إعداد : أكرم السيد علي
تعتبر الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة واحدة من أهم الانتخابات التى تجرى في العالم بمختلف نظمه السياسية نظرا لدورها في إعاقة حركة السلطة التنفيذية أو الدفع بحركتها نحو أداء أكثر مرونة مدعوما من السلطة التشريعية بمجلسيها ، حيث تعقد هذه الانتخابات في منتصف ولاية الرئيس والتي تمتد لأربعة أعوام ومن هنا سميت بهذا الاسم ، وتعتبر هذه الانتخابات أيضا متعددة المستويات ، حيث تجرى على مستوى مجلس النواب بأكمله شاملة بذلك كافة أعضاءه ، وعلى مستوى مجلس الشيوخ تجرى الانتخابات على مستوى ثلث الأعضاء ، في حين تشمل الانتخابات أيضا انتخاب ٣٦ حاكم ولاية من أصل ٥٠ ولاية ، بالإضافة إلى عدد من المناصب المحلية الأخرى ، ولا يقتصر الأمر على مجرد انتخاب أعضاء جدد سواء في مجلسي النواب والشيوخ ، أو حكام ولايات ، بل تتسع الدائرة الانتخابية لتشمل استفتاءات على عدد من القوانين المحلية كقوانين متعلقة بالإجهاض وغيرها. والجدير بالذكر أن المتتبع لديناميكية الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة سوف يلاحظ أنها عادة ما تأتي مخالفة لحزب رئيس الجمهورية ، حيث يذهب محللون إلى أن عدم رغبة القوة التصويتية إلى انفراد حزب واحد بالسلطتين التشريعية والتنفيذية معا هو المؤدي إلى أن تأتي نتيجة الانتخابات في الغالب بهذا الشكل. وبشكل عام ، وفي ظل هكذا اضطرابات تشهدها قضايا الداخل والخارج ، فإن استحواذ الحزب الجمهوري على أغلبية تشريعية فإن هذا من شأنه أن يعطل العديد من القوانين التي تحتاجها إدارة بايدن ويغير بشكل أو بآخر تفاعلات واشنطن مع القضايا الخارجية ، وصولا إلى الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في العام ٢٠٢٤ ، حيث ستمثل النتائج النهائية للانتخابات النصفية إما بارقة أمل لعودة جمهورية للبيت الأبيض أو انتكاسة من شأنها أن تعرقل عودتهم مجددا.
نتائج أولية على غير الموقع
على الرغم من توقع العديد من المراقبين “بتسونامي أحمر” في إشارة إلى تحقيق الجمهوريين فوز ساحق في انتخابات التجديد النصفي ، جاءت النتائج الأولية مخالفة لهذه التوقعات وإن كانت تأتي في صالح الجمهوريين. فعلى صعيد مجلس النواب فاز الجمهوريون ب ٢٠٩ مقعدا ، بينما فاز الديمقراطيون ب ١٩١ مقعدا ، حيث يحتاج الجمهوريون إلى ٨ مقاعد أخرى من أجل ضمان أغلبية جمهورية بمجلس النواب ، وعلى صعيد مجلس الشيوخ فقد ضمن الجمهوريون ٤٩ مقعدا ، كما ضمن الديمقراطيون ٤٩ مقعدا ، حيث يحتاج الجمهوريون إلى مقعدين إضافيين لضمان الأغلبية.
وفي تعليقه على نتائج الانتخابات قال الرئيس الأمريكي جو بايدن ” أن الصحافة توقعت موجة حمراء وفوز ساحق للحزب الجمهوري وهذا لم يحدث ، مشيرا إلى أنه لا يزال هناك احتمال للحفاظ على الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب وأن الحزب قد خسر مقاعد قليلة للغاية “. في المقابل قال الرئيس السابق دونالد ترامب ” أن النتائج جاءت مخبية للآمال بسبب التوقعات التي أشارت إلى تحقيق فوز كبير ، إلا أنه على الرغم من ذلك فإن الانتخابات تعتبر بمثابة انتصار كبير أيضا نتيحة لأن أغلب المرشحين الذين دعمهم قد فازوا ، حيث فاز ٢١٩ عضوا بينما خسر ١٦ عضوا فقط ، وهذا أداء جيد “
تراجع نسبي للديمقراطيين
بالتدقيق في النتائج الأولية سوف نلاحظ أن ثمة تراجع نسبي للديمقراطين حتى وإن كان تراجعا أوليا في انتظار النتائج النهائية التي ستستفر عنها جولات الإعادة في مطلع الشهر القادم ، إلا أن هذا التراجع وإن كان أوليا إلا أن ثمة أسباب قد أدت إليه ، ففي الوقت الذي ركزت فيه الحملات الديمقراطية على قضايا مثل الإجهاض والرعاية الصحية وحماية المجتمع الأمريكي من الصعود الجمهوري أو الصعود اليميني الذي من شأنه أن يضر بالديمقراطية الأمريكية لا سيما استغلال حادثة اقتحام مبنى الكونجرس التي نفذها أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب ومن ثم التحذير من عودته وأنصاره مرة أخرى وتوظيف ذلك بشكل واضح في الانتخابات الجارية من أجل إحداث حالة من التعبئة الانتخابية لصالح الديمقراطيين ، ركز الجمهوريون على قضايا من الممكن القول أنها أكثر أهمية أو تحتل مراكز متقدمة في أولويات المواطن الأمريكي اليوم ، حيث ركز الجمهوريون على قضايا الاقتصاد والتضخم وتداعياته على الأوضاع الداخلية ، فضلا عن اهتمامهم بقضايا الهجرة غير الشرعية والحد من الجريمة. إذن في ظل وضع اقتصادي عالمي غير مستقر يمكن القول أن هذا كان بمثابة الورقة الرابحة في أيدي الجمهوريين والتي عملوا على توظيفها في معارضة سياسات بايدن وفي مسار الترويج لحملاتهم الانتخابية ، لا سيما أنه وفقا لآخر استطلاع رأي شامل على سياسات بايدن أجرته وكالة رويترز ، فقد أظهر الاستطلاع تراجع شعبية الرئيس إلى 39% أي إلى أدنى مستوياتها خلال العامين السابقين منذ بدء ولايته.
تداعيات الأغلبية الجمهورية
إن احتدام الترقب لنتائج الانتخابات النهائية ينبع من احتمالية مدعومة باستطلاعات تعزز فرص حصول الجمهوريين على الأغلبية ، ففي وضع اقتصادي مستقر وواقع خارجي أقل اضطرابا مما هو عليه الآن ربما لن تتمتع هذه الانتخابات بنفس هذا القدر من الزخم والترقب حول إمكانية صعود الجمهوريين وما سينحم عنه من تداعيات تأتي في مقدمتها عرقلة سياسات البيت الأبيض الحالية. فعلى الصعيد الداخلى فإن من شأن وجود أغلبية جمهورية أن تعطل عددا من القوانين كقانون حق الإجهاض ، وكذلك الحد من المزايا الاجتماعية التي يشرع الديمقراطيون في سن قوانين تعزز من سياسة بايدن في التوسع فيها ، وكذا الحد من الإنفاق ، والتوسع في سياسات التخفيضات الضريبية للأفراد والشركات التي يحاول الديمقراطيون إلغاءها ، فضلا عن ذلك فإنه بإمكان الجمهوريين منع الترشيحات القضائية والإدارية التي تقوم بها إدارة بايدن ، كذلك لا يمكن تجاهل الفترة التي سبقت تولي الرئيس بايدن سدة الحكم وما شهدته من استقطابات سياسية حادة ، فإن من شأن هذه الأوضاع أن تعود مجددا على الساحة السياسية لاسيما شروع الجمهوريين في حال حصولهم على الأغلبية في إعادة هيكلة الدوائر والقوانين الانتخابية بطريقة تعزز فرصهم في الاستحقاقات الانتخابية.
أما على الصعيد الخارجي فستكون سياسة تعاطي واشنطن مع الأزمة الأوكرانية محل مراجعة كبرى ، وستطلق يد الجمهوريين في منع المساعدات المقدمة لأوكرانيا أو العمل على إبطائها أو الحد منها وهو ما سينعكس بالسلب على مدى صمود الجانب الأوكراني في الفترة القادمة ، وهو ما يفسر دعوة الرئيس الأوكراني زيلينيكسي الأمريكيين مطالبا الداخل الأمريكي “بالحفاظ على وحدة ثابتة كما هو عليه الحال الآن” على حد وصفه في خضم حديثه عن الانتخابات.
الشرق الأوسط.. صعود جمهوري.. وسياسات مرتقبة
إن منطقة الشرق الأوسط في قلب ما ستسفر عنه النتائج النهائية لهذه الانتخابات ، وإن من شأن التعامل الأمريكي مع بعض الملفات التي تخص منطقة الشرق الأوسط أن يتغير بشكل ملحوظ ، حيث كثيرا ما سعت الإدارات الديمقراطية إلى توظيف الملفات الحقوقية في تعاملها مع حكومات المنطقة ، الشيء نفسه لا ينطبق على الإدارات الجمهورية التي ستتغاضى عن ملفات كهذه في مقابل إقامة علاقات دفيئة وأقل فتورا عن تلك التي يتبعها الديمقراطيون. كما أن الشيء الأبرز في حال الأغلبية الجمهورية هو الانقلاب على سياسة الإدارة الأمريكية الحالية مع إيران ، والتي تهدف إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مجددا والذي سبق وأن عارضه الجمهوريون وأعلنوا عدم التزامهم به في فترة الرئيس السابق ترامب ، لذا فإنه من المتوقع أن تتعامل واشنطن بشيء أكثر تشددا مع إيران وأذرعها المنتشرة في عدد من دول المنطقة.
ختاماً فإن الفترة القادمة سوف تشهد استقطاباً سياسياً حاداً في الداخل الأمريكي سواء نجح الجمهوريون في انتزاع المقاعد المتبقية ومن ثم حصولهم على الأغلبية أو حافظ الديمقراطيون على أغلبيتهم المحدودة ، والتي ستطلب من إدارة بايدن ضرورة احتواء الصعود الجمهوري ، وإن كان هذا الصعود بطيئا وعلى غير المتوقع كما أشارت النتائج الأولية ، خصوصا إن من شأن هذا الاحتواء أن يقلص من فرص الجمهوريين في العودة مجددا للبيت الأبيض في السباق الرئاسي القادم ، والتي بدأ الحديث عنه بالتزامن مع الانتخابات النصفية في ظل مؤشرات كثيرة تذهب إلى اعتزام الرئيس السابق ترامب إعلان دخوله السباق الرئاسي وهو ما سيحدث صدى كبيرا على مستوى الحزبين الجمهوري والديمقراطي معاً.