رضوى رمضان الشريف
مقدمة
أخذت الأزمة «الروسية – الأوكرانية» أبعادًا أُخرى، أكثر مما كان متوقعًا لها، قبل دخول القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية؛ إذ بدأت تظهر ملامح مرحلة انتقالية، نحو نظام دولي جديد، أكثر استقطابا، يفرض نفسه بقوة، منتزعًا من «واشنطن» سيادة القطب الواحد للعالم؛ حيث كان تعاطي الإدارة الأمريكية مع الأزمة «الروسية – الأوكرانية» مُخيِّبًا للآمال، لحلفاء «واشنطن» في أوروبا ومناطق أخرى، ومع ارتفاع وتيرة التهديد «الروسي، والإيراني» على الكتل الاقتصادية العالمية الكبرى في «أوروبا، وشرق آسيا، والخليج العربي» تِبَاعًا، سيقلص فرص الكتل الاقتصادية في موازنة مصالحها بين «أمريكا، والصين»، وستدفعها الضرورة إلى الميْل نحو حليفٍ موثوقٍ، يمكن الاحتماء به وقت الشدائد، خصوصًا في ظل اشتداد حالة الاستقطاب في النظام الدولي.
وفي حين انشغال السَّاسة بتداعيات تلك الأزمة، والتي طالت مختلف القطاعات العالمية، وشغلت آثارها «الاقتصادية، والسياسية» أجندات دول العالم، إلا أن أثرها على «البيئة، وتغيُّر المناخ» كان الأكثر تهميشًا، على الرغم من خطورته وفداحة أضراره؛ ذلك لأنها أدَّت لعواقب بيئية خطيرة، من حيث «حرائق الغابات، وتلوُّث الهواء، وتلوُّث التربة، وتلوُّث المياه، والفيضان، وإلحاق الضرر بالمحميات الطبيعية»، وقد أدَّى ذلك بطبيعة الحال، إلى زيادة الضغط على النُّظُم البيئية؛ ما سرَّع من وتيرة الاحتباس الحراري.
الحرب تُهدِّد أهداف المناخ
لا يقتصر دويّ المدافع والانفجارات على أوكرانيا، بل يتردد أصداؤه في العالم، بما تُخلِّفُه الحرب «الروسية – الأوكرانية» من تداعيات كبيرة، تُهدِّد النظام العالمي، وكانت قد بدأت التحذيرات منذ الأسابيع الأولى، بشأن تأثير الحرب على الأنظمة البيئية، ففي مارس الماضي، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من التوقُّعات بزيادة استخدام الوقود الأحفوري، بنسبة 14 في المئة؛ لتعويض النَّقْص المحتمل في إمدادات الطاقة؛ ما يعني تقويض جهود العالم للالتزام بالهدف المناخي، الذي أرسته قمة باريس 2015، وهو الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأقل من 1.5 درجة مئوية، خلال القرن الحالي، الذي يتطلب الحدّ من استهلاك الوقود الأُحْفُوري عالميًّا بنسبة 55 في المئة.
وفي الجانب الآخر، تساهم «الأسلحة، والطائرات، والدبابات، والشاحنات» التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات إلى انبعاثات مباشرة، لا يزال من الصعب تحديدها، في خِضمِّ ضباب الحرب، والتي لم يتم احتسابها في هدف باريس، المتمثل في الحدّ من التسخين إلى 1.5 درجة مئوية.
كما كشف الصراع أيضًا عن اعتماد العالم على «النفط، والغاز»، اللذيْن يُموِّلان أيضًا آلة الحرب الروسية، وبينما تتدافع الدول الغربية عن بدائل، يميل الكثيرون نحو مصادر طاقة أكثر تلويثًا؛ فبدلًا من إجراء انتقال أسرع إلى مصادر الطاقة المتجددة، خطَّط الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، لاستبدال بعض الغاز الروسي بـ«غاز الحرية» المُتصدِّع، وعالي الانبعاثات، من الولايات المتحدة، ويخشى البعض من احتباس الوقود الأُحْفُوري؛ حيث تتطلع دول مثل ألمانيا، إلى تكثيف استخدام الفحم؛ للتعامل مع أزمة الطاقة.
ومع طول أَمَد الحرب، يواصل الأمين للعام الأمم المتحدة بتحذيراته، من التوسُّع في الاعتماد على الوقود الأُحْفُوري، وضخّ مليارات جديدة من الدولارات، في قطاعات «الفحم، والنفط، والغاز»، التي هي القوة المُحرِّكة لحالة الطوارئ المناخية المتفاقمة التي نعيشها.
وبحسب الأمين العام للأمم المتحدة، يقترب العالم بشكلٍ خطيرٍ، من بلوغ حدِّ الدرجة ونصف الدرجة المئوية، التي يُحذِّرنا العلم من أنها أقصى ما يمكن أن يبْلُغه مستوى الاحتباس الحراري، قبل أن يؤدي إلى وقوع أسوأ الآثار المناخية، وللإبقاء على ذلك الحدِّ، يجب خفْض الانبعاثات بنسبة 45 في المئة، بحلول عام 2030، وأن تصل الانبعاثات إلى مستوى الصفر، بحلول منتصف القرن الحالي، مشيرًا إلى أن الالتزامات الوطنية الراهنة، ستؤدي إلى حدوث زيادة بنسبة 14 في المئة تقريبًا، خلال العقد الحالي؛ ما سيؤدي إلى «كارثة محققة»، وفق تعبيره.
كما حذَّر المبعوث الأمريكي المعنيّ بتغير المناخ، جون كيري، من أن الحرب في أوكرانيا، يجب ألَّا تُسْتخدم كذريعةٍ لإطالة اعتماد العالم على الفحم، وانتقد عددًا من الدول الكبرى؛ لعدم وفائها بالوعود التي قطعتها في قمة المناخ العام الماضي، في «غلاسكو».
تحدٍ كبير تنتظره مصر
يأتي اهتمام التقرير بقضية التغيُّر المناخي، تزامنًا مع بدْءِ استعداد مصر لاستضافة الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، حول تغيُّر المناخ ((COP27، خلال الفترة من« 7 – 18» نوفمبر 2022، والذي يُقام في مدينة «شرم الشيخ».
وتتجه أنظار العالم برُمَّتِه، نحو ما ستتمخَّضُ عنه هذه القمة المناخية العالمية من «مقررات، وتوصيات»؛ للحدِّ من تفاقُم مفاعيل تغيُّرات المناخ الكارثية على كوكب الأرض وسكانه.
لا شكَّ بأن مهمة مصر في قمة المناخ المقبلة، أصبحت أصعب، في ظلِّ اتجاه العالم للعودة لاستخدام الفحم كمصدرٍ أساسيٍّ للطاقة، إلا إذا تمكَّنت من إقناع العالم، بخاصة الدول الصناعية الكبرى، بالتراجُع عن هذه الخطوة، وإيجاد بدائل أخرى، أقل ضررًا بالبيئة؛ ليستمر العالم بفهْمٍ أوْضح، وإرادة أعظم؛ للحفاظ على مناخ كوكب الأرض.
وقال مدير إدارة البيئة والتنمية المستدامة، في وزارة الخارجية المصرية، محمد نصر، في مقابلة سابقة مع وكالة «الصحافة الفرنسية»: «إنه بسبب الوضع الجيوسياسي، فإن قضية تغيُّر المناخ تتراجع على الساحة الدولية»؛ ما يتفق مع تصريحات مماثلة للأمين العام للأمم المتحدة، شملت تحذيرًا من أن الأزمة في أوكرانيا تصرف الانتباه عن أزمة تغيُّر المناخ.
ذلك بجانب التحديات الأخرى، التي تواجه مصر في التحضير لمؤتمر «شرم الشيخ»، مثل «الاستقطاب الدولي، والانشغال بأزمة أوكرانيا، وما خلَّفته من مشكلات الأمن الغذائي».
كان من المنتظر، أن يكون مؤتمر هذا العام خاصًّا بالتنفيذ بعد 26 نسخة من الوعود، لكن الأوضاع الحالية، تُمثِّل تحديًّا للرئاسة المصرية للمؤتمر، من خلال طرْح اهتمامات وشواغل جميع الأطراف، بخاصةٍ الدول الأفريقية، التي تعتبر المؤتمر أفريقيًّا، باعتباره يُعقدُ لأول مرة في القارة، خاصةً أن هناك عددًا من الموضوعات لم تحظَ سابقًا بالاهتمام المطلوب في مؤتمر «جلاسكو»، مثل «وضْع هدفٍ عالميٍّ للتكيُّف، ومخاطر الأضرار، ومراقبة الدعم المالي والمؤسسي من الدول الصناعية للدول النامية».
الخاتمة
على الرغم من اتفاق المجتمع الدولي، على أن تغيُّر المناخ يُشكِّل تهديدًا وجوديًّا للنُّظُم البشرية وللطبيعة، إلا أن العمل على خفْض التلوُّث الكربوني، والاستعداد لتأثيراته المتسارعة، ما زال متأخرًا، وكذلك دعم البلدان الهّشَّة التي تواجه ويْلات المناخ المتغير.
وفي ظلِّ حالة الاستقطاب الدولي الذي يعيشه العالم؛ جراء الحرب «الروسية – الأوكرانية»، أصبح الحفاظ على الزَّخَم الدولي لقضية تغيُّر المناخ أكثر صعوبة؛ لذلك يجب التنويه، بأن العالم لم يعُدْ يملك رفاهية الانقسام؛ حيث إننا أمام قضية علمية بحتة، وليست قضية سياسية تحتمل آراء ومذاهب مختلفة.
تدُقُّ موجة الحر التي تشهدها الكرة الأرضية ناقوس الخطر لما قد نعيشه في المستقبل، إذا لم يتم النجاح في النزول بدرجة حرارة سطح الكرة الأرضية؛ فحتى الآن لم يصل العالم إلى نسبة الـ1.5 في المائة، زيادة في درجة حرارة سطح الكرة الأرضية، مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهي العتبة التي يعتقد العلماء، أنه لا ينبغي أن نتجاوزها، ومع هذا يشعر الناس الآن بهذه التأثيرات غير المسبوقة، فكيف سيكون الحال، إذا كانت الزيادة بنسبة 2.5 في المائة؟!
إذا استمرت معدلات انبعاثات الغازات بنفس القدر الحالي، سنصل إلى عتبة الـ2.5 في المائة، بحلول 2050، وستكون الحياة حينئذٍ مستحيلة على كوكب الأرض.
التوصيات
– تحتاج أزمة المناخ إلى اهتمامٍ عاجلٍ؛ إذ يمكن أن تتسبّب التغيُّرات المناخية في حدوث أزمة إنسانية غير مسبوقة، على الصعيد العالمي.
– يجب على صانعي السياسات، أن ينظروا في المكان الذي تُخَصَّص فيه مواردهم؛ فبسبب التحديات الجيوسياسية، يُنفَق القليل من الموازنات الحكومية على العمل المناخي، في حين تُخَصَّص مبالغ ضحمة؛ لتمويل أنشطة الدفاع.
– ضرورة وقْف مشروعات إنتاج الوقود الأُحْفُوري، والاتجاه نحو استخدام غاز الهيدروجين الأخضر، كمصدرٍ للطاقة غير الملوّثة، وتحفيز ودعم الاستمرار في الأبحاث العلمية وتطبيقاتها، في استخدام طُرُق تحوُّلات الطاقة الشمسية الكيميائية المباشرة، في تحضير غاز الهيدروجين، واستخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة؛ لتخزينه، وسهولة استخدامه.
– تبنِّي المجتمعات العمرانية الجديدة لمبدأ التحوُّل الأخضر، وزيادة الرُّقْعة الخضراء بها؛ تناسُبًا مع المباني، ودعم القاطنين بالمدن الجديدة على تبنِّي هذا المفهوم، والتركيز على تفعيل مؤشر الأداء البيئي (EPI) ، ورصْد كثافة الكربون؛ لترشيد استهلاك الطاقة الصناعية.