أنْ تعلنَ الجزائرُ قطعَ علاقاتِها الدبلوماسيةِ في أغسطسَ ٢٠٢١ معَ المغربِ، معتبرةً أنَّ الجارةَ الغربيةَ لم تتوانى يوماً عنْ القيامِ بأعمالٍ غيرِ وديةٍ ضدهَا، فيمَا أبدتْ المملكةُ أسفهَا على القرارِ، رافضةً المزاعمَ الجزائريةَ.
ويتزايدُ عمقُ الخلافِ بينَ البلدينِ على مدارِ العقودِ الماضيةِ، وكملمحٍ حديثٍ منْ ملامحِ الخلافِ العميقِ بينَ الجزائرِ والمغربِ، انتشرتْ أخبارٌ صباحَ الأثنينِ ٢٢ أبريلَ الجاريِ حولَ رفضِ لاعبىِ ناديِ “نهضةِ بركانِ” المغربيِ النزولَ إلى أرضِ ملعبِ “5 جويلية” في العاصمةِ الجزائريةِ لمواجهةِ الفريقِ المضيفِ “اتحادِ العاصمةِ الجزائريِ”، حاملِ اللقبِ، لخوضِ ذهابِ الدورِ نصفِ النهائيِ لمسابقةِ كأسِ الاتحادِ الأفريقيِ لكرةِ القدمِ، واعترضَ الفريقُ المغربيُ على حجزِ السلطاتِ الجزائريةِ أمتعتَهُ في مطارِ هواريِ بومدين في العاصمةِ الجزائريةِ، بحجةِ تضمّنِ القميصَ الرسميَ للفريقِ خريطةَ المغربِ مدمجةً مع الصحراءِ الغربيةِ، مبررًا الطرفُ الجزائريُ رفضَهُ بأن الفريقَ المغربيَ يضعُ خريطةً لا تتوافقُ معَ خرائطِ الأممِ المتحدةِ.[3]
ومن ثمَّ فإنَ تأزمَ السياقِ الذي تعيشهُ العلاقاتُ الجزائريةُ المغربيةُ خلالَ الفترةِ الأخيرةِ، يجعلُ كلَ سلوكٍ صادرٍ عن أحدِ الجارينِ الشقيقينِ تجاهَ موضوعٍ يتعلقُ بالطرفِ الآخرِ استفزازياً ويتمُ التعاملُ معهُ بوصفهِ سلوكٌ عدائيٌ أوغيرِها من التوصيفاتِ التي باتتْ تتناولُ في بياناتِ الدولتينِ.
التوترُ التونسيُ- المغربيُ :
تعيشُ العلاقاتُ التونسيةُ المغربيةُ حالةً من الجمودِ منذُ تبادلَ كلٌ منَ الرباطِ وتونسَ سحبَ السفراءِ في أغسطسَ ٢٠٢٢، للتشاورِ على خلفيةِ انزعاجِ المغربِ منَ استقبالِ الرئيسِ التونسيِ، قيسِ سعيد لزعيمِ جبهةِ البوليساريو “إبراهيم غالي” (غيرِ معترفٌ بها أممياً)، خلالَ انعقادِ قمةِ “تيكاد” بينَ اليابانِ والقارةِ الإفريقيةِ، ما اعتبرتهُ الرباطُ بمثابةِ انحيازٍ منَ الجانبِ التونسيِ نحوَ الطرفِ المُعاديِ لهَا في قضيةِ الصحراءِ الغربيةِ التي يدورُ النزاعُ بشأنِها منذُ انتهاءِ الاستعمارُ الإسبانيِ للصحراءِ الغربيةِ حولَ مصيرِها بينَ المغربِ و جبهةِ البوليساريو المدعومةِ منَ الجزائرِ، ومنذُ ذلكَ الحينِ، لا يزالُ الجمودُ الدبلوماسيُ يخيمُ على العلاقاتِ بينَ البلدينِ، وازدادَ هذا الجمودُ بعدَ فشلِ الطرفينِ إلى الآنَ في تجاوزِ تلكَ الأزمةِ غيرِ المسبوقةِ التي فاجأتْ الجارَ المغربيَ الذي طالمَا اعتبرَ تونسَ الشقيقةَ أقربَ الدولِ إليهِ في المنطقةِ وبديلاً للعداءِ الجزائريِ، غيرَ أنَّ خطوةَ قيسِ سعيد جعلتْ هذا الاعتقادَ بعيداً بشكلٍ كبيرٍ عنْ الصحةِ. [4]
على الناحيةِ الاقتصاديةِ، فكشفتْ الأزمةُ الدبلوماسيةُ بينَ المغربِ وتونسَ واقعَ العلاقاتِ الاقتصاديةِ وخصوصاً التجاريةَ بينَ البلدينِ والتي تتسمُ بعدمِ تكافئٍ يصبُ لصالحِ تونسَ مستفيدةً من اتفاقياتِ التبادلِ الحرِ التي يوفرُها المغربُ، الخطوةُ التي زجتْ تونسَ في لهيبِ التوترِ وتهديدِ اقتصادِها بعدَ دعوةِ أوساطٍ استثماريةٍ مغربيةٍ بالخارجِ إلى قطعِ الروابطِ التجاريةِ والاقتصاديةِ جراءَ الأزمةِ، والجديرُ بالذكرِ ان الميزانَ التجاريَ بينَ الرباطِ وتونسَ يسجلُ عجزاً لصالحِ الجانبِ التونسيِ، إذ لا تغطيِ الصادراتُ المغربيةُ إلى تونسَ بالكادِ سوى 50 في المائةِ منَ الوارداتِ، إلا أنَّ تعليقَ اتفاقيةِ التبادلِ الحرِّ بينَ الطرفينِ، في حالِ إقرارهِ رسمياً منْ طرفِ المغربِ، سيعودُ بانعكاساتٍ وخيمةٍ على الاقتصادِ التونسيِ الذي يتخبطُ في مشاكلَ متنوعةٍ منذُ ثوراتِ الربيعِ العربيِ.
من جانبٍ ٱخرَ؛ تأثيرُ خطوةِ التطبيعِ المغربيِ الإسرائيلي، فالمغرب قد حدّدتْ موقفَها وذهبتْ نحوَ مسارِ التطبيعِ، عكسَ تونسَ وليبَيا والجزائرِ الذين يرفضونَ رفضاً قطعياً التطبيعَ معَ الاحتلالِ الإسرائيليِ، ومن ثمَّ فهذاَ التوجهُ الثلاثي ربمَا لم يكنْ ليحدثَ لولَا القرارُ المغربيُ المنفردُ بالتطبيعِ معَ تلِ أبيبَ، الأمرُ الذي سمحَ بنفاذٍ إسرائيليٍ غيرِ مسبوقٍ في المنطقةِ المغاربيةِ، ما جعلَ مسألةَ الخصومةِ تجاهَ الرباطِ غيرَ مقتصرةٍ على الجزائرِ وحدهَا، بل أيضاً تشملُ بقيةَ الدولِ غيرِ المعنيةِ بالتطبيعِ، في المقابلِ منْ ذلكَ، فكانتْ المغربُ قد أعادتْ العلاقاتِ معَ إسرائيلَ في صفقةٍ ثلاثيةٍ شملتْ أيضاً الاعترافَ الأمريكيَ في عهدِ دونالد ترامب، بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، التي باتتْ كخطوةٍ متقدمةٍ لم تتخذٍها أيُ دولةٍ مغاربيةٍ، بل مثلتْ الجزائرُ أكبرُ داعمٍ لجبهةِ البوليساريو، والتي أعلنتْ إنهاءَ الالتزامَ باتفاقِ وقفِ إطلاقِ النارِ الموقعِ عامَ 1991 معَ المغربِ.[5]
العلاقاتُ التونسيةُ-الجزائريةُ:
استعادتْ العلاقاتُ التونسيةُ الجزائريةُ قوتهَا بعدمَا شابَها التوترُ خلالَ الفتراتِ الماضيةِ خاصةً بعدَ اتهامِ السلطاتِ التونسيةِ في فبرايرَ ٢٠٢٣ بالمشاركةِ في تهريبِ الحقوقيةِ الجزائريةِ “اميرة بوراوي” الى فرنسَا بعد دخولهِا خلسةً الى الاراضيِ التونسيةِ رغمَ أنهَا كانتْ مطالبةً من قبلِ السلطاتِ الجزائريةِ، فضلاً عن مشاركةِ السلطاتِ الجزائريةِ في تدفقِ آلافٍ من المهاجرينَ غيرِ الشرعيينَ عبرَ الحدودِ الفاصلةِ بينَ الدولتينِ، ومساعدةِ مواطنيِ القارةِ السمراءَ من بلدانِ جنوبِ الصحراءِ على التوجهِ نحوَ مدينةِ صفاقسَ(وسطَ شرقِ تونس) متجهينَ نحوَ السواحلِ الإيطاليةِ فيمَا يشبهُ تسليطَ العقوبةِ على المساعدةِ في تهريبِ الحقوقيةِ أميرة بوراوي حينذاكَ.
بالتوازيِ معَ انتشارِ الشائعاتِ عن انخراطِ تونسَ بمساعيِ التطبيعِ، الأمرُ الذي دفعَ الجزائرَ وتونسَ إلى إعلانِ توافقهِما على الصعيدِ السياسيِ والدبلوماسيِ حولَ القضايَا الإقليميةِ في المنطقةِ وإعطاءِ دفعةٍ للعلاقاتِ الاقتصاديةِ، وتعزيزِ العلاقاتِ الدبلوماسيةِ بتوقيعِ 26 اتفاقيةِ تعاونٍ في أكتوبرَ ٢٠٢٣، والتي شملتْ عدةَ قطاعاتٍ منها الطاقةُ، الصناعةُ، التجارةُ، النقلُ، السياحةُ والاستثمارُ والثقافةُ والرياضةُ والتكوينُ المهنيُ وغيرِها، ما اعتُبرَ بمثابةِ قفزةٍ حقيقيةٍ في مسارِ الشراكةِ بينَ البلدينِ، جاءَ ذلكَ الإعلانُ ختاما لأشغالِ الدورةِ 22 للجنةِ المشتركةِ الكبرىَ الجزائريةِ-التونسيةِ للتعاونِ التي عقدتْ بالعاصمةِ الجزائريةِ، برئاسةِ رئيسِ الحكومةِ الجزائريِ بن عبد الرحمان ونظيرهِ التونسيِ أحمد الحشاني.
فمنَ الناحيةِ الاقتصاديةِ، تخضعُ العلاقاتُ الاقتصاديةُ والتجاريةُ بينَ الجزائرِ وتونسَ لاتفاقيةِ التجارةِ والجماركِ عامَ ١٩٨١م، ومذكرةِ التفاهمِ الإضافيةِ لاتفاقيِةِ التجارةِ والجماركِ الموقعةِ عامَ ١٩٩١، معَ نظامٍ تفضيليٍ يقضي بالإعفاءِ منَ الرسومِ الجمركيةِ ورفعِ الضرائبِ المماثلةِ على المنتجاتِ التي يكونُ منشؤها أحدَ البلدينِ.
وطاقوياً، تستفيدُ تونسُ منْ إمداداتٍ غازيةٍ معَ مرورِ أنبوبِ الغازِ الجزائريِ – الايطاليِ العابرِ للمتوسطِ “ترانسماد”، بحجمِ 3.8 مليارَ مترٍ مكعبٍ من الغازِ، إذ يقدرُ العائدُ على الخزينةِ التونسيةِ بمقدارِ 500 مليونَ دينارٍ تونسي أي ما يعادلُ 173.34 مليون دولار.[6]
ومنذُ أشهرٍ، كانَ يُنظرُ إلى أنَ تونسَ دخلتْ في تحالفٍ قويٍ معَ الجزائرِ، إذ توالتْ الزياراتُ واللقاءاتُ الدبلوماسيةُ، فيمَا تعكرَ صفوُ علاقاتِها معَ المغربِ بسببِ الأزمةِ الدبلوماسيةِ بينهَما، ومن ثمَّ فمنَ الطبيعيِ أن يكونَ التقاربُ بينَ البلدينِ أكبرَ نظراً لطبيعةِ العلاقاتِ التي تفرضُها الجغرافيَا، بجانبِ المصالحِ والمنفعةِ المشتركةِ.
ماذا عن انخراطِ ليبيا في التحالفِ الثلاثيِ؟
لا تعيشُ ليبيا؛ إحدىَ أطرافِ هذا التحالفِ الجديدِ في وضعيةٍ تتيحُ لديَها صحةَ استصدارِ موقفٍ وطنيٍ موحدٍ في سياستِها الخارجيةِ، إذْ تعانيِ الدولةُ منذُ عامِ ٢٠١١ منَ انقسامٍ داخلَ مؤسساتِها السياسيةِ والأمنيةِ، واستمرارِ الأزمةِ السياسية والمطالبات نحوَ تشكيلِ حكومةِ وحدةٍ وطنيةٍ جديدةٍ، ومن ثمَّ فبالنظرِ إلى الوضعِ المنقسمِ في الداخلِ الليبيِ، فإن المحادثاتِ التي تُجرى مع الرئيسِ محمد المنفي تصبحُ محدودةَ الفعاليةِ، نظرًا لافتقارِ سلطةِ تمثيلِ الحكومتينِ في بنغازيِ او طرابلس، على الناحيةِ الأخرىَ، فتتمتعُ ليبيا معَ المغربِ بعلاقاتٍ جيدةٍ، إذ لعبتْ الرباطُ دورًا حيويًا في محاولاتِ التقريبِ بينَ الأطرافِ الليبيةِ، واستضافتْ العديدَ منَ الاجتماعاتِ، وفي مقدمتِها احتضانُها لمحادثاتِ مدينةِ الصُخيراتِ، بينَ تياراتٍ ليبيةٍ بوساطةٍ أمميةٍ افضتْ إلى اتفاقٍ سياسيٍ بينَ الاطرافِ الليبيةِ عامَ ٢٠١٥، والمعروفِ باتفاقِ الصُخيراتِ نتجَ عنهُ إقرارُ حكومةِ الوفاقِ في طرابلسَ، ثمّ محادثاتِ منتجعِ بوزنيقةَ عامَ ٢٠٢٠، ولم يسبقْ للرباطِ ان لعبتْ أيَ أدوارٍ سلبيةٍ او التدخلِ في الشأنِ الليبيِ الا بمَا يقربُ الفرقاءَ الليبيينَ بعضهَم لبعضٍ.[7]
الأمرُ الذي يجعلُ الأطرافَ الليبيةَ، خاصةً المحسوبةَ منَها على طرابلسَ، على غيرِ استعدادٍ لفقدانِ داعمٍ سياسيٍ لها كالجانبِ المغربيِ، بالدخولِ في تحالفٍ قد لا يكونُ مرحباً فيه بالرباطِ.
تحالفٌ بديلٌ؟
في ١٩٨٩م أعلنتْ الدولُ الخمسُ بالمنطقةِ المغاربيةِ عن انشاءِ اتحادٍ يجمعُها يعرفُ باسمِ “اتحادِ المغربِ العربيِ”، في ظروفٍ اتسمتْ بتحسنِ العلاقاتِ المغربيةِ-الجزائريةِ، لكنْ بقيَ الاتحادُ حبراً على ورقٍ، بلْ ساءَ وضعهُ بعدَ توترِ علاقاتِ البلدينِ مجدداً بدءاً منْ عامِ ١٩٩٤، من جانبٌ آخرَ، شهدتْ المنطقةُ عدةَ تحالفاتٍ ثنائيةٍ وجماعيةٍ بينَ الدولِ المغاربيةِ، كمعاهدةِ الإخاءِ والوفاقِ بينَ الجزائرِ وتونسَ وموريتانيا عام ١٩٨٣م، ومعاهدةِ الوحدةِ المغربيةِ-الليبيةِ في ١٩٨٤م، لكنّ هذهِ التحالفاتِ كان دائماً ما ينتجُ عنها آثارٌ متباينةٌ، كانتْ تحركُها في الغالبِ محاولاتُ خلقِ أقطابٍ في منطقة لم تهدأْ فيها الخلافاتُ في الآونةِ الأخيرةِ، فهل تكونُ المبادرةُ جديدةً محاولةً لخلقِ بديلٍ لاتحادِ المغربِ العربيِ؟[8]، فيمكنُ قراءةُ طبيعةِ تلكَ المبادرةِ منْ خلالِ احتمالينِ:
الاحتمالُ الأولُ:
من غيرِ المستبعدِ أن يكونَ التحالفُ الجديدُ بينَ تونسَ والجزائرِ وليبيا محاولةً جزائريةً أساساً لإيجادِ بديلٍ عن اتحادِ المغربِ العربيِ، الذي لا تخفيِ السلطاتُ الجزائريةُ تبرمَها منهُ، وتأسيسِ تحالفٍ جديدٍ في شمالِ أفريقِيا لن تكونَ المغربُ وموريتانيا جزءاً منهُ، وذلكَ في ضوءِ الخلافِ المغربيِ الجزائريِ الدائمِ، والحديثِ عنْ اعتذارِ موريتانَيا لعدمِ المشاركةِ نأياً بنفسِها عن أيٍ تأويلٍ لا يخدمُ مصالحَها كدولةٍ مجاورةٍ للرباطِ، كمَا أن الاتحادَ المغاربيَ بشكلهِ الحاليِ قد انتهىَ وليسَ لهُ أيُ دورٍ، ومنَ المنطقيِ أن تفكرَ الدولُ ذاتُ المصالحِ المشتركةِ في تكوينِ تحالفٍ جديدٍ يخدمُ مصالحَ شعوبِها، الأمرُ الذي باتَ أوضحَ في تفاديِ تلكَ المبادرةِ الجديدةِ عيوبَ الاتحادِ المغربيِ العربيِ ومحاولةِ تجنبِ أسبابِ فشلهِ في كونهِ كانَ قائماً على مقاربةٍ مؤسساتيةٍ اي لم يقمْ على مقاربةٍ منفعيةٌ تجمعُ شعوبَ المنطقةِ وتحققُ المنفعةَ المشتركةَ، فموضوعيًا يعدُ التحالفُ الجديدُ بمثابةِ حلفٍ إقليميٍ ينبعُ من تلاقيِ المصالحِ المشتركةِ الأمنيةِ منهَا والاقتصاديةِ، وتصورِ كلِ طرفٍ للمنطقةِ كلٌ منْ زاويتِه، الأمرُ الذي قد يكللُ مساعيِه بالنجاحِ.
الاحتمالُ الثاني:
يمكنُ استبعادُ فكرةِ أنْ تكونَ هذه المبادرةُ خطوةً نحوَ اعلانِ نهايةِ اتحادِ المغربِ العربيِ أو إيجادِ بديلٍ لهُ، وذلكَ لأنَّ المبادرةَ الحاليةَ تختلفُ من حيثُ الشكلِ والأهدافِ عن الهيكلِ المغاربيِ، وانمَّا تسعىَ هذهِ القمةُ لتأسيسِ تحالفٍ لا هيكلَ، لأنّ تأسيسَ هيكلٍ ما يتطلبُ أرضيةً سياسيةً وإعلانَ تأسيسٍ وغيرَ ذلكَ منَ الإجراءاتِ المسبقةِ المتعارفِ عليهَا، ومن ثمَّ فإنَّ التحالفَ الثلاثيَ الجديدَ ليسَ الهدفُ منهُ قبرَ اتحادِ المغربِ العربيِ كمَا يُروجُ لذلكَ، وفقاً للإشاراتِ الإيجابيةِ التي أرسلَها الرئيسُ تبون وعبّرَ عنْ ترحيبهِ بانضمامِ بقيةِ دولِ المنطقةِ إليهِ، وكانَ الرئيسُ تبون سبقَ وأنْ صرّحَ في حوارٍ صحفيٍ عن إنشاءِ تحالفٍ جديدٍ في المنطقةِ، إلا أنهُ استدركَ الأمرَ مؤكداً على أنَّ مبادرةَ اللقاءاتِ الثلاثيةِ إنمَّا تهدفُ نحوَ مناقشةِ الأمورِ والمشاكلِ المشتركةِ التي تعنيِ الدولَ الثلاثَ، وليستْ موجهةً ضدَّ أيِّ دولةٍ منْ دولِ المغربِ العربيِ أو أيِّ دولةٍ أخرىَ، وأنَّ البابَ مفتوحٌ لجيرانِ الغربِ في إشارةٍ الى المغربِ، من جانبٍ اخرَ، فالاتحادُ المغربيِ العربي كان بمثابةِ مبادرةٍ سياسيةٍ، في حينِ أن هذهِ القمةِ اقتصاديةٌ تسعىَ لجعلِ الاقتصادِ في مقدمةَ العلاقاتِ بينَ الدولِ المشاركةِ فيهُا، بعدمَا ثبتَ فشلُ تقديمِ المسائلِ السياسيةِ كأولويةٍ، ومنْ ثمَّ فيمكنُ أن يمثلَ التحالفُ بلورةَ رؤيةِ ما تبقىَ من الاتحادِ المغربيِ العربيِ تجاهَ ما يحدثُ في المنطقةِ، وخاصةً بعدَ تأكيداتِ الدولِ الأعضاءِ منهَا ليبيا التي ترأسُ حالياً الاتحادَ، على لسانِ عبد الهادي الحويج، وزيرِ الخارجيةِ والتعاونِ الدوليِ المفوضِ في حكومةِ الشرقِ الليبيةِ، عن تمسكهِم بهذاَ الاتحادِ بصيغتهِ الحاليةِ الخماسيةِ كهيكلٍ جامعٍ لكلِ دولِ المنطقةِ، ومن ثمَّ فإنَّ المبادرةَ الراهنةَ إنمَّا تمثلُ تكتلاً اقتصادياً جديداً لدولِ المنطقةِ، وليسَ بديلاً عنْ الاتحادِ المغربيِ العربيِ.
وختامًا:
يمكنُ القولُ إنَّ لتونسَ مصالحَ منْ قيامِ الحلفِ الثلاثيِ، بلْ يمكنُ أن يتحولَ لحلفٍ رباعيٍ بانضمامِ ايطاليا التي طورتْ علاقاتهِا معَ جيرانِها الجنوبيينَ وعززتْ وجودَها في الشمالِ الأفريقيِ، ولتونسَ أسبابٌ عدةٌ لقيامِ هذا التكتلِ، منهَا امتلاكُها لحدودٍ طويلةٍ ومشتركةٍ معَ الجزائرِ وليبيا، تمثلُ تحدياتٍ أمنيةً واقتصاديةً كبرى وتحتاجُ إلى تعاونٍ مشتركٍ للسيطرةِ عليها، فضلاً عن حاجتِها الطاقويةِ، إذْ تعتمدُ تونس بشكلٍ كبيرٍ على الغازِ الجزائريِ، الأمرُ الذي يخلق تبعيةً طاقيةً خاصةً معَ تراجعِ استكشافِ وتنقيبِ الآبارِ والحقولِ التونسيةِ، بجانبِ الحاجةِ إلى المواردِ النفطيةِ الليبيةِ، وعلى الأرجحِ في ظلِ عدمِ توضيحِ أهدافِ هذا التحالفِ الثلاثيِ الجديدِ، فربمَا تشهدُ الفترةُ المقبلةُ زيادةً في حدةِ التنافسِ والتوترِ بينَ المغربِ والجزائرِ اللتينِ تسعيانِ إلى ترسيخِ نفوذهِما في العمقِ الأفريقيِ، وبخاصةٍ معَ تراجعِ نفوذِ القوىَ الدوليةِ المؤثرةِ في المنطقةِ مثلَ فرنسا التي غادرتْ معظمَ مواقعِها في القارةِ السمراءِ.
المصادر:
[1] تونس تستضيف اجتماعا تشاوريا بمشاركة الجزائر وليبيا من أجل بلورة تكتل مغاربي جديد، فرانس ٢٤، أبريل ٢٠٢٤. https://n9.cl/i3wje
[2] صغير الحيدري، تحالف تونسي – جزائري – ليبي يكتنفه الغموض، اندبندنت عربية، مارس ٢٠٢٤. https://n9.cl/7z7sj
[3] فرانس برس، المغرب والجزائر.. الخريطة تحول دون إجراء مباراة في كرة القدم، الحرة، أبريل ٢٠٢٤.
[4] تكتل الجزائر وتونس وليبيا.. محاولة لعزل المغرب أم ترتيبات لتطورات خطيرة؟، موقع سبوتنك، مارس ٢٠٢٤. https://n9.cl/xglb3
[5] عبد السلام سكية، القمة الثلاثية نتيجة حتمية لخيار المغرب التوجه نحو الكيان الصهيوني، جريدة الشروق، أبريل ٢٠٢٤.
[6] الجزائر- تونس: علاقات متميزة وحرص على تعميق سنة التشاور، وكالة الأنباء الجزائرية، ديسمبر ٢٠٢١. https://n9.cl/isnw7
[7] اسماعيل عزام، استثناء المغرب.. هل تتجه الجزائر إلى تكتل مع تونس وليبيا؟، المنتدى الإعلامي العالمي DW، مارس ٢٠٢٤.
[8] المرجع السابق.