المقالات
التأهب والاستفنار الأمنى: اجراءات فرنسية نحو تأمين الألعاب الأولمبية من خطر الإرهاب الداعشى
- أبريل 26, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
إعداد: جميلة حسين
بعد الهجوم الدموى الذى ضرب موسكو الشهر الماضى بفعل تنظيم داعش خرسان انتقل التهديد الإرهابى لدى أرجاء أوروبا لاسيما فى فرنسا التى تستعد لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية الثالثة والثلاثون المقرر عقدها فى العاصمة باريس من 26 يوليو وحتى 11 أغسطس، وعليه سعت لرفع حالة التأهب الأمنى فى البلاد عبر مجموعة من الإجراءات المتشددة والتأهب الأمنى عبر قواتها الأمنية والمخابراتية للتصدى لخطر تنظيم داعش المحتمل لشن أى هجوم إرهابى عبر الذئاب المنفردة فى هذا الحدث، لاسيما بعد التهديد العلنى للتنظيم لمباريات دورى أبطال أوروبا.
تهديدات أمنية سابقة للداخل الفرنسى
تعرضت فرنسا سابقاً لعدد من التهديدات والعمليات الإرهابية على أراضيها منذ نشأة التنظيم عام 2015، ولعل أبرز تلك العمليات سلسلة الهجمات الدموية التى انطلقت فى 13 نوفمبر لعام 2015 وعرفت باسم “هجمات باريس” بدأت باتفجير انتحارى بمحيط ستاد فرنسا (ستاد دو فرانس) فى ضاحية “سان دونى” أثناء عقد مبارة كرة قدم ودية بين منتخب فرنسا ومنتخب ألمانيا، أدت إلى سقوط 4 أشخاص وعليه تم إخلاء الملعب لاسيما من الرئيس الفرنسى (فرانسوا هولاند) ووزير الداخلية الفرنسى (برنار كازنوف) ووزير الخارجية الألمانى (فرانك شتاينماير). وتلاه إطلاق نيران فى مسرح “باتاكلان” يوم 14 نوفمبر وتم احتجاز رهائن من قبل العناصر الإرهابية أسفرت عن اشتباكات بين هؤلاء العناصر والشرطة وسقوط حوالى 130 شخص وإصابة 368 أخرين. فى حين تم استهداف مواقع أخرى عبر إطلاق النيران والتفجيرات الانتحارية مثل شوارع”بيشا”، و”أليبار” و”دي شارون”. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تلك الهجمات على أثر التدخل الفرنسى فى سوريا اثناء الحرب الأهلية السورية، وصرح بعدها الرئيس الفرنسى حينذاك قائلاً “بأن الهجمات كانت عمل حرب نفذته داعش، خُطط له في سوريا، جرى تنظيمه في بلجيكا، ارتكب على ترابنا بتواطؤ فرنسى”. لتحذر وزارة الداخلية الفرنسية حضور الجماهير مباريات كرة القدم في الدوري الفرنسي لعدة أسابيع بعد تلك الهجمات. وتلا تلك الواقعة مجموعة لا متناهية من العمليات الإرهابية السافرة مستهدفة مواقع حيوية مختلفة بالعاصمة وأخرى فى شرق فرنسا عبر الخلايا الإرهابية التى تجعل السلطات الفرنسية فى حالة تأهب قصوى دائماً لمواجهة العمليات التى أودت بحياة الكثير من المواطنين وخلقت حالة من الذعر الداخلى.
تهديد داعشى مباشر لدورى أبطال أوروبا
تحت شعار “واقتلوهم جميعاً” نشر تنظيم داعش فرع خرسان يوم 9 من الشهر الحالى من خلال مؤسسة “العزايم” الدعائية صورة تضمنت أسماء 4 ملاعب سوف تعقد بهم مباريات الدور ربع النهائى لدورى أبطال أوروبا لكرة القدم، وشملت الصورة ملعب (الإمارات) في لندن وملعب (بارك دي برينس) فى باريس وملعبى (سنتياجو برنابيو) و(ميتروبوليتانو أرينا) فى مدريد، لحث أنصاره ومتابعيه لإعادة الهجوم الذى استهدف ملعب (استاد دو فرانس) سالف الذكر.
وعلى أثر ذلك التهديد أكدت مصادر من شرطة لندن عن جاهزيتها للاستعداد لتأمين الأوضاع الداخلية فى العاصمة ضد أى تهديد إرهابى محتمل، فضلاً عن الحكومة الفرنسية التى أصدرت بيانًا رسميًا لذكر التهديدات الأمنية من قبل تنظيم داعش والتأكيد على تعزيز الإجراءات الأمنية واتخاذ الاحتياطات اللازمة لاسيما قبيل عقد مباراة “باريس سان جيرمان وبرشلونة” ليوم 10 أبريل الجارى. ناهيك عن إعلان الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” والتأكيد على إقامة مباريات دوري أبطال أوروبا في موعدها المحدد رغم التهديد الإرهابي الذي يشكله داعش.
دوافع داعش خرسان
سياسات ضمن نهج متشدد:
يتبع فرع خرسان منذ نشأته عام 2015 استراتيجية أكثر تشدداً من الفروع الأخرى لتنظيم داعش، وتصاعدت مع تعيين (ثناء الله غفارى) زعيماً للفرع المحلى فى عام 2020 لكونه مسؤلا عن تنفيذ هجمات كبيرة أكثر وحشية من ذى قبل وتبنيه نهج متشدد لاسيما مع تركيز داعش خرسان على استهداف العدو البعيد حيث القوى الغربية وغير الإسلامية المرتكزة ولديها مصالح داخل الأراضى الأفغانية بجانب العدو القريب المتركز فى أنظمة الحكم المحلية والمذاهب الإسلامية غير السنية كالشيعة والصوفية وغيرها من المذاهب. وعليه سعى التنظيم إلى تجنيد العديد من الخلايا الخارجية وتقديم التدريبات وتوفير الموارد والإمدادات من أجل حشد عناصر من “الذئاب المنفردة” قادرين على تنفيذ هجمات إرهابية وبث الخوف والتهديد فى الدول المحيطة بأفغانستان وكذلك الدول الأوروبية، وعلى الرغم من إحباط تلك العمليات المخطط لها من قبل التنظيم إلا أن التنظيم مازال مستمر فى إطلاق تهديداته والتحرك بشكل غير مباشر لاستقطاب المزيد من الأفراد المتطرفين محليا فى الدول المستهدفة.
الدعاية والانتشار العالمى:
يسعى تنظيم داعش عبر استراتيجياته المتنوعة من خلال فروعه المختلفة لاسيما فرع داعش خرسان إلى اتباع نهج “إثارة الخوف والفزاعة” فى عملياته الدموية والتأكيد على قدرته على تنفيذ هجمات ذات صدى واسع يحدث نوع من التهددي والتخويف ليس فقط للمواطنين وإنما لحكومات الدول المستهدفة من أجل تصدر المسهد الإسلاموى والانتصار فى معركة “الجهاد العالمى”، ولا مجال للشك فإن استهدافه لحدث مثل الألعاب الأولمبية التى من المتوقع أن يتابع فعاليتها حوالى مليار مشاهد أن تحقق دعاية كبرى للتنظيم.
إجراءات فرنسية صارمة
طرد المهاجرين:
تبدو ظاهرة الهجرة غير النظامية وما ينبثق منها من اندماج الأقليات المهاجرة، واحدة من التهديدات الأمنية التى تواجه الدول الأوروبية، وعلى وجه الخصوص فرنسا التى قامت باتخاذ عدة تدابير السنوات الماضية وإصدار قوانين من أجل تخفيف حدة الهجرة غير النظامية وتعزيز الرقابة وتنظيم الهجرة غير الشرعية إلى الأراضى الفرنسية، أخرها قانون هجرة تم تمريره من قبل الجمعية الوطنية في يناير الماضى يفرض المزيد من القيود على المهاجرين غير النظاميين. وعليه قامت الأجهزة الأمنية الفرنسية منذ مطلع الشهر الحالى إلى طرد العديد من المهاجرين فى أحدى الضواحى الجنوبية لباريس “فيتري” قبل موعد انطلاق الألعاب الأولمبية، ومن المتوقع أن تتخذ اجراءات مماثلة فى ضواحى أخرى من البلاد لتخفيف الخطر الأمنى.
إمكانية نقل الافتتاح :
من المفترض أن يقام حفل افتتاح الألعاب الأولمبية على ضفاف نهر السين وإيقاد الشعلة الأولمبية في حديقة “التويلري”، ولكن فى ظل التهديدات المحتملة أعلن الرئيس الفرنسى (إيمانويل ماكرون) عن خطط بديلة فى إطار استراتيجية أمنية دقيقة، لتفادى أى تهديد وحماية حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية أحداهما امكانية نقله إلى مبنى “تروكاديرو ” بالقرب من برج إيفل، والأخر نقله إلى ستاد “دو فرانس”. ولكن ما زالت تلك الخطط قيد الدراسة وترتبط بتقدير درجة التهديد الأمنى، وهو ما أكد عليه وزير الداخلية الفرنسى (غابرييل أتال) وكذلك وزيرة الرياضة الفرنسية (أميلي أوديا كاستيرا) قائلة “إننا نتابع التهديد الإرهابي بكل اليقظة اللازمة”.
حماية الأماكن العامة:
بعد وقوع هجوم موسكو فى الشهر المنصر قام الرئيس الفرنسة بعقد اجتماع لمجلس الدفاع فى الإليزيه من أجل مناقشة الهجوم الإرهابي في موسكو وعواقبه والمتزامن مع اقتراب انطلاق الألعاب الأولمبيةـ وعلى أثره قام وزير الداخلية الفرنسى (غابرييل أتال) بمعاينة الترتيبات لرفع مستوى الاستعداد الأمنى وتوفير كافة الإجراءات اللازمة لتحييد أى خطر محتمل لاسيما من قبل الخلايا النائمة والعناصر المتطرفة المتأثرين بالدعاية الجهادية لتنظيم داعش، وانطلقت تلك الإجراءات من خلال توفير حوالى 4 آلاف عنصر من الجيش للتعامل مع التهديدات الإرهابية، وتفعيل المستوى الأعلى لنظام التحذير من الإرهاب والمرتبط باتخاذ تدابير أمنية استثنائية عبر حماية المواقع الحيوية مثل محطات القطار والمطارات والمدارس والمسارح ودور العبادة والملاعب وكذلك الشوارع الرئيسية والأماكن المزدحمة والقيام بدوريات تجوب أنحاء البلاد، والرقابة على مواقع التواصل الاجتماعى.
بالإضافة إلى تفعيل خطة “فيجيبيرات” للأمن القومي التى تم إطلاقها منذ هجمات باريس 2015 وهى خطة حكومية لليقظة والوقاية والحماية من التهديدات الإرهابية والتقارير التي تقدم إلى رئيس الوزراء، المسؤول عن عمل الحكومة في مجال الأمن القومي، ووفقاً للخطة يلزم تشديد الإجراءات الأمنية وزيادة التواجد العسكرى فى المواقع العامة والحيوية. ومن المتوقع قبل أسبوع من حفل الافتتاح إغلاق حركة المرور فضلاً عن إغلاق حوالى 15 محطة مترو فى منطقة الافتتاح، بجانب عزم فرنسا لإعلان منطقة حظر جوى لحماية حفل افتتاح الدورة من خلال إغلاق سماء باريس لمدة 6 ساعات يوم الافتتاح وفقاً لإعلان الشركة المشغلة لمطارات باريس
دعم عسكرى خارجى:
تسعى السلطات الفرنسية إلى نشر حوالى 45 ألفا من أفراد الشرطة وقوات الأمن، و20 ألفا من أفراد شركات الأمن الخاصة، وحوالي 15 ألفا من العسكريين من أجل تأمين هذا الحدث، وعليه قدمت وزارة الداخلية الفرنسية طلب فى يناير المنصرم إلى محو 45 دولة أجنبية من أجل تعزيز القدرات الأمنية والمساهمة بعناصر من العسكريين وأفراد الشرطة للمساعدة فى تأمين دورة الألعاب الأولمبية. ويذكر أنه حتى الآن استجابت 35 دولة للطلب الفرنسى فهناك حلفاء أوروبيين مثل بريطانيا وايطاليا سيساهمون بتوفير العشرات من عناصر الشرطة من أجل القيام بدوريات فى الأماكن الحيوية ومساعدة أجهزة انفاذ القانون الفرنسية، وستنضم بولندا وألمانيا كذلك إلى الجهود الدولية، فضلا عن الولايات المتحدة التى ستقوم بإرسال مساهمات أمنية للتأمين.
ويشمل التعاون العسكرى بين فرنسا والدول الأوروبية تعاون على المستوى الاستخباراتى من أجل توفير المعلومات الخاصة بأى تهديد إرهابى وكشف المخططات الإرهابية وضبط العناصر المشتبه بهم، وبعد تعرض فرنسا لعدد من الهجمات المتطرفة أنشأت غرفة عمليات خاصة لتبادل المعلومات مع جميع الدول الأوروبية وكذلك تكثيف التعاون الأمنى.
مما سبق؛ يبدو أن هاجس التهديد الأمنى لا يزال يلاحق الدول الأوروبية فى ظل نهج تنظيم داعش ولاية خرسان الساعى إلى اثبات قدراته وامكانياته لتنفيذ هجمات إرهابية تبعث الخوف والفزاعة إلى الدول التى تقع خارج الإقليم الرئيسى لها لتحقيق هدف محاربة العدو البعيد، ويستغل التنظيم حدث كبير كالألعاب الأولمبية من أجل الضغط على فرنسا وسط تجمع بشرى هائل، وليس أمام السلطات الفرنسية سوى اليقظة الأمنية والتعبئة الشاملة من أجل سد أى فجوة ممكنة يمكن من خلالها تنقيذ أى مخطط إرهابى محتمل.